هل هذا هو المدرس الوحيد الذي يهين طلابه بالطريقة التي عرضت في الفيديو المسجل بطريقة سرية، أم أن هناك مدرسين يستعملون أقسى الألفاظ لإهانة طلابهم، ولا يمانعون باللجوء إلى أساليب أقل ما يقال عنها أنه غير تربوية ومخالفة لقوانين وزارة التربية، وتمثل استغلالاً لغياب سلطة الحكومة على المدرسين والمعلمين...
إنتِ قشمر (غبية)، إنت قشمر (غبية)، اعطيني هذه الورقة، يلا اطلعي، (اخرجي) بصوت عالٍ ومهين.
هذه ورقة استدعاء ولي أمر وممنوع الدخول للفصل السادس، ولا يسمح لكِ إلا عند انطلاق دراسة الفصل السابع، وإذا لم يعجبك هذا القرار يمكنك سحب اموالك وعدم الدراسة في هذا المعهد.
هذا جزء من مقطع فيديو لمدرس مادة الكيمياء في أحد المعاهد الخاصة بالعراق وهو يشتم طالبات ويطردهن من الصف بحجة عدم التزامهن بواجبات وامتحانات، مع طلب استدعاء ولي أمر إحدى الطالبات.
تجادل الطالبة المطرودة: لماذا (تطردني) يا أستاذ درجاتي عالية؟
يجيب المدرس وهو ممتليء بالغطرسة والتكبر: بكيفي (كما يحلو لي).
ينتهي المدرس من ضحيته الأولى، وينتقل للأخرى.
يصيح بصوت متعالي: نجي لأخير وحدة، حبابة محصلة (بالامتحان) 49 من 50، لكن راح ارزلها (اهينها واشتمها) وأطردها.
ينتشر مقطع الفيديو المصور بشكل سري من إحدى الطالبات، ويصل إلى وزير التربية إبراهيم الجبوري والذي وجه بتشكيل لجنة تضم قانونيين من الوزارة، وأمهلها 48 ساعة فقط لإعلان إجراءات بحق المدرس.
الوزير الجبوري شدد وفق بيان رسمي على "عدم السماح لأي أحد بالمساس بالطلبة مهما كانت الأسباب والتصرف معهم بطريقة هوجاء".
أما مواقع التواصل الاجتماعي، فلم تقصر بانتقاد المدرس، الذي لم يترك أي مجال ليدافع عنه أحد أو يتبنى قضيته التي لا تخلو من إفراط في إهانة الطالبات.
لكن هل هذا هو المدرس الوحيد الذي يهين طلابه بالطريقة التي عرضت في الفيديو المسجل بطريقة سرية، أم أن هناك مدرسين يستعملون أقسى الألفاظ لإهانة طلابهم، ولا يمانعون باللجوء إلى أساليب أقل ما يقال عنها أنه غير تربوية ومخالفة لقوانين وزارة التربية، وتمثل استغلالاً لغياب سلطة الحكومة على المدرسين والمعلمين.
ولا تقتصر إهانة الطالب العراقي على المدارس الابتدائية والثانوية، بل يصل حتى إلى الجامعات، وقد شاهدت وما زلت أشاهد حتى يوم الناس هذا طريقة تعامل الأستاذ الجامعي مع طلبته، سواء الشباب في الدراسة الصباحية أو كبار السن في الدراسة المسائية.
والمشكلة في أساسها أن النظام السياسي السابق قد أسس النظام التربوي على القمع وإعطاء سلطة مطلقة للمعلم والمدرس والأستاذ الجامعي، وعماد هذه السلطة تحقيق هدف واحد "الطاعة المطلقة"، فقد تحولت المدارس والجامعات إلى ما يشبه معسكرات الاعتقال.
أما مسألة الدراسة وحفظ أو فهم المادة الدراسية فهي جزء من الأعمال القسرية التي يجب عليها المعتقلين من طلبة المدارس والجامعات، حتى أن أحد المدرسين الرافضين لهذا المنهج الدراسي السيء أن الطالب لا يجيب عن أسئلة الامتحان إنما "يتقيأ المادة الدراسية العتيقة وكأنه يريد التخلص من شيء أجبر عليه ولا يناسبه أسلوب حياته وطبيعة أفكاره والعصر الذي يعيش فيه".
وبالفعل الطالب لا يتقيأ المادة الدراسة على ورقة الامتحان فحسب، بل يتقيأ الأسلوب القمعي في المؤسسات التعليمية على شكل أنماط سلوكية غير سوية تتسبب في تدمير البنية الأساسية للمجتمع العراقي، ومدارسنا تخرج لنا مئات الآلاف من ضحايا القمع المدرسي الذي يكونون أما شباباً ديكتاتوريين يمارسون شتى أنواع الإهانات لغيرهم عندما يحصلون على سلطة معينة (أي سلطة كانت)، أو يتحولون على أذلاء خاضعين لسياسيين ديماغوجيين شعبويين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الشعب.
وخلال السنوات السابقة شاهدنا عدداً من قصص الاعتداءات البوليسية على طلبة المدارس وضرب الطلبة بالعصي وتعذيبهم، وشكلت الحكومات السابقة لجان تحقيق ووعدت بمعالجة الأخطاء لكننا ما زلنا نشاهد بين مدة وأخرى عن تجاوزات عدوانية تطالب الطلبة وتظهر على شكل فيديوهات عبر مواقع التواصل.
أقول أن ما يظهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس إلا الجزء الأصغر من جبل الجليد لمجتمع تعليمي ما يزال الكثير من مدرسيه ومعلميه يتعاملون مع العملية التربوية وفق الأساليب الصدامية الديكتاتورية، بينما يسكت البعض الآخر من المدرسين أو يحن للعودة للإمساك بالعصا مجدداً ليسيطروا على الطلبة.
اللجان التحقيقية لا تحل المشكلة، والنظام التربوي يعاني وهو بحاجة إلى إعادة بناء لمزيد من الأبنية المدرسية وتأهيلها لتكون ملائمة للاستخدام البشري أولاً، وبالتزامن مع عملية تشييد الأبنية نحتاج إلى إعادة توجيه الأنظمة التربوية والتربويين بأساليب التعليم التي تتناسب مع احترام كرامة الإنسان بدون التسلط والتفرعن على الطلبة.
انكسار شباب المدارس اليوم تحت رحمة مدرس بلا رحمة، يعني خلق شعب مهزوم لا يستطيع بناء دولة نطمح لوضعها على جادة التقدم العالمي.
يجب ان يكون طموح المدرس أكبر من السيطرة على طلابه، على العكس، ليكون طموحه تعليم طلابه كيفية السيطرة على المشكلات ومحاصرتها وتعليمهم ثقافة الحلول المبتكرة، وتلك مهمة صعبة في ظل تعقيدات ومشكلات النظام التربوي لكنها ليست مستحيلة.
اضف تعليق