تبرُز الطبقة المتوسطة في الغرب الخاسر الأكبر بحروب الكهرباء، التي يشتعل فتيلها في العالم نتيجة التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، وعجز بعض شرائح المجتمع عن مواكبة الزيادة في تكاليف تلك السلعة الإستراتيجية، وفي أميركا وأوروبا قاد التحول إلى السيارات الكهربائية، الذي يُعوَّل عليه في تسريع جهود الحياد الكربوني...
تبرُز الطبقة المتوسطة في الغرب الخاسر الأكبر بحروب الكهرباء، التي يشتعل فتيلها في العالم نتيجة التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، وعجز بعض شرائح المجتمع عن مواكبة الزيادة في تكاليف تلك السلعة الإستراتيجية.
وفي أميركا وأوروبا قاد التحول إلى السيارات الكهربائية، الذي يُعوَّل عليه في تسريع جهود الحياد الكربوني، إلى تسريح ملايين الوظائف وفقدان الإنتاجية؛ ما يؤثر سلبًا في مستويات معيشة الأشخاص المتضررين بتلك الدول وتقويض اقتصاداتها، وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن يتسارع نمو الطلب على الكهرباء خلال 2024 بنسبة 3.3%، مع التحسن المتوقع لنمو الاقتصاد العالمي، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
حروب الكهرباء تشتعل
يقف العالم على شفا حروب الكهرباء بعدما أضحى الطلب عليها محفوفًا بالمخاطر، في حين تتواصل رهانات البلدان الغربية على مصادر الطاقة المتجددة وتحفظها على استعمال الطاقة النووية والمصادر منخفضة الكربون مثل الغاز الطبيعي الذي يؤدي دورًا حاسمًا في خفض الانبعاثات بالغرب، وفق ما ورد في مقال للبروفيسور وعالم الجغرافيا جويل كوتكين بصحيفة تليغراف (Telegraph) البريطانية.
لكن أنصار الطاقة النظيفة الملقبين بـ"اللوبي الأخضر" يتبنّون موقفًا مناهضًا للغاز الطبيعي والطاقة النووية رغم كونهما مصدرين لازمين لإنجاح استثماراتهم في قطاعي السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي، بحسب كوتكين.
وقد تكون نتائج حروب الكهرباء تلك كارثية اقتصاديًا واجتماعيًا لتداعياتها المدمّرة على الطبقة المتوسطة التي تعاني فعليًا ارتفاع تكاليف الطاقة.
بريطانيا في مأزق
توقّع كاتب المقال أن يُسهم تحول بريطانيا إلى السيارات الكهربائية في مضاعفة الطلب على الكهرباء بحلول نهاية العقد المقبل (2040)، في حين تخطط الحكومة لحظر استعمال أجهزة الشحن المنزلي خلال ساعات الذروة.
ويتوقّع خبراء أن يقفز إجمالي الطلب على الكهرباء إلى ما بين 60% و90% بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، وفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة، وأشار الكاتب إلى أن الطلب المتنامي على الكهرباء في قطاع الذكاء الاصطناعي يضيف إلى تلك الأعباء؛ فعلى سبيل المثال تفتتح عملاقة البرمجيات الأميركية مايكروسوفت (Microsoft) مركز بيانات عالميًا كل 3 أيام، ومن المتوقّع أن ترفع تلك العمليات كثيفة الاستهلاك للكهرباء الطلب على تلك السلعة المهمّة من 4.5% إلى 10% بحلول عام 2035.
ولن تتحمّل شركات التقنية الكبرى والمستهلكون الأثرياء وحدهم نصيب الأسد من الزيادة في أسعار الكهرباء، بل سيشاركهم في ذلك المستهلكون الأفراد وغيرهم، ومع تنامي معدلات استعمال الكهرباء، وضعف استقرار الشبكة، سيقع العبء الأكبر على الاقتصاد القائم على الكربون -قطاعات التصنيع والخدمات اللوجستية والبناء والزراعة- الذي يعتمد على الكهرباء الموثوقة ميسورة التكلفة، وفق كاتب المقال.
نماذج قاتمة
عانت ولاية كاليفورنيا الأميركية -التي تطبّق نموذجًا مثاليًا للاقتصاد الأخضر- آثار حروب الكهرباء؛ إذ فقدت مليون وظيفة في قطاع التصنيع، بل عانت انكماشًا في اقتصادها القائم على العمالة، وفق مقال تليغراف.
وفي دول الاتحاد الأوروبي؛ فإنه مع فقدان مليون وظيفة في القطاع الصناعي خلال السنوات الـ4 الماضية، يتواصل مسلسل هروب الشركات إلى بلدان -مثل الصين والهند- تستعمل الوقود الأحفوري للإبقاء على أسعار الكهرباء عند مستويات منخفضة.
وقال الكاتب جويل كوتكين إن الوضع في بريطانيا يبدو باعثًا على القلق؛ فمنذ عام 1990 تراجعت حصة قطاعات التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50% إلى جانب فقدان ملايين الوظائف.
وتزامن هذا مع هبوط إنتاج الكهرباء في المملكة المتحدة بمعدل الثلثين؛ في حين انخفض الاستهلاك بمعدل الثلث فقط، ليصبح البلد الأوروبي الذي كان يُعد مصدرًا صافيًا للكهرباء قبل 3 عقود، يعتمد على وارداته من الشرق الأوسط والمناطق الأخرى التي تشهد اضطرابات جيوسياسية.
وتحوّل العديد من الصناعات من الاقتصادات المنظمة إلى الصين التي تشهد تسارعًا في بناء محطات الكهرباء العاملة بالفحم، وتزيد فيها انبعاثات غازات الدفيئة عن إجمالي تلك المُنتَجة من البلدان النامية مجتمعة.
ويساعد هذا بكين على إنتاج سيارات كهربائية أقل تكلفة من نظيرتها المُنتجَة في الغرب والتي ما تزال تتكدس في صالات البيع بحثًا عن زبائن، بحسب كاتب المقال.
الحياد الكربوني والطبقة المتوسطة
تؤثر حروب الكهرباء، التي أشعلت فتيلها أجندة الحياد الكربوني، ولا سيما الحملة الشرسة التي تسعى للتخلص من السيارات العاملة بالغاز الطبيعي، سلبًا بالطبقة المتوسطة في الغرب، بحسب الكاتب.
وبوجه عام تقل نسبة العمالة بقطاع السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 30%، وفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وأشار المقال إلى اختفاء شركات ناشئة لتصنيع السيارات الكهربائية في أميركا مثل لوردستاون (Lordstown)، قائلاً إنه من غير المرجّح أن تستمر شركة فيسكر (Fisker) لمدة طويلة في تلك الصناعة، ومن المحتمل -كذلك- أن تتعثر شركة لوسيد (Lucid) وريفيان (Rivian).
وفي الوقت نفسه تعاني عملاقة صناعة السيارات الأميركية تيسلا (Tesla) هبوطًا في مبيعاتها، إلى حد دفعها إلى تسريح أعداد كبيرة من العاملين.
الصين الرابح الأكبر
تبدو الصين التي يزيد فيها إنتاج السيارات الكهربائية عن نظيرتها في أميركا والاتحاد الأوروبي مجتمعيْن بواقع الضعف، الفائز الأكبر.
ومن المتوقّع أن تنتزع بكين لقب أكبر مُصدّر للسيارات عالميًا من اليابان، وفق ما نشرته صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست (South China Post) الصينية.
ومن المرجّح ألا يتناسب التحول إلى السيارات الكهربائية مع دخول وميزانيات الأشخاص المنتمين للطبقة المتوسطة والعاملة، علمًا بأن ثلثي جميع مالكي السيارات الكهربائية تزيد دخولهم على 100 ألف دولار أميركي، بل يفضّل الكثير منهم اقتناء السيارات الهجين الأقل تكلفة والأكثر مرونة.
وفي النهاية أشار المقال إلى أن سياسات الحياد الكربوني وأسعار الكهرباء المرتفعة تُشعل مزيدًا من الصراع الطبقي؛ وهو ما تُعَد دول العالم الثالث بمنأى عنه؛ نظرًا إلى كون العديد منها لا يتبنّى أهدافًا مناخية لأسباب مختلفة.
اضف تعليق