ان شكل الدولة في العراق المعاصر ونقصد الدولة العراقية التي تم تأسيسها عام 1921 بعد الاحتلالين العثماني والبريطاني هو دولة بسيطة (موحدة) تدار بطريقة اللامركزية الادارية وكانت الوحدات الادارية الرئيسية هي الالوية، وتستحدث الالوية وتلغى بصلاحية السلطة التنفيذية وفقاً لقانون ادارة الالوية رقم (58) لسنة 1927 والقانون (16) لسنة 1945...

من المعروف ان شكل الدولة في العراق المعاصر ونقصد الدولة العراقية التي تم تأسيسها عام 1921 بعد الاحتلالين العثماني والبريطاني هو دولة بسيطة (موحدة) تدار بطريقة اللامركزية الادارية وكانت الوحدات الادارية الرئيسية هي الالوية، وتستحدث الالوية وتلغى بصلاحية السلطة التنفيذية وفقاً لقانون ادارة الالوية رقم (58) لسنة 1927 والقانون (16) لسنة 1945، حيث يتم انشاء الوحدات والغائها باقتراح من وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء مقترنه بإرادة ملكية، ثم صدر في العهد الجمهوري قانون المحافظات رقم (159) لسنة 1969 الملغى الذي نصت المادة (4) منه على الية استحداث المحافظ وتعيين مركزها واسمها وتعديل حدودها والحاقها بمحافظة اخرى بموجب مرسوم جمهوري يصدر بناء على اقتراح من وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء ومصادقة مجلس قيادة الثورة (المنحل). 

كما حددت المواد(5) و(6) منه كيفية انشاء الوحدات الادارية الادنى كالأقضية والنواحي والقرى، وشهد في ظل نفاذ القانون استحداث محافظة دهوك والمثنى والنجف وصلاح الدين، الا ان القانون المذكور اغفل معالجة حالات الغاء هذه الوحدات، والالغاء وفق القواعد العامة اما يكون بفقدان الوحدة الادارية ركن من اركان وجودها او فقدان مبررات وجودها او فقدان من يمثل اداراتها المحلية شرعيته او دمجها مع محافظة اخرى وتقسيم وحدة قائمة الى عدة وحدات ادارية اصغر والحاقها بوحدات ادارية اكبر وتفقد شخصيتها المعنوية وحدودها الادارية.

ولم يثار هذا الاشكال في ظل سريان القانون المذكور والسبب يعود الى عدم الغاء اي محافظة او دمجها بمحافظة اخرى في تلك الحقبة، الا انها شهدت استحداث محافظة النجف عام 1976 من خلال اقتطاع جزء من الحدود الجغرافية لمحافظة كربلاء دون ان تفقد الاخيرة شخصيتها المعنوية كمحافظة قائمة، وبعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 بقي الحال على ما هو عليه حتى مع صدور امر سلطة الائتلاف المؤقته المنحلة رقم (71) لسنة 2004 والذي نص على ابقاء المحافظين واعضاء مجالس المحافظات لحين اجراء الانتخابات ولم يتضمن الاشارة الى استحداث او الغاء الوحدات الادارية القائمة. 

الا ان قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 رسم ملامح الدستور المرتقب للعراق وكان من اهم هذه الملامح الاخذ بالنظام الفيدارلي كشكل للدولة، ومن المعلوم ان الاتحاد الفيدالي يتكون من اتحاد عدة دوال قائمة كالاتحاد الفيدرالي الامريكي، او من خلال تفكك الدولة الواحدة الى عدة دول ثم تتحد بموجب اتحاد فيدرالي يضمن للولايات او الكانتونات مساحة واسعة للادارة والتشريع والقضاء على مستوى الوحدات السياسية، وبعد نفاذ دستور جمهورية العراق لسنة 2005 يمكن ان نسجل الملاحظات الاتية على التنظيم الاداري للوحدات الاتحادية وكما يأتي :

1. شكل الدولة: اعتنق دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النظام الاتحادي (الفيدرالي) شكلاً للدولة، خلافاً للواقع السياسي والجغرافي والتاريخي الذي يؤكد ان العراق دولة موحدة (بسيطة)، وكان الهدف من ذلك وكما ذكر الحاكم الامريكي للعراق (بول بريمر) في كتابه (عام قضيته في العراق) هو ارضاء المكون الكردي وقياداته السياسية، اذ كان الواقع السياسي يشير الى كون المحافظات الثلاث ذات الاغلبية الكردية في شمال العراق قد تمتعت بالحكم الذاتي بموجب القانون رقم (33) لسنة 1974 الذي منح سكان هذه المنطقة لاعتبارات عرقية نوع من الاستقلال الذاتي تحت وصاية الحكومة المركزية وهذا مايسمى (home rule) الا ان هذا الحل السياسي لم يكن يرضي طموحات القادة الكرد الذين كانون يميلون الا الاستقلال التام عن الاقليم العراقي.

وبعد احداث 1991 تنفست هذه المنطقة الجغرافية الصعداء وتنعمت باستقلال شبه ذاتي بعد خط عرض (36) المحمي من الولايات المتحدة الامريكية وسحبت الحكومة المركزية كافت مرافقها العامة وموظفيها وخدماتها وتم اعلان المجلس الوطني لاقليم كردستان الذي طالب ان تكون شكل العلاقة مع الحكومة المركزية في بغداد على اساس فكرة الاتحاد الفيدرالي الذي رفضة المركز كون دستور 1970 المؤقت النافذ في حينها يؤسس لدولة بسيطة اتحادية تدار بنظام المركزية الادارية مع هامش من عدم التركيز الاداري، وبسبب وجود مخاوف لدى قطبي السياسة الكردية في حينها من الحاق المدن ذات الغالبية السكانية الكردية الى ما يسمى بالعراق الجديد بعد 2003 بسبب معاناتهم من الانظمة السياسية السابقة والحركات العسكرية التي جابهت تحركات الاكراد للانفصال من العراق ومنذ العهد الملكي كان شرطهم للانضمام للعراق هو الفدرلة، كون النظام المذكور يضمن حداً ادنى من المشاركة في الحكم من خلال هذا النظام الذي يسمح بجود وحدات سياسية تتمتع باستقلال واسع تدار ذاتياً اضافة للتمثيل المتساوي في مجلس الاتحاد الذي لم يشرع قانونه لغاية الان .

2. نظام الادارة: للسبب المذكور اعلاه لم ينشأ الا اقليم واحد يستند لاعتبارات قومية وليست لاعتبارات اخرى اقتصادية او امنية او تاريخية وقد اعترف دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بالاقليم وسلطاته القائمة كامر واقع بموجب المادة (117/ثانياً) التي جاء فيها (يقر هذا الدستور عند نفاذه اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليماً اتحادياً)، فقد حاول الدستور المزج بين نظامين مختلفين نظام اللامركزية السياسية وهو نظام للحكم ونظام اللامركزية الادارية للمحافظات غير المنتظمة باقليم وهو نظام للادارة مما تولد عن ذلك نظاماً قانونياً هجيناً حمل مزايا وعيوب النظامين في آن واحد ، حت ان بعض الفقهاء قد وصفه بالمسخ القانوني .

3. استحداث والغاء الاقاليم: نظم دستور جمهورية العراق آلية استحداث الاقاليم الجديدة ماعدا اقليم كرستان وسلطاته القائمة الذي تم الاعتراف به كواقع حال دون المرور بآلية تشكيل الاقاليم التي نص عليها الدستور ذاته في المادة (119) منه التي اعطت الحق لكل محافظة او اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء يقدم من ثلث اعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم او بناء على طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم، وتطبيقا لذلك صدر قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم رقم (13) لسنة 2008 استناداً للدستور.

الا الواقع لم يشهد تشكيل اقليم جديد عدا اقليم كردستان المؤسس دستورياً وليس بناء على اجراءات وردت بالقانون وتستند للاستفتاء الشعبي للمناطق الجغرافية التي تروم تكوين اقليم ، ولذا نجد ان قانون مجلس الاتحاد المنصوص عليه في المادة (65) من الدستور لم ير النور لعدم امكانية تطبيقه عملياً في الوقت الحاضر، ولان الدستور قد وضع مجلس الاتحاد وهو صنو مجلس النواب في ممارسة الاختصاص التشريعي في مرتبة ادنى من مجلس النواب عندما ترك تنظيم هذا المجلس وتحديد عدد اعضاءه وعلاقته مع مجلس النواب بقانون يصدره مجلس النواب باغابية ثلثي اعضاء مجلس النواب ذاته. 

واخيراً ويمكن ان نشير الى ان نص المادة (119) من الدستور قريب من نص المادة (143) من دستور اسبانيا لسنة 1978 الذي اجاز للوحدات الادارية التي تملك عناصر تاريخية وثقافية واقتصادية مشتركة وللمحافظات ذات الكيان الاقليمي التاريخي حق تكوين اقاليم مستقلة تدار بالحكم الذاتي، كذلك يمكن ان نسجل ان النص في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اشترط لتكوين الاقاليم الاستفتاء الشعبي فقط للمناطق التي تروم تشكيل الاقليم في حين اشترط الدستور السويسري موافقه الشعب السويسري عامة الى جانب السكان المحليين لغرض الموافقة على انشاء او الغاء المقاطعات، وكذلك اشترط الدستور الامريكي موافقة الكونغرس اضافة لموافقة الهيئات التشريعية في الولايات عند انشاء ولاية او دمجها او تغيير حدودها دون اشتراط الاستفتاء الشعبي.

اما فيما يتعلق بالغاء الاقليم فقد جاء الدستور خالياً من اي نص يشير الى الية الغاء الاقليم ووفقاً للقواعد العامة فأن الاقليم يلغى اما بالاندماج او الانضمام لإقليم اخر وفقدانه شخصيته المعنوية ككيان او وحدة سياسية مستقلة، او من خلال تحوله الى وحدة ادارية، او بسبب الانفصال، ويلاحظ ان معظم الدساتير الخاصة بالدول الاتحادية كأمريكا والهند وباكستان واسبانيا والبرازيل لم تجز للأقاليم (الولايات) بالانفصال وعدته جريمة فيدرالية ودعوة للحرب الاهلية.

اذا قررت المحكمة العليا الامريكية مبدأ مفاده ( الاتحاد غير قابل للانفصال ) واعتبرت اعلان الانفصال الاحادي الجانب حرباً اهلية ، ولم تشهد التطبيقات العالمية اي انفصال سلمي عدا ما حصل في باكستان ويوغسلافيا عندما انفصل الجيك عن السلوفاك عام 1993.

4. استحداث والغاء الوحدات الادارية الاقليمية (المحافظات): نصت المادة (116) من دستور جهورية العراق لسنة 2005 على ان (يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية) ونصت المادة (122/ اولاً) منه على ان (تتكون المحافظات من عدد من الاقضية والنواحي والقرى )، لم يشر الدستور الى الية استحداث المحافظات وترك تنظيمها للقانون حيث صدر قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل، والذي اغفل بدوره الاشارة او تنظيم آلية استحداث والغاء المحافظات غير المنتظمة بإقليم، وبرر البعض هذا الاغفال بعدم حاجة العراق الجديد للوحدات الادارية كونه عراق فيدرالي في طور التحول الى نظام الفدرلة.

في حين ذهب البعض وانا منهم الى ان سبب هذا الاغفال التشريعي هو القصور الذي يعتور النصوص وعدم دقة الصياغة التشريعية، بدليل ان القانون اغفل تنظيم استحداث والغاء المحافظة الوحدة الادارية الرئيسية، لكنه في ذات الوقت نظم في المادة (7/11) منه شؤون الوحدات الادارية الادنى منها فيما يتعلق بالدمج او الاستحداث او تغيير التسمية اذ يجوز لمجلس المحافظة وبناء على اقتراح المحافظ او ثلث اعضاء المجلس بالتصويت بالأغلبية المطلقة على هذه المحدثات والتغييرات، ولذلك نجد ان محاولات استحداث محافظات جديدة فشلت لغياب الاطار التشريعي الذي يدعم عملية الاستحداث، فبموجب قرار مجلس الوزراء بالعدد (568) لسنة 2013 نص على استحداث محافظة (حلبجة) وتم صياغة القرار على شكل مشروع قانون الا ان مجلس النواب لم يصوت عليه .

لما تقدم فان الامر يقتض اجراء تعديل تشريعي يوفر الغطاء القانوني والدستوري لإنشاء المحافظات والغاءها ودمجها وتحولها وتغير حدودها الجغرافية اضافة لوحداتها المحلية بموجب القانون وضمن صلاحية السلطة التنفيذية باعتبارها وحدات اقليمية تدار بأسلوب الادارة اللامركزية، وكذلك اجراء تعديل تشريعي لتحديد اليات وحالات الغاء الاقليم سواء بالتحول او الاندماج، مع ادراج نص دستوري يمنع حالات انفصال الاقاليم باستفتاء شعبي من سكان الاقليم ذاته، وانما يجب ان يخضع للاستفتاء الشعبي للعراق الفيدارلي مع اعتبار الانفصال الاحادي دعوى للحرب الاهلية... والله الموفق .

اضف تعليق