يذهبون للمدرسة يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع أدوات صارت عتيقة بالنسبة لعصر السرعة المعتمد بشكل تصاعدي على الذكاء الاصطناعي، وهذه مفارقة مخلة، لأن المدرسة يجب أن تسبق الزمن، وتعلم طلابها أشياء تساعدهم في مواجهة تحديات الحياة المستقبلية، والتحدي الحقيقي لأي طالب هو التعامل مع التكنلوجيا وتوظيفها بالشكل الذي يخدمه ويخدم بلده...
وزارة التربية العراقية هي وزارة تختص بالماضي، مدارسها في الماضي، مناهجها التعليمية تتعلق بالماضي، يتخرج طلاب المدارس وقد تعلموا عن الماضي، غالبية المواد التعليمية سواء كانت في التخصص العلمي أو الأدبي تندرج ضمن الماضي، وبكلمة أخرى، إنها مواد تاريخية.
في الماضي كان الورق هو العمود الفقري للعملية التعليمية، أما الأنظمة التعليمية الحديثة فقد قللت استخدام الورق، وهي في الطريق إلى إلغائه من الوجود بعد ما عرف الإنسان الفؤائد العملية من التحول إلى النظام التعليمي الرقمي، إلا في العراق، ما تزال الورقة هي المتحكم في مصائر الطلبة، فرغم أن أصابعهم تتعلم منذ الطفولة الكتابة على الشاشات، لكن المدرسة تجبرهم على العودة إلى أساليب الأجداد الماضية من ورق وقلم وسبورة متشققة.
يذهبون للمدرسة يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع أدوات صارت عتيقة بالنسبة لعصر السرعة المعتمد بشكل تصاعدي على الذكاء الاصطناعي، وهذه مفارقة مخلة، لأن المدرسة يجب أن تسبق الزمن، وتعلم طلابها أشياء تساعدهم في مواجهة تحديات الحياة المستقبلية، والتحدي الحقيقي لأي طالب هو التعامل مع التكنلوجيا وتوظيفها بالشكل الذي يخدمه ويخدم بلده.
ففي عصرنا الراهن لم يعد الطالب بحاجة إلى التعود على رائحة الورق وحدة القلم، وتجليد الدفاتر، فالدفتر والقلم والسبورة مجرد أدوات، قد تتحول بعد عدة سنوات إلى المتاحف رفقة الرقم الطينية وجلود الحيوانات التي كانت فيما مضى أدوات التعليم الأساسية في زمانها.
بل أن محرك البحث كوكل الذي يمثل ثورة حقيقية في عالمنا بدأ يفقد بريقه كنافذة كبيرة لرؤية العالم، وثورة الذكاء الإصطناعي في طريقها لطي صفحات كوكل متعددة الخيارات، والمليئة بالعشوائية، حيث بدأنا فعلياً في الانتقال إلى عالم آخر حسب الطلب، نصوص ومعلومات وصور ومواقع، وكل شيء نريده بنقرة واحدة وحسب المقاسات التي نحددها.
ثورة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي، ومثالها الآن تشات جي بي تي، حيث بدأت حركته بالدوران، وأول آثاره خسارة مدوية بمئة مليار دولار لشركة ألفابت المالكة لمحرك البحث العملاق كوكل.
تخيل أن كوكل الذي يعد أحد أعظم محركات البحث الذي اكتشفه الانسان يخسر من ظهور تطبيق تشات جي بي تي، فما بالك بالمحتوى المعرفي والمعلوماتي الذي ما يزال معتمداً على الورق.
التطور الجديد ممثلاً بتشات جي بي تي وأخواته من التطبيقات الأخرى، يمثل تهديداً فعلياً لمهن وأعمال ما نزال نعلم طلابنا عليها بالطريقة التقليدية العتيقة، وبعبارة أدق، ما نزال نجَهّل طلابنا وندفعهم للماضي لأننا لا ندري ما يحدث الآن ولا نعرف ما يخبئه لنا المستقبل.
بدأت الشبكة العالمية لنزاهة القضاء بالفعل في استكشاف الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في الهيئات القضائية عند إطلاقها رسميًا في أبريل 2018، عندما نظم معهد أبحاث الأنظمة القضائية حلقة نقاشية حول الذكاء الاصطناعي وإدارة المحاكم كواحدة من الجلسات الجانبية.
وبعد هذا الحدث، كتب عضو الفريق فرانشيسكو كونتيني مقالا عن الذكاء الاصطناعي استنادا إلى تجربته في صياغة المبادئ التوجيهية للمجلس الأوروبي مؤخرا في استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ يقدم النموذج رأيه الشامل عن آليات استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة المؤسسات القضائية، وعلى مستوى تحليل الأوضاع العامة اجرى موقع المجلة أكثر من حوار مع تشات جي بي تي وقد خرج التطبيق باستنتاجات قد لا نبالغ إذا قلنا أنها أفضل من أحاديث المحللين السياسيين الذين تعلموا التحليل في مدارس الماضي.
وفي المدارس والجامعات تتوقع الهيآت التدريسية لجوء الطلبة بشكل متزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل المساعدة في حل المسائل الرياضية والعلمية، لا سيما بعد النجاحات الكبيرة التي تحققت خلال المدة الماضية.
بالمجمل تشير الوقائع إلى أن مستقبل العالم قائم على التكنلوجيا المتقدمة وأنظمة الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن الاستفادة من تقنيات المستقبل بدون أن مغادرة مدارسنا وجامعاتنا أدوات الماضي واللجوء لوسائل السفر إلى المستقبل.
اضف تعليق