الأسابيع الاخيرة الماضية تمثل استفاقة متأخرة للتعليم وانتصاراً جزئياً ضد عمليات التزوير العلمي فضلاً عن عمليات شرعنة التعليم المتدني وغير الخاضع للمعايير المتبعة عالمياً. فالتعليم اليوم يحارب على ست جبهات، انتصر في جبهتين وأمامه الجبهات المتبقية التي لا تقل خطورة عن الجبهتين المهزومتين...
الأسابيع الاخيرة الماضية تمثل استفاقة متأخرة للتعليم وانتصاراً جزئياً ضد عمليات التزوير العلمي فضلاً عن عمليات شرعنة التعليم المتدني وغير الخاضع للمعايير المتبعة عالمياً.
فالتعليم اليوم يحارب على ست جبهات، انتصر في جبهتين وأمامه الجبهات المتبقية التي لا تقل خطورة عن الجبهتين المهزومتين.
الجبهة الأولى
تمثلت بالانتصار على قانون أسس معادلة الشهادات الذي شرعه مجلس النواب ومثل أقصى درجات التسييس وانتهاك المعايير العلمية، وكتب عنه العديد والاكاديميين واعترضت عليه جامعات ونقابات ليكون القرار النهائي للمحكمة الاتحادية التي اقرت بعدم دستورية بعض فقراته.
ولخص أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت الدكتور غالب الدعمي، قرار المحكمة الاتحادية بشأن نقض بعض المواد الواردة في قانون معادلة الشهادات العليا وكالآتي:
- عدم دستورية معادلة الشهادات الجامعية لذوي الدرجات الخاصة.
- عدم دستورية إجراء معادلة الشهادات الجامعية خارج وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
- عدم دستورية حصر مهام معادلة الشهادات بالجوانب الإجرائية وامتدادها إلى الجوانب العلمية لمضامين الرسائل والأطاريح.
- عدم دستورية صلاحية الوزير في الاستثناء في شرط الإقامة المطلوبة كشرط لمعادلة الشهادة.
- عدم دستورية منح الألقاب العلمية لحملة الشهادات العليا من الموظفين المدنيين من غير موظفي التعليم العالي ووزارة التربية.
- عدم دستورية الاستثناءات التي منحها قانون أسس تعادل الشهادات للمشمولين بقانون مؤسسة الشهداء ومؤسسة السجناء السياسيين وضحايا الإرهاب والمفصولين السياسيين.
هذه المواد التي الغيت لعدم دستوريتها أريد لها أن تكون المسمار الأخير في نعش التعليم العالي والشهادات العليا وعملية منح الألقاب العلمية، لأنها لو استمرت لتحولت الشهادة العليا واللقب العلمي إلى مجرد ديكور من ديكورات الغرفة بالنسبة لأي شخص يستطيع الحصول عليه من خلال الأموال عبر شراء الشهادة بالخارج، وشرعنتها بقانونيا بالداخل.
ولولا الاعتراضات الشديدة من الاكاديميين ووزارة التعليم ونقابة الاكاديميين لمرر هذا القانون، لكن بجهود الحريصين على رصانة التعليم انهيت هذه الازمة بانتصار العلم على تسييس العلم.
الجبهة الثانية: شهادات الخارج
كانت الجبهة الثانية ضرورية لوقف نزيف التعليم العالي، متمثلة بوقف عمليات التزوير التي تجري في الخارج، فقد صدر قرار جريء من وزراة التعليم، بوقف الاعتراف بالشهادات العليا في ثلاث جامعات لبنانية بسبب ما يشوبها من انتهاكات للمعايير العلمية في منح الشهادة.
وربما يكون الأدق القول بأن الكيل قد طفح في مسألة الفساد العلمي، إلى درجة أن القاصي والداني يعرف ما يجري من منح الشهادات العليا في الخارج بطريقة أشبه ما تكون بعمليات البيع والشراء والسمسرة، إنها بعيدة كل البعد عن طلب العلم.
وقد جاء قرار وزارة التعليم بعد فضيحة تزوير 27 الف شهادة جامعية في لبنان، خلال مدة انتشار التعليم عن بعد بحجة انتشار فيروس كورونا.
الجبهة الثالثة: التزوير في مكاتب الاستنساخ
لا تستغرب أذا وجدت إعلاناً ممولاً يدعوك لزيارة مكتب استنساح في بغداد من أجل إتمام عملية كتابة رسالة الماجستير أو الدكتوراه، بمدة قياسية وبطريقة احترافية تجبر لجنة المناقشة على منحك درجة الامتياز.
ليست الرسائل فقط، إنما بحوث الترقيات العلمية يجري العمل فيها بشكل تجاري، ونفس المكاتب تقوم بكتابة بحوث الترقية لمرتبة الأستاذ مساعد والاستاذية.
وتعرف وزارة التعليم جيداً بهذا الأمر والأمن والوطني يعرف كذلك لأنه ينشط في كل مكان سواء كان واقعياً ضمن الجغرافيا العراقية أو افتراضياً ضمن تضاريس وتعقيدات مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن وزارة التعليم والأمن الوطني والجهات المختصة لا يعلنون الحرب على هذه المكاتب المخصصة لكتابة الرسائل والأطاريح وبحوث الترقية لعدم تسليط الإعلام عليها، ولو نظمت وسائل الإعلام حملة بسيطة على هذه القضية لوجدت الحكومة تنتفض وتعلنها ثورة بينما هي تعرف مسبقاً ولا تحرك ساكناً.
وهذه المكاتب لا تقل خطورة عن الشهادات المزورة من لبنان والهند وسوريا وأوكرانيا وروسيا وغيرها، فالكل يؤثر على جودة التعليم ويهدد بالفشل الكلي للمنظومة التعليمية.
الجبهة الرابعة: كفاءة الكادر التدريسي الحالي في الجامعات
باعتراف العديد من أساتذة الجامعات فإن كفاءة الأستاذ الجامعي اليوم متواضعة، ولا تتناسب مع حجم التحديات التي تواجه التعليم العالي في العراق، لذلك من الطبيعي إعادة التقييم لكفاءة الأستاذ الجامعي.
بل الأفضل إعادة التقييم لعملية التقييم نفسها، التي تسببت بتحويل الأستاذ إلى مجرد جامع لكتب الشكر الوهمية والأنشطة الروتينية التي تلبس ثوب المؤتمرات العلمية وهي اقرب لحديث العجائز.
وزارة التعليم مطالبة بوضع خطة سريعة لتطوير الملاكات التدريسية في الجامعات، واعتماد معايير تقيمية حقيقية بعيدة عما يجري من أمور روتينية لا علاقة لها بالعلم.
الجبهة الخامسة: إعادة النظر بالمناهج العلمية وطرائق التدريس
ولا يمكن الحديث عن كفاءة الملاكات التدريسية في الجامعات بدون إعادة النظر بالمناهج التعليمية في الدراسات الأولية والعليا، فالاستاذ الجامعي اليوم هو نتائج هذه البيئة لأن أغلب اساتذتنا الآن تتلمذوا في الجامعات المحلية.
المنهج العلمي بعيد كل البعد عن العلم، وقريب من التلقين وعمليات تعبئة عقول الطلبة في الدراسات العليا والاولية بالمعلومات التي عفى عليها الزمن، وجميع الكليات والتخصصات تعاني من ازمة تخلف مناهج التعليم وهو ما يؤثر في طبيعة تفاعل الأستاذ مع المادة والتلقي السلبي من قبل الطالب الذي لا ينظر إلى المادة إلا من حيث كونها أحد المعوقات الإدارية التي يجب أن يجتازها باي طريقة كانت حتى ولو بالغش.
والطالب يبرر لجوءه للغش بكون المادة غير علمية ووزارة التعليم غير جدية في التعليم وتريد عرقلة اجتياز الطلبة إلى المراحل المتقدمة.
الجبهة السادسة: وقف التدخلات السياسية بالتعليم
كل هذه الجبهات في كفة والتدخلات السياسية في كفة ثانية، اذ يمكن القول أن أغلب مشكلات التعليم في العراق هي مخرجات للتدخلات السياسية على مر الأنظمة السياسية المتعاقبة.
بسبب التدخلات السياسية لم يعد هناك رسوب للطلاب الفاشلين لأنهم سوف ينجحون في الدور الثالث أو حتى الرابع.
ولم يعد ترقين القيد مفيداً في الدراسات العليا بالنسبة للطلبة الفاشلين لأنهم سيعودون إلى الدراسة لاكمال مسيرتهم الفاشلة، وإن فشلوا مرة أخرى وتم ترقين قيدهم سيعودون مرة ثالثة بسبب التدخلات السياسية.
وبسبب التدخلات السياسية صارت الجامعات الاهلية منتشرة في كل مكان وبدون أي قيود علمية في القبول، وباتت تخرج جيوشاً من الأميين الذين يملكون درجات عالية ويكملون الدراسات العليا في الجامعات المحلية والخارجية.
اضف تعليق