لا بد من توأمة الجانبين التربوي والترفيهي من خلال خلق التوازن بين ما هو مسل وما هو مفيد، فإن تم اختيار مدينة العاب ومطاعم لتناول وجبات الغداء او الاستعاضة عن ذلك بغداء جماعي يخلق نوع من الالفة والمحبة في نفوس الطلبة، فلا بد في المقابل من زيارة متحف أو محمية طبيعية أو موقع أثري أو مصنع أو مؤسسة...

ربما من أكثر الأشياء التي تبقى عالقة في الاذهان هي السفرات المدرسية وما يتخللها من احداث تُنقش في الذاكرة، فإذا كانت هذه الرحلات غير منتظمة وفوضوية فإن آثارها السلبية تبقى ملازمة للفرد طيلة حياته هذا على المدى البعيد، وعلى المدى القريب تفقد السفرة اهميتها وهدفها المنظمة من اجله، ولهذا يحتم على إدارات المدارس التفكير بطريقة منهجية ومدروسة للإفادة منها تربويا من دون خسارة الجانب الترفيهي الذي يجب أن يبقى هدفا مشروعا لهذه الرحلات.

من الأخطاء التي يقع فيها الكثير هي عندما يظنون ان الهدف الوحيد او الأبرز للسفرات المدرسية هو التسلية، فالمدرسة هي بالأساس تعد مؤسسة تربوية كاملة شاملة، يقع على عاتقها مسؤولية بناء شخصية الفرد الطالب الذي ينظر اليه على انه قائد المستقبل القريب، الذي يجب اعداده من الثقافية والمعرفية والنفسية لتحقيق غايات إنسانية وتنموية فيما بعد.

ومن هذا المنطلق لا يجوز تقليل أهمية أي جزء من أجزاء العملية التربوية، فكل الأجزاء تتكامل من أجل تحقيق الأهداف العليا، وفي هذا الإطار لا يجوز النظر إلى النشاطات الترفيهية نظرة دونية أو غير تربوية بل على العكس من ذلك.

إذ يجب التعامل معها كجزء متمم للعملية التربوية له خصوصيته الترفيهية لكنه لا يقل أهمية عن غيره من الجوانب العلمية والمعرفية وهو يدخل ضمن إطار التربية غير المقصودة وغير المباشرة التي لها فعاليتها وتأثيرها التربويين في تكوين شخصية التلميذ.

الرحلة ليست غاية في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لتحقيق غايات أخرى لذا يجب أن يرافق الرحلة نوع من التقييم القبلي والبعدي لما تتخلله السفرة من نشاطات تم إعدادها بشكل مسبق، يحاول مُعدها على تمرير بعض الأهداف التربوية، وهنا يتطلب تخطيط ممنهج ومنظم ودقيق من قبل إدارة المدرسة لتحقيق اقصى فائدة منها.

لكن ثمة من يعتبر السفرات المدرسية يجب ان تكون بهذه الصورة؛ كسرا للروتين اليومي المتبع في المدرسة والمعتمد على أسلوب القراءة والحفظ والتلقين والمطالبة بالواجبات المنزلية، ولا يريد ان تكون السفرة هي امتداد للأيام الدراسية المعتادة، ولأجل ذلك يحاول ان يعطي الطلبة حيّز من الحرية في التصرف والممارسات التي تخرج في كثير من الأحيان عن الآداب العامة.

لا ننكر ان السفرة المدرسة التي تنظم عادة لمرة واحدة في الفصل الدراسي، ينظر اليها بعض الطلبة بأنها الخروج الحتمي عن الروتين المدرسي والنظام الصارم، وتعتبر إدارات المدارس أن الرحلة هي متنفس ضروري، وهي محطة ينتظرها التلميذ بفارغ الصبر لكي يلهو ويلعب ويأكل ويشرب على هواه، لكي يزور مناطق جديدة لم يكن يعرفها سابقاً.

ومما لا شك فيه أن هذا التوصيف صحيح، لكننا وإن نظرنا من زاوية الإفادة التربوية لتوجب علينا البحث عن إضافة إلى العناصر المكونة للرحلات كما هي معتمدة حاليا، عناصر إضافية تسهم في إغناء تجارب التلميذ وخبراته الحياتية وتشكل استمرارا لما يتعلمه في المدرسة من دون المساس في الثوابت الترفيهية الأساسية التي يحبها التلميذ ومن دون تحويل الرحلة الى درس خارج الصف.

يتحقق هذا المطلب عندما تخرج السفرات المدرسية عن الحالة النمطية المتبعة منذ سنوات ولغاية الآن، فالخروج يكون عند اختيار الأماكن التي ستتضمنها الرحلة، ويجب دراستها وتقييم الجدوى والفائدة الناتجة عنها بالنسبة للتلاميذ.

وهنا لا بد من توأمة الجانبين التربوي والترفيهي من خلال خلق التوازن بين ما هو مسل وما هو مفيد، فإن تم اختيار مدينة العاب ومطاعم لتناول وجبات الغداء او الاستعاضة عن ذلك بغداء جماعي يخلق نوع من الالفة والمحبة في نفوس الطلبة، فلا بد في المقابل من زيارة متحف أو محمية طبيعية أو موقع أثري أو مصنع أو مؤسسة.

زيارة هذه الأماكن لها العديد من الفوائد أبرزها، ربط المواد التعليمية بالمناطق الجغرافية في البلد، ذلك عن طريق الاطلاع المباشر على المواقع السهلية والجبلية، وقد تشمل الزيارة المناطق الصحراوية مما يساعد التلميذ على تفتح آفاقه واكتسابه كمّاً من المعلومات والمعارف الجديدة.

ومن الأساليب الناجعة الأخرى هي خلق حوافز معنوية للتلاميذ الناشطين في الرحلة علميا وثقافيا كمنحهم تقديرات أو مكافآت رمزية أو تقديرهم بطريقة ما لتشجيع رفاقهم على الحذو حذوهم في الرحلات المقبلة.

نُعيد التأكيد على إننا لسنا ضد السفرات المدرسية شريطة ان تكون منظمة تركز في قسط كبير منها على الفائدة المعرفية والعلمية بما يخدم الهدف العام الذي وجدت من اجله المدرسة.

اضف تعليق