لا تتعلق الدافعية بالطالب نفسه، بل تعود الى مجموعة من العوامل والتي هي عبارة عن خليط من مكونات عدة، منها البيئة المنزلية والاجتماعية والعوامل السياسية التي تمر بالبلد والحالة الاقتصادية، تلتقي جميعها لتخلق الحافز القوي لدى الافراد لعبور مرحلة من المراحل الحياتية، شريطة ان يبقى الإصرار حليفهم لإكمال المشوار العلمي...
لماذا يذهب التلاميذ والطلبة الى المدرسة؟، ما دامت لا توفر لهم ابسط الاحتياجات والأمور اللازمة لقضاء فصل دراسي مميز من الناحية العلمية واللوجستية وغيرها من المحفزات التي تدفع بهؤلاء الأطفال بالذهاب الى المدارس وتلقي المادة العلمية بكل رغبة ودون ملل.
في كثير من الأحيان عندما تريد تعويد الأطفال في سن مبكر على عادة ما او تمرين المشي او النطق، تحاول معه بشتى الطرق لجعل العملية تبدو سهله لديه، ولأجل ذلك تضع الأشياء المحببة لنفسه بعيدة الى حد ما، لكي يحاول ويسعى من اجل الوصول اليها، وبالنهاية يتقوى على الجري وراء تلك الأشياء لبلوغها والشعور بالسعادة المتناسقة مع هدفه الذي حققه وهو الوصول.
اما إذا بادرت انت الاب او الام الى تقريب هذه الأشياء التي يراها جميلة وامنيته الحصول عليها او التقرب منها، فسيعتمد على العامل المساعد ويتكرس لديه عنصر الكسل ويتحول الى شخص اعتمادي بالدرجة الأساس، ولا توجد لديه أدنى محاولة للاجتهاد والوصول الى الأهداف المنشودة.
وهنا يجب ان تخلق للفرد الدافعية تجاه انجاز عمل معين او الوصول الى هدف رسمه في حياته، ولا يقتصر ذلك الامر على الطلبة في المدارس، الذين ضعفت لديهم الرغبة في الانخراط بالصفوف النظامية وإكمال المراحل الدراسية كما سبقهم من الأجيال التي تخرجت وساهمت في تقديم عجلة الاعمار والبناء وإيصالها الى مرحلة معينة على الرغم من بطئها وعرقلتها.
كثرت الدراسات والأبحاث والتجارب العلمية التي حاولت أن تسلط الضوء على مسألة اندفاع الطلبة نحو المادة الدراسية والتحديد الخلل الذي أدى الى التباعد وغياب الكيمياء بين الأستاذ والطالب، فلم يعد المدرس بمختلف المراحل يشكل المثل الأعلى للطلبة ويتخذون من سيرة حياته سراجا ينير حياتهم العلمية والعملية.
لقد دخل على الخط المباشر العديد من المنافسين الذين يحيدون الطلبة عن الذهاب الى المدرسة، فالتلفاز بما يقدمه من برامج مختلفة ومسلسلات ومباريات وافلام كارتون الى جانب المضمون الجاذب الذي يضعه اليوتيوب امام الأطفال، فضلا عما لوسائل التواصل الاجتماعي من تأثير فعال، جميع هذه الوسائل تشكل قوة ساحرة لتقليل انجذاب الأبناء نحو الدراسة والانشغال بالتصفح المضر في الصحة البدنية والعقلية والمتابعة الفارغة.
كلنا نلاحظ اهتمام الأطفال بالأجهزة اللوحية والبقاء لساعات طويلة متسمرين امام شبكات التواصل الاجتماعي، بينما لا يقبلون البقاء لساعة متواصلة وهم يدرسون مادة ما او يراجعون الواجبات البيتية المكلفين فيها، وبالتأكيد يعود الخلل الى المواد العلمية ومن يضع المنهج الدراسي الخالي من الأمور التشجيعية والاكتفاء بإعطاء جرع جامدة غير مرنة.
مشكلة المناهج الدراسية الخالية من المرغبات لم تكن وليدة اللحظة فهي خاضعة أيضا الى المزاج السياسي السائد في البلد، ففي النظام السابق كانت المناهج تبنى بالصورة التي تخدم مصلحة النظام وتربي الأجيال على أيدلوجية العداء لدولة على حساب المحاور او الدول الأخرى، وفي النهاية يترسخ لدى الجيل الناشئ ثقافة مصنعة تختلف الى حد كبير عن الثقافة المجتمعية السائدة.
ويقع على عاتق الجهات الحكومية جانب كبير من المسؤولية، فهي من تجعل المعلم او المدرس يعطي للمادة العلمية حقها، عبر الاهتمام فيه واعطاءه المكانة التي يستحقها كمربي للأجيال، ومن بين الأمور الواجب الاعتناء بها هي المرتب الجيد الذي يؤمن له حياة معيشية بصورة مريحة لا تمسه الفاقة ورفع قدرته الشرائية للحاجات الضرورية وحتى الكمالية.
وعند غياب هذه الدافعية لدى المدرس يمكن أن يقتل كليا الرغبة لدى التلاميذ، اذ يجب ان يتحلى المدرس بصفات معينة وشخصية قيادية يحرص على تأدية واجبه العلمي والأخلاقي على اتم وجه، ولا يصح ان يأتي المدرس الى الفصل الدراسي وتظهر عليه ملامح الكسل وعدم النشاط لإعطاء المادة الدراسية وكأنه مكلف بتأدية وظيفته بصورة اجبارية.
ولا تتعلق الدافعية بالطالب نفسه، بل تعود الى مجموعة من العوامل والتي هي عبارة عن خليط من مكونات عدة، منها البيئة المنزلية والاجتماعية والعوامل السياسية التي تمر بالبلد والحالة الاقتصادية، تلتقي جميعها لتخلق الحافز القوي لدى الافراد لعبور مرحلة من المراحل الحياتية، شريطة ان يبقى الإصرار حليفهم لإكمال المشوار العلمي الذي ينتهي بالتفوق والاجتهاد.
اضف تعليق