تغطي الاستراتيجية 10سنوات فقط. وهذا تحديد اعتباطي عفوي لا علاقة له بالدورة الدراسية في العراق، وكان ينبغي ان يكون المدى الزمني للاستراتيجية 12سنة هي نفسها سنوات الدورة الدراسية الكاملة في العراق كما قلت. ويجري تنفيذ الاستراتيجية سنة سنة اعتبارا من الصف الاول ابتدائي وانتهاء بالصف السادس ثانوية وبشكل تراكمي...
اخيرا حصلت على نسخة من “الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031” وهي تقع في147 صفحة مطبوعة بشكل انيق وتبويب جميل.
وتشكل هذه المسألة احد محاور اهتماماتي بعراق ما بعد عام 2003. وكتبت الكثير من المقالات في هذا الشأن، ولعل اول مقال كتبته كان في عام 2004 ودعوت فيه الى اعتماد استراتيجية تربوية على مدى 12عاما. والسر في هذا الرقم انه يغطي كل سنوات دورة دراسية كاملة في العراق، اي المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية، بحيث تغطي الاستراتيجية هذه المراحل سنة حتى نهايتها في الصف السادس ثانوي. وتشمل هذه الاستراتيجية المقترحة اعادة النظر بكل المناهج والمقررات الدراسية بحيث تتوافق مع الهدف المركزي لها والذي اقترحت انه ارساء الاسس التربوية والتعليمية للدولة الحضارية الحديثة.
وبعد ذلك كتبت المئات من المقالات بخصوص فكرة د ح ح وموقع النظام التربوي في عملية اقامتها في العراق، وهي عملية كررت عشرات المرات على انها عملية طويلة تستغرق وقتا طويلا على ان تكون “المدرسة” هي نقطة الانطلاق في هذه العملية. وكتبت كثيرا عن النظام التربوي الحضاري الحديث على امل ان تاخذ الحكومات المتعاقبة بالفكرة وتضع استراتيجية تربوية على هذا الاساس. وكنت متفائلًا بدرجة ما من ان الاستراتيجية الجديدة سوف تاخذ هذه المقترحات خاصة واني عرضتها في وقت مبكر على رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وكتبت له في 16تشرين الثاني 2022 ما يلي:
“اعرب لك في هذه المناسبة عن استعدادي للتعاون معك بدون راتب او منصب رسمي.”.
لكني بعد الاطلاع على الاستراتيجية الجديدة اصبت بنوع من خيبة الامل، ليس فقط لانه لم يتم الاخذ بافكاري ومقترحاتي بهذه الخصوص وانما بسبب ملاحظات جوهرية على الاستراتيجية نفسها. وسوف اذكر في هذا المقال ثلاث ملاحظات فقط.
الملاحظة الاولى: المدى الزمني للاستراتيجية:
تغطي الاستراتيجية 10سنوات فقط. وهذا تحديد اعتباطي عفوي لا علاقة له بالدورة الدراسية في العراق، وكان ينبغي ان يكون المدى الزمني للاستراتيجية 12سنة هي نفسها سنوات الدورة الدراسية الكاملة في العراق كما قلت. ويجري تنفيذ الاستراتيجية سنة سنة اعتبارا من الصف الاول ابتدائي وانتهاء بالصف السادس ثانوية وبشكل تراكمي على ان تتطلق العملية الاستراتيجية من 12 نقطة شروع. وكما قلت يجري اعادة النظر بكل المناهج والمقررات بناء على هذا بما يحقق التنفيذ التراكمي للهدف المركزي للاستراتيجية.
الملاحظة الثانية: الهدف المركزي للاستراتيجية.
ذكرت الاستراتيجية التربوية ان هدفها المركزي هو:”ارساء اسس دولة تنموية فاعلة ذات مسؤولية مجتمعية”.(ص48).
الجميل في هذا ان الاستراتيجية ربطت بين التربية والتعليم من جهة، وبين ارساء اسس الدولة من جهة ثانية. وهذا امر ركزت عليه في كتاباتي السابقة. وهو صحيح في ذاته حيث تأخذ به كل الدولة الطامحة في السير في الطريق الحضاري الحديث.
لكن الاستراتيجية لم تصب كبد الهدف في النص على هدفها المركزي. ذلك ان التوصيفات التي اطلقتها على الدولة وهي:”تنموية فاعلة ذات مسؤولية مجتمعية” ليست كافية لصياغة رؤية شاملة تنطلق منها العملية التربوية لمدة 12عاما.لا يمكن ترجمة هذا الهدف على شكل مناهج ومقررات دراسية تواكب الطالب على مدى 12 عاما.
بقيت لسنوات اكتب عن هذا الموضوع، واقترحت ان يكون الهدف الاستراتيجي هو: “ارساء اسس الدولة الحضارية الحديثة.” وهذا هدف واضح الابعاد والقسمات ويمكن بسهوله عكسه على المناهج والمقررات والانشطة الصفية واللاصفية على مدى 12 عاما بالتناسب مع النضج العقلي للطالب في كل سنة دراسية. وستكون مخرجات هذا الهدف التربوية واضحة حيث سينهي الطالب الدورة الدراسية الكاملة بعمر 18سنة، وهو العمر الذي يجعله يملك حق التصويت في الانتخابات، وقد اصبح مواطنا فعالا يعرف ويدرك مسؤولياته ازاء المجتمع والدولة. والمؤسف ان هذه المسألة غابت بالكامل عن الاستراتيجية الحكومية المعلنة.
الملاحظة الثالثة، اللجنة العليا:
نصت الاستراتيجية التربوية على تشكيل لجنة عليا (السكرتارية العليا) للاشراف على تنفيذ الاستراتيجية برئاسة نائب رئيس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء وتتفرع منها لجان متخصصة. (ص 94) وهذه لجنة حكومية كما هو واضح، تتغير بتغير الحكومات، والحكومات عندنا لا تكمل اللاحقةُ منها عملَ السابقة، وانما تدخل في “معركة” معها بحجة “محاربة الفساد”.
وهذه الظاهرة تجعلنا نتردد في ربط المشروع الاســتراتيجي التربوي بلجنة حكومية يرأسهـــــا رئيس الوزراء او نائبه ويشترك في عضويتها وزراء تولوا مناصبهم عن طريق المحاصصة ولا يملكون باشخاصهم اية رؤية تربوية حضارية حديثة.
ولهذا قدمت في اوقات سابقة مقترح تشكيل “اللجنة الدائمة للمشروع التربوي الحضاري الحديث”. وبينت تفاصيل تشكيل هذه اللجنة كما يلي:
1. تتألف اللجنة من عدد من الاعضاء بصورة طوعية مجانية، بدون اجر او راتب.
2. تكون عضوية اللجنة دائمية (12سنة في الاقل) وفي حالة شغور مكان احد اعضاء اللجنة بالموت او الاستقالة يعين عضو بديل. وهذا يعني ان اللجنة لن تتاثر بتغير الحكومات او الوزراء.
3. يكون عضو اللجنة من الخبراء التربويين المؤمنين بنموذج الدولة الحضارية الحديثة.
4. ينسب الى الجهاز الاداري والتنفيذي للجنة موظفون من وزارة التربية.
5. ترتبــــــط اللجنة بمجلـــــس الوزراء على ان تنسق مع لجنة التربية في مجلس النواب و وزارة التربية.
6. تضع اللجنة الخطة الاستراتيجية للمشروع التربوي الحضاري الحديث (12عاما) وتتولى وزارة التربية تنفيذ الاستراتيجية.
7. تجري اللجنة مراجعة شاملة للمناهج الدراسية لكل المراحل المدرسية وتكييفها مع المشروع التربوي الحضاري الحديث.
8. لا تخضع عضوية اللجنة للمحاصصة الحزبية او القومية او الطائفية.
لم يفت الوقت بعد، وآمل ان تعدل الحكومة الاستراتيجية التربوية في ضوء مقترحاتي.
اضف تعليق