ليس كثيراً على معلمٍ عراقي أن يستحدثَ أسلوبا تربوياً تعليميا يجمعُ بين الجدِّة والبساطة وسهولة ارتياد الصِعاب، فربما تحدث القفزات الكبرى انطلاقا من بدايات صغرى، غيرُ ذات بال، ولا تجلب النظر أو الانتباه، لقد اعتاد معظم الناس حتى الواعون منهم أو نسبة كبيرة من الواعين على البهرجة والصخب...
ليس كثيراً على معلمٍ عراقي أن يستحدثَ أسلوبا تربوياً تعليميا يجمعُ بين الجدِّة والبساطة وسهولة ارتياد الصِعاب، فربما تحدث القفزات الكبرى انطلاقا من بدايات صغرى، غيرُ ذات بال، ولا تجلب النظر أو الانتباه، لقد اعتاد معظم الناس حتى الواعون منهم أو نسبة كبيرة من الواعين على البهرجة والصخب، وإثارة الضجيج حول أسلوب ما أو شخصية معينة تبرعُ في التعليم أو الهندسة أو الطب أو سواه، لكن تبقى النتائج المتحققة هي الفيصل في قيمة النتائج.
فالأسلوب الهادئ البسيط في الابتكار قد لا يثير صخباً حوله، وربما لا يجلب أنظار الإعلام والصحفيين الباحثين عن الإثارة، ذلك أن الأسلوب البسيط في التحديث فعلا لا يثير أحدا، وخصوصا في مجال التربية والتعليم، بيد أن معلّما عادياً قد يبتكر أسلوبا غاية في البساطة، لكنه قد يحقق نتائج باهرة، أو على الأقل يمكن وصفها بأنها مائزة مختلفة عن سواها.
فالمعلم المهمَل الذي لا تعتني به مؤسسته الحكومية، ولا ترسله في دورات تطويرية دورية، ولا تعتني بمستواه العلمي ولا يهمها كيف يقوم بتوصيل المادة إلى طلابه، أو كيف يتعامل معهم، مثل هذه المؤسسات تهدر طاقات الدولة المالية والإدارية والبشرية معاً، فهل يستكين المعلم أو التدريسي ويصبح ضحية هذا الإهمال المقصود أو غير المقصود؟، وهل يصبح آلة يقتلها الروتين اليومي، يذهب صباحا إلى المدرسة، يدخل الصف، يعطي ويلقّن ما حفظهُ طوال سنين على طلابه بحالة من الاجترار المزري، ثم في الاختبار أو الامتحان الشهري يطالبهم بما ورد في الكتب والمناهج نصاً كأنهم ببغاوات لا أكثر.
هل هذا هو التعليم حقاً؟ كلا وألف كلا، المعلم يجب أن يكون صاحب عقلية مبتكِرة مجدِّدة حيوية، يجد ألف طريقة وطريقة كي يطور نفسه، وأسلوبه التربوي والتعليمي، وعليه أن يهمل مؤسسته التي أهملته ليس فقط من باب رد الفعل الصحيح فحسب، وإنما من باب تحمله للمسؤولية الأخلاقية وحتى الشرعية تجاه طلبته، إنه مطالب بالابتكار والتحديث دائما، وعليه أن يؤدي دوره بما يجعل ضميره مستقرا وراضيا عنه.
هل حصلنا سابقا أو سنحصل على معلمين وتدريسيين من هذا النوع؟ سؤال ربما معظم الأجوبة ستأتي عنه من حالة القنوط واليأس التي زرعها القادة السياسيون والمسؤولون في معظم النفوس والقلوب، إن الجواب الآلي سوف يكون بما يلي، لا يوجد لدينا معلم مبتكِر متجدِّد، وكما تجيء الإجابات دائما، كيف يبدع المعلم وقد أهمله الجميع وأولهم المؤسسة التعليمية الحكومية، ولكن قد لا تصحّ مثل هذه الإجابات الجاهزة التي تنتمي إلى ما يسمى بتفكير (القطيع)، فهناك معلمون يخلقون من أبسط الأساليب مفاتيح وآليات إجرائية غاية في البساطة، تعمل على تطوير استقبال الطالب للمعلومة، وتمنحهُ تحفيزا كبيرا تدفع به نحو المقدمة دائما.
إن الجميع يعرف العوامل الأساسية التي تقف وراء رفع مستوى التعليم، عبر أساليب التدريس التي يتم من خلالها توصيل مادة الدرس من المعلّم إلى الطالب، فالشائع في أساليبنا هو عملية (التلقين)، أي أن التدريسي (المعلم، المدرس، الأستاذ الجامعي)، يقوم بتلقين الدرس لطلابه، ويغلق الأبواب والنوافذ أمام عقولهم وأذهانهم في حرية الإجابة، واستخدام ذكائهم في التحليل والاستنتاج الحر القائم على ذكاء ومعرفة الطالب وتعبيره الخاص، بعيدا عن التلقين والإجابات الجاهزة المقتبسة من الكتاب، كذلك عملية الاستيعاب من قبل الطالب تحتاج إلى تحفيز وتشجيع، خصوصا في الجانب المعنوي، فحين يقوم المعلم بالثناء على الطالب والإشادة بقدراته وذكائه، فإنه يحفّز فيه القدرة على التعبير العلمي التحليلي القائم على الاستنتاج أكثر من الاعتماد الحرفي على الكتاب، وهناك كثير من المواهب المتميزة استطاع المعلمون المتميزون تنميتها لدى طلابهم، ولدينا نموذج متميز استخدم فيه المعلم قلمه وراح يضع جملاً بسيطة تمدح الطالب يضعها في ورقة الامتحان، يشيد عبرها بالطالب حتى لو كانت إجابته قاصرة عن الحل الصحيح ويفشل في الحصول على درجة تؤهلهُ للنجاح، إن هذا المعلم أبدع في أسلوبه هذا وكسب جميع الطلاب له، الذكي وغيره من الطلبة، من خلال كتابته لجمل معنوية على أوراق الامتحان تشيد بجميع طلابه بمختلف مستوياتهم، وبنى معهم ثقة كبيرة، ونأمل أن يسود مثل هذا الأسلوب التدريسي بشكل كبير في مدارسنا بكل مراحلها، حتى يتم ردم الفجوة الفاصلة بين الأستاذ والطالب، فمثل هذا المعلم والتدريسي يستحق كل الاحترام، وهو يبتكر أساليب معنوية أو مادية لكي يرتقي بطلابه إلى أعلى الدرجات.
ولا شك أننا لاحظنا هذا الأسلوب البسيط الذي قام به المعلم، والذي رافق درجات الاختبار في ورقة كل طالب، والشيء المتميز في هذا المعلم وأسلوبه، أنه كتب للجميع، ولم يستثنِ أحدا من الطلاب الناجحين المتفوقين أو الراسبين في الامتحان، وكم هو رائع حين يقرأ الطالب الراسب كلمات معلمه التي تقول له (أنا على ثقة تامة أن هذا ليس مستواك الحقيقي وإنك في الامتحان القادم سوف تفاجئ الجميع بدرجتك العالية)، ماذا نتوقع من طالب فاشل يقرأ مثل هذه الكلمات، إن أول شيء تفعله هي زرع الثقة في أعماق الطالب بنفسه، ثم ستدفعه إلى نوع من التحدي مع نفسه، وسوف يتذكر كلمات معلمه، وسوف ينجح بما يفاجئ الآخرين، وإذا فشل في المرة الثانية فإنه حتما سوف ينجح في الثالثة.
كذلك يحتاج الطالب المتفوق إلى مثل هذا الإجراء المعنوي، إنه سيحصل على طاقة تحفيزية مضاعفة وسوف يبقى على مستواه إن لم يتجاوزه إلى ما هو أفضل، وهكذا لاحظنا بالفعل بساطة الأسلوب الذي مارسه المعلم في منح طلابه طاقة معنوية هائلة، ومثل هذا الأسلوب البسيط هناك مئات الأساليب التي لا تكلف المعلم والتدريسي كثيرا، إنها مسألة تتعلق بكيفية تطوير أسلوب المعلم لنفسه وطاقاته التربوية التعليمية، وما عليه سوى التفكير يوميا بطريقة جديدة وبسيطة في نفس الوقت، كي يشارك فيها في رفد الطلاب بالطاقة المعنوية التي بمقدروها أن تصنع جيلا متكاملا من المتفوقين والمتميزين.
اضف تعليق