ان المعلم او المدرس او الأستاذ الجامعي يعمل في بيئته الاجتماعية، ويخضع في كثير من الأحيان الى ضغوطات اجتماعية، تمنعه في العادة من تأدية واجبه التربوي والأخلاقي بصورة صحيحة، ويبقى اسير العلاقات الاجتماعية والتأثيرات اليومية، بمثل هذه البيئة تبقى الأساليب التربوية محدودة التأثير والنطاق، وهنا نود وضع بعض المعالجات...

حين كُنا صغارا ننتظر يوم الخميس الذي يرن فيه الجرس الصباحي قبل دقائق من موعده المنتظم ليخبرنا بان علينا الذهاب الى الساحة المخصصة لوقوفنا بصورة تلقائية، اكثرنا طولا يقف الى الخلف وتأخذ القياسات بالتنازل حتى يكون في المقدمة الأقصر قامة.

وقوفنا المنتظم يُحرم منه التلاميذ المتأخرين عن الاصطفاف، بعد تقديمهم اعذار بعضها مقبول وبعضها الآخر غير مقبول، بل لا تتعدى كونها محاولة لتبرير كسل التلميذ عن التأخر في النوم وعدم الاهتمام بالمجيء مبكرا لتجنب الوقوف الى جانب المخالفين للضوابط والقواعد المدرسية.

صوتنا الهادر المتصاعد من بناية المدرسة الى المناطق المحيطة يخبر الجميع اننا نُحيّ الوطن ونحترم علمنا عبر ترديد النشيد الوطني بمشاركة الملاك التعليمي، الذي يحرص على الوقوف امامنا في باحة المدرسة، وكأن الفعالية بمجملها جاءت لتحثنا على الالتزام والانضباط وحب العلم والوطن.

كان المدير يجري جولة على المجموعات لتفحص ملابسنا وتريبها واظفارنا وقصات شعرنا، موبخا تارة ومادحا أخرى، حتى أصبحنا نعرف ما يسمح بلبسه النظام التربوي داخل المدراس وما لا يقبل بارتدائه، وتحولنا بمرور الوقت الى مجتمع دراسي منظم من حيث الملبس والسلوكيات العامة في الطرقات والتعامل مع معلمينا. 

هذا الانضباط انتقل معنا الى المرحلة المتوسطة ومن ثم الإعدادية فالجامعة، وترسخت لدينا مسألة احترام المعلم والمدرس والأستاذ، لكن ومع شديد الأسف اخذت هذه الضوابط والتعليمات بالانحسار تدريجيا، فلم يعد طالب اليوم كما كان الطالب في السابق من جميع الزوايا.

من زاوية الملبس، من يتابع ما يلبسه الطلبة بجميع المراحل بما في ذلك الجامعة، يجد اختراق واضح للذوق العام، من حيث الألوان والتصاميم الغريبة التي لا يصلح وجودها في الحرم المدرسي او الجامعي، ومع ذلك نجد الإجراءات المتخذة في هذا الجانب ضعيفة جدا ولا يمكنها ردع المخالفين.

يمتنع بعض الطلبة عن الالتزام بالضوابط الموضوعة بدافع الحرية الشخصية، وضرورة مواكبة الموضات العالمية التي تتقاطع مع القيم والعادات الاجتماعية للشعوب العربية والإسلامية في كثير من الاحيان.

وضعت بعض الجامعات ضوابط محددة للبس والمظهر الخارجي، وارتداء الاكسسوارات، لكنها تعرضت لحملة تسقيط واستهجان كبيرة من قبل جهات وشخصيات لا تريد لهذا المجتمع ان يحافظ على عاداته وتقاليديه والتزامه العام، بينما الكثير شجع هذه الخطوة كونها في الاتجاه التقويمي الصحيح.

أهمية المحافظة على الالتزام من قبل جيل اليوم من الطلبة، يأتي من ان الجيل الحالي هم قادة المستقبل، يصبحون معلمين ومدرسين وأساتذة جامعيين، وفي النهاية الطالب في مراحله الأولى يتقمص شخصية معلمه بنسبة كبيرة، فاذا كانت شخصية متزنة على مستوى التعامل مع الطلبة والملبس.

بالتأكيد سيتأثر الطالب بهذه الشخصية، وكذلك يقلدها بطريقة إعطاء المادة العلمية والتزام التوقيتات في الدخول والخروج الى الفصل الدراسي، كل ذلك يترسب في ذاكرة الطالب ويتحول مع مرور الوقت الى أسلوب حياة وطريقة تعامل على المستويين العملي والحياتي.

بينما نجد وفي جميع المراحل بعض الطلبة يتغيبون ويتأخرون عن المحاضرات اليومية، وان حضروا فهم كالوباء الذي ينتشر في مكان ما، او منطقة معينة، يخلقون الفوضى بين صفوف الطلبة، ويحاولون بواسطة طرق شتى التأثير على سير المحاضرة العلمية حتى يضطر المربي الى طردهم من القاعة او ارسالهم الى الادرة الأعلى.

تقف الإدارة في بعض الأحيان عاجزة عن محاسبة الطلبة المشاغبين، وتوجيه أقسى العقوبات بحقهم، وأكثر ما يمكن فعله هو الفصل المؤقت او النقل الى مدرسة أخرى، والحالتين لا يمكن عدهما وسائل ضبط ناجعة، فالنقل يعني رحيل الوباء الى بيئة أخرى ساعد على انتشاره من جديد.

وكذلك الفصل المؤقت، وابقاءه في المنزل، لا يمكن عده علاج حقيقي يعالج المشكلة بصورة جذرية، طالما الاهل لا يهتمون بإصلاح تصرفات ابنهم، بل في بعض الأحيان نجدهم المشجعين للقيام ببعض التصرفات غير المقبولة بحق المربين ما يجعلهم يتمادون في الاعتداء ولا يضعون أي اعتبار وقاري لهم.

وبقيّ ان نسأل ما الذي أصاب المنظومة القيمية التربوية، هل تداعت ولم تعد قادرة على تلبية المتطلبات المرحلة الحالية، ام ان الخلل في تطبيقها من قبل الجهات التربوية التي تعمل وفق محددات واعتبارات لا تستطيع تجاوزها من بينها.

ان المعلم او المدرس او الأستاذ الجامعي يعمل في بيئته الاجتماعية، ويخضع في كثير من الأحيان الى ضغوطات اجتماعية، تمنعه في العادة من تأدية واجبه التربوي والأخلاقي بصورة صحيحة، ويبقى اسير العلاقات الاجتماعية والتأثيرات اليومية.

بمثل هذه البيئة تبقى الأساليب التربوية محدودة التأثير والنطاق، وهنا نود وضع بعض المعالجات ومن أهمها:

أولا: تفعيل قوانين الانضباط وتطبيقه على الطلبة في المراحل الدراسية المختلفة وصولا الى الجامعة.

ثانيا: إجراء تدوير للمعلمين والمدرسين وعدم توزيعهم وفق الرقعة الجغرافية والإدارية لهم.

ثالثا: إعادة العمل بنظام الزي الموحد في المدارس والجامعات للحفاظ على الذوق العام وإيقاف عمليات الاختراق المتكرر.

رابعا: السعي لتفعيل دور المكتبات والتشجيع على ثقافة القراءة المتنوعة وليس الاختصاص فحسب.

خامسا: تكثيف السفرات العلمية وتلاحق الأفكار والخبرات في المجالات البحثية والعملية لزيادة مهارة الطلبة قبل تخرجهم.

اضف تعليق