الحياة المدرسية مجتمع مصغر، يتيح للطفل فرصة الانتقال من المحيط الأسري الصغير إلى محيط أوسع ومتباين، يدخل فيه في علاقات جديدة ومباشرة مما ينسج في حياته تفاعلات نفسية وإنسانية، ويحدد لديه أنماط سلوكيات اجتماعية أوسع، تخضع لقوانين ونظم دقيقة؛ فالمدرسة مؤسسة تربوية نظامية تضمن الامتداد الحقيقي للأسرة. فالأسرة والمدرسة...
تحرير: عصام حاكم
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية الشهرية ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي تحت عنوان (مخرجات المناهج التربوية والتكامل بين الأسرة والمدرسة).
شارك في الملتقى عدد من الكتّاب والباحثين والأكاديميين، وقدّم الورقة وأعدها الباحث في المركز الدكتور خالد عبد النبي الأسدي وجاء فيها:
المُسَلَّم به عند أهل الاختصاص أن الأسرة تعد المحضن الأساس الذي يبدأ فيه تشكُّل الفرد وتتكون اتجاهاته وسلوكياته بشكل عام، فهي أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الكائن البشري، ففيها تكون مرحلة التأسيس والبناء لهذه الشخصية التي لابد وإن تجد لها مكانا في المجتمع الذي يضمه ويضم الأسرة التي احتوته قبله.
ونتيجة تعقُّدِ المجتمع وحداثته أوجد للأسرة أجهزة ومؤسسات تنوب عنها في بعض الوظائف التي كانت تقوم بها سابقا، ومن بين هذه المؤسسات نجد المدرسة أو قطاع التعليم بكل هياكله وأطواره ومؤسساته والتي لها من الوظائف ما يجعلها ميداناً خصباً في مجال البحث والتحليل.
1. أشكال التكامل الوظيفي بين الأسرة والمدرسة في دراستها الميدانية
إشكالية الدراسة:
الأسرة تحتل مكانة المؤسسة الاجتماعية الأم، كونها تشكل النواة الصلبة في مهام التنشئة الاجتماعية للأبناء، فهي الوسط الطبيعي والتلقائي المعول عليه لتربية الطفل وتوفير حاجاته وإشباع رغباته، واحتضانه بملأ الدفء في عاطفة الانتماء في المراحل الأولى الحاسمة في حياته، والمسؤولة على تحديد السمات الكبرى لشخصيته الأساسية وميولاته النفسية، ولقد كانت الأسرة قديماً تقوم بجميع الوظائف التربوية والاقتصادية والتنشئة الاجتماعية لكن مع تعقد أساليب الحياة وتطور المجتمعات أخذت كثيراً من هذه الوظائف في الانفصال واحدة تلوى الأخرى، الأمر الذي جعل ضرورة ظهور مؤسسات أخرى في المجتمع تُكمِلُ وظيفتَها وتتعاون معها أمراً حتمياً.
الحياة المدرسية مجتمع مصغر، يتيح للطفل فرصة الانتقال من المحيط الأسري الصغير إلى محيط أوسع ومتباين، يدخل فيه في علاقات جديدة ومباشرة مع جماعة من أقرانه ومدرِّسيه، مما ينسج في حياته تفاعلات نفسية وإنسانية، ويحدد لديه أنماط سلوكيات اجتماعية أوسع، تخضع لقوانين ونظم دقيقة؛ فالمدرسة مؤسسة تربوية نظامية تضمن الامتداد الحقيقي للأسرة.
وبناء عليه، فالأسرة والمدرسة تشكلان كينونة اجتماعية، ثنائية ملزمة بضرورة إيجاد صيغ تعاقدية ملائمة لتوطيد العلاقات بينهما، ومد جسور التواصل والتكامل الناجع والمستمر بين كلا الطرفين، ولكن نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتقنية، ونظرا للظروف التي تعيشها دول العالم الثالث بصفة عامة والمجتمع العراقي بصفة خاصة، من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، حاولت الحكومة بمختلف هيئاتها تطبيق العديد من السياسات التنموية، بهدف النهوض بالمجتمع قصد اللحاق بالركب الحضاري العالمي، فالنمو الديموغرافي الذي نعيشه كبلد من بلدان العالم الثالث، والذي لا يتماشى والإمكانات الاقتصادية، صَحِبَه انخفاض في مستوى الدخل مما أدى إلى انتشار ظاهرة الفقر وتفشي البطالة والآفات الاجتماعية المختلفة، فكان له الأثر المباشر على الأسرة وتأديتها لوظيفة التنشئة الاجتماعية السليمة للأبناء.
وهناك مجموعة من الفرضيات التي هي العتبة الأولى للتكامل في الأسرة والمدرسة.
الفرضيات:
- تتكامل الأسرة والمدرسة في التنشئة الاجتماعية.
- تتكامل كل من الأسرة والمدرسة من خلال المشاركة في الحياة الاجتماعية.
- تعد وظيفة الأستاذ من أشكال التكامل بين الأسرة والمدرسة.
أهميَّة الورقة البحثية
يكتسي موضوع التربية بصفة عامة والتنشئة الاجتماعية بصفة خاصة أهمية بالغة في الحياة الاجتماعية، فالتربية عموماً عمليةٌ يتم بواسطتها تنمية قدرات الإنسان الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية، ليصبح فرداً صالحاً وعضواً نافعاً لنفسه ولمجتمعه قصد المحافظة على القيم والمثل العليا السائدة في المجتمع والتطلع لآمال وآفاق مستقبلية، وفق مبادئه وتعاليمه، ولقد أوجد المجتمع مؤسسات لتتحد في عملها وتشترك في أهدافها لجانب الأسرة؛ المدرسة والمسجد والنوادي الثقافية والرياضية، والتي من أولوياتها إعداد مواطن صالح، وتنشئته تنشئة اجتماعية سليمة، وهو ما دفع بالكثير من العلماء والباحثين إلى جعله موضوع للعديد من دراساتهم وأبحاثهم.
كما أن الأسرة والمدرسة باعتبار كل منهما نظام اجتماعي؛ تعتبران نقطتي ارتكاز هامتين في البحث والتحليل الاجتماعي، لأنهما تشكلان واقعاً قابلا للملاحظة العلمية واستخدام أدوات وطرق البحث المختلفة.
2. تعريف الأسرة:
"هي الدرع الحصينة، وأهل الرجل وعشيرته، وتطلق على الجماعة التي يربطها أمر مشترك، وجمعها أُسَر". (عبد القادر القصير: 1999، ص33).
- مشتقة من الأسر، تعني القيد، يقال أسر أسرا وآسرا: قيده وأسره، أخذه أسيرا، والأسر أنواع: قد يكون الأسر مصطنعا أو اصطناعيا كالأسر في الحروب.
- قد يكون الأسر اختياريا يرضاه الإنسان لنفسه ويسعى إليه، لأنه يعيش مهددا بدونه، ومن هذا الأسر الاختياري اشتقت الأسرة". (عبد المجيد سيد منصور، زكرياء أحمد الشربيني: 2000، ص15).
تشير إلى التآزر والتساند والتضامن، وتعد الأسرة جماعة منزلية ذات روابط حميمية تتكون من أفراد يرتبطون ببعضهم بروابط الدم، أو بالاتصال الجنسي أو بالروابط القانونية.
تعريف العائلة: المصطلح المشتق اللغوي لها من الفعل عال وأعال ويعيل، ويشير المصطلح إلى علاقات الإعالة والاعتماد المتبادل، فيشار للأولاد بالعيال والأب بالمعيل والمسؤول عن تأمين الرزق.
وهي مجموعة من الأفراد المرتبطين مباشرة بصلات قرابة ويتولى أعضاءها البالغون مسؤوليات تربية الأطفال (أنتوني غدنز: ب ت، ص ص 254،253)
3. أدوار ووظائـف الأسرة
إن الأسرة باعتبارها الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل، فهي تمثل العامل الأول المؤثر في صنع سلوك الطفل بصبغة اجتماعية، ومن ثم تبدو أكثر جماعات التنشئة أهمية وكفتها أكثر ترجيحا عن المؤسسات الأخرى، لما تتركه في شخصية الطفل من آثار ايجابية أو سلبية، فلا يمكن أن تحل أي مؤسسة أخرى محل الأسرة في المراحل المبكرة من عمر الأبناء، فهي التي تبدأ بتعليم الطفل اللغة وتهيئته لاكتساب الخبرات المختلفة ليصبح فردا يخدم نفسه أولا ومجتمعه ثانيا. (السيد سلامة الخميسي: 2000، ص167)
أ. الدور التربوي للأسرة: إن الأسرة هي التي تنشأ الروابط الأسرية والعائلية للطفل، والتي تكون بدايات العواطف؛ الاتجاهات الاجتماعية لحياة الطفل وتفاعله مع الآخرين، كما أنها تهيئ للطفل اكتساب مكانة معينة في البيئة والمجتمع، حيث تعد المكانة التي توفرها الأسرة للطفل بالميلاد والتنشئة محددا مهما للشكل الذي سوف يستجيب به الآخرون تجاهه، "يكاد يتفق جل علماء الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا الاجتماعية على أن الأسرة هي الخلية الأساسية التي يقوم عليها كيان المجتمع، ولذلك عدت من أهم المؤسسات التربوية التي تساهم بقوة في تشكيل الفرد.
ويمكن تلخيص الدور التربوي للأم في الأسرة في النقاط التالية:
- توفر للأبناء الحنان والمودة والعطف.
- تقدم لأبنائها صورة محترمة لبناء شخصية سليمة ومتزنة.
- تسهر على سلامة وصحة أبناها.
- تمارس السلطة في أسرتها مع ضرورة الاستماع وإعطاء جو من الديمقراطية أيضا.
- بوصفها نموذجا أو موضوع اقتداء يجب أن تتجنب: التجاوزات كتجاوز السلطة والحماية المطلقة (لأن لا تؤدي بالطفل للخوف من المسؤوليات في المستقبل).
ب. وظائـف الأسـرة في الحياة الاجتماعية
يلاحظ أن تطور وظائف الأسرة من العصر القديم إلى العصر الحديث قد تطورت من الاتساع والكبر إلى الضيق والصغر، حيث نجد أن الأسرة تقوم بمجموعة من الوظائف الجوهرية تتداخل وتتفاعل مع بنية المجتمع، وبما أن الأسرة خاضعة لمنطق التغير عبر الزمان والمكان ومن حيث الكم والكيف أدى إلى تغير وظائفها فلم تعد الأسرة الحديثة تقوم بنفس الوظائف وبنفس الكيفية التي كانت الأسرة في القديم تقوم بها، إلا أن التطورات الاجتماعية الحاصلة على مستوى المجتمع، "نتيجة لزيادة التخصص وتعقد المجتمع الحديث والنمو المستمر في التنظيمات البيروقراطية واثبات أنها أكفأ من غيرها من التنظيمات في تحقيق الأهداف المجتمعية". عبد القادر لقصير: ص67.
وكذا إشباع الحاجات الفردية، سلبت بذلك من الأسرة وظائف عديدة كالوظيفة الإنتاجية التي انتقلت إلى المصنع والوظيفة التعليمية التي انتقلت إلى المدرسة، ولكن رغم ذلك تبقى للأسرة وظائف مقتصرة عليها وحدها فقط كالإنجاب والاشباعات الجنسية التي يقرها المجتمع، ونجد بذلك تشارك المؤسسات الأخرى في أداء وظائف أخرى (التربية والتنشئة الاجتماعية).
ويمكن بذلك أن نلخص أهم وظائف الأسرة وذلك من خلال عرض تصنيفات بعض الباحثين، فعلى اختلافهم إلا أنهم اتفقوا في وظائف أساسية للأسرة.
التصنيف الذي جاء في مؤلف الباحث "طـارق كمال "الأسرة ومشاكل الحياة العائلية"، حيث صنف الوظائف إلى أربعة وظائف رئيسية، وهي: حنان عبد الحميد العناني: 2000، ص ص(55-56).
1. الوظائف البيولوجية: تقلصت وظائف الأسرة من وحدة اقتصادية تنتج للمجتمع كل ما يحتاجه وكانت هيئة سياسية وإدارية وتشريعية ودفاعية، وتتلخص وظيفة الأسرة البيولوجية في الإنجاب وما يسبقه من علاقات جنسية ضرورية لاستمرار الكائن الإنساني.
2. الوظيفة النفسيـة: كما يحتاج الإنسان للغذاء لينمو ويكبر فهو يحتاج إلى إشباع حاجاته النفسية، كالحاجة إلى الحب والأمن والتقدير، وهذا لا يمكن أن يوفره إلا الأسرة، حيث أنها المكان الأول الذي يجد فيه الفرد الحنان والدفء العاطفي.
3. الوظيفـة الاجتماعية: وتتجلى هذه الوظيفة في تنشئة الأبناء، التي يبدو تأثيرها في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، على وجه الخصوص، ففي هذه السن يتم تطبيع الطفل اجتماعيا وتعويده على مختلف النظم الاجتماعية (التغذية، الإخراج، الحياء والتربية الحسنة والاستقلالية)، كما تتضمن إعطاء الدور والمكانة المناسبة للطفل، وتعريفه بذاته وتنمية مفهومه لنفسه وبناء ضميره وتعليمه المعايير الاجتماعية ليعرف حقوقه وواجباته التي تساعده على الصحة النفسية والتكيف ووسطه الاجتماعي.
تعريف المدرسة
المدرسـة في اللغة: لقد أخذت المدرسة من الفعل "درس"، والتي تعني درس الكتاب: يدرسه ودراسة، ودارسه أي عانده حتى انقاد لحفظه- ابن منظور: لسان العرب 6/86..
المدرسة: هي مكان الدراسة وطلب المعرفة، جمع مدارس– خليل الجر: ص1087
المدرسة اصطلاحا: ويرى الباحث "رابح تركي" أن المدرسة هي في الحقيقة والواقع المعبر الذي يمر فيه الطفل من حياة المنزل الضيقة إلى الحياة الاجتماعية الحقيقية، ومن هنا يجب أن تقلع المدارس أن تكون مجرد بناية للتعلم كما يسمونها، وأن تتحول إلى مجتمعات حية للتربية بأوسع معانيها". تركي رابح عمامرة: 1990، ص 194،
6. أشكال المدرسة
يمكننا التميز بين شكلين من المدارس الحديثة هما:
أ. المدارس العامة أو الحكومية: وتتولى الحكومات عادة أمر تأسيسها وتمويلها وإدارتها، في محاولة منها لتدعيم تكافؤ الفرص التعليمية لأبناء الشعب ن لهذا يكون التعليم في هذه المدارس مجانيا.
ب. المـدارس الخاصة: ويؤسسها ويمولها ويديرها عادة أفراد أو هيئات خاصة، وتلعب هذه المدارس دورا تكامليا مع المدارس العامة أو الحكومية.
7. وظائفها
الدور التربوي للمدرسـة
إن المدرسة هي مؤسسة تربوية فرعية بالنسبة للنظام التربوي العام للمجتمع، وهي مؤسسة اجتماعية تعكس المجتمع بصورة مصغرة، كما أنها توفر الوسائل والظروف الكفيلة بتربية النشء بما يجعلهم قادرين على المشاركة الفعالة في المجتمع، "وتقوم المدرسة بعملية التطبيع الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية، فهي العملية التي يتم بواسطتها إكساب الفرد القيم والاتجاهات المعاصرة كشخصية فردية" (حسين عبد الحميد رشوان: 2006، ص68)، يتخلل الدور التربوي للمدرسة أدوار ثانوية ومتكاملة للأعضاء المكونين للمدرسة من مدير ووكيل للمدرسة، ومساعدين ومدرسين وتلاميذ، وسنحاول شرح دور كل عضو في العملية التربوية، والشكل التالي يوضح بناء الأدوار وتوزيعها في المدرسة:
وظائـف المدرسة في الحياة الاجتماعية
الوظيفة السياسية للمدرسة: ومن أهم الأدوار السياسية التي تلعبها المدرسة هي:
1- التأكيد على الوحدة القومية للمجتمع.
2- ضمان الوحدة السياسية.
3- تكريس الايدولوجيا السائدة.
4- المحافظة على بنية المجتمع الطبقية.
5- تحقيق الوحدة الثقافية والفكرية
هنا نطرح سؤالين والذي نحاول بمعيَّتكم الإجابة عليهما:
السؤال الأول : كيفَ يؤدي التناقض بين الأسرة والمدرسة، أو الإهمال المتبادل إلى اختلال الوظائف التربوية ؟
السؤال الثاني : ما هي العناصر اللازمة لبناء الشراكة المنتجة والتعاون الفعَّال بين الأسرة والمدرسة؟
المداخلات:
الاسرة والمدرسة هما بناء واحد
- محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
الاسرة والمدرسة هما بناء واحد، بل لا يمكن بأي حال من الاحوال للعملية التعليمية ان تنجح ما لم تحقق شكل من اشكال التعاون ما الاسرة والمدرسة، وهذا هو بيت القصيد ومحل الشاهد للتراجع الحاصل على مستوى النتائج او الواقع التربوي المعاش.
فالإهمال كان هو سيد الموقف، لاسيما من جهة الاسرة ومتابعة ابنائها، ومن جهة المدرسة وقلة صلاحياتها، هذه الاختلالات السلوكية الواضحة والكبيرة، شكلت معلما مهما من معالم تقويض العملية التعليمية.
أما ما يخص العناصر اللازمة لبناء الشراكة، فهناك الكثير من الفعاليات من مثل.. مجلس الاباء ودوره المرتبط بالمدرسة، كذلك الحال بالنسبة للتطور الحاصل في وسائل التواصل والاتصال، الذى يمكن الاتصال المباشر بالأهل من خلال بعض التطبيقات السريعة والالكترونية ومن خلال الرسائل وصندوق البريد بين المدرسة وبين الاسر.
بالتالي من خلال تلك العناصر والقواسم المشتركة، سنصل حتما الى نتائج مرضية، تصب في مصلحة رصد المشاكل التي يعاني منها الطالب سواء في البيت او في المدرسة، كذلك الحال بالنسبة للإرشاد التربوي ذلك الفاعل الحيوي والاساسي، الذي لم يعطى الامكانيات البسيطة حتى لو كان غرفة خاصة او قاعة، يتابع من خلالها التفاصيل الصغيرة لدى هذا الطالب او ذاك.
لا توجد لدينا رؤية واضحة في كيفية ادارة الامور
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
ان المسيرة التربوية تعاني من الارباك، فمنذ مطلع التسعينيات والى الان، لا يوجد استقرار في موضوع المنهج التربوي، ما بعد العام(2003) ازداد الخراب خرابا، ففي كل عام هناك رؤية جديدة لوزارة التربية، بمعنى لا يوجد استقرار في المناهج.
بالتالي الوزارة مربكة، والقرارات ارتجالية، والكثير من الاشياء تقحم في اللحظات الاخيرة، وهذا ما لم نعهده في سبعينيات القرن الماضي، يوم كان التعليم في العراق يحتل موقعا مرموقا عالميا، وكانت المواد رصينة، الى درجة من السبعينات الى نهائيات الثمانينات، حتى تم تعديل علم الحيوان الى علم الاحياء في السادس الاعدادي، وكان الكتب ضخم جدا.
على النقيض من ذلك اليوم نحن سنويا لدينا تغيير في المناهج، بحيث اربكت المدرسة، واربكت الاسرة التعليمية، واربكت الاسرة، الى جانب ذلك لا يوجد عندنا عنوان مشرف تربوي، جميع الاساتذة ومن دون أي استثناء هم يحملون على عاتقهم مسؤولية المشرف التربوي، وهم مسؤولين عن الحركية الاخلاقية للتلاميذ.
اليوم المدرس فقد سيطرته على الطالب، وذلك لعدم وجود الصلاحيات، الاسرة تنتظر من المدرسة ان تنتج لها شخص متعلم وليس شخص ناجح، بالنتيجة لا توجد لدينا رؤية واضحة في كيفية ادارة الامور، بعض القطاعات تضخمت، وبعض القطاعات الاخرى هي فارغة، بالتالي الكل يفكر بالتعيين في الدرجة الاولى.
وما عدى ذلك فالقضية كبيرة جدا تتحملها وزارة التربية، على اعتباره هم من تربك المشهد التربوي والتعليمي في العراق.
عدم مواكبة التطور السريع
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
ان المشكل الحقيقي هي عدم مواكبة التطور السريع في قطاع التربية والتعليم، لاسيما وان القطاع التعليمي في العراق في عهود ماضية كانت له اليد الطولى على مستوى المنطقة، لكننا بطبيعة هذا الحال لا نستطيع ان نغادر حقيقة الكثافة العددية للسكان، فعلى مستوى الناحية كانت هناك مدرسة ثانوية واحدة مختلطة، وعلى مستوى القضاء هناك مدرستين ومدرسة مهنية واحدة.
الان مئات المدارس ولا تكفي الاعداد، فضلا عن الارباك الحاصل في وزارة التربية، ايضا غالبية من يديرون العملية التعليمية اليوم يديرونها بشكل وظيفي، المعلم آنذاك كان يمارس دور المربي والاب والمعلم، المعدلات الدراسية ايام زمان كانت مقبولة جدا قياسا مع ما موجود الان، حيث تصل المعدلات لأرقام فلكية.
الى جانب ذلك ان البناء الاساس للطالب في المرحلة الابتدائية، تلوح حوله شبهة التقصير من قبل الاسرة التعليمية ومن الاسرة، الاسرة التعليمية سابقا كانت تركز على التربية وعلى الاخلاق، ومن ثم تنتقل الى المتميزين والاذكياء، للاحتفاء بهم، من جانب اخر لكان للأسرة العراقية دور كبير في متابعة ابنائهم وحثهم على التعليم.
خصوصا ونحن نسجل اعجابنا بالمدارس الاهلية التابعة للعتبات المقدسات في كربلاء، التي تستخدم التقنيات الحديثة في التعليم وفي المتابعة، وعمليات نقل الطلبة ذهابا وايابا، وهذا غير معمول به في المدارس الحكومية، التي اصبحت وبقدرة قادر فاشلة رغم تلك الجهود الكبيرة في بناء المدارس الحديثة.
خلاصة القول ان القطاع التعليمي في العراق يحتاج الى مجموعة من الفعاليات الاجتماعية والدينية، للحث على التربية اولا وعلى التعليم ثانيا.
ملتقى مجلس الاباء والمدراء والمعلمين
- علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
استشهد اولا بأزمة كورونا وما تبعها من اجراءات احترازية اهمها الدراسة عن بعد، فكان للام دور كبير خاصة في المراحل الاساسية، حيث حققت نتائج ملموسة على صعيد المتابعة والتواصل مع الكادر التعليمي، بالتالي أصبح لدى الام الموظفة وحتى ربات البيوت نوع من انواع الخبرة، هذا ما عزز من سبل نجح هذا الاسلوب وهذا النوع من التدريس تقريبا.
لكن في احيان كثيرة يحصل تضارب ما بين دور المدرسة ودور الاسرة، فبعض الاسر لا الاب ولا الام يمتلك الامكانيات والمؤهلات اللازمة بهذا الجانب، فليست لديهم الخبرات والوعي الكافي من اجل رعاية ابنائهم من طرف الاب وحتى الام، في مقابل هذا السلوك نجد أسر اخرى تحمل قدر عالي من المسؤولية ومن التنوير لرعاية ابنائها، هذا مما شكل نوع من انواع التعاون المثمر والبناء مع الكادر التدريسي في انجاح عملهم.
اما بالنسبة للسؤال الثاني فالعناصر اللازمة لبناء الشراكة تتحقق من خلال ملتقى مجلس الاباء والمدراء والمعلمين، هذه الاجتماعات لابد ان تستثمر بالشكل الامثل، وهناك من الامثلة الشيء الكثير في هذا المضمار خصوصا في مدرسة عمار بن ياسر، التي حققت نتائج كبيرة على الصعيد التعليمي، بسبب الاجراءات غير الاعتيادية والتعاون الملموس بين الاهل والمدرسة.
الشراكة من الاستراتيجيات الهامة
- حيدر الاجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية:
ان الشراكة القائمة بين الاسرة والمدرسة من الاستراتيجيات الهامة، لأنها تدخل في صلب عملية تطوير العملية التعليمية والتعلمية، وبقدر اهمية هذه الشراكة، نلاحظ هناك تراجع كبير في هذه الشراكة، مما اثر سلبا على مستوى الطالب والاسرة وعلى مستوى المجتمع.
هناك للأسف الشديد الكثير من الاسر التربوية في حقيقة الامر تعاملهم اثناء مراجعة الاهل فظ وشديد وقاسي، اذا كيف سيتعامل مع الطالب، نعم هناك ظروف صعبة وتحديات في المجتمع، لكن لا يمكن باي حال من الاحوال ان تنعكس داخل الصف وعلى التعليم.
القضية الاخرى هي قضية التعلم، التي يختلف عن التعليم، نقصد هنا تعلم قيم المواطنة، الايجابيات في المجتمع، قبول الرأي الاخر، المناقشة، تعلم روح المبادرة، التفاعل مع الاخرين، هذه العناصر اكاد اجزم انها نادرة او غير موجودة.
على سبيل المثال انا شخصيا باعتباري مرشدي زراعي، وهو تخصص يشبه الى حد ما الارشاد التربوي الزراعي، ولكن يستهدف هو يستهدف شريحة المزارعين والفلاحين لاسيما كبار السن، هذه الشريحة هي صعبة المراس لكننا استطعنا من خلال بعض الاستراتيجيات ان نفتح معهم قنوات التواصل والحوار، حتى في تجاربه الخاصة وفي المنزل.
الارشاد التربوي لماذا لا يحضر للأسرة، لماذا لا تكون غرفة او قاعة خاصة يستمع فيها لمشاكل التلاميذ ويسعى الى حلها، الحد الفاصل ما بين الاسرة والمدرسة ترجع تراجع كبير، مع توفر الامكانيات العظيمة على مستوى التواصل والاتصال.
المشاكل تكبر والحلول تصغر
- باسم الزيدي، مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:
ان دور المناهج التربوية هو اعداد جيل واعي متسلح بالعلم والتربية، هذا الجيل يقع على عاتقه مسؤولية قيادة الامة والمجتمع مستقبلا، ففيهم المهندس والطبيب والعالم والسياسي والقاضي والمصلح وما شاكل، وهذا هو جوهر ولب الاشكال القائم الان، والاختلال الحاصل في الموازين ما بين الامس واليوم.
كان هناك تكاتف وتكامل بين الاسرة والمدرسة، بمعنى وجود تكامل عرفي، بدا من الكتاتيب وصولا الى المدرسة بطريقتها النظامية الحديثة، هذا التكامل العرفي كان يعتبر المدرسة الملاذ الامن للطفل، والمعلم والمدرس هو بمثابة قدوة اخلاقية وعملية للطالب.
وكان التعامل بينهما على مستوى عالي من الاخلاق والمعرفة وقبل ان يغذيه بالمناهج العلمية، المشكلة العلمية يمكن اصلاحها بسهولة ويسر، ولكن المشكلة التربية من الصعب اصلاحها، هذا الاختلال ولد لدينا الكثير من المشاكل، لها اول وليس لها اخر.
سبب الازمة هو وجود مجموعة عوامل.. سياسية اجتماعية أمنية عصفت بهذا البلد، وهي ازمات حقيقة نعترف بها، ولكن لابد ان نبدأ بمعالجة تلك الازمات بشكل جدي، لان المشاكل تكبر ولكن الحلول تصغر، على مستوى التربية او المناهج التربوية في العراق.
ايضا لابد ان نعرج على مسالة الباحث الاجتماعي في المدرسة، الذي يقع عليه دور خطير في حل هذه الازمات، في كل مدرسة هناك باحث اجتماعي واحد امام (500) طالب، خصوصا طلاب المرحلة المتوسطة والاعدادية، الامر هنا يتبع طبيعة هذا الباحث او الباحثة الاجتماعية.
الذين يلجئ لهم العشرات من الطلبة، ممن يعانون من عقد اجتماعية، ومشاكل اسرية، مسائل تنمر، المخدرات، اهمال الوالدين، المشكلة هنا حتى لو كان الباحث يعمل بإخلاص ويسعى لحل تلك المشاكل، لا يستطيع ان يتحرك بحرية في ظل الاعراف الاجتماعية والعشائرية والقانونية.
في سياق هذا المعنى روى لي شخص انتقل الى اوروبا حديثا الدول ان ابنه في رياض الاطفال لم يستطيع التكيف مع تلاميذ هذا المجتمع، الباحثة الاجتماعية هناك حاولت ان تتقرب الى الطالب، ومن ثم اتصلت بالأهل، للتواصل مع الطفل ولساعة واحدة داخل الاسرة وبشكل مجاني، علما ان عملية التواصل استمرت لستة اشهر متواصلة، حتى تحول سلوك هذا الطفل بشكل مغاير تماما واحب الباحثة الاجتماعية، في مقابل ذلك الباحث الاجتماعي في العراق اكثر اهمالا، بل احيانا يتم تكليف الباحث الاجتماعي بأعمال ادارية.
لذلك نحن نحتاج الى حملات وطنية كبرى نعالج من خلالها.. مشاكل التنمر التي ليس لها حل، مشاكل المخدرات التي وصلت لمدارس البنات، المناهج التربوية القديمة التي تحتاج لتحديث، ايضا الاسرة التي فقدت الثقة بالمناهج الدراسية، بالتالي هناك حلقة مفقودة في حالة التكامل بين الاسرة والمدرسة.
الاسرة والمدرسة في بوتقة واحدة
- حسين علي حسين، باحث في مركز الفرات للدراسات الاستراتيجية:
ان استراتيجية الاسرة والمدرسة تصب في بوتقة واحدة، لان طرفي تلك المعادلة يسعى الى هدف واحد، اما بخصوص الاهمال المتبادل فالكفة تميل نحو الطالب وليس المدرس، لاسيما وان الطالب المهمل هو غير مدرك لحقيقة اجتهاده ووصوله الى مستويات متقدمة في التعليم.
اما ما يخص العناصر اللازمة لبناء الشراكة فهي تتركز على ثلاثة محاور..
المحور الاول/ هو بناء ثقافة الطالب لطرح مشاكله الخاصة دون خوف من تأثره، وهذا البناء مرتبط بشخصية المرشد التربوي.
المحور الثاني/ بناء ثقافة للأسرة في تقبل ومتابعة ابنائهم الطلبة وعدم اهمالهم.
المحور الثالث/ بناء ثقافة للأستاذ للاستمتاع وايجاد الحلول للطلبة والمشاركة في العملية التربوية بصورة كاملة.
امتيازات لأصحاب النفوذ وسلبيات للفئات الهشة
- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
ان الجو العام والنظام العام في المجتمع يدور في حلقة مفرغة، فنحن عندما نبحث عن حلول لمشاكل الطفل، هل استطعنا ان نحل مشاكل الكبار، حتى نسعى لحل مشاكل وازمات الطفل او الشاب العراقي، الكبار هم من ينتجون المشاكل ويورثون المشاكل التي يعيشون فيها لأبنائهم، بالنتيجة الكبار هم سبب علة الصغار.
الكبار هم من يسرقون مستقبل الصغار، معنى الكبار هنا يرمز للاب والام، ويرمز ايضا للحكومة ولمؤسساتها وللقيادات الاجتماعية، كل هؤلاء تمادوا في التجاوز على حقوق الاجيال الشابة والقادمة، هؤلاء يريدون الرفاهية ويريدون والنفوذ، ولا يفكرون بالأجيال اللاحقة.
عندما نتحدث عن الاطفال وعن المدرسة، لابد ان تتوفر حالة انسجام عالي ما بين الاسرة والمدرسة، وهذا غير موجود في ظل ما نعيشه من خلل واضح في السكن وفي المدارس، عشرين سنة من الحكم ومن السرقات العظيمة على مستوى التاريخ الانساني الحديث والقديم، سرقة واحدة فقط وهي سرقة القرن تستطيع ان تغطي ميزانية سد حاجة العراق من المدارس.
في العهود الماضية كانت هناك استراتيجيات شاملة واخرى فرعية، الاستراتيجية الشاملة على مستوى الوطن العام، اما الاستراتيجيات الفرعية ترمز الى وجود استراتيجية تخص التربية والتعليم، واستراتيجية للصناعة، واخرى للزراعة، وهكذا دواليك باقي القطاعات الحكومية، كل هذه الاستراتيجيات تصب في اطار الاستراتيجية الشاملة للدولة.
وكل استراتيجية لها اولويات، لذلك عندما يكون المجتمع في خطر تضع ملف الامني اولوية، وعندما يكون هناك تهديد اقتصادي لابد ان تضع التنمية الاقتصادية كأولوية، اليوم البلد ليست لديه استراتيجية شاملة، بالتالي نجد القطاعات تتصادم فيما بينها، وتتقاطع فيما بينها، من غير المعقول بالمرة ان تكون موازنة الحشد الشعبي، تعادل موازنة ثلاثة وزارة التربية والتعليم والصحة، والحشد جزء من المؤسسة الامنية.
عندما نريد ان تكون المدرسة فاعلة، لابد ان تكون جاذبة للطفل، لا يذهب الطفل للمدرسة حتى يعاقب، بل من اجل ان يستمتع فيها على المستوى الترفيهي والتعليمي والاخلاقي والجمالي، عندما تكون المدارس مكتظة بالطلاب وتحشرهم حشر، مع غياب العناصر الجمالية والترفيهية، تلقائيا التلميذ سوف ينفر من المدرسة.
الشيء الاخر لا توجد مؤسسة فاعل من دون عنصر بشري فاعل، هل اليوم كل المعلمين والمدرسين والاساتذة الاكاديميين مؤهلين، بالتالي نحن لدينا مشكلة في الموارد البشرية، ومشكلة في سياسية الحكومة، ومشكلة في الابنية، والمؤسسات التربوية، هذا الامر يدفع ثمنه ابنائنا.
اغلب الاباء يسعى الان الى ان يضع ابنائه في المدارس الخاصة والاهلية، رغم مجانية التعليم في العراق، والسبب ما اوردناه سابقا، على الدولة ان توقف المدارس الاهلية، فقط المدارس الاجنبية، لذلك لا يمكن في ظل هكذا بيئة ان نجد تكامل ما بين الاسرة والمدرسة، المدرسة اليوم لابد ان تتحمل مسؤولياتها بالأسرة وليس العكس.
نحن عندما نرسل الطفل الى المدرسة نبغي ان تحقق فارق في حياة هذا الطفل، على مستوى الحالة العلمية والاجتماعية والنفسية، بالتالي لابد من وجود تواصل بين الاباء والمدرسة، هذه الروابط ليس لها قيمة واقعا، هي مجرد شيء رمزي، بالإضافة الى ذلك العامل التكنلوجي واسع الفجوة.
الطفل اليوم مع وجود الموبايل وذوقه الجمالي وبعض المعارف، تفوق هذا الطفل على المحيط الذي يعيش فيه، حتى أصبح يطلب اشياء تتطابق مع ما يراه من خلال النقال، لذلك بدون وجود تكاتف ما بين الحكومة، والعنصر البشري، وتطوير العمل المؤسساتي، والتواصل بين الاسرة والمدرسة.
لا يمكن ان نفعل هذه الامور، وان نخلق شراكة منتجة وتعاون فعال بين المدرسة والاسرة، لنتذكر دائما ان الفئات المهمشة هي الاطفال والنساء والفقراء، فاذا كانت هذه الفئات الهشة لا تحضي بالاحترام والاهتمام في مجتمع ما، فان حكومة هذا البلد مقصرة بشكل كبيرة، حتى جعلت هذا التجاهل اساس في برنامج عملها.
من اهم مسؤولية الحكومة والدولة ان تعالج هذه الحالات، اليوم عندنا الاطفال تنتهك حقوقهم، والنساء تنتهك حقوقهن، والفقراء تنتهك حقوقهم، بالنتيجة امتيازات المجتمع بالكامل تذهب لأصحاب السلطة والنفوذ، وكل سلبيات المجتمع تذهب للفئات الهشة.
اضف تعليق