استحوذت صناعة الطاقة الحرارية الأرضية على اهتمام الخبراء بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، في إطار البحث عن بدائل للمصادر التقليدية وتعزيز الاستفادة من الموارد الطبيعية، ويشجع تقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية شركات النفط والغاز الخاصة والمملوكة للدول على تعزيز استثماراتها في الطاقة الحرارية الأرضية...
وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين
استحوذت صناعة الطاقة الحرارية الأرضية على اهتمام الخبراء بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، في إطار البحث عن بدائل للمصادر التقليدية وتعزيز الاستفادة من الموارد الطبيعية، ويشجع تقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية شركات النفط والغاز الخاصة والمملوكة للدول على تعزيز استثماراتها في الطاقة الحرارية الأرضية، بهدف الحد من بصمتها الكربونية.
وتشكل شركات النفط والغاز -حاليًا- أقل من 5% من قدرة الطاقة الحرارية الأرضية العالمية، في حين تمتلك شركات ومرافق الكهرباء ما يزيد على 95% من إجمالي القدرة، وتوزع قدرات الطاقة الحرارية الأرضية من حيث الملكية بين شركات عامة بنسبة 59%، وشركات خاصة بنسبة 41%، بحسب التقرير الذي حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه.
حصة الطاقة الحرارية الأرضية من الإمدادات العالمية
لا تتجاوز حصة الطاقة الحرارية الأرضية في إمدادات الطاقة العالمية 1%، ما يعادل 15 غيغاواط فقط في الوقت الحالي، وعادةً ما تُستَعمل في توليد الكهرباء وتوفير التدفئة للمباني السكنية والتجارية، كما لم تتجاوز قيمة سوق الطاقة الحرارية عالميًا أكثر من 5 مليارات دولار العام الماضي (2022)، وسط توقعات بارتفاعها طفيفًا إلى 5.32 مليار دولار خلال 2023، بحسب تقديرات الأبحاث الأميركية فاكت إم آر (Fact.MR).
أبرز منتجي الطاقة الحرارية الأرضية في العالم
وتتصدّر الولايات المتحدة قائمة أكبر دول العالم إنتاجًا للكهرباء من الطاقة الحرارية الأرضية بقدرة تتجاوز 6.5 غيغاواط، تليها إندونيسيا بسعة 4.5 غيغاواط، ثم الفلبين في المركز الثالث عالميًا بقدرة 3.1 غيغاواط.
وتأتي نيوزيلندا في المركز الرابع بـ2 غيغاواط، ثم تركيا في المركز الخامس بأقل من 2 غيغاواط قليلًا، ثم أيسلندا والمكسيك وكينيا واليابان وإيطاليا في قائمة أكبر 10 منتجين بقدرات متفاوتة تتراوح بين 1 و2 غيغاواط، بحسب تصنيف منصة غلوبال إنرجي مونيتور الذي رصدته وحدة أبحاث الطاقة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أوجه الشبه مع صناعة النفط والغاز
تصنف الطاقة الحرارية الأرضية ضمن أكثر مصادر الطاقة المتجددة استقرارًا في توليد الكهرباء؛ لاعتمادها على الحرارة الباطنية الكامنة تحت سطح الأرض بكميات ضخمة، على عكس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتقطعة في التوليد على حسب ظروف الطقس، والطاقة الكهرومائية المعرضة لمخاطر الجفاف الموسمية وانخفاض منسوب المياه في السدود والبحيرات.
وتتشابه صناعة الطاقة الحرارية الأرضية مع النفط والغاز في قطاع المنبع (الاستكشاف والإنتاج)، من حيث طبيعة الموارد ووجودها تحت سطح الأرض على أعماق ضحلة وعميقة تحتاج إلى الحفر والتنقيب. ورغم هذا التشابه؛ فإن الغلبة في تطوير هذا القطاع منذ سنوات طويلة، ما زالت لشركات ومرافق الكهرباء الخاصة أو المملوكة للدول بنسبة 95%، في حين تستحوذ شركات النفط والغاز على 5% أو أقل قليلًا من إجمالي القدرة الإنتاجية للقطاع في العالم.
عملية توليد الكهرباء في صناعة الطاقة الحرارية الأرضية
واستفاد المطورون لمشروعات صناعة الطاقة الحرارية الأرضية حتى الآن من موارد الحرارة الضحلة التي يسهل الوصول إليها نسبيًا لوجودها على أعماق بسيطة تحت سطح الأرض، لكن الوصول إلى موارد الحرارة العميقة في أجزاء كثيرة من العالم، سيتطلب الاستعانة بصناعة النفط والغاز وتقنياتها المتطورة، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
وتتمتع صناعة النفط والغاز بخبرات تقنية عالية في الحفر العميق للآبار واستكمالها والتنبؤ بتدفقات السوائل وإدارة المشروعات واسعة النطاق إلى جانب خبرتها في أعمال الصيانة وإدارة المخاطر؛ ما مكنها من تراكم المعرفة اللازمة لفهم طبقات الأرض برًا وبحرًا أكثر من أي قطاع آخر.
ويمكن لهذه الخبرات أن تُستَغل في تطوير موارد الطاقة الحرارية الأرضية العميقة في المستقبل؛ ما يفتح الباب أمام صناعة النفط والغاز لتنويع أنشطتها ومحافظها الاستثمارية خلال العقود المقبلة.
وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية انخفاض تكاليف صناعة الطاقة الحرارية الأرضية وتحسن أدائها بصورة كبيرة، إذا تمكنت من الاستفادة من التقنيات والمعرفة المتراكمة لدى قطاع النفط والغاز.
أوجه الاختلاف تعوق التوسع في الصناعة
رغم أوجه التشابه؛ فإن هناك اختلافات بين النفط والغاز وصناعة الطاقة الحرارية الأرضية قد تعوق التوسع بين الصناعتين، وربما تجعل دور شركات الطاقة الأحفورية هامشيًا في تطوراتها ونموها المستقبلي، بحسب الوكالة الدولية.
وتشمل أوجه الاختلاف بين الصناعتين أحجام السوائل المنتجة من آبار النفط والغاز، التي تختلف عن تيارات الحرارة الأرضية الكامنة ذات الحرارة المتغيرة، إضافة إلى اختلاف طبيعة خزانات الهيدروكربونات عن مكامن الطاقة الأرضية.
كما تختلف سلاسل التوريد الخاصة بصناعة الطاقة الحرارية الأرضية عن نظيرتها في النفط والغاز بصورة كبيرة، بما في ذلك التعامل مع عملاء مختلفين، إلى جانب تباين عوائد الاستثمار تمامًا بين الصناعتين، بحسب الاختلافات التي رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير الوكالة.
ورغم ذلك؛ فإنه يمكن لصناعة النفط والغاز أن تساعد في خفض تكاليف مشروعات الطاقة الحرارية الأرضية وتعزيز انتقالها إلى مراحل اقتصادات الحجم الكبير، عبر تقنياتها المتطورة إلى جانب زيادة الاستثمار في الصناعة.
توقعات الطاقة الحرارية الأرضية 2050
تتوقع وكالة الطاقة الدولية -استنادًا إلى سيناريو التعهدات المناخية المعلنة- تضاعف الطلب العالمي على الطاقة الحرارية الأرضية بحلول عام 2030، في حين سيزداد الطلب 5 مرات بحلول عام 2050، ليصل إلى 100 غيغاواط مقارنة بـ15 غيغاواط حاليًا.
ويتطلب الوصول إلى هذا الرقم المعلن في تعهدات الحكومات، استثمارات تراكمية تصل إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2050، بحسب تفاصيل رصدتها وحدة أبحاث الطاقة.
بينما يتوقع سيناريو الحياد الكربوني زيادة قدرة الطاقة الحرارية الأرضية 7 مرات بحلول عام 2050، لتصل إلى 130 غيغاواط، لكن ذلك سيتطلب استثمارات تراكمية أعلى تصل إلى 280 مليار دولار.
وتتوقع الوكالة الدولية أن تحقق الولايات المتحدة ودول جنوب شرق آسيا وأفريقيا أكبر معدلات النمو في تطوير إمكانات صناعة الطاقة الحرارية الأرضية، بالنظر إلى حجم مواردها غير المستغلة وتوقعات الطلب المتزايد على الكهرباء.
ورغم أن تكاليف صناعة الطاقة الحرارية الأرضية ما زالت أعلى من طاقة الرياح البرية والطاقة الشمسية؛ فإنها يمكن أن تؤدي دورًا مهمًا في موازنة انقطاع التوليد من الطاقة المتجددة وما يحدثه من اضطرابات في الشبكة.
اضف تعليق