في موضوع التقلبات المناخية تُثار قضيتان هامتان، الاولى، هل ان التغيرات في المناخ العالمي هي من فعل الطبيعة ام من فعل الانسان، والثانية، هي لماذا لايؤدي الاحتباس الحراري العالمي الى شتاء اكثر دفئاً؟.
آراء خبراء المناخ
في الثاني من نوفمبر الماضي 2014 ذكر فريق حكومي دولي(IPCC) متخصص بتغيرات المناخ، وهو يمثل الرأي العلمي السائد، ذكر انه من المرجح جداً ان يكون تغيّر المناخ نتاجاً لعمل الانسان. عبارة "المرجح جداً" في تقرير الـ (IPCC) تعني هناك احتمال بنسبة 95%. هذا الادّعاء يشكل جزءاً من التقييم الخامس للفريق العلمي عن حالة المناخ العالمي. في التقييم الاول الذي اُجري عام 1990 ذكر الفريق المذكور "ان ما نلاحظه من زيادة في حرارة الهواء ربما تعود للتغيرات الطبيعية". لماذا أصبح العلماء متأكدين من ان تغيرات المناخ هي من صنع الانسان وليست من صنع الطبيعة؟
هناك عدة عوامل تؤثر على المناخ لكن العامل الوحيد الاكثر اهمية هو ثاني اوكسيد الكاربون. هذا الغاز يمتص حرارة الاشعة تحت الحمراء بنسبة ثابتة وبدرجة أعلى من النيتروجين والاوكسجين الجزئين الرئيسيين المكونين لطبقة الاوتموسفير في الجو. لذا فان المزيد من ثاني اوكسيد الكاربون في الهواء، يعني المزيد من حرارة الاوتموسفير. العلماء يعزون التغيرات المناخية الى أفعال الانسان لأنه هو المسؤول عن الزيادة الكبيرة في ثاني اوكسيد الكاربون. ففي بداية الثورة الصناعية عام 1800، كان هناك فقط 280 جزءاً لكل مليون من ثاني اوكسيد الكاربون في الاتموسفير. ذلك المستوى بقي هو السائد في معظم تاريخ الانسان. في هذه السنة(2014)، زادت قوة تركيز ثاني اوكسيد الكاربون concentrations الى اكثر من 400 جزء لكل مليون، وهي المرة الاولى التي تصل بها هذا المستوى منذ مليون سنة.(1)
معظم تلك الزيادة نجمت عن احراق الانسان للوقود المتحجر. في الولايات المتحدة، مثلا، 38% من ثاني اوكسيد الكاربون المُنتج عام 2012 جاء من توليد الكهرباء و32% جاء من انبعاثات عوادم السيارات (الباقي نجم عن العمليات الصناعية ومن البنايات والانبعاثات الصغيرة الاخرى لثاني اوكسيد الكاربون). الناس ايضا ينتجون ثاني اوكسيد الكاربون عندما يقطعون الغابات لتوفير المزارع والمراعي. لكن النسبة التي بها يمتص ثاني اوكسيد الكاربون الحرارة – التي تأسست على نحو دقيق في المختبرات – لا توضح كل الزيادة في الحرارة العالمية. لو ان تركيز الـ CO2 تضاعف عن مستوى عام الـ 1800، فان درجة حرارة العالم سترتفع بما يقارب 1 درجة مئوية. لكن هناك العديد من المؤثرات الاخرى على المناخ.
ان ارتفاع مستوى ثاني اوكسيد الكاربون يؤثر مباشرة على ظاهرة اخرى مثل ظاهرة الغيوم، التي تزيد او تقلل احيانا من ارتفاع الحرارة. اضافة الدخان الأسود (السخام) والجسيمات الدقيقة الاخرى العالقة في الهواء يضيف مرة اخرى او يقلل من تأثير ثاني اوكسيد الكاربون. وبالتالي، فان درجة حرارة الارض سترتفع عمليا بأكثر من درجة مئوية واحدة لكل تركيز مضاعف من ثاني اوكسيد الكاربون. جميع علماء المناخ يتفقون على ذلك. عمليا، ايضا، الزيادة في درجة حرارة سطح الارض كانت اقل مما تنبأت به نماذج الكومبيوتر للمناخ. ولكن الشيء الذي لم يعد هناك خلاف حوله هو ان الانسان هو السبب الرئيسي لتغيرات المناخ.
لماذا لايؤدي الاحتباس الحراري الى شتاء دافئ؟
في 26 من الشهر الماضي (شباط 2015) قام السناتور الامريكي جيمس انهوف من ولاية اوكلاهوما برمي كرة من الثلج على عضو آخر داخل مجلس الشيوخ الامريكي. ذلك ليؤكد مساندته للزعم بان تغيرات المناخ التي هي من صنع الانسان ليست تهديدا كما يرى اوباما وآخرون. انهوف باعتباره رئيس لجنة البيئة في البرلمان كان نقاشه منطقيا ومقنعا: الجزء الاكبر من الولايات المتحدة شهد اربعة فصول شتائية متجمدة على التوالي وبشكل غير مألوف. هذا بالتأكيد يتناقض مع فكرة تصاعد حرارة الارض.
لكن ذلك ربما ليس ضروريا لسببين. الاول، ان المناخ والطقس هما ليسا شيئا واحدا: هما مترابطان لكن نماذج الطقس تتطور وتتغير خلال ساعات او ايام او اسابيع، بينما المناخ يتغير عبر سنوات وعقود. وثانيا، الارض اليابسة الامريكية لا تشكل الا جزءاً بسيطاً من سطح الارض. وبينما كانت درجات الحرارة دون المتوسط في معظم انحاء الولايات المتحدة، نراها كانت في اجزاء اخرى من الارض ترتفع بشكل غريب. في الحقيقة، ربما هناك ارتباط بين تغيرات المناخ ومواسم الشتاء الاكثر برودة في اجزاء النصف الشمالي للأرض. حلقة الارتباط هنا هي المنطقة القطبية الشمالية. وبما ان القطبين هما أبرد من خط الاستواء، فان الهواء يتدفق نحو الشمال والجنوب لكي يوازن درجات الحرارة. في نصف الكرة الشمالي، هذا التدفق يسمى تيار هوائي سريع (jet stream). وبسبب دوران الارض، يتحول التيار يمينا مع دوران الكوكب، حيث يتدفق في خط متموج حول القطب. في نصف الكرة الشمالي يؤدي اندفاع التيار الى جلب هواء دافئ من الجنوب منتجا طقسا أكثر اعتدالا في المناطق الشمالية.
لكن المنطقة القطبية الشمالية تدفأ بدرجة أسرع من بقية الارض. منذ اواسط التسعينات، ارتفعت درجات الحرارة في القطب الشمالي ثلاث مرات عن المقدار الذي كانت عليه في خطوط العرض المعتدلة. لذا فان الفرق يضيق بين القطبين وخط الاستواء. هذا بدوره يؤثر على اندفاع التيار وربما يغير تأثيره الملطف لطقس الشمال. وطبقا لجنفر فرنسيس من جامعة روتجرز، يرى ان سرعة الرياح الغربية في نصف الكرة الشمالي تراجعت منذ اواسط التسعينات. ومع ضعف التدفق، اصبحت التموجات في التيار اكثر وضوحا، مع موجات خفيفة متحولة الى حلقات اكبر. وفي داخل الحلقات تتشكل مناطق قليلة الضغط من الهواء البارد، منتجة دوامات قطبية ونماذج طقس اخرى متجمدة في مناطق امريكا وخاصة في شمال سيبيريا – حتى مع دفء القطب الشمالي.
تفسيرات فرنسيس تبقى مثيرة للجدل. في مقال نُشر في مجلة علوم الارض Nature) (Geoscience في اكتوبر 2014 يدعم نظريته، يقول فيه ان تراجع الثلج في القطب الشمالي ضاعف من احتمال حدوث مواسم شتاء قاسية في اوربا واسيا. باحثون اخرون، مثل اليزابيث بارنيز من جامعة كولورادو اثارت الشكوك حول الربط الاحصائي بين التغيرات في القطب الشمالي واندفاع التيارات الهوائية السريعة. الجدل العلمي يُحتمل ان يتصاعد ومعه سيستمر اعضاء البرلمان بالقاء كرات الثلج على بعضهم.
اضف تعليق