اقتصاد السوق والقطاع الخاص ليست مسألة خيار بقدر ما هي ضرورة ملحة، وذلك لأسباب عديدة دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية ودولية. ان العراق من بين الدول الاكثر زيادة في التعداد السكاني، وهذا ما يتطلب المزيد من فرص العمل، ونظراً لعدم إمكانية الدولة والقطاع العام في العراق على الاستمرار في التوظيف...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية، وذلك في مساء يوم السبت الموافق 11/1/2025، وجاءت هذه الحلقة ضمن نشاطات المركز الدورية المنتظمة، وضمن فعاليات ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يتم عقده في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وجاءت الورقة تحت عنوان (الاقتصاد العراقي بين حتمية السوق وثقافة القطاع العام)، قدمها الأستاذ حامد الجبوري الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، وقد حضرها وشارك في مناقشتها عدد من الباحثين والأكاديميين ومدراء مراكز البحوث والكتاب، تضمنت هذه الورقة ما يلي:

كان الاقتصاد العراقي يعتمد بالدرجة الاولى على القطاع الزراعي منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 وحتى عام 1952 سنة مناصفة الارباح مع الشركات الاجنبية.

 ومع هذا السنة سنة مناصفة الارباح بدأ دور الدولة يزداد في الاقتصاد الى جانب القطاع الخاص لكن في المشاريع التنموية عبر مجلس الاعمار الذي تم تأسيسه عام 1950 واستمر هذا الوضع (المتوازن تقريباً بين القطاع الخاص ودور الدولة) حتى انقلاب 14 تموز 1958.

بعد ذلك، شهد الاقتصاد العراقي تحولات كبيرة، حيث بدأ دور الدولة يزداد بشكل ملحوظ على حساب القطاع الخاص، إذ تبنت الدولة نظام التخطيط المركزي والاعتماد على القطاع العام في ادارة الاقتصاد، خاصة مع تأميم بعض القطاعات الحيوية، وأهمها النفط والزراعة الصناعة، مقابل تقلص دور القطاع الخاص واستمراره في قطاعات التجارة والعقارات والخدمات(بمعنى انه دوره ثانوي).

في عام 1961 تم اصدر قانون 80 الذي تم بموجبه سحب جميع الاراضي غير المستغلة لتكون ملكيتها للدولة وهذا يمثل ضربة قوية للقطاع الخاص لايزال يعاني آثارها حتى اليوم.

وفي حقبة السبعينات سيطرت الدولة على الاقتصاد بشكل كامل تقريباً بحكم تأميم النفط عام 1972 من جانب وارتفاع الايرادات النفطية بشكل كبير عام 1973 بسبب ارتفاع اسعار النفط (من 3 دولار الى 12 دولار) إثر حظر تصدير النفط العربي للدول الغربية الداعمة لإسرائيل.

ومع الدخول العراق الحرب مع ايران عام 1980 تم توجيه الموارد نحو اقتصاد الحرب، وهذا ما قلل من أهمية القطاع الخاص مقابل تضخم دور الدولة في عسكرة الاقتصاد والمجتمع.

وبسبب غزو العراق للكويت عام 1990 فرضت الامم المتحدة الحصار الاقتصادي عليه، مما تسبب في انحسار الايرادات النفطية واصبحت الدولة أمام الامر الواقع واضطرت لفسح المجال للقطاع الخاص لأجل تلبية حاجات المجتمع.

واستمر هذا الحال، أي مركزية الدولة والقطاع العام مقابل ثانوية السوق والقطاع الخاص في العراق حتى عام 2003. بعبارة أخرى، ان الاقتصاد العراقي سار وفق نظام الدولة والقطاع العام أكثر من 40 سنة من 1958 وحتى عام 2003.

ما هي اهم آثار هيمنة الدولة والقطاع العام على الاقتصاد العراقي ما قبل 2003؟

هناك العديد من الاثار التي تركتها حقبة ما قبل 2003 لكن يمكن القول هناك ثلاثة اثار: 

1- تطبيع المجتمع: حيث ان استمرار سير الاقتصاد وفق نظام الدولة والقطاع العام، لمدة طويلة أكثر من 40 عام، أدى لتطبيع ثقافة المجتمع بثقافة الدولة والقطاع العام، بمعنى ان المجتمع أصبح يفضل الدولة والقطاع العام في قيادة الاقتصاد على حساب السوق والقطاع الخاص.

المشكلة الأكبر، ان الاستبداد السياسي والاقتصادي يعمل في العادة على تسيس كل مجالات الحياة بما فيها التربية والتعليم والقوانين والانظمة الادارية وذلك من أجل تطبيع المجتمع بما يسهم في ادامة بقاءه في السلطة أطول مدة ممكنة.

2- فقدان استقلالية المؤسسات: في العادة المؤسسات القوية تنشأ وتنمو وتنتعش في ظل الديمقراطية سياسياً والسوق اقتصادياً، وبحكم سيادة الاستبداد السياسي والتخطيط الاقتصادي لمدة طويلة أكثر من 40 سنة، أصبحت المؤسسات غير مستقلة وضعيفة لا تستطيع ان تحقق أهدافها إذا ما تعارضت مع نظام الحكم بل أصبحت موجهة تعمل بما يعزز نظام الحكم وترسيخه بشكل أكبر.

3- انهيار البنية التحتية: ان تصلب نظام الحكم ما قبل 2003، وانفراده بالقرارات السياسية والاقتصادية، دفع لتعرض العراق لحروب متوالية قاسية وعقوبات اقتصادية وانتفاضة داخلية، تسببت في تدهور البنية التحتية بشكل كبير.

يُمكن القول، ان هذه الاثار الثلاثة آنفة الذكر، تمثل العقبة الرئيسية أمام تعثر التحول الاقتصادي بعد 2003 إلى جانب عقبات أخرى (طريقة التحول) لم تأخذ بعين الاعتبار اثناء التحول نحو النظام الجديد يمكن تناولها أدناه.

ما بعد 2003

بعد 2003 اتجه العراق نحو تبني نظام اقتصاد جديد مختلف تماماً لما كان سائداً قبل عام 2003، أي اتجه نحو نظام السوق والقطاع الخاص.

حيث اشارت العديد من المواد الدستورية الى هذا الاتجاه الجديد في الشأن الاقتصادي منها:

1- المادة 23 " الملكية الخاصة مصونة، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها، في حدود القانون".

2- المادة 24 "تكفل الدولة حرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الاموال العراقية بين الاقاليم والمحافظات، وينظم ذلك بقانون" 

3- المادة 25 "تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق اسسٍ اقتصادية حديثة، وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته"

4- المادة 26 "تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة، ويُنظم ذلك بقانون"

5- المادة 34 "التعليم الخاص والاهلي مكفول، ويُنظم بقانون"

6- المادة 111 "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات"

7- المادة 112 ثانياً "تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي، معتمدةً أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار".

ورغم المواد الدستورية التي وضحت اتجاه الاقتصاد العراقي بعد 2003 إلا ان الكثير من المعطيات تشير ان الاقتصاد العراقي لازال لم يتخلص من شباك الدولة بعد وظل ريعياً وموجهاً من الدولة، ومن تلك المعطيات ما يلي:

معطيات تعثر التحول الاقتصادي

اولاً: هيمنة الدولة: حيث لازالت الدولة تهيمن على الاقتصاد من خلال امتلاكها لعناصر الانتاج وبالخصوص الارض 80% والموارد والشركات الاقتصادية.

ثانياً ريعية الاقتصاد: أي لازال الاقتصاد العراقي يعتمد على قطاع النفط بالدرجة الاولى مقابل تواضع القطاعات الاخرى، وهذا ما لا ينسجم مع نظام السوق والقطاع الخاص.

ثالثاً: توليد الفرص: في العادة ان الاقتصاد القائم على نظام السوق والقطاع الخاص أكثر قدرة على توليد الفرص من القائم على الدولة والقطاع العام، ونظراً لارتفاع معدل البطالة الذي لا يقل عن 15% في العراق، مما يعطي دلالة على عدم تحول الاقتصاد العراقي.

رابعاً: احادية التصدير: ان هيمنة الصادرات النفطية على الصادرات السلعية بأكثر من 99%، تكشف عن عدم تحقق التحول الاقتصادي، لان من شأن التحول الاقتصادي تنويع الصادرات وليس احاديتها.

خامساً: تنوع الاستيرادات: تتصف الاستيرادات العراقية بالتنوع الشديد، نظراً لعدم وجود قطاع خاص، لان وجود قطاع خاص قادر على الانتاج لتلبية الطلب المحلي المتنوع، سيقلل من تنوع الاستيرادات، لذلك تنوع الاستيرادات العراقية تعد دليل واضح على تعثر التحول الاقتصادي.

لماذا حتمية اقتصاد السوق (طرق ادارة المال)

إن اقتصاد السوق والقطاع الخاص ليست مسألة خيار بقدر ما هي ضرورة ملحة، وذلك لأسباب عديدة دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية ودولية.

أسباب دستورية: حيث ان الشعب العراقي صوت على الدستور الذي يحث على التحول الاقتصادي من الدولة الى السوق في العديد من مواده التي تم الاشارة إليها أعلاه.

الاسباب الاقتصادية: أيهما أكثر كفاءة في ادارة الاقتصاد الدولة والقطاع العام أم السوق والقطاع الخاص؟

في هذه الحالة سنذكر ما طرحه الاقتصادي الامريكي ميلتون فريدمان بخصوص طرق انفاق المال من حيث الملكية والانتفاع.

1- اذا كانت الاموال أموالك وتنفقها على نفسك ستكون حريص جداً على ضغط الانفاق أكبر ما يمكن وتحقيق أعلى منفعة كما هو حال القطاع الخاص.

2- اذا كانت الاموال اموالك لكن تنفقها على غيرك، ستكون حريص جداً على ضغط الانفاق دون الاهتمام بمدى حجم المنفعة التي ستنفق عليها.

3- اذا كانت الاموال ليست اموالك لكن تنفقها على نفسك، ستكون حريص جداً على تحقيق أعلى منفعة دون الاهتمام بحجم الانفاق.

4- اذا كانت الاموال ليست أموالك ولا تنفقها على نفسك، في هذه الحالة لن تهتم بحجم الانفاق ولا بحجم المنفعة كما هو حال الدولة.

واذا ما نظرنا للتجارب الدولية سنجد ان اغلب الدول كانت تسير وفق نظام السوق والقطاع الخاص، هي أما دول متقدمة أو في طريقها للتقدم.

والعكس صحيح، حيث ان اغلب الدول التي كانت تسير وفق نظام التخطيط والقطاع العام، هي دولة متخلفة أو في طريقها للتخلف.

والحالة الاخيرة حصلت فعلاً فقد حقق العراق من خلال الصادرات النفطية ما قيمته 1,236 مليار من عام 2006- 2023 حسب منظمة أوبك. 

الأسباب الاجتماعية (البطالة): معروف ان العراق من بين الدول الاكثر زيادة في التعداد السكاني، وهذا ما يتطلب المزيد من فرص العمل، ونظراً لعدم إمكانية الدولة والقطاع العام في العراق على الاستمرار في التوظيف، أصبح من الضروري العمل على ترسيخ نظام السوق والقطاع الخاص لأجل خلق الفرصة واستيعاب البطالة.

أسباب سياسية: ان عدم خلق نظام اقتصادي كفوء قادر على توليد الفرص واستيعاب البطالة، يعني مزيد من الاحتجاجات واستمرارها وتفاقمها الى الحد الذي يؤدي لغياب الاستقرار السياسي وربما الرجوع لحقبة الاستبداد، فتبني نظام سوق كفوء وقطاع خاص انتاجي يعني الحفاظ على الديمقراطية وتحقيق الاستقرار السياسي.

أسباب دولية: بعد سقوط الاتحاد السوفيتي 1991، اتجهت اغلب دول العالم نحو تبني اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي والانخراط في الاقتصاد العالمي، فتبني اقتصاد السوق والقطاع الخاص سيجعل الاقتصاد العراقي أكثر قدرة على التناغم والتواصل مع الاقتصادات الدولية وتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية.

الأسئلة المطروحة للنقاش:

السؤال الاول: ما أسباب هذا التناقض الصارخ بين موقف الدولة وموقف المجتمع بشأن ادارة الاقتصاد العراقي؟

السؤال الثاني: كيف يمكن حل هذا التناقض لضمان سير الاقتصاد العراقي بشكل كفوء؟

المداخلات

القطاع العراقي الخاص يظلم الناس

- الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

في العراق لدينا اقتصاد دولة، ولدينا موارد، ولكن هناك -أيضا- ظلم اقتصادي واضح، فالقوانين اليوم غير عادلة، وكذلك توزيع الثروات، والفجوة كبيرة جدا بين الأغنياء والفقراء، ولولا الرواتب التي تدفعها الدولة من أموال النفط، لوجدنا المواطن العراقي أو العامل العراقي اليوم يخضع لاستعباد اقتصادي كبير.

معظم العراقيين لا يريدون القطاع الخاص لأنهم لم يروا في هذا القطاع نزعة إصلاحية باتجاه تحقيق العدالة وضمان الحقوق والعمل على الجودة، ولذلك يقول الناس بأن ظلم الدولة أهون من ظلم القطاع الخاص، لذا فإننا بحاجة إلى تنمية اقتصادية شاملة، ولسنا هنا في مجال الحديث عن الأفضلية بين النظام الرأسمالي أو الاشتراكي، وإنما ندعو الى نظام اقتصادي عادل، سواء كان اقتصادا رأسماليا أم اقتصاد دولة، وعندما يكون لدينا نظام اقتصادي عادل عند ذلك يصبح المواطن شريكا في بناء الاقتصاد، لأن المواطن اليوم ليس شريكا ولذلك هو يخاف من القطاع الخاص لأنه قطاع فاسد لحد هذه اللحظة كما كان عليه الحال في العهد الملكي 1921-1958.

القطاع الخاص غير عادل

- الأستاذ أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

اقتصاد العراق ما بعد الخمسينات يمكن أن نطلق عليه اقتصاد المتنفذين، في الماضي كان الاقطاعي هو المتنفذ، وهو الذي كان يعتبر من رجال الدولة حيث تعتمد عليه في ترويض الفلاح، من الناحية الأمنية وغيرها، لان الشيخ كان يمثل السلطة الأمنية أيضا للدولة، فأي شخص يتمرد على سلطة الدولة أو غير ذلك، أو على سلطة الشيخ أو الاقطاعي، فالشيخ لديه صلاحيات كبيرة حيث يعتقل الفلاح أو المواطن ويعاقبه ويسجنه.

حتى عائلة الفلاح يمكن أن تكون تحت طائلة العقاب، ومن الممكن أن يطلق منه زوجته، لهذا يسمى هذا الاقتصاد، اقتصاد المتنفذين الذين يمتلكون السلطة، بعد سنة 2003 أصبح المتنفذون هم الأحزاب ورجال الدولة، هم هؤلاء المتنفذون، فأصبح الاقتصاد في قبضتهم، وبدأوا الترتيب بين الاقتصاد العام والخاص، وخصخصوا مشاريع الدولة بإرادتهم حتى مشاريع الدولة والاستثمارات والشركات العامة، وهم يمتلكونها لكن بأسماء وواجهات أخرى، هذا كل ما في القضية، فالإنسان أو المواطن العراقي كما ذكر الدكتور خالد العرداوي، يفضّل العمل عند الدولة أفضل مما يعمل في القطاع الخاص، حتى إذا تكلم معه رب العمل بطريقة تمس مشاعره وكرامته يرد عليه بالقول: أنا لا اعمل عندك بل أعمل في الدولة، بينما لو عمل في القطاع الخاص فإنه غير قادر على قول مثل هذا الكلام.

الشيء الثاني، هناك مجال كبير في القطاع الخاص للفساد، حاله حال القطاع العام، ولكن القطاع الخاص قد تكون فيه رقابة شديدة من قبل صاحب المال، أما صاحب المال العام فهي الدولة التي أغلب مفاصلها فاسدة ويحصل فيها التسويف وعدم تطبيق القانون بصرامة وعدالة.

تطبيق نظرية الصدمة

- الدكتور خالد الأسدي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات:

في سياق كلامكم جاء اسم ملتون فريدمان، صاحب نظرية الصدمة وقد طبقها الأمريكان على دولة تشيلي.

هذا الرجل نظريته يتم تطبيقها الآن في العراق، تطبيقا كاملا، على أنه هناك إيعاز إلى وزارة الصناعة والمعادن، والنقل، وخصخصتها، وألا تفتح مصانع، ويكون الاتجاه نحو القطاع الخاص المخصخص، والمعني بذلك هم أصحاب الأحزاب، وهؤلاء لا يأتون بشيء ينفع المجتمع، وإنما يراعون الاستهلاك فقط.

حتى تبقى رقبة العراق بيدهم، أي بيد الكبار، بيد أصحاب نظرية الصدمة، ما هي أسباب التناقض بين موقف الدولة، فالدولة ليس بيدها شيء إذا تريد أن تفتح مصانع أو مشاريع، حتى وزير الصناعة تكلم بلسان عربي مبين وقال، لقد جاءني كتاب من الأمريكان يقولون فيه (يمنع فتح المصانع)، وهذا يعني هناك أمر بأنه لا القطاع العام الذي يفيد الناس، ولا يسمحون هم أصلا للقطاع الخاص كي يفيدوا الناس.

وقد يكون هذا الكلام من باب الادّعاء على الأمريكان، ولكن لماذا لا يفتحون المصانع، فهذه الأسباب إذا ما أزيلت، فالقطاع الخاص لا يمكن أن ينهض، هذا أولا.

ثانيا، على الدولة أن ترعى من باب الرعاية، وثانيا من باب (سياسة (العصا والجزرة)، بمعنى أزودك بالأموال لتفتح المصانع، ولكن أنت تحت رقابتي وأوامري، هنا إذا رعت الدولة المصالح العامة للمجتمع من خلال فتح الباب أمام القطاع الخاص من الممكن أن ينجح.

كيف يمكن حل هذا التناقض، الجواب من الممكن حلّه إذا كانت الدولة تتجه نحو الصين، فالصين سميت بالصين الشعبية، الآن هم قيمة كل امرئ ما يُحسن، فهذا القول طبقته الصين بحذافيره، لأنه كل شخص في الصين يستطيع العمل، الدولة تعطيه المجال أن يصدر انتاجه إلى أي دولة في العالم من خلال فرض الضرائب عليه.

(ما جاع امرئ فقير إلا بما مُتِّع به غني)، هذا القول لأمي المؤمنين عليه السلام، فالدولة كل شيء بيدها، ويجب عليها ان تنظر إلى الأمور بمنظار العدالة.

العولمة المتوحشة وصعود الشعبوية الانتخابية 

- الشيخ مرتضى معاش:

في هذه الورقة موضوع استراتيجي هام، يطرح مضامين مستقبلية هامة جدا، بالإضافة إلى الماضي الذي طُرِح، بالنسبة إلى نظرية ملتون تم تطبيق نظريته السياسة النقدية في العراق، وهذه السياسة هي التي حفظت العملة في العراق، وليس السياسة المالية، وبقيَ العراق آمنا من كل المشكلات الموجودة، وخصوصا التضخم الذي قد يحدث من خلال انخفاض العملة أو صعودها وما شاكل ذلك.

كيف نحل التناقض الموجود بين حتمية السوق واقتصاد الدولة أو اقتصاد الناس؟ 

نحن قد شاهدنا ان اقتصاد الدولة كان مدمِّرا جدا لكثير من الدول، ما عدا التجربة الصينية التي هي استثناء وتحتاج إلى أن ننتظر في المستقبل ما الذي سيحصل في اقتصاد الدولة في الصين، طبعا هو ليس اقتصاد دولة، وإنما يسمى بالرأسمالية الدكتاتورية. 

ولكن بشكل عام اقتصاد الدولة فشل في الأنظمة الاشتراكية كلها، لا يوجد فرق فيما بينها، وحتى اقتصاد العدالة الاجتماعية الذي تم تطبيقه في أوربا أيضا يواجه فشلا ليس كليا بل جزئيا ولكن كبيرا، بسبب سيطرة موارد العدالة الاجتماعية على استنزاف موارد الدولة وموارد الاقتصاد بحيث أصبحت أكثر وأعظم من قدرة الدولة أو قدرة القطاع الخاص على توليد الموارد المالية، خصوصا مع فرض الضرائب الكثيرة التي تفرضها الدولة فيؤدي بها ذلك إلى ذهابها إلى الجهات المشمولة بالعدالة الاجتماعية.

اقتصاد السوق مع كل مشكلاته وسلبياته هو أفضل من اقتصاد الدولة، يعني رأسمالية السوق أفضل من اشتراكية الدولة، لأنها بالنتيجة تجعل الثروة تتوزع بين جهات مختلفة، بينما بالنسبة للدولة بالنتيجة يكون في يدها كل الموارد والرأسمال والثروة.

هذا الأمر ثبت عمليا، كيف يمكن حل هذا الإشكال، فالأمر يحتاج إلى دراسة، فهذه المشكلة موجودة في الغرب وهي مشكلة كبيرة، خصوصا في أمريكا التي توجد عندها الآن مشاكل نعم صحيح يوجد فيها تأمينات اجتماعية، ولكن هناك فجوة كبيرة جدا بسبب السوق وصعود الاحتكار الذي تقوم به الكارتلات الكبيرة التي احتكرت السوق وسيطرت على كل شيء، حتى الإنسان إذا أراد أن يفتح سوبر ماركت فلا يتمكن من ذلك، لأنه يجد أمامه وحش كبير من سوبر ماركت ذا ماركة كبيرة يستحوذ على عمل الماركت الصغير، فالحيتان الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة، رأسمالية متوحشة، وهذا هو واقع السوق.

فهذا السوق هذا هو واقعه، وبالنتيجة يتطور إلى أن يصل إلى مرحلة التوحش المطلق حيث لا توجد له حدود، إلا في حال النجاح بإدارة السوق.

وقد ادت احتكارية كارتلات العولمة المتوحشة الى صعود الشعبوية الانتخابية، الشعبوية معناها الصراع بين الحاكم والمحكوم، بالنتيجة الدولة هي سلطة وليست دولة، لا يوجد عندنا دولة، فالدولة شيء آخر، فالدولة التي قرأت عنها وكتبوا عنها ليس هذا الشيء الموجود الآن، بل الدولة هي شيء آخر، الدولة شيء منظم، ومرتب، مؤسسات وبنى تحتية، الموجود لدينا ليس دولة حتى بعض الدول الغربية هي ليست دول حيث توجد هناك لوبيات وجماعات ضغط هي التي تحكم، وكذلك توجد دولة عميقة او دول عميقة.

بالنتيجة الشعبوية الانتخابية تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فالمحكوم يريد أن يعيش ويحصل على ما يسد رمقه، والحاكم يريد أن يحكم، فيحدث نوع من التخادم، وليس مهم كيف يكون المستقبل.

هناك تبعية سياسية موجودة تمنع من تطور الاقتصاد العراقي بحيث يستطيع أن يعتمد على نفسه، ويحقق الاكتفاء الذاتي، لأنه توجد دول مختلفة موجودة بالعراق وتريد أن تستفيد منه حتى في قضية اللبن والحليب وكافة المنتجات مثل الفاكهة والخضرة.

أما حماية الملكية فهي ليست موجودة كما ذكر بعض المتداخلين، لكن أهم نقطة يتم ذكرها حتى في النظام الرأسمالي الناجح تقوم على حماية الملكية، بينما الآن ملكية الدولة أصبحت ملكية اقطاعيات، وهذه الكارتلات الكبيرة التي ليس عليها حساب ولا كتاب، كذلك غياب البنى التحتية التي هي أهم مورد وأهم قاعدة مهمة في عملية تطوير اقتصاد السوق، فهذه ليست موجودة، مع صعود ثقافة الاستهلاك.

يعني يُفترض بالعراق كدولة ناشئة والتي خرجت من الاستبداد إلى الحرية، كان يجب أن تنمو فيها عوامل الإنتاج، ولكن ما حدث بالعكس، شجعوا ثقافة الاستهلاك العالي من دون حدود، وفتحوا البلد أمام كل شيء، بالنتيجة تعلم المواطن العراقي على الاستهلاك، بدلا من أن يتعلم على الإنتاج.

ومن عوامل التناقض أيضا، الرغبوية الموجودة عند الإنسان، حيث تتغلب على العقلانية، خصوصا مع الابتكارات التكنولوجية الموجودة، مثل شبكات التواصل الاجتماعي، والإعلانات التلفازية، فهذه تحدد الإنسان وتشجعه على الموارد المالية، فهو يريد المال دون تعب، وهذا أيضا أدى إلى الكسل، وهيمنة العجز وعدم احترام العمل، والفساد يستفيد أيضا من هذا التناقض الموجود فيوسع قاعدته ويوسع قدراته.

أهم النقاط التي نحتاجها لرفع التناقض، عقلية المسؤول المستقبلية، مهمة جدا في كيفية النظر إلى المستقبل، ولا ينظر إلى الفائدة الآنية، والاستفادة من البنوك وغيرها، ويجب بناء نظام المدن، مثلا بالنسبة للأخوة الآن المسؤولين في المدن من المهم جدا أن يحركوا اقتصاد السوق المنظم وليس العشوائي. 

من الطبيعي أن أي شخص يريد أن يستثمر أمواله يرى بأن العمل العشوائي يربح من دون أن يدفع مقابل، فهو لا يدفع إيجار المحل، ولا يدفع فواتير كهرباء، ولا يدفع أي شيء مقابل الخدمات، بالنتيجة هذا سوف يؤدي إلى خسارة المستثمر الملتزم الذي يدفع هذه الضرائب والموارد، أيضا من المهم جدا أن لا تأكل الاستثمارات القطاع الخاص.

أهم شيء تقوم به الدولة هو تطوير الاستثمار في تنمية المهارات، ورأس المال المعرفي، وهو يغذي السوق بقدرات وإضافات مهمة جدا، ومن النقاط المهمة أيضا وهي تثير جدلا كبيرا جدا في الساحة، بخصوص الجوانب المعتمدة على خيرات الدولة، وعلى الركوب المجاني، رفع الدعم بخصوص الخدمات، لابد أن يُرفع الدعم وخفض الخدمات، وطبعا في مقابل ذلك أيضا خفض الضرائب.

إذا رفعت الدعم عن الخدمات والسلع، لابد أن تخفض الضرائب، لكي يكون هناك توازن، لا يجوز أن تفرض ضرائب، وفي نفس الوقت يوجد رفع دعم، فإذا قمنا بهذه الخطة يتحقق التوازن بين اقتصاد السوق وبين حقوق المواطنين، الآن يستفيد الجميع من الدعم، الغني يستفيد منه والفقير أيضا، بينما يجب أن نجعل الفقير والطبقات المسحوقة يستفيد من من الدعم، بالنتيجة صاحب الاستثمار يدفع ما عليه.

طبعا مع وجود رعاية اجتماعية للطبقات المسحوقة، وأيضا نحن نحتاج إلى كليهما معا اقتصاد السوق والتنمية الاقتصادية، هذا الأمران إذا اجتمعا معا وعملا معا، سوف يؤدي ذلك إلى تحقيق رفع التناقض بين اقتصاد الدولة واقتصاد السوق.

الأنظمة الاقتصادية كلّها مشوّهة

- الاستاذ علاء الدين الجنابي:

حضرت مؤخرا محاضرة لمفكر مغربي حول استشراف المستقبل، وكان بعض حديثه عن توحش الرأسمالية، وذكر بعض الأمور التي بعد خمس أو عشر سنوات من الممكن أن نذهب باتجاهها، واحدة من الأمور التي ذكرها قضية احتكار الشركات الكبرى للسوق العالمي، وبشكل متسارع جدا، وضرب مثالا عن سوق السيارات، وقال ماذا تتوقعون بعد خمس إلى عشر سنوات من الذي يحتكر سوق السيارات؟

فقال سوف أذكر لكم ثلاث شركات، أحداها لا تستغربونها، ولكن الشركتان الباقيتان سوف تستغربون ذكرها، لأنها ليس لها ربط بسوق السيارات، إحدى الشركات متخصصة ورائدة في مجال صناعة السيارات، ولكن الشركة الثانية شركة (أبل)، المتخصصة الآن بصناعة الهواتف ولا علاقة لها بصناعة السيارات، والشركة الثالثة شركة (جوجل)، هذه الشركات هي التي ستكون الرائدات وسوف يحتكرن السوق العالمي للسيارات، لأنه العالم الآن ببساطة يتجه نحو الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي بيد هذه الشركات، وبالنتيجة الآن أي شركة تريد تصنع سيارات ففي فترة قريبة سوف تتحرك كل السيارات بواسطة الذكاء الاصطناعي، عموما بالنسبة للشركات الأخرى مثل بي أم وتويوتا وصول وغيرها من الشركات إما تخرج من سوق المنافسة، لأنها لا تمتلك إمكانية المنافسة أو تحاول قدر الإمكان ترتب وضعها الصناعي ولا أعتقد أنها تستطيع ذلك، ومن الشركات التي ستدخل في هذا المجال أيضا هي شركة هواوي والآن هي داخلة في هذا المجال.

ما أريد أن أقوله، نحن لا نحصر الأمر فقط في مجال السيارات، وإنما أيضا في مجال التعليم، فقريبا سوف تأتي شركات عالمية كبرى تسيطر على كل قطاع التعليم في كل دول العالم وتحتكر التعليم له، وهناك قضايا وأمور كثيرة نجد أنها خاصة لجهات معينة، ولكن سوف تأتي شركات كبرى وتبتلع السوق العالمي كله.

عموما أنا في تصوري لحد الآن البشر لم يستطع ان يصل إلى نظام اقتصادي يحل مشاكله، عدا النظام الاقتصادي الديني تحديدا، والاقتصاد الموجود عن أهل البيت عليهم السلام، وعند الإمام علي عليه السلام، وعند النبي صلى الله عليه وآله، البشر حتى اليوم غير قادر على الوصول إلى اقتصاد يعالج كل مشاكله.

الآن نحن إذا أردنا أن نقيس الشيوعية والاشتراكية بالرأسمالية، فالنتيجة واضحة تؤكد أن الشيوعية والاشتراكية فاشلة إلى أبعد الحدود، ولكن هذا لا يعني بأن الرأسمالية جيدة، وإنما مقارنة بالشيوعية هي نوعا ما أحسن، ولكن الآن عندما نلقي نظرة على أوربا أو على أمريكا ويلاحظ هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي قائم على الربا، والضوابط هي التي تتحكم بالنتائج، وهي ضوابط توضَع لصالحهم، بينما الدين يختلف، فهذه الضوابط هي التي تحدد الشكل العام، وهي التي تخدم المسار العام.

الآن إذا ألقينا نظرة على أوربا أو أمريكا فإننا سوف نلاحظ الموظفين في النظام الرأسمالي في أتعس حالاتهم، حياتهم عبارة عن عمل، وهذا الأمر ينعكس عليهم ويدمر حياتهم وبالنتيجة يتم وضع تشريعات تلائم هذه الشركات الكبرى وتراكم رؤوس الأموال عندها ولا تصل إلى الناس الفقراء.

هذا الأمر كله مشوه، والانظمة الاقتصادية كلها مشوهة ولا يمكن أن تعطي نتائج جيدة، الآن مثلا في العراق، أو مشكلة العراق من الناحية الاقتصادية، نلاحظ أنه كله مشوه، قضية التعليم تم إنشاءها حسب ادعاء المفكر الغربي لصالح هذه الشركات، وربما في وقت قريب حتى التعليم لدينا يتغير حتى يلائم مصالحهم الاقتصادية.

هكذا نلاحظ أن كل الأمور تصب في خدمة الشركات لتحقيق مصالح معينة، لذلك لا أعتقد بوجود حلول بشرية، بل يحتاج الأمر إلى حلول إلهية. 

انعدام الثقافة الاقتصادية عند الشعب

- الأستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

بالنسبة إلى اقتصاد السوق هو نوع من الثقافة التي يتميز بها الشعب بشكل عام، وأيضا طبقة التجار أو طبقة المستثمرين، وهذا الأمر في الحقيقة يذكرني كشعب عراقي، لا توجد لدينا هذه الثقافة، وأعني ثقافة دعم اقتصاد السوق، ونتعامل بشكل عادل.

في بدايات حياتي وأنا طالب في المرحلة الدراسية المتوسطة مثلا، ربما في الأول أو الثاني متوسط، كان هناك فرن (صمون/ خبز) يقع في محافظة كربلاء المقدسة بمنطقة المخيّم، الكربلائيون القدماء يتذكرون هذه المنطقة جيدا، فكنت أخرج مبكرا مع أذان صلاة الفجر، وأتوجه إلى هذا الفرن، وأحمل معي صينية دائرية مصنوعة من الفافون، صينية الطعام التي تستدير حولها العائلة، أضع في الصينية بحدود 50 إلى 100 صمونة، أضعها على رأسي وأتجول في أزقة (ودرابين) كربلاء، سعر الصمونة من الفرن كان سبعة فلوس وكنتُ أبيعها بعشرة فلوس فنربح في الصمونة الواحدة ثلاثة فلوس، في وقتها كنت جيد الحركة ونشيط فكنتُ أبيع أكثر من صينية، على عكس الباعة الآخرين الموجودين معي كانوا يبيعون أقل، فاعتقدَ صاحب أو مالك الفرن بأن هذه القضية غير مربحة له، فرفع سعر الصمونة التي آخذها منه بثمان فلوس، حتى تقل أرباحي، وطبعا يتعامل مع كل شخص بائع بشكل منفرد وسرّي، هذه القضية حدثت قبل 2003، بل قبل نصف قرن تقريبا، طيب بعد 2003، أيضا عملت في القطاع الخاص في العمل الإذاعي وكان صاحب الإذاعة يستلم مبلغا كبيرا عن كل شخص ولكن الأجر كان متدنيا جدا.

فالقضية إذًا هي قضية ثقافة، يعني قضية اقتصاد السوق والاهتمام به، هي قضية ثقافية ولذلك نحن أقصد الشعب بشكل عام وحتى الطبقة السياسية والطبقة الاقتصادية، نحتاج إلى أن نثقف أنفسنا بشكل كبير حتى تكون لدينا فرصة نحو التقدم الاقتصادي المطلوب.

من سمات الديمقراطية الاقتصاد الحر

- الأستاذ محمد علاء الصافي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

الدولة الريعية هي التي تؤدي بشكل حتمي إلى الاستبداد، هذا الشيء أثبتته جميع التجارب، حتى الدول الريعية التي نوعما شعوبها متوفرة عندهم جميع الخدمات والإمكانيات ويكون عدد سكانها مثلا قليل قياسا إلى مواردها مثل دول الخليج، لكن هي بالنتيجة دول مستبدة وليست دولا ديمقراطية يمتلك فيها المواطن حقوق الإنسان كاملة.

هذا الأسلوب الذي تتعكز عليه الدولة في العراق، صراحة لا يتوافق لا مع دستور 2005، ولا مع ما يطلق على العراق بالعهد الديمقراطي بعد 1003، لأنه الديمقراطية من أهم سماتها هي الاقتصاد الحر، وهذا الشيء غير موجود في العراق، فهذا الأمر من أهم المشاكل والتناقضات الموجودة في العراق.

هيمنة الدولة على جميع القطاعات أفشلت جميع القطاعات، فكل القطاعات اليوم في العراق تعاني من الفشل، فشل بنسبة 100% أو 99%، يعني فشل تام أو بشكل كبير جدافي جميع القطاعات التي تدخلت فيها الدولة، لا يمكن التحول نحو اقتصاد حر وتنمية اقتصادية مع هذه السياسة من المستحيل ذلك.

لابد أن تكون القضية مدروسة للتحول نحو الاقتصاد الحر، لتحرير هذه القطاعات من هيمنة الدولة، وهذا الشيء خلال الخمسين سنة الماضية كما أعتقد لم نصل فيه إلى نتيجة، كذلك عدم وجود نظام ضريبي حقيقي في العراق، هذا جعل من المواطن غير مهتم بالشأن العام، وغير مهتم بالسياسة وغير مهتم بالطبقة الحاكمة التي تحكمه، والتي من المفروض على الطبقة السياسية أن تقد برامج تنافسية لتطوير الخدمات وتطوير القطاع الاقتصادي في البلد.

بما أنه المواطن لا يدفع ضرائب، فكل شيء يحصل عليه بشكل مجاني أو شبة مجاني، فهو يكون غير مهتم بالشأن العام، يعني ليس مهما بأن الخدمات غير متوفرة، بل المهم أن يكون عنده مولدة كهرباء صغيرة يحصل منها على القليل ما يحتاجه من الطاقة الكهربائية، وعنده راتب رعاية من الحكومة بمقدار 100 أل دينارا أو 50 ألف دينارا، يعيش بها عيشة الكفاف، ولا يأخذون منه ضرائب محسوبة، أغلب الحاجيات والبضائع والكهربائيات التي يشتريها، أما تكون مهرَّبة أو ذات نوعية رديئة بلا (جمرك).

بالنتيجة فالمواطن مرتاح لهذه الوضعية، فالحقيقة مع عدم وجود نظام ضريبي، لا يمكن أن يكون المواطن مهتما في الشأن العام، والدولة أو الحكومة بالنسبة له هي الأم والأب وهي كل شيء بالنسبة له، باعتبار أنها تقدم لي كل شيء بالمقابل أنا لا أقدم لها أي شيء، يعني لا توجد واجبات على المواطن في مقابل الحقوق التي يريدها.

أنا أرى بأن المخرجات التي أدت لسقوط النظام الملكي بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرها هي المخرجات السياسية، الطبقة السياسية في وقتها، نوي السعيد وغيره، ورؤساء الوزراء الكبار في ذلك العهد، من بعد ما سيطروا بنسبة أكبر على قطاع النفط، وارتفعت النسب بعد سنة 1952، والاتفاقيات التي تم عقدها بعد تجربة مصدق في إيران وغيرها، الميزانيات الحكومية للدول ارتفعت بشكل كبير جدا، قياسا لسنوات الثلاثينات والأربعينات.

هذا الارتفاع الكبير في الميزانية المالية، إلى ماذا أدى بالسلوك السياسي، في وقتها، أدى إلى أنه حدث تضييق على عدم ظهور أحزاب جديدة، فالجانب السياسي هو الذي كان مؤثرا على الجانب الاقتصادي في ذلك الوقت، الاقطاعيون هم الطبقة المسيطرة على الحكومة، وهم أنفسهم موجودين في مجلس الأمة، وهم أيضا الذين يصيغون القرارات والقوانين التي تخدم مصالحهم، وعدم تغيير قوانين الانتخابات في وقتها.

يعني الشيخ الذي يحكم في لواء المنتفج مثلا، هو نفسه يبقى يحكم، أو يأتي ابنه من بعده ليواصل السيطرة على الحكم، ولا يمكن تغيير هذا الشيخ بالانتخابات التي كانت صورية آنذاك، لكن نظام القانون الانتخابي كان من الممكن هو الذي يغير الأشخاص والوجوه، لكنه ما كان قادرا على ذلك. 

اليوم نحن في العراق، عندما صار لدينا قانون انتخابي في عام 2021، سمح بظهور بعض الوجوه وكان من الممكن أن يغير المعادلات، لكنهم أرجعوا الاقطاعيات الحزبية الجديدة التي ظهرت بعد سنة 2003، بتعديل قانون الانتخابات وإرجاعه إلى الصيغة التي تخدم الطبقة السياسية نفسها بحيث يؤدي إلى فرض الوجوه نفسها، وهذا هو الذي سقط النظام الملكي وهو نفسه ممكن يسقط النظام السياسي الموجود في العراق والذي مضى على وجوده عشرين أو واحد وعشرين سنة.

لا يمكن تحسين النظام الحالي في العراق من دون، تعديل هذه القوانين التي تؤدي بنا إلى نفس النتائج، يعني إذا قانون الانتخابات لا يتغير ولا يتعدل، فأكيد سوف يؤدي إلى نفس النتائج، لذلك الموضوع يشمل النظام الاقتصادي العراقي.

ضرر الدولة الريعية لا يكون على العراق فقط، يعني العراق ملتزم ومرتبط بقوانين واتفاقيات ومعاهدات مع صندوق النقد الدولي، ومع البنك الدولي، هذه السياسية المالية البنكية الدولية، العراق يعيش داخلها لأنه لا يعيش في معزل عن العالم، ومع وصول ترامب للسلطة أعتقد أن هذه السنوات الأربع سوف تكون سنوات صعبة جدا على الاقتصاد العراقي من خلال تفعيل الضوابط بالمراقبة على الاقتصاد العراقي، على البنك المركزي، وهما أكبر جهتين سومو والبنك المركزي. 

ففي حالة تعرض أي واحد منهما أو كلاهما إلى أي عقوبات ولو مؤقتة فتخيلوا كيف سيكون شكل الدولة في العراق، سوف ينتهي كل شيء، لأنه غير ممكن أن يبقى العراق ساحة لغسيل الأموال والتهريب والممنوعات وكذا وهو يريد أن يدخل في المنظومة الاقتصادية العالمية وهو بهذا الشكل.

طرد الاستعمار الامريكي

- الاستاذ صادق الطائي: 

بسبب المحاصصة التي اوجدتها امريكا في السلطات الحاكمة في العراق، يعتبر الاقتصاد العراقي، اقتصادا (اهوج) ليس اقتصاد حر أو اقتصاد مقيد، وهذا النوع المخربط أو المشترك وراء كل المشاكل والازمات في السوق العراقي ولا يمكن ان نصفه بوصف الاقتصاد انما مؤامرة إمريكية.

بلاشك الدولة ورجال الاقتصاد يعرفون الاقتصاد العراقي ومشاكله وحقيقة الازمات، ولكن يمكن القول كلهم يعرف انها مؤامرة ولكن ساكتة، مثل الكهرباء.

اما كيف نحل هذا التناقض، هو طرد الاستعمار الامريكي وجميع قواعده العسكرية وتحديد دور السفارة (كممثل) ليس كمعلم ومراقب لبعض الوزارات العراقية بعدها نفكر بتحجيم السفارة الامريكية في بغداد، من غير هذا القرار لا يمكن لنا حل التناقض في الاقتصاد العراقي وبناء القدرات والعقول والكفاءات الاقتصادية العراقية.

عدم إغفال قانون 80 لسنة 1961

- الدكتور لطيف القصاب، أكاديمي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

الحقيقة بودي أن أشير إلى قضية، فالباحث الأستاذ حامد الجبوري ذكر بعض القضايا وأغفل ذكر قانون 80 لسنة 1961، هذا القانون الذي تستطيع ان تتحدث ساعات عنه، باختصار هذا القانون جعل بريطانيا تقدم شكوى للأمم المتحدة وتخيَّل مدى الضرر الذي ألحقه بالخزانة البريطانية، وأنشئت عشرات الشركات النفطية المحلية، وأخذت الواردات العراقية في منحنى متصاعد جدا مع السنوات التالية.

فأرجو أن تتضمن الورقة الإشارة إلى هذا القانون، اقتصاد السوق هو ليس كلمة وقائلها، هناك اقتصاد سوق حر كما نعرف، وهناك اقتصاد سوق مختلط، ويوجد اقتصاد سوق اجتماعي، وكل فرع من هذه الفروع الكبيرة فيها ما فيها من سلبيات وإيجابيات، فليست القضية صفقة واحدة، الفئات النقدية والمالية كان أيضا يفترض لها جزء من الورقة البحثية وقد أشار إلى ذلك سماحة الشيخ مرتضى معاش.

ولكن ما أعلمه هو أن الاقتصاد ينهض بجناحين، السياسة النقدية من جهة والسياسة المالية من جهة أخرى، فأن تكون السياسة النقدية مستقيمة والسياسة المالية معوجّة، فهذا يؤشر إلى وجود خلل كبير.

هم ضبطوا إيقاع السياسة النقدية، ليس لسواد عيون العراقيين ولكن هناك سيطرة على العراق ونحن نعلم ماذا يعني البنك المركزي، والمرجعية الأساسية لكل البنوك هي هو البنك النقدي الدولي، وبالأخير تنظيم الكتلة النقدية لا يحمل وجها كبيرا مشرقا كما نتخيل، فالسياسة المالية هي المهمة في الحقيقة.

يعني أنت عندما تُغرق السوق المحلية ببضاعة أجنبية، فأنت تئد صناعتك المحلية، على فرض وجودها، وهناك من يقول أن هناك فيتو أمريكي أو شيء من هذا القبيل على الصناعة وإذا صح هذا فالقضية ستكون أدهى وأمرّ.

هناك عشوائية في التخطيط الاقتصادي على المستوى الحكومي والقطاع العام، وهناك ظلم وتعسف في القطاع العام، عشوائية التخطيط أضرب لكم أمثلة حتى يكون للجلسة النقاشية جانب عملي، هؤلاء أصحاب التكتك المساكين الذين تُصادَر عرباتهم، وتحجز في مناطق قريبة من الصحراء، ماذا يفعل هذا الرجل الذي يجد نفسه من غير هذا التكتك الذي يعيل به عائلته؟، هل هناك طريق غير طريق الجريمة، لنكن واقعيين، أصلا هو استدان حتى يشتري هذا التكتك حتى يعمل به ويحصل على رزقه.

منذ البداية لماذا تسمح باستيراد هذه العربة بهذه الكميات العالية، وتعطيه رقما ثم تصادرها منه، قضية عجيبة جدا.

القضية الأخرى القطاع الحكومي على سلبياته، وعلى سيئاته هو بالحقيقة في نهاية المطاف سوف يكون أرحم وأجمل وأكثر إحسانا من صنوه القطاع الخاص، أضرب أمثلة حية، ما الذي يجعل عشرات الأساتذة يهجرون الجامعات الأهلية بمرتبات ضخمة، أنا اتكلم عن واقع حال وأنا منهم هم زملائي، كنا نتقاضى ما مقداره ربما ثلاثة ملايين دينارا أو أكثر ثم يذهب إلى الوظيفة الحكومية مقابل مليون ونصف المليون دينارا، أو مليونين إلا ربع، لماذا؟

على الأقل هناك جوانب إنسانية مضيئة إلى حد ما، لكن التاجر ليس عنده رحمة في قضية الربح، النسبة الغالبة هكذا، طبعا مع احترامنا للاستثناء الموجودة فيها شيء من الإنسانية والرحمة، وقد ذكر الأستاذ علي حسين عبيد، حول شراء الخبز وبيعه، أنظر مدى القسوة واللاإنسانية، يعني نحن لا نترحم على الجمهورية القاسمية ولكن كانت في جانب منها جيدة بصرف النظر عن أخطائها.

قضية الضرائب وملف الضرائب لا يزال يُدار بشكل غير صحيح، الضرائب من أبشع ما يكون، فأنت تدفع الضريبة أحيانا بشكل مباشر من خلال دفع فواتير الماء والكهرباء، أنا شخصيا دفعت مبلغ 150 ألف دينار، للكهرباء الوطني والمولدة، فأنت عندما تبعث أطفالك إلى مدرسة أهلية تريد أن يتعلموا جيدا، وأنت مضطر كي تنفق عليهم، هذه ضريبة لكن بطريقة غير مباشرة، اذهب إلآن إلى المستشفى حتى عندما تذهب إلى المستشفى الحكومي أو إلى المستشفيات التي يُضرَب بها المثل، كالمستشفى الحسيني والتركي، فالطبيب يكشف عليك بعد التي واللتيا، ثم أنت تشتري العلاج من جيبك الخاص، هذه أيضا ضريبة، المواطن العراقي مستنزف إلى آخر حد.

أسباب التناقض في إدارة الاقتصاد العراقي

- الأستاذ حسين علي حسين، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

هل هناك تناقض أولا ضمن إدارة الاقتصاد العراقي أم أن القضية محددة مسبقا، بخصوص إدارة الاقتصاد هناك مجموعة نقاط هي:

النقطة الأولى: استمرار انتفاع الدولة. 

فما دامت الدولة مستمرة في انتفاعها من النشاطات والعمليات الاقتصادية واستمرار حصولها على الأموال من دون تعب أو تقديم جهد معين، فالدولة سوف تستمر في هذا النهج، وتعتبر هي التي تعيق إدارة الاقتصاد العراقي.

النقطة الثانية: وعي أفراد المجتمع.

مثلا لدينا الطالب يدرس لمدة اثنتي عشرة سنة 12، أي أنه بعد دراسة 12 سنة يجد نفسه أمام خيار الذهاب إلى المجموعة الطبية، لماذا؟، حتى يمكنه الحصول على التعيين في الدولة، وبعد ذلك تم فتح الجامعات الأهلية التي سمحت حتى للطلبة الذين حصلوا على معدل ستين 60 درجة، يدخل إلى المجموعة الطبية بأمواله لغرض الحصول على وظيفة، هذا كله موجود في وعي الأفراد حتى يصلوا إلى هذه المرحلة.

ومن جانب آخر هناك قصة أو حالة عشتها بنفسي، أنه لدي أصدقاء يعملون في القطاع الخاص مهندسين، وصلت رواتبهم خلال سنة أو سنتين في شركات خاصة إلى ثلاثة ملايين دينار وأربعة ملايين دينار، أما نفس الشخص الموجود في وظيفة حكومية كم يحتاج من السنوات حتى يصل إلى راتب موظف القطاع الخاص، فإذا الدولة استطاعت ان تدرس الوضع بصورة صحيحة وحولت العام إلى قطاع خاص فإنا تستطيع ان ترفع من المستوى المعاشي للمجتمع.

النقطة الثالثة أو السبب الثالث: عدم وضع خطط استراتيجية كفوءة.

الدولة لم تدرس الوضع بشكل صحيح ومنتفعة من عدم وضع خطط استراتيجية تسمح للشعب العراقي الاتجاه إلى السوق الحر.

النقطة الرابعة: ريعية الاقتصاد.

فطالما نحن اقتصادنا ريعي ومعتمدون على بيع النفط فقط، وكل هذه الأمور نتجاهلها ولا نعطيها أهمية، فكيف سنستطيع أن نبني قطاعا خاصا إذا كان اقتصادنا ريعيا يعتمد على النفط فقط أو أحادي القطب.

فإذا عالجنا الأسباب التي تواجه اقتصادنا وتعيق تقدمه وتطوره، فإننا سوف نعثر على الحلول الصحيحة والمطلوبة. 

تكليف القطاع الخاص بملف الاقتصاد

- الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث الاستراتيجية:

ان الفترة التي يتأسس فيها الاقتصاد يمكن أن يُقال بوجود نوع من الهدوء والركود، حدث بعد عام 1921، أقصد الفترة الملكية التي وُصفت بأنها مرحلة توترات كبيرة، ما بعد انقلابات صدقي وبدأت حكومات العسكر، بدأت عملية الاقتصاد تتأثر بالحركة السياسية.

حتى أن كثير من التجار دخلوا في السجون وحصلت الاعدامات في قضايا قسم منها صحيح وقسم كبير منها غير صحيح، فهي قضية ترهيب للتجار لعدم دعم حركات سياسية معينة، بالنتيجة استمرت الحالة القلقة في الاقتصاد العراقي ربما من فترة الستينات أو الخمسينات إلى سنة 2003، لم يكن هنالك هدوء، أو وجود سياسة واضحة للدولة في قضية الملف الاقتصادي، بل كانت الحالة السياسية أو فكر الدولة أو فكر الإنسان الحاكم هو الذي يؤثر على هذا الشيء.

ما بعد 2003، أصبحت الحالة الفوضوية هي السائدة، وباتت الأمور مشوهة بشكل عجيب غريب، لا نحن رجعنا إلى اللامركزية بشكل واضح وإلى الرأسمالية، ولا تُرك اقتصاد السوق له حريته بشكل واضح، وبقيت الأمور متعلقة مرة هنا ومرة هناك.

من الممكن في هذا الجانب أن يكون هناك للسوق بحسب وجهة نظري مع أنني غير مختص، من الممكن أن يكون للسوق فتح لكن تحت رؤية وتخطيط للدولة بشكل عام رؤية اقتصادية ورؤية سياسية ورؤية بعيدة الأمد اعتمادا على ما لديها من موارد، وتفعيل الموارد التجارية الزراعية الصناعية وفي كل القطاعات.

بالنتيجة اليوم المواطن لا يريد أن يستهلك فقط، وإنما يكون له دور في الإنتاج، وهذا جزء من مسؤولية الدولة، تجاه الاقتصاد وأن يكون لديها إنتاج، ولا تكون دولة ريعية، تبيع ما لديها من نفط فقط، وتنفق على المواطن، كلا، يجب تقوية الجوانب الاقتصادية الزراعية التجارية في السياحة أيضا ودور السياسة في المنطقة وحركتها، هذه الأمور كلها تصب في تقوية حركة الاقتصاد.

وعندما تتقوى الدولة اقتصاديا وتتمكن من هذه الملفات، يمكن وضع التخطيط الاستراتيجي الاقتصادي للبلاد، وقد يتم إيكال هذا الملف للقطاع الخاص.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2025

www.fcdrs.com

اضف تعليق