يمكن لمصادر الطاقة النظيفة ان تسهم في تحسين جودة الحياة عموماً في العراق وتقلص من مخاطر الاحتباس الحراري، فالمصادر الخضراء توفر الطاقة بشكل متجدد أو قابل للتجدد وإنها صديقة للبيئة لاسيما ان علمنا ان العراق واحداً من أكثر البلدان المرشحة للاستفادة مما تقدم لكثرة أيام السنة...
بادئ ذي بدء يجدر بنا التذكير ان حقوق الإنسان في تطور بتعاقب الليالي والأيام ما يتطلب إعادة النظر بكل المقومات والعوامل التي تؤثر فيها، ومنها مصادر الطاقة التي تلقي بظلالها على الحقوق والحريات العامة والخاصة بشكل مباشر، سلباً وإيجاباً، ولذا تجدر الإشارة إلى التطورات المتلاحقة في ملف المصادر النظيفة للطاقة التي باتت تسهم في سد الحاجة الفعلية للخدمات والسلع التي يقتنيها الإنسان في حياته اليومية.
ما يستدعي الدراسة والتعمق في البحث عن النتائج والآثار التي تنتج عما تقدم وبيان ما تؤل إليه الحقوق والحريات في ظل ما تقدم، فليس من واجب الدولة فقط توفير مصدر طاقة للفرد يتناسب مع دخله وحاجته الحقيقية ليكون متاح أولاً وملائم ثانياً بل يجب ان يكون هذا المصدر أمن ولا يتسبب بنتائج سلبية تلحق الضرر بالإنسان بعبارة أخرى ينبغي له ان يكون بحالة حياد تام من حيث الآثار الجانبية على صحة الإنسان أو بيئته التي يعيش فيها لذا يقع واجباً على السلطة العامة ان تخطط لتحول آمن إلى الطاقة النظيفة أو الخضراء كواحدة من أهم التزاماتها كدولة إزاء شعبها والإنسانية جمعاء.
هنالك مصادر كثيرة للطاقة التي يحتاجها الإنسان ليتمكن من الحياة في مقدمها يقع الوقود الاحفوري الذي يشكل مصدراً مهما لدخل الكثير من دول العالم ومنها العراق وفي الوقت ذاته يقوم بتلبية 90% من احتياجات الفرد اليومية من الطاقة المستعملة في الإنارة والطبخ والتدفئة والتبريد وغيرها، بيد ان عملية استخراجه وصناعته ترافقها مخاطر كبيرة جداً تطال الإنسان والبيئة المحيطة بل الحيوان وسائر الموجودات تدفع ضريبة كبيرة بسبب ما تقدم وحتى المناخ هو الأخر ضحية التوسع في الصناعات النفطية والنهم الكبير لدى الشركات والأفراد في التوسع الأفقي والعمودي في تلك الأعمال التي تخلف مليارات الأطنان من ملوثات البيئة، وما تغيرات المناخية إلا دليل على تعاظم مخاطر وإضرار مصادر الطاقة النفطية أو الغازية وما سببته من احتباس حراري.
وفي رحلة البحث عن الحلول اهتدى العالم إلى مصادر الطاقة الخضراء والتي يقصد بها تلك المصادر التي تمد الإنسان بالقدرة على العيش في مختلف الظروف والتمتع بالحياة وما يتفرع عنها من حقوق دون ان تلحق الضرر به أو بالبيئة التي يتواجد فيها، وتكون مصادرها طبيعية لعل في مقدمها (ضوء الشمس وطاقة الرياح والأمطار وحركات المد والجزر وغيرها كثير) والاستفادة أيضا من النباتات والزراعة في توليد الطاقة وهي توصف بالخضراء كونها تتجدد بشكل تلقائي وطبيعي ودون تدخل من قبل الإنسان إلا في مجال الاستفادة منها في إنتاجها ونقلها واستهلاكها، ويمكن للطاقة الخضراء ان تحل محل مصادر الطاقة الحالية أو التقليدية حيث تمتاز بأنها طاقة لا متناهية ومتجددة، وغير مهددة بالنفاد فالرياح لا يمكن أن تتوقف وكذا أشعة الشمس في شروقها وغروبها، فلا يتدخل الإنسان فيما تقدم ولا يمكنه ان يؤثر فيها، ولذا بدأت كثير من دول العالم بالتوسع في الاستثمار بتلك المصادر.
بيد ان ما يؤسف له ان بلدنا العراق لا يزال يحبو في هذا الملف فإلى اليوم لا توجد تشريعات قادرة على ان تضع القاطرة على السكة الصحيحة باتجاه التوسع في مصادر الطاقة الخضراء، بالخصوص إذا ما علمنا ان الدستور العراقي للعام 2005 ألزم الدولة بالمادة (33) منه بـ(أولاً: لكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة، ثانياً تكفل الدولة حماية البيئة والتنوع الاحيائي والحفاظ عليها) لذا يقع واجباً على السلطات العامة الحد من استهلاك مصادر الطاقة التقليدية والتوجه نحو مصادر صديقة للبيئة ليس هذا فحسب بل يمكن لتلك المصادر ان تؤثر إيجابياً على البلاد في مجالات منها:
1- يمكن ان تشكل عامل إنقاذ لاقتصاد العراقي بتنويع مصادره وتقليص الاعتماد على النفط والغاز والانتقال من حالة الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الأخضر المتنوع.
2- يمكن لمصادر الطاقة الخضراء ان تمثل حلولاً جذرية للتوسع في الزراعة والصناعة واستثمار المساحات خارج المدن والقصبات والتأسيس للمدن والقرى الخضراء.
3- يمكن ان تسهم في تشغيل أيدي عاملة كثيرة جداً.
4- يمكن لمصادر الطاقة الخضراء ان تسهم في تحسين حقوق المواطن العراقي الاقتصادية بتقليل نفقات الحياة باعتماد المواطن في هذا الخصوص على مصادر الطاقة التي يحصل عليها بنفسه.
5- يمكن لمصادر الطاقة النظيفة ان تسهم في تحسين جودة الحياة عموماً في العراق وتقلص من مخاطر الاحتباس الحراري، فالمصادر الخضراء توفر الطاقة بشكل متجدد أو قابل للتجدد وإنها صديقة للبيئة لاسيما ان علمنا ان العراق واحداً من أكثر البلدان المرشحة للاستفادة مما تقدم لكثرة أيام السنة التي تشرق فيها الشمس وبما ان المشرع العراقي فتح الباب واسعاً في المادة الثانية من قانون وزارة الكهرباء العراقية رقم (53) لسنة 2017 للاستفادة من المصادر المتجددة بالنص على أن أهم أهداف الوزارة "دعم وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة في مختلف المجالات وتوطين صناعتها"، لذا نجد ان الوقت قد حان لمضاعفة الجهود الحكومية لبناء تحالف مع القطاع الخاص لتحقيق المقصد المتقدم.
يضاف لما تقدم وفرة مصادر طاقة المياه المتأتية من نهري دجلة والفرات وإمكانية الاستفادة من موسم الأمطار بخزن المياه بخزانات أو سدود على منابع الأنهار ومجاريها وكذلك في الأودية ومنع مخاطر السيول أو الفيضان وغيرها، ليس هذا فحسب بل يمكن الاستفادة من الطاقة الحيوية التي تستخرج باستخدام أنواع معينة من الطحالب أو النباتات ويمكن استخراجها أيضاً من المخلفات العضوية للإنسان أو الحيوان كغاز الميثان والايثانول وغيرها.
ويشار إلى ان الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان دأبت على عقد الملتقيات والمؤتمرات التي تؤطر لعمل جماعي على مستوى العالم للاستفادة من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة ولم تكن اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ الموقعة في باريس 2015 إلا واحدة من تلك المحاولات الدولية للوصول إلى الحياد الكاربوني وتسليط الضوء على مخاطر الاعتماد على الطاقة التقليدية ومصادرها الملوثة للبيئة، وعقدت الأمم المتحدة مؤتمرات دولية الغاية منها إظهار المخاطر ومعالجة المشكلات التي تسببت بها التحولات المدمرة في المناخ بفعل الطاقة الإحفورية ومنها (COP26) في المملكة المتحدة وأخرها في دبي 2023، واللذان أكدت فيهما المنظمة الدولية أهمية التحول الاستراتيجي نحو الطاقة الخضراء.
وتلك الإستراتيجية لاشك أنها تضاعف من فرص النمو المتكافئ لجميع دول العالم بل وتسرع من نمو البلدان المتعثرة، ومنها العراق الذي يعاني من تعاظم المخاطر الناتجة عن الاعتماد بشكل شبه الكامل على النفط كمصدر للموارد المالية للدولة والتذبذب في الإيرادات الناتجة عن ذلك المورد، بسبب تدهور أسعار النفط عالمياً بفعل عوامل العرض والطلب والتي لا يمكن التكهن أو التحكم بها وبنتائجها، إذ تعود لعوامل كثيرة منها الإغلاق الذي رافق الجوائح والنزاعات الدولية والمسلحة وكان أخرها النزاع الروسي الأوكراني.
لذا وضعت بعض المنظمات الدولية خططاً طويلة ومتوسطة الأجل للانتقال التدريجي نحو طاقة أمنة ومستدامة فالاتحاد الأوربي مثلاً أعلن عن أهداف طموحة لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة الأساسية ما بعد الأزمة الأوكرانية وبحلول عام 2030 قد تتجاوز نسبة اعتماد الدول الأوروبية على تلك المصادر بنسبة تفوق الـ40% وهذا ما يقربها من مرحلة الحياد الكربوني والأمن المناخي ويسهم في تعزيز الحقوق والحريات، وبالفعل فقد انضمت العديد من الشركات والمدن إلى جهود الحد من الانبعاثات الغازية والكربونية وعززت إجراءاتها في هذا الخصوص، بيد إننا لا ننكر انه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الواقع والمأمول.
وعلى المستوى الوطني في العراق توجد محاولات حثيثة للالتحاق بالركب العالمي ومنها:
1- أطلقت الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمة اليونسكو مشروع المدارس الخضراء بإنارة المدارس بالطاقة النظيفة.
2- أطلق البنك المركزي العراقي ومنذ العام 2021 مبادرة الطاقة النظيفة بإقراض المواطنين الراغبين بالحصول على منظومات توليد الطاقة الكهربائية الشمسية وبالفعل كان برنامج طموح وحقق بعض التقدم في هذا الخصوص.
3- أطلقت الحكومة العراقية المبادرة الوطنية لدعم الطاقة وتقليل الانبعاثات والحد من تأثيرات التغيرات المناخية في العراق وتم التأسيس لجهات مختصة بهذه المبادرة في وزارة الكهرباء.
وما تقدم ليس هو المتحقق فقط بل توجد الكثير من المبادرات المماثلة يضيق المحل لذكرها جميعا وان مقتضى الواجب يحملنا مسؤولية طرح بعض الحلول ذات الصلة ومنها:
1- تخصيص مبلغ استثماري سنوي في الموازنة الاتحادية للعمل على انعاش المبادرات الخضراء في العراق.
2- التأسيس لصندوق يدعى (الطاقة الخضراء) الهدف منه تمويل مشاريع استراتيجية من شأنها ان تسرع الخطى باتجاه التحول نحو الاقتصاد الأخضر وليس فقط الطاقة الخضراء في البلاد.
3- إلزام الشركات الاستثمارية العاملة في مجال السكن في العراق على التأسيس لمصادر الطاقة الشمسية النظيفة للمنازل التي يجري بنائها.
4- الانطلاق بمبادرة طموحة للتأسيس لمزارع خضراء تعتمد مصادر الطاقة المتجددة حصراً وتقديم التسهيلات للفلاحين والمزارعين بهذا الخصوص والتوسع في الموجود منها حالياً.
5- التركيز في المناهج التعليمية على مخاطر التلوث المناخي والتغيرات المدمرة والبدء بترسيخ ثقافة التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة
6- الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي للبدء بالتحول نحو الطاقة الخضراء في عموم البلاد لتقديم الدعم للمواطنين في هذا الخصوص وكذا التأسيس للتحول الرقمي في تقديم دراسة جدوى للفرد والمستثمر في الطاقة النظيفة.
7- ضرورة إقرار قانون الطاقة الخضراء في العراق ليتضمن حزمة من المحفزات لتوطين صناعة مستلزمات هذه المصادر والتمهيد للتحول التدريجي اليها.
اضف تعليق