المحاباة هي صورة من صور التمييز التي لا يوجد ما يبررها على الاطلاق، فهي عمل او تصرف مرفوض بصورة قاطعة، ومن المفترض ان يخضع الجميع لنفس المعايير التقويمية، ولا يوجد تساهل مع بعض على حساب البعض الآخر وهنا يتحقق مبدأ العدالة التي تعني اخذ كل ذي حق حقه...
من الواجبات الرئيسة للمدرس إعطاء المادة الدراسية للطلبة وقسط من الغرس التربوي، وما يلفت الأنظار اليوم هو المحاباة التي اخذت تنتشر في الأوساط التربوية على حساب المكانة العلمية التي من الواجب ان تكون هي المعيار الأول بالنسبة لقرب الطالب من المعلم او بعده.
تفرض الوظيفة الإنسانية للمعلم ان يتعامل مع جميع الطلبة بمسافة واحدة لا يفضل بعضهم على بعض سوى بالمستوى العلمي، يعطيهم القدر نفسه من الاهتمام، فضلا عن التوجيه الشامل لطلبة المرحلة، ولا يقتصر الحرص على أحد دون غيره، لكن ما يحصل في الواقع التربوي هو العكس من ذلك تماما ولا يجوز التعميم أيضا.
بعض التربويون يستخدمون أساليب التمييز بين طلبة الفصل الدراسي، وهذا التمييز نابع من المكانة الاجتماعية التي يتحلى بها اهل الطالب، كأن يكون ابن طبيب مشهور او ضابط ذو مكانة في السلطة، او نجل شيخ عشيرة وغيرها من المواقع الاجتماعية، وبذلك يكون بصورة غير ارادية مميز من قبل الطواقم التربوية.
تمييز هذا النوع من الطلبة يشعرهم بالتفوق على اقرانهم، ويجعلهم يتصرفون وكأنهم أصحاب وجاهة داخل القاعات الدراسية كما أهلهم في المجتمع، وبعد ذلك يكون لديهم نزعة الانا عالية جدا وهي ما تقودهم الى الاعتداء بالتصرفات على المدرسين، ولا يبالون للضوابط الداخلية التي تنظم علاقتهم بمعلميهم.
يروي لي أحد الزملاء حالة حصلت في احدى المدارس المرموقة في مدينة ما، اذ يعمد ابن لشخصية معروفة على المستوى الأكاديمي والاجتماعي الى التجاوز على الملاك التربوي، ويتفوه بكلمات غير مناسبة ولا ترتقي لان توجه لمربي فاضل، وما شجعه على ذلك هو معرفته بما يحظى به والده من اهتمام مجتمعي وباعتقاده يجب ان تنسحب عليه هذه المكانة.
ورغم هذه الإساءة المتكررة من الطالب نراه يأخذ حيز ضمن الطلبة المحترمين من الناحية العلمية والتربوية، فلا يميزه الطاقم التربوي لسوء اخلاقه، ولا يشعره بأنه منبوذ فيما بينهم، وهنا الكارثة الفعلية التي تصيب العملية التعليمية في الصميم، وهي تغذية عملية المحاباة التي اخذت تنتشر في ارجاء المدارس أسرع من انتشار العطر عن فتح قنينته.
التمييز بين الطلبة في المدارس على أساس المكانة الاجتماعية لأولياء الأمور، له العديد من الآثار السلبية على الطلبة، فمن المتوقع ان يغادر جزء كبير من الطلبة لمدرسة ما والذهاب الى أخرى يعتقدون ان نسبة المحاباة فيها منخفضة مقارنة بمن تركوها، وفي ذلك شعور بالراحة النفسية والاستقرار في تلقي المواد العلمية.
فالاستقرار لهذا النموذج من الطلبة يعود الى عدم يميزهم تغاضي الطاقم التربوي لمفهوم العدالة التعاملية، أي الطلبة كلهم سواسية في كل شيء، ولا عن بعضهم سوى التفوق العلمي، والحرص على الحصول على درجات عالية تؤهلهم من الدخول الى الكليات الراغبين فيها.
التمييز في التعامل يؤثر وبصورة غير مباشرة على مستقبل العديد من الطلبة الذين، يكرهون تخصص ما او مادة بسب التعامل الخشن من أستاذ المادة، وبالتالي يتولد لدى الطالب كره لا شعوري لهذه المادة ويأخذ بالابتعاد عنها فيما بعد وان كان داخليا يكن لها الحب والشعور بالانجذاب اليها.
فالمحاباة في الحقيقة هي صورة من صور التمييز التي لا يوجد ما يبررها على الاطلاق، فهي عمل او تصرف مرفوض بصورة قاطعة، ومن المفترض ان يخضع الجميع لنفس المعايير التقويمية، ولا يوجد تساهل مع بعض على حساب البعض الآخر وهنا يتحقق مبدأ العدالة التي تعني اخذ كل ذي حق حقه.
التربوي لكي ينجح في مهمته التربوية، عليه التركيز على نقطة جوهرية، وهي الحرص على الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، لمنع انسياب شعور التفرقة بين الطلبة الذين ينتبهون لأي تصرف يصدره المعلم سواء كان عفوي او محسوب، لان ذلك يسهم في تعكير جوهر العلاقة التي تجمعه بالوسط المدرسي.
اضف تعليق