تدشن اليمن عاماً دراسياً جديداً، قد يكون الأسوأ في تاريخ التعليم في هذا البلد المنكوب، بالنظر إلى حجم الخسائر الفادحة التي ألحقها العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقتهم بالقطاع التعليمي، في السنوات الست الماضية، ورغم كل ذلك لا تزال الجبهة التربوية في طليعة جبهات العزة والكرامة المتصدية...
تدشن اليمن عاماً دراسياً جديداً، قد يكون الأسوأ في تاريخ التعليم في هذا البلد المنكوب، بالنظر إلى حجم الخسائر الفادحة التي ألحقها العدوان السعودي الإماراتي ومرتزقتهم بالقطاع التعليمي، في السنوات الست الماضية، ورغم كل ذلك لا تزال الجبهة التربوية في طليعة جبهات العزة والكرامة المتصدية بكل بسالة للعدوان الجائر على بلادنا، وإسقاط مخططاته الشيطانية الرامية الى تجهيل المجتمع اليمني، وحرمان اليمنيين من حقهم في التعليم.
رسمت الجبهة التربوية وللعام السادس، رغم هالة الخراب والدمار التي لحقت بالمؤسسات والمنشآت والمرافق التعليمية، أروع ملاحم وصور البطولة ضد عربدة وعجرفة وطغيان وجبروت عدوان تحالف العاصفة، بفضل الثبات والصمود الأسطوري للكادر التربوي من معلمين ومعلمات وموجهين وإداريين وفنيين،..، والذين صدروا أسمى معاني التضحية والتفاني والإيثار في القيام بواجباتهم التربوية الرسالية، وتجاوزهم كل الظروف والعقبات الصعبة التي أوجدها العدوان وحصاره البغيض، وهم وحدهم من يجب أن ترفع له القبعات، فلولا صمودهم لانهارت المنظومة التعليمية منذ السنة الأولى للعدوان.
في هذه القراءة سنحاول تقديم مقاربة رقمية لواقع التعليم في المناطق غير الخاضع للاحتلال السعودي الإماراتي، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمؤسسات والمنشآت التعليمية فيها، خلال السنوات الست الماضية، من واقع التقارير الرسمية وتقارير المنظمات المحلية والدولية، وهي بمجملها لا تمثل سوى جزء يسير مما هو موجود على الواقع، نظراً لعدم وجود قاعدة بيانات دقيقة عن حجم الخراب والدمار الذي ألحقه العدوان بالبنية التحتية لليمن حتى اللحظة، والتي كان لقطاع التعليم حصة الأسد منها، ومع ذلك لا تزال المؤسسات التعليمية تؤدي رسالتها، رغم استمرار العدوان والحصار، واستمرار محاولاته العبثية لشل العملية التربوية، ورغم شحة الإمكانيات وعدم توافر حتى الحد الأدنى منها.
الخسائر البشرية:
تشير تقارير وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ الى أن معدل الضحايا من الأطفال، ممن هم في سن الدراسة يصل إلى 18 طفلاً، كُلّ يوم، ما بين شهيد وجريح.
ويوثق تقرير للأمم المتحدة نشره موقع قناة الجزيرة القطرية بتاريخ 26 يوليو 2019 نحو 1689 طفلاً في اليمن خلال العام 2018، ما بين قتيل ومشوه، وحمّل التحالف الذي تقوده السعودية المسؤولية عن قتل 720 طفلاً، معظمهم بسبب غارات جوية.
وفي أبريل 2019 قالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، الخاصة بالأطفال والنزاع المسلح، "فرجينيا غامبا" أن أكثر من 7500 طفل، قتلوا في اليمن منذ بدء الحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية.
وكشف تقرير للمركز اليمني لحقوق الإنسان، بعنوان "طفولة بلون الدم ورائحة الموت" نشرته "سانا" في 7 سبتمبر 2020 عن استشهاد وإصابة أكثر من 7200 طفل، في مختلف المحافظات اليمنية بسبب غارات العدوان، عدد الشهداء بينهم 3468 طفلاً.
وسجل تقرير للتحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات بعنوان "التعليم تحت الهجوم" بتاريخ 9 يوليو 2020 أكثر من 5000 طالب ومعلم وأكاديمي، تعرضوا للإصابات والقتل والأذى، في هجمات على التعليم باليمن خلال الفترة "2015 – 2019"، وسجل أيضا 3804 جريح.
91 بالمئة من إجمالي ضحايا الأطفال نتج عن هذه الهجمات المباشرة للعدوان ومرتزقته.
الخسائر المادية:
قدّرت وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ تكلفة الخسائر المباشرة للأضرار التي لحقت بقطاع التربية والتعليم خلال الفترة "26 مارس 2015 – 26 مارس 2020"، بنحو 3 تريليون ريال، وإجمالي تكلفة الخسائر والاضرار المادية التي لحقت بقطاع التعليم جراء استمرار استهداف العدوان للمدارس والمنشأة التعليمية 6118000000 ريال.
وتجاوزت تكلفة الخسائر والأضرار المادية التي لحقت بقطاع التعليم خلال السنوات الثلاث الأولى من العدوان 334052000 دولار.
المنشآت التعليمية المدمرة:
تسببت غارات العدوان وهجمات المرتزقة خلال الفترة "26 مارس 2015 – أبريل 2020" في تدمير وإلحاق الضرر بـ
3652 منشأة تعليمية، أصيبت بأضرار مباشرة وغير مباشرة، وبنسبة تزيد عن 21% من عدد المنشآت التعليمية العاملة في اليمن، تضم نحو 1898220 طالب وطالبة، بنسبة 32.3%، يعمل فيها نحو 89840 معلم ومعلمة، منها 412 منشأة دُمرت كلياً، وكان لمحافظة حجة منها النصيب الأوفر بتدميره 110 منشآت، تلتها محافظة صعدة بـ 106 مدارس، و1491 منشأة تدمير جزئي.
ومعلومٌ أن عدد طلاب المدارس في عموم محافظات الجمهورية اليمنية 5813862 طالب وطالبة، منهم 4443409 طالب وطالبة يتلقون التعليم بالمدارس الواقعة في المحافظات المحاصرة، وهو ما يمثل نحو 76.3% من إجمالي عدد الطلاب في عموم المحافظات.
ووثقت دراسة لمدير عام الصحة المدرسية في وزارة التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ "عبدالملك حسن السياني" نُشرت في سبتمبر 2020 بعنوان: "التعليم.. تحت نيران العدوان السعودي" نحو 1405 مدارس ومنشآت تعليمية، تضررت بسبب العدوان، منها 288 مدرسة ومنشأة دُمرت كلياً، و1117 مدرسة متضررة.
وخلال الفترة "26 مارس 2015–26 مارس 2018"، دمر التحالف ومرتزقته نحو 2641 منشأة تعليمية وتربوية، شاملة المدارس ومكاتب التربية ومعاهد تدريب المعلمين والنقابات التربوية، 293 منشأة تم تدميرها كلياً، و2348 تدمير جزئي.
ووثق تقرير مشترك لمنظمة حقوق الإنسان اليمنية المستقلة "مواطنة"، ومركز "سيزفاير" لحقوق المدنيين، 380 منشأة تعليمية تعرضت للتدمير بسبب الحرب في اليمن منذ مارس 2015، وحتى ديسمبر 2019.
بينما يتحدث تقرير أخر لوزارة التربية والتعليم بحكومة الانقاذ عن تضرر 6979 منشأة تعليمية بشكل مباشر وغير مباشر، منذ بداية الحرب والحصار على اليمن في 26 مارس 2015 وحتى بداية 2020.
استهداف المدارس:
وثقت منظمة "مواطنة" أكثر من 2000 واقعة انتهاك على المدارس منذ بدء العدوان على اليمن، وحتى العام 2019، وخلال 2018 فقط تم توثيق نحو 60 واقعة اعتداء واستخدام للمدارس، منها واقعتا هجوم جوي، و22 واقعة احتلال، و36 واقعة لأشكال أخرى كالاقتحامات، إضافة إلى حالة انفجار ذخائر تم تخزينها في مستودعات قريبة من مدارس، أوقعت خسائر كبيرة في صفوف الأطفال، ووثق تقرير مشترك لمنظمة "مواطنة" و"سيزفاير" خلال الفترة "26 مارس 2015-31 يناير 2019"، نحو 153 هجمة جوية، نفذتها قوات التحالف على مدارس ومرافق تعليمية أو بالقرب منها، في 16 محافظة يمنية، هي: صعدة، حجة، أمانة العاصمة صنعاء، محافظة صنعاء، أبين، البيضاء، الحديدة، الجوف، المحويت، عمران، ذمار، لحج، مأرب، شبوة، تعز، الضالع.
معظم تلك الهجمات كانت "عشوائية"، و"لم تجد فرق البحث الميدانية للمنظمة، أو شهود العيان الذين قابلتهم أي أهداف عسكرية بالقرب أو بداخل 140 مدرسة مدمرة أو متضررة، مقابل 13 مدرسة تعرضت لهجوم جوي، كانت بالفعل تستخدمها جماعات مسلحة، أو هناك شبهات لوجود عسكري فيها أو بالقرب منها أثناء الهجوم".
ونالت محافظات: "تعز، صعدة، حجة، صنعاء" النصيب الأكبر من استهداف العدوان ومرتزقته للمنشآت التعليمية.
ويرى "التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات" أن اليمن هو البلد الأكثر تضرراً من الهجمات العسكرية للطائرات الحربية والمدفعية، سواء على مستوى المنطقة أو العالم، وقال أن عدد الهجمات على التعليم في اليمن، ظل كبيراً بدرجة مقلقة، فقد تعرّض لأكثر من 1500 هجوم موثق على المدارس، وأكثر الهجمات كانت على بنايات التعليم العالي، حيث وقع أكثر من 130 هجوماً من هذا النوع بين عامي 2015 و2019، اشتملت في حالات كثيرة على القصف والاستهداف بالمتفجرات والغارات الجوية.
ورصدت منظمة "اليونيسيف" نحو 380 واقعة اعتداء وتضرر لمدارس ومرافق تعليمية، لكنها لا تمثل العدد الإجمالي للهجمات، ولا تحصر الأنماط التي تعرضت لها المدارس والمرافق التعليمية أثناء العدوان الجائر على اليمن.
وسجل العام 2019 أعلى معدل في حوادث الاعتداء على المدارس أثناء الدوام الرسمي، حيث تم تسجيل:
32 حالة اعتداء على المدارس في مختلف محافظات اليمن، تنوعت بين القصف المدفعي والغارات الجوية.
16 حادثة قتل لأطفال، وهم في طريقهم إلى المدرسة.
ومن من أبرز الهجمات وأكثر بشاعة:
1 - استهداف العدوان في 10 يناير 2016 مدرسة "الفلاح" ببني "معصار"، في محافظة صنعاء، ما أدى الى استشهاد 3 أطفال وجرح 3 آخرين.
2 - قصف طائرات التحالف في 14 يناير 2016 مدرسة في حي "بازرعة"، بمديرة التعزية، في محافظة تعز، ما أدى الى استشهاد 4 أطفال وجرح طفل.
3 - قصف طائرات التحالف في 13 أغسطس 2016 مدرسة قرية "الدوار"، في مديرية حيدان، بمحافظة صعدة، ما أدى الى استشهاد 10 أطفال.
4 - قصف طائرات التحالف في 6 يناير 2017 مدرسة "الحسين"، بمديرية الحيمة الداخلية، في محافظة صنعاء، ما أدى الى استشهاد 5 أطفال.
5 - استهداف طائرات التحالف في 9 أغسطس 2018 "حافلة مدرسية" تُقِلُ أطفالاً بمديرية ضحيان، في محافظة صعده، ما أدى الى استشهاد 46 طفلاً، وجرح 58 آخرين.
المدارس المغلقة بسبب الحرب:
تتحدث تقارير وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ عن إغلاق 756 منشأة تعليمية، منذ بداية العدوان وحتى أبريل 2020، إما بسبب الغارات، أو بسبب وقوعها في مناطق الاشتباك، أو بسبب استخدامها لإيواء النازحين، منها 179 مدرسة في محافظة صعدة، وتأثر قرابة مليوني طالب في أنحاء اليمن.
وعدد المنشآت التعليمية المغلقة حتى فبراير 2019، بسبب وقوعها في مناطق غير آمنة، نحو 660 منشأة.
في حين تحدث تقرير لمنظمة "اليونيسيف" في مطلع عام 2020 عن توقف 2500 مدرسة، وهذه المدارس لم تعد صالحة للاستخدام بسبب الحرب، وقد دُمّر نحو ثلثيها 66% بسبب العنف المباشر، فيما أُغلقت 27% منها، وأُستُخدم 7% منها لأغراض عسكرية أو أماكن إيواء للنازحين.
وتشير دراسة "السياني، الى إغلاق 70% من المدارس قبل نهاية العام الدراسي 2014/ 2015، ما أعاق مواصلة تعليم 1.84 مليون طالب وطالبة، وما يقارب 3600 مدرسة، وتأجيل استكمال العام الدراسي، وضياع شهرين دراسيين، وعدم تمكن 600 ألف طالب في الصف التاسع من التعليم الأساسي والصف الثالث الثانوي من الخضوع لامتحانات شهادة التعليم الأساسي والثانوي في موعدها المحدد، وتكرر الأمر في العام الدراسي 2019/2020 بسبب جائحة كورونا، حيث خروج أكثر من مليوني طفل من المدارس، و5.8 مليون طفل كانوا مسجلين في المدارس قبل جائحة كورونا، أصبحوا عُرضة لخطر التسرب.
وقالت منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن، "ليز جراندى" أن 70% من المدارس معرّضة للإغلاق أو بالكاد قادرة على العمل في العام الدراسي الجديد 2020 /2021، خصوصاً مع إيقاف الأمم المتحدة معظم برامجها في اليمن.
ويؤكد تقرير فريق الرصد والمتابعة التابع للائتلاف اليمني للتعليم تزايد عدد المدارس التي تُغلق أبوابها يومياً، حيث بلغ عدد المدارس المغلقة أو المدمرة حتى نهاية أبريل 2019 حوالي 1596 مدرسة في عموم المحافظات، ما تسبب في حرمان 1600000 طفل في سن التعليم، من الالتحاق بالمدارس.
78% من المدارس المغلقة تعرضت لأضرار كلية وجزئية نتيجة قصف دول العدوان.
ويذهب المدير الإقليمي "لليونيسف" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "خيرت كابيليري"، في بيان أصدره في أكتوبر2017 إلى أن ما أسماه بـ"العنف" قد أدّى إلى إغلاق مدرسة من بين كلّ 10 مدارس، في كلّ أنحاء اليمن.
على مستوى المدارس الخاصة، يؤكد تقرير ميداني لمركز الدراسات والإعلام التربوي، إغلاق نحو 200 مدرسة خاصة، أبوابها، من أصل 1050 مدرسة، خلال العام الدراسي 2015/2016 فقط.
مدارس إيواء النازحين:
تسببت الغارات الجوية المسعورة لتحالف العدوان، في نزوح أكثر من 800 ألف طفل، مع أسرهم، إلى مناطق أكثر أمناً داخل اليمن، وتلقوا تعليمهم في مدارس بديلة أو في مراكز تعليمية تفتقد للحد الأدنى من مواصفات البيئة المدرسية.
ويذكر تقرير لليونيسيف أنّ هناك 1.6 مليون طفل نازح، من إجمالي 3 ملايين نازح بسبب الحرب، أي أن 30% من الطلبة نازحين ومهجرين داخلياً.
ولم يكن أمام الدولة من خيار سوى فتح المدارس لإيواء النازحين، خصوصاً وأن أكثريتهم ليس لهم أقارب في المناطق التي نزحوا اليها، أو حالتهم المادية لا تسمح باستئجار منزل، وتشير الأرقام الرسمية الى استخدام 880 منشأة تعليمية، كمراكز لإيواء النازحين، حتى مارس 2018، و993 منشأة تعليمية، حتى فبراير 2019، توزعت على النحو التالي:
تعز 20 مدرسة، حجة 45 مدرسة، عمران 25 مدرسة، أمانة العاصمة صنعاء 5 مدارس، البيضاء 7 مدارس، الجوف 11 مدرسة، محافظة صنعاء 2، لحج 2، مأرب 12، المحويت 3، ريمة 5، بحسب دراسة "السياني".
مستقبل مظلم:
أنتج العدوان السعودي الإماراتي الظالم على اليمن، جيلاً بأكمله لا يعرف الحياة إلا على وقع طبول الحرب المريرة بشهادة الصليب الأحمر، وينتظرهم مستقبل غامض، بحسب توقعات ممثلة اليونيسف باليمن، "ميريتشيل ريلاينو"، بسبب محدودية حصولهم على التعليم أو عدم توفره، وحتى أولئك المنضمين للمدارس لا يحصلون على التعليم الجيد الذي يحتاجونه.
خلقت سنوات العدوان الست أوضاعاً معيشية، وأزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، وبات من الصعب على معظم الأسر اليمنية توفير متطلبات أبنائها المدرسية، من رسوم مدرسية وزي مدرسي وكتب وغيرها، في ظل استمرار العدوان والحصار الجائر والانهيار المتواصل للاقتصاد الوطني والعملة المحلية، ما تسبب في حرمان أولادهم من التعليم، وبالتالي التسبب في ارتفاع نسب التسرب من التعليم، الذي تعاني منه اليمن منذ بداية العدوان.
إذن فنحن أمام وضع كارثي وحالة طارئة، تجزم الممثلة المقيمة لليونيسف في اليمن "سارة بيسلو نيانتي"، بأنه ليس من الممكن المبالغة في وصف حجمها، حيث أن الأطفال الذين يواجهون في الأساس أسوأ أزمة إنسانية في العالم، يكافحون اليوم من أجل البقاء أحياء.
أطفال اليمن كانوا ولا زالوا من أكثر الفئات تضرراً في المجتمع، بعد أن أجبرت الأوضاع المعيشية التي خلقها العدوان وحصاره الجائر، أكثرية الأسر على إعطاء الأولوية لتوفير متطلبات الحياة المعيشية على توفير احتياجات ومتطلبات المدرسة، ما تسبب في حرمان الكثير من الأطفال، من أبسط حقوقهم في التعليم، وتوجه الكثير منهم لممارسة الأعمال الشاقة، لتوفير أدنى متطلبات العيش، لدعم أسرهم.
هذا الوضع الكارثي الذي أوجده العدوان تسبب في ارتفاع معدلات الانتحار في أوساط الطلاب والكادر التعليمي، وإقدام بعض الأسر على قتل أولادها، ويعود السبب على الأرجح إلى استمرار انقطاع الرواتب، وغياب فرص العمل، واتساع رقعة الفقر، وهذه الظاهرة الغريبة والصادمة بدلالاتها وأبعادها بحاجة لقراءة مستفيضة، لأنها تعكس مدى الضرر الذي ألحقه العدوان العبري بالنظام التعليمي ككل، وتمهّد لسابقة خطيرة للمستقبل.
التسرب من التعليم:
كشف مسح أُجري للأطفال خارج أسوار المدارس أن 32% منهم لا يجدون بدائل عن مدارسهم المغلقة، بينما أرجع 28% منهم السبب إلى عدم الاهتمام بالذهاب إلى المدرسة، و17% بسبب عدم القُدرة على تحمُّل تكلفة التعليم، جراء انخفاض دخل أولياء الأمور الذين تضررت أعمالهم جراء العدوان، بحسب دراسة "السياني"، وبحسب منظمة "اليونيسيف" فقد تسبب الفقر في حرمان 37% من أطفال اليمن من التعليم.
وقالت دراسة أجرتها منظمة "اليونسكو" أن آلاف الطلاب في اليمن مهددين بالتسرب من الدراسة، في حال لم يحصلوا على المساعدة، ما يعني أن 78% من الأطفال في سن الدراسة لن يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة في السنوات القادمة، في بلد يحتل المرتبة الثانية للأمية العالمية.
وتسبب العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، في منع 40% من إجمالي عدد الأطفال في سن الدراسة من التعليم، أي أن هناك أكثر من 3 ملايين طفل معرّضون للتسرب من المدارس، و3.7 مليون طالب وطالبة أصبحوا خارج المدارس، من إجمالي 7.3 مليون طفل في سن الدراسة، بحسب تقرير لمنظمة "اليونيسف" في العام 2019، وأنهم يواجهون مستقبلاً مجهولاً في التعليم، وباتوا على المحك، نتيجة سوء الوضع المعيشي وعدم صرف مرتبات مدرسيهم.
وارتفعت نسبة تسرب التلاميذ من المدراس الى 47%، مقارنة بـ 5.27% قبل انطلاق عاصفة العدوان على اليمن.
وأشارت دراسة "لليونسكو" في العام 2015، أن اليمن احتلت المركز الثاني بين البلدان العربية من حيث نسبة الأمية، التي وصلت الى 30%.
ومنعت عمليات عاصفة الحزم 2.9 مليون طالب وطالبة، من ارتياد المدارس، وتسرب 1.8 مليون طالب وطالبة لأسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة في العام الأول من العدوان، بحسب الأمم المتحدة.
ويقول تقرير ميداني مشترك لمركز الدراسات والإعلام التربوي، أن 1300000 من أصل 6 ملايين طالب وطالبة، حُرموا من مواصلة التعليم في العام الدراسي "2015 ــ 2016"، بمعدل طالب من بين كل 5 طلاب، بنسبة 22%، وأن 40% من المعلمين فقط، تمكنوا من مزاولة عملهم.
وتشير تقارير وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ الى تسرب 500000 طالب وطالبة من التعليم الأساسي، و650000 طالب وطالبة من التعليم الثانوي في العام الدراسي 2015/2016.
وفي النصف الثاني من العام الدراسي 2017 كشف تقرير لمنظمة "اليونيسف" أن 31% من فتيات اليمن أصبحن خارج نطاق التعليم، وحرمان عشرات ألاف الأطفال اليمنيين من حقهم في التعليم خلال العامين "2018–2019" بسبب عجز أسرهم عن توفير أبسط احتياجاتهم المتمثلة في وجبة الإفطار، وعدم قدرتهم على توفير المستلزمات المدرسية، وانقطاع 500000 طفل يمني عن الدراسة بسبب المواجهات العسكرية في مناطق النزاع الساخنة.
وذكر تقرير لوزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ في مطلع العام 2020 أن أكثر من مليون طفل محرومون من التعليم، وهو عدد يضاف إلى 1.6 مليون طفل آخرين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة أصلاً، وحصدت محافظات تعز وحجة والحديدة أكبر نسبة من تدهور التعليم، كما توقف التعليم بشكل كلي في مديريتي عبس وحرض الحدوديتين مع السعودية بمحافظة حجة للعام الثالث، ومديريات حيس والجراحي والتحيتا والدريهمي بمحافظة الحديدة، وإضافة 400000 طفل سنوياً إلى قوائم الأميين في اليمن جراء استمرار العدوان.
وقال تقرير لمنظمة "اليونيسف" عن وضع التعليم في اليمن في مارس 2020 أن مليوني طفل يمني أصبحوا خارج المنظومة التعليمية، مقابل 5.8 مليون تلميذ لا يزالون مواظبين على ارتياد مدارسهم، وما يقارب 1.71 مليون طفل يعيشون في محافظات النزوح منذ بدء الحرب في 26 مارس 2015، وبعضهم أجبرته الظروف المعيشية على ترك المدارس والالتحاق بسوق العمل، كما لم يعد من الممكن استخدام مدرسة واحدة من كل 5 مدارس في اليمن كنتيجة مباشرة للنزاع.
وبلغ عدد النازحين داخل اليمن جراء العدوان نحو 2 مليون نازح، بحسب الأمم المتحدة، ونسبة النزوح بين الطلاب 19%، من إجمالي الطلاب البالغ عددهم 6 ملايين، بحسب مركز الدراسات والإعلام التربوي، وبالتالي عدم تلقي 1 من كل 2 من الطلاب النازحين التعليم، رغم بقاء الكثير منهم على قيد الدراسة.
أكثر من 900000 طفل نزحوا مع أسرهم إلى مناطق أكثر أمناً داخل اليمن، تلقى البعض منهم تعليمهم في مدارس بديلة أو في مراكز تعليمية تفتقد للحد الأدنى من مواصفات البيئة المدرسية، فيما آخرون لم يتمكنوا من مواصلة تعليمهم.
وتتوقع منظمات حقوقية أن يصل عدد الطلاب الذين قد يتعثر التحاقهم بالمدارس إلى 5 ملايين طفل يمني، إذا لم يتوقف العدوان، وتُصرف مرتبات المعلمين.
الكتاب المدرسي:
لم يكتفي العدوان بتدمير المدارس، بل وصلت به الى منع دخول الأوراق والقرطاسية والأحبار الخاصة بطباعة الكتاب المدرسي، وإعاقة طباعة الكتاب المدرسي منذ 2015، وحدوث نقص كبير في الكتب المدرسية والمواد المدرسية الأخرى، نتيجة انعدام الموارد المالية الخاصة بعملية طباعة الكتاب المدرسي، وإيقاف الدعم من الدول المانحة، ما أدى الى تضرر أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة في تعليمهم، وحرمانهم من 56565868 كتاباً مدرسياً، مما أثر سلباً على سير العملية التعليمية في اليمن.
وبلغ متوسط العجز السنوي في طباعة الكتب المدرسية ما يقارب 84%، بما يعادل نسخة واحدة من المنهج لـ 7 طلاب.
ومتوسط ما تم توزيعه من الكتب المدرسية خلال الأربعة الاعوام "2015–2019" نحو 7883308 كتب، من اجمالي عدد النسخ المطلوبة خلال نفس الفترة والتي يبلغ عددها 66758987 كتاباً، أي أن ما تم توزيعه من كتب لا يتجاوز 12% من العدد المطلوب، ومتوسط نسبة الطلبة بدون كتب دراسية 57.4%.
وكانت وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ قد اتفقت مع منظمة "اليونيسف" على توريد المواد الخام لطباعة 5 ملايين كتاب، وعند وصولها إلى ميناء الحديدة، قام العدوان بإعادتها إلى ميناء جدة، وحجزها لمدة 7 أشهر.
الكادر التربوي:
تسبب قرار الرئيس المنتهية ولايته "عبدربه منصور هادي" في 19 سبتمبر 2016 بنقل البنك المركزي إلى عدن، في قطع مرتبات 194417-196000 من القوى العاملة في مجال التربية والتعليم، أي ما نسبته 64% من إجمالي الكوادر العاملة في حقل التعليم، ويمثل المعلمون والمعلمات في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ 73% من إجمالي عدد المعلمين والمعلمات في اليمن بشكل عام.
وتضرر نحو 4500000 طالب وطالبة، يمثلون 76.3% من إجمالي عدد التلاميذ في اليمن، نتيجة الإضرابات المتكررة لهؤلاء المعلمين، من أجل المطالبة بإطلاق مرتباتهم خلال العام 2017 فقط، وتشير الأرقام الى عدم تجاوز الساعات التعليمية التي تلقاها الطلاب في هذا العام 60% فقط من الساعات الدراسية، بنقص 40%، والحال ينسحب على السنوات التالية مع استمرار إشكالية انقطاع المرتبات.
كما تضرر نحو 89840 من العاملين في قطاع التربية والتعليم، نتيجة الاضرار التي ألحقها العدوان بمنشأتهم التعليمية، أي ما نسبته 29.6% من اجمالي الكادر التعليمي بالمحافظات.
ورغم الوضع المعيشي الذي يعاني منه اليمنيون بشكل عام، إلا أن المعلمين والمعلمات هم الشريحة الأكثر تضرّراً، إثر توقف الرواتب، ما حدا بالكثير منهم إلى العزوف عن التعليم، والذهاب للبحث عن أعمال أخرى شاقة لسد رمق جوعهم وجوع أطفالهم.
وحذر بيان مشترك أصدره صندوق "التعليم لا يمكن ينتظر" و"الشراكة العالمية من أجل التعليم" ومنظمتي "اليونسكو" و"اليونيسف" بمناسبة "اليوم العالمي للمعلمين" 5 أكتوبر 2020 من أن التأخير في دفع رواتب المعلمين والمعلمات سيؤدي إلى الانهيار التام لقطاع التعليم، والتأثير على ملايين الأطفال، وخاصة الفئات الأكثر تهميشاً، كالفتيات.
مؤكداً أن المطلوب حالياً تأمين ما لا يقل عن 70 مليون دولار أميركي لدفع رواتب المعلمين خلال العام الدراسي 2020 – 2021، و87 مليون دولار لتلبية الاحتياجات التعليمية في اليمن حتى نهاية العام الدراسي.
وتعمل الأغلبية من معلمي ومعلمات اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الإنقاذ بصنعاء، بسبب الكثافة السكانية مقارنة بالمناطق الواقعة تحت نفوذ الاحتلال السعودي الإماراتي الأكثر مساحة والأقل سكاناً، ويواجه الكادر التربوي في مناطق حكومة الإنقاذ ظروف سيئة للغاية، في وقت لا يزال تعاطي الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة مع هذه القضية الإنسانية في حدود التمنيات والبيانات والمناشدات، دون أن يكون لذلك أي أثر على الواقع، ويخشى الباحثون من تداعيات الانعكاسات النفسية لانقطاع المرتبات على الأساتذة وطلابهم، والمسيرة التعليمية برمتها.
التحول من المدارس الخاصة إلى الحكومية:
غادر في العام الدراسي 2017 أكثر من 90000 طالب وطالبة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، من أصل 300000 طالب وطالبة، مقارنة بمغادرة 60000 طالب وطالبة في العام الدراسي 2015/2016 من أصل 300000 طالب وطالبة.
وتم إغلاق نحو 200 مدرسة خاصة، من أصل 1050 مدرسة، ومن المتوقع أن تكون نسبة الطلاب الذين سيغادرون من المدارس الخاصة إلى الحكومية بسبب تدهور الوضع المادي، أعلى من الأعوام السابقة، بعد أن عجز أولياء الأمور عن توفير أبسط المتطلبات التعليمية لأبنائهم.
هذا التحول تسبب في مضاعفة الأعباء على المدارس الحكومية، المزدحمة أساساً، وبالتالي لم تعد قادرة على استيعاب العدد الهائل للطلاب والطالبات المتحولين من المدارس الأهلية، وغير قادرة على تأدية دورها بالشكل المطلوب.
الحلول والمعالجات المتاحة:
رغم شحة الإمكانيات واستمرار العدوان والحصار فقد تم بالتعاون مع شركاء التعليم والجهات المانحة، ترميم وإعادة تأهيل العديد من المدارس المتضررة بسبب العدوان، وتتحدث الأرقام عن إعادة ترميم 628 مدرسة، موزعة على 20 محافظة، خلال العام 2018، و722 مدرسة خلال العام 2019.
كما حرصت وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ على توفير البدائل للمدارس المدمرة كلياً، بما يكفل مواصلة الطلاب والطالبات دراستهم، والعمل على ترميم عدد من المدارس المتضررة.
وتفاوتت نسبة الإنجاز في أعمال الترميم خلال السنوات الثلاث الأولى من العدوان، والتي شملت 110 مدارس، بين 20 ـ 60 بالمائة، وفقاً للمختصين في وزارة التربية والتعليم بحكومة الإنقاذ.
من جهته أصدر مجلس النواب في سبتمبر 2019 قانون لإنشاء "صندوق دعم التعليم والمعلم في اليمن"، بغرض ضمان استمرار العملية التعليمية، وتجاوز العقبات التي أوجدها العدوان في القطاع التعليمي، وخصص القانون إيرادات "ضخمة" لهذا الصندوق، منها:
1 - المخصصات السنوية التي تعتمدها الحكومة في الميزانية العامة للدولة.
2 - المساعدات والتبرعات والهبات المقدمة للصندوق بما لا يتعارض مع احكام التشريعات النافذة.
3 - 2% من ضريبة مبيعات القات.
4 - 1% من الرسوم الجمركية للسلع والبضائع في المنافذ الرئيسية.
5 - 1% من قيمة تذاكر السفر البرية والجوية والبحرية الداخلية والخارجية.
6 - 0.5% من قيمة كيس الاسمنت محلي أو مستورد وزنه 50 كجم معبأ أو سائب.
7 - 2% من قيمة عرائس السجائر محلية أو مستوردة.
8 - 1% من قيمة فواتير الاتصالات الهاتفية "الثابت والنقال" وخدمات الانترنت.
9 - 0.10% من قيمة المياه المعدنية والعصائر والمرطبات والمشروبات الغازية المحلية والمستوردة.
10 - 200 ريال عند منح أو تجديد رخص الإقامة وتأشيرة الدخول والخروج وتصاريح العمل للأفراد غير اليمنيين.
11 - الاستقطاعات والجزاءات الشهرية على موظفي وزارة التربية والتعليم.
12 - ريال واحد من قيمة اللتر البترول والديزل والغاز المحلي أو المستورد.
13 - 50% من قيمة الرسوم المدرسية السنوية.
14 - المبالغ المخصصة في الميزانية العامة لأغراض ترميم وصيانة المباني والتجهيزات المدرسية.
اضف تعليق