ان القوانين ذات الاثار الاجتماعية كقوانين الاحوال الشخصية ورعاية القاصرين والأحداث وغيرها يجب ان تستند الى دراسات واحصائيات وبيانات اجتماعية حقيقية، وليس مجرد فكرة لمعت في ذهن احد النواب ويطرحها لينال الاسبقية أو الثناء حتى لا يضطر لتبرير أو شرح أفكاره لاحقا، ان الشفافية في العمل التشريعي تجنب الهيئة التشريعية الاحراج...

على هامش الضجة التي اثيرت في الاوساط البرلمانية والقانونية وعلى مستوى الرأي العام حول مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل والمقدم من قبل بعض النواب في البرلمان العراقي، توارد الى ذهني بعض الملاحظات التشريعية ذات العلاقة بآلية سن القوانين وتعديلها، وان الاخفاق في مراعاتها ادى الى حدوث هذه الضجة وسحب مشروع تعديل القانون نوردها بالاتي :

لازالت المؤسسة التشريعية بعيدة عن آليات واستراتيجيات تطبيق الحوكمة التشريعية الي تهدف الى سن قوانين على مستوى عال من الجودة والفاعلية والواقعية والقبول من قبل المجتمع أو المخاطبين به، فمشروع قانون التعديل ما كان يتعرض لمثل هذا الاخفاق فيما لو قامت المؤسسة التشريعية ممثلة باللجنة القانونية المختصة بعقد الندوات الاعلامية التثقيفية لجس نبض الشارع، وكذلك عقد المؤتمرات القانونية يتم فيها استضافه رجال القانون المتخصصين والوقوف على آرائهم وغربلتها وتوظيفها لاحقا لمشروع التعديل على مستوى المحتوى والصياغة لان التشريع فن وسياسة، وبالتالي تحديد إمكانية المضي بالمشروع أو العدول عنه .

تعديل قانون

يعد الرأي العام احد الأدوات الفاعلة في العملية التشريعية، وهي عملية معقدة تتظاهر فيها جهود عدة جهات ومنها الرأي العام لبلورة المدخلات وضمان جودة المخرجات التشريعية، لذلك نجد ان الدول المتقدمة ذات الباع بالديمقراطية التشريعية قد لجأت الى أساليب لاستمزاج الرأي العام وهي اجراءات اسرع من الاستفتاء التشريعي قبل اقتراح مشروع قانون او تعديل قانون نافذ، وخصوصا اذا كان التشريع يخص المجتمع بشكل مباشر ويترتب عليه اثار شخصية وعائلية ومن هذه الأساليب الاكشاك الالكترونية والاستفتاءات الاليكترونية عبر أجهزة الهاتف والمؤتمرات والندوات والمنشورات بهدف الوقوف على الرأي العام ورد الفعل اتجاه هذا المشروع .

لم تتبع اللجنة القانونية المتخصصة أساليب التشريع المعاصرة التي توجب دراسة اثر التشريع قبل سن القانون، وهذه الدراسة تتطلب توفر البيانات والاحصائيات والتقارير والقوانين المقارنة والاتجاهات القضائية والحاجات الاجتماعية لهذا التشريع .

ان النائب في البرلمان لا يمثل قوميته أو طائفته أو مذهبه، وانما يمثل كافة الناخبين في المجتمع السياسي، وبالتالي يتعين على كل نائب عند اقتراح مشروع قانون او تعديل مراعاة كافة فئات المجتمع الذي يمثلهم على قدم المساواة دون التحيز لقومية أو طائفه أو مذهب، والا أخل بموجبات مقتضيات عضويته في البرلمان وقد يصل الاخلال الى مستوى المسؤولية السياسية اتجاه الناخبين .

لوحظ ان هناك الكثير من المواد في القانون موضوع التعديل قد جرى الطعن بعدم دستوريتها امام المحكمة الاتحادية العليا، وقد ردت هذه الطعون لأسباب منها ما كان يستند الى كون النص الطعين هو خيار تشريعي، وهذه النصوص يمكن ان يرد عليها التعديلات من قبل البرلمان طالما هي تدخل ضمن حدود سلطته التقديرية، في حين ردت طعون اخرى كون النصوص المطعون فيها غير مخالفه للدستور، وبالتالي فأن اي تعديل ينال منها يحمل في طياته مخالفه لأحكام المحكمة الاتحادية العليا الملزمة لكافة السلطات ومنها السلطة التشريعية، ويعد ذلك من وجهة نظرنا تصحيحا تشريعيا معطلا لتنفيذ احكام المحكمة الاتحادية العليا، باعتبار احكامها عنوان الحقيقة وان سن تشريع مخالف له هو نسف ضمني لمبدأ حجيته.

فالتصحيح التشريعي كمفهوم عرف في نطاق القضاء الإداري وهو قابل للتطبيق على مستوى القضاء الدستوري، ووفقا لهذه الفكرة نقول ان التصحيح التشريعي هو اجراء أو تدبير تشريعي يقوم به المشرع بهدف نسف دستورية نص كانت المحكمة الدستورية قد أعلنت دستوريته بحكم بات من خلال اصدار تشريع بإلغائه حتى وان كان ضمنا، أو يهدف الى اضفاء الصفة الشرعية على نص أو تشريع ألغي بحكم سابق لعدم دستوريته من خلال اصدار تشريع بذات مضمون النص الملغي، وعادة ما يكون التصحيح التشريعي بإجراء لاحق للحكم الصادر بدستورية أو عدم دستورية نص أو قانون كان محل نظر امام القضاء الدستوري .

فالمشرع اباح لنفسه اصدار إجازة تشريعية لاحقه لنص اعدم لعدم دستوريته أو لاعدام نص سبق وان أعلن القضاء الدستوري دستوريته، وهذا يخالف قاعدة (التشريع المصحح لا يطهر النص المعيب بعدم الدستورية) ومخــــــالف ايضا لمبدأ (الامن القــــــانوني).

ان القوانين ذات الاثار الاجتماعية كقوانين الاحوال الشخصية ورعاية القاصرين والأحداث وغيرها يجب ان تستند الى دراسات واحصائيات وبيانات اجتماعية حقيقية، وليس مجرد فكرة لمعت في ذهن احد النواب ويطرحها لينال الاسبقية أو الثناء حتى لا يضطر لتبرير أو شرح أفكاره لاحقا، ان الشفافية في العمل التشريعي تجنب الهيئة التشريعية الاحراج أو التراجع عن مشاريعها ازاء ضغط الجمهور .

دراسة المشروع

لم نلمس من طرح هذا المشروع اي دور لدائرة التشريع النيابية في مجلس النواب لدراسة المشروع واغناءه وعقد الندوات والمؤتمرات التثقيفية والاستفادة من التغذية الارتجاعية، لذا نهيب بمجلس النواب العراقي واللجان النيابية المتخصصة الاعتناء بالعمل التشريعي وتطبيق استراتيجيات الحوكمة التشريعية، وإعطاء دور اكبر لدائرة التشريع النيابية للقيام بمهامها مستقبلا ، والله ولي التوفيق .

اضف تعليق