كانت زيادة سعر رغيف الخبز المدعم مسألة ذات حساسية سياسية مما أجل القرار لسنوات في بلد يشكل فيه الخبز الرخيص عنصرا رئيسيا على موائد الطعام بسبب انتشار الفقر. ورغم جولات متكررة من الإصلاحات التقشفية، أبقت الحكومة أسعار الخبز دون تغيير منذ الثمانينيات لقلقها من رد فعل الشارع...

في بداية شهر يونيو حزيران الجاري أقرت الحكومة المصرية رفعاً بنسبة 300 في المئة في أسعار الخبز المدعوم، كما تستعد لخفض الدعم عن أسعار الكهرباء والوقود خلال الفترة المقبلة.

وقرر مجلس الوزراء المصري الأربعاء رفع سعر رغيف الخبز المدعوم من الدولة والذي يستفيد منه أكثر من سبعين مليون مواطن، في خطوة لم تحدث منذ عقود في بلد يعاني واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه.

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي “اتخذ مجلس الوزراء قرارا برفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى عشرين قرشا اعتبارا من بداية الشهر (حزيران/يونيو)” مقابل سعر خمسة قروش حاليا.

وأوضح مدبولي أن هذه الخطوة لم تحدث “منذ أكثر من 30 سنة (…) وهذا حمّل الدولة أعباء مالية أصبحت متزايدة بصورة كبيرة جدا”، مشيرا إلى أن سعر تكلفة الخبز “تضاعف عدة مرات” خلال العقود الثلاثة الماضية.

وأضاف “كل هدفنا هو تقليص هذا الدعم بصورة قليلة”، لافتا إلى أن “رغيف الخبز يكلّف الدولة المصرية اليوم جنيها وربع الجنيه (0,0026 دولار) ويباع بخمسة قروش، وبالتالي تتحمل الدولة 120 قرشا عن الرغيف الواحد”. 

ويتوقع محللون اقتصاديون أن يسهم رفع أسعار الخبز في مصر والزيادة المتوقعة في أسعار الوقود والكهرباء، في ارتفاع التضخم في مصر خلال الشهور المقبلة.

وحوّل ارتفاع سعر رغيف الخبز المدعم بأربعة أمثال في مصر الحياة بالنسبة إلى جمال أحمد إلى معاناة أصعب من أي وقت مضى مثله مثل الملايين من المصريين.

ويكافح جمال، المتقاعد البالغ من العمر 64 عاما، أصلا لتلبية احتياجاته حتى قبل إصدار الحكومة المصرية للقرار الجديد.

وتواجه الحكومة في مصر ارتفاعا حادا في تكلفة استيراد القمح وأصدرت قرارا دخل حيز التنفيذ في الأول من يونيو حزيران بزيادة سعر رغيف الخبز المدعم للمرة الأولى منذ عقود.

وهذه الأرغفة الصغيرة متاحة لأكثر من 70 مليون مصري ولا غنى عنها للفقراء. وعلى الرغم من أن سعرها بعد الزيادة لا يزال مخفضا بشكل كبير، إذ يبلغ بعد القرار 20 قرشا (0.0042 دولار) للرغيف ارتفاعا من خمسة قروش، فهذا السعر فوق طاقة تحمل الكثير من الأسر.

وقال جمال عن ارتفاع سعر الخبز وعدم قدرة الأسر على تحمل المزيد من الغلاء "العملية مش مستحملة" كما عبر عن قلقه من زيادة محتملة أعلنت عنها الحكومة في تكلفة المرافق أيضا وأضاف "فواتير الغاز والكهربا والمية.. والأسعار عموما غالية بصراحة الله يكون في عون صاحب العيال أو الراجل اللي أجره محدود في الظروف دي الله يكون في عونه".

وسيشعر الملايين بتأثير زيادة السعر لأن رغيف الخبز المدعم سلعة أساسية لا غنى عنها لأغلب سكان البلاد البالغ عددهم 106 ملايين نسمة تقريبا.

ويقول متقاعد آخر هو محمد عبد العزيز وهو يشتري الخبز المدعم في وسط العاصمة المصرية القاهرة "طبعا حيأثر عليا ماديا لإن أنا راجل على المعاش... هيأثر عليا وهيأثر على غيرى. أنا لاقى شغل وبشتغل لكن غيرى ممكن مش لاقى شغل وعايش على المعاش بتاعه". ووصف الظروف المعيشية بأنها "ماشية بالعافية" أي بالكاد يتحملون النفقات.

وشرح كيف اضطر إلى مواصلة العمل لزيادة الدخل عن معاشه الشهري والإنفاق على ثلاثة أبناء لم يتزوجوا بعد وقال "شغلانة تانية جنب المعاش هي دي اللي تمشيني المعاش لوحده مش هيكفي... معاشي حوالي ألفين جنيه" أو ما يعادل 42.46 دولار. (الدولار = 47.1200 جنيه مصري).

وكانت زيادة سعر رغيف الخبز المدعم مسألة ذات حساسية سياسية مما أجل القرار لسنوات في بلد يشكل فيه الخبز الرخيص عنصرا رئيسيا على موائد الطعام بسبب انتشار الفقر.

ورغم جولات متكررة من الإصلاحات التقشفية، أبقت الحكومة أسعار الخبز دون تغيير منذ الثمانينيات لقلقها من رد فعل الشارع. وأثارت محاولة لتغيير نظام الدعم في 1977 أعمال شغب.

وبدلا من زيادة السعر، لجأت الحكومة من قبل للحد من المستفيدين وتقليل وزن الرغيف نفسه.

ونحو ثلثي السكان يستفيدون من دعم الخبز وأحقيتهم في ذلك تتحدد على أساس الدخل وهذا يمنحهم خمسة أرغفة يوميا.

وبذلك قد ترتفع فاتورة الخبز الشهرية لأسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 120 جنيها من 30 جنيها فقط في بلد يبلغ الحد الأدنى للأجور فيه ستة آلاف جنيه بعد زيادته 50 بالمئة في مارس آذار.

اتخذت الحكومة القرار فيما بلغ معدل التضخم السنوي 32.5 بالمئة في أبريل نيسان بعد أن وصل إلى 38 بالمئة في سبتمبر أيلول الماضي. كما أن لدى مصر فاتورة ضخمة لخدمة الدين وسمحت بانخفاض حاد في قيمة الجنيه في مارس آذار، عندما تحولت إلى نظام سعر صرف مرن.

ومصر غالبا أكبر مستورد للقمح في العالم. ويقول تجار إن من غير المتوقع أن يغير رفع السعر من كميات مشتريات الحكومة في الأمد القصير. وتسبب انهيار الجنيه والتضخم الجامح في زيادة حادة في فاتورة استيراد القمح الحكومية.

ويقول وزير التموين علي المصيلحي إن السعر الجديد يشكل 16 بالمئة فقط من تكلفة الرغيف التي زادت بسبب ضعف العملة المحلية وزيادة أسعار القمح عالميا.

وذكر المصيلحي أن الحكومة تخصص نحو 125 مليار جنيه (2.65 مليار دولار) لدعم الخبز في موازنة 2024-2025 ارتفاعا من 91 مليارا العام الماضي.

وأضاف أن الوزارة لم تتلق أي شكاوى من المواطنين بعد زيادة السعر.

وتقول الحكومة إنها توسع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي لكن بعض المنتقدين يتساءلون عن سبب خفض دعم الخبز في وقت تنفق فيه الحكومة بسخاء على مشروعات كبرى مما زاد من حجم الديون.

ويقول تيموثي كالداس نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط إن الدولة يجب بدلا من ذلك أن تعطي الأولوية لخفض إعفاءات الشركات التي يملكها الجيش التي تمتع منذ فترة طويلة بامتيازات مالية.

وتابع قائلا إن رفع سعر رغيف الخبز المدعم سيكون "ضربة قوية للأسر الفقيرة".

وأضاف أن الخطوة قد تؤجج الإحباط والاستياء العام من الظروف الاقتصادية حتى وإن لم تدفع الناس للتظاهر بعد التضييق على المعارضة وحظر أغلب الاحتجاجات العامة.

ويوم السبت سألت الإعلامية المصرية لميس الحديدي في برنامجها الذي يذاع على إحدى القنوات المحلية وزير التموين عن أن أقساط الديون تشكل نسبة 62 بالمئة من إنفاق الميزانية بينما يمثل الدعم 11.5 بالمئة فقط.

ورد المصليحي بالقول إن مصر عليها أن تسدد الديون وأضاف "إحنا بنتكلم في واقع النهاردة وهنعمل إيه بكرة".

توقعات بارتفاع التضخم

وتسجل مصر مستويات مرتفعة من التضخم تأثراً بارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، إذ وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في سبتمبر مسجلاً 38 في المئة قبل أن يتراجع ليظل فوق مستوى 30 في المئة.

ويستهدف البنك المركزي المصري أن يبلغ معدل التضخم 7 في المئة بزيادة أو نقصان اثنين في المئة خلال الربع الرابع من العام الحالي.

تتوقع رامونا مبارك، رئيسة إدارة المخاطر بمنطقة الشرق الأوسط في فيتش سوليوشنز، أن يسهم ارتفاع أسعار الخبز المدعوم في زيادة معدل التضخم الشهري بواقع نقطة مئوية.

وقالت إن الخبز المدعوم يشكل نحو 0.3 إلى 0.4 في المئة من الرقم القياسي لأسعار المستهلك في مصر.

وأضافت أن مصر أبقت على سعر رغيف الخبز عند 5 قروش لأكثر من 30 عاماً، ما أدى إلى تقليص حجم هذا المكون في سلة الإنفاق، لكن بالمقارنة يمثل الإنفاق على الخبز غير المدعوم نحو 1.5 في المئة من سلة الرقم القياسي لأسعار المستهلك.

وتتوقع آية زهير، رئيس قسم البحوث الاقتصادية بشركة زيلا كابيتال، ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات التضخم الشهري خلال قراءة شهري يونيو حزيران ويوليو تموز مع زيادة أسعار الخبز المدعوم.

وتضيف لـCNN الاقتصادية أن الزيادة الكبيرة في التضخم ستكون نتيجة ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود في الفترة المقبلة.

وتخطط الحكومة المصرية أيضاً للإلغاء الدعم التدريجي لدعم الوقود بحلول عام 2025، ودعم الكهرباء بحلول عام 2028، كما تدرس التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من العيني، ووفقاً لتصريحات مسؤولين مصريين.

وتقول رامونا مبارك إن الزيادة في أسعار الوقود والكهرباء ستكون أكثر قوة مما كنا نعتقد في السابق.

ودفعت الزيادات المتتالية فيتش سوليوشنز إلى رفع متوسط توقعات التضخم خلال عام 2024 إلى نحو 30 في المئة وفي عام 2025 إلى نحو 18 في المئة.

وتقول رامونا إن الحكومة المصرية ستختار توقيت الزيادات المستقبلية في أسعار السلع بعناية للحد من التأثيرات هذه الزيادات على معدلات التضخم.

وتشير آية إلى أن البنك المركزي لن يلجأ لخفض أسعار الفائدة في مصر قريباً في حال استمرار ارتفاع التضخم، متوقعة أن تبدأ دورة من التيسير النقدي في مصر بحلول نهاية العام الجاري أو بداية السنة المقبلة 2025.

ومنذ مارس آذار 2023 رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة 11 نقطة مئوية في محاولة منه لكبح التضخم في مصر الذي وصل إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.

ومنذ قرر المركزي المصري رفع الفائدة 6 نقاط مئوية خلال مارس آذار الماضي، تسجل أسعار الفائدة في مصر 27.25 في المئة للإيداع و28.25 في المئة للإقراض.

وتمر مصر بأزمة اقتصادية شديدة من جراء نقص النقد الأجنبي وقد دفعت البنك المركزي المصري في آذار/مارس إلى اتخاذ قرار بتحرير سعر صرف الجنيه ليفقد ثلث قيمته أمام الدولار الأميركي، وتبع ذلك اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لزيادة حجم القرض الأخير من ثلاثة إلى ثمانية مليارات دولار.

كما قررت دولة الامارات أيضا ضخ “35 مليار دولار استثمارات مباشرة” في غضون شهرين في مصر، بموجب اتفاق وقع بين الحكومتين المصرية والاماراتية بهدف “تنمية 170,8 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة” على البحر المتوسط بشمال غرب البلاد. كذلك أمّنت مصر قروضا من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي. 

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن لأول مرة في العام 2021 اعتزام الحكومة زيادة ثمن رغيف الخبز المدعوم، وقال في إحدى الفعاليات العامة “أتى الوقت أن الرغيف أبو 5 ساغ (قروش) يزيد ثمنه”.

وأضاف “ليس من المعقول أن أبيع 20 رغيفا بثمن سيجارة.. هذا الأمر يجب أن يتوقف”. 

وتناهز ميزانية دعم الخبز والسلع التموينية 128 مليار جنيه (2,7 مليار دولار) في الموازنة الحالية لعامي 2023/24 التي تبلغ حوالي ثلاثة تريليونات جنيه (نحو 63,4 مليار دولار). 

وفي عام 1977، قرر الرئيس أنور السادات خفض دعم أساسية، وعلى الفور اندلعت “انتفاضة الخبز” ولم تتوقف حتى عادت الأسعار القديمة.

وقال وزير التموين علي المصيلحي أن السعر الجديد يمثل 16 بالمئة من تكلفة الرغيف التي ارتفعت إلى 125 قرشا من 115 قرشا العام الماضي.

وذكرت وزارة المالية في مارس آذار أنها ستخصص نحو 125 مليار جنيه (2.66 مليار دولار) لدعم الخبز في موازنة العام المالي 2025/2024 ونحو 147 مليار جنيه لدعم المنتجات البترولية.

واستوردت مصر نحو 10.88 مليون طن من القمح العام الماضي بزيادة تبلغ 14.7 بالمئة مقارنة بنحو 9.48 مليون طن في العام السابق (2022).

وقال المصيلحي لرويترز إن القرار لن يؤثر على كميات القمح التي تستوردها الدولة.

كما قال وزير التموين المصري علي المصيلحي، يوم السبت، إنه يقترح رفع سعر السكر المدعوم إلى 18 جنيهاً (38 سنتاً) من 12.6 جنيه، وذلك مقابل سعر السكر في السوق الحر وغير المدعوم الذي يصل إلى نحو 35 جنيهاً.

وأضاف في مقابلة مع قناة أون.تي في التلفزيونية المحلية، أن الاحتياطي الاستراتيجي من السكر يكفي حتى فبراير شباط 2025.

ورداً على سؤال حول إمكانية تحرك أسعار السلع المدعومة، قال المصيلحي إن اقتراحه الوحيد لرفع أسعار السلع المدعومة متعلق فقط بسعر السكر، أما باقي السلع التموينية الأخرى مثل الزيت فإنها ستكون أسعارها كما هي دون تغيير.

زيادة أسعار الكهرباء

وبعد أيام من رفع أسعار الخبز المدعم، يترقب المصريون الإعلان عن الزيادات الجديدة في عدد من السلع والخدمات خلال الفترة المقبلة، أبرزها أسعار الكهرباء في مصر في إطار خطة لرفع الدعم تدريجاً عن الخدمة.

ومن المتوقع تطبيق الزيادات الجديدة المرتقبة في شرائح الكهرباء في فواتير شهر يوليو تموز المقبل التي يتم تحصيلها أغسطس آب القادم بعد اعتماد تطبيق الأسعار الجديدة.

وأشارت وسائل إعلام محلية إلى أن الزيادات الجديدة المرتقب الإعلان عنها ستتراوح في الشرائح الثلاث الأولى بنسبة لن تقل عن 30%، بينما الشرائح الأخرى لن تزيد على 40% ولن تقل عن 30%، نتيجة الأعباء الاقتصادية التي تتكبدها وزارة الكهرباء حتى تستطيع سداد التزاماتها ومستحقات وزارة البترول.

وكان رئيس الوزراء المصري، كلّف وزير الكهرباء محمد شاكر، بإعداد خطة تدريجية لمدة 4 سنوات لزيادة أسعار الكهرباء، بحيث تحظى الفئات البسيطة بالدعم بصورة كبيرة، على أن تبدأ بعض الأنشطة الأخرى في تغطية هذا الفارق.

وفي هذا السياق أعلنت وزارتا البترول والكهرباء في مصر زيادة فترة انقطاع الكهرباء في أنحاء البلاد بساعة إضافية يوم الثلاثاء فقط “لتزامن بعض إجراءات الصيانة الوقائية في جزء من شبكات تداول الغاز الإقليمية مع زيادة معدلات الاستهلاك المحلي من الكهرباء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة”.

وارتفعت درجات الحرارة إلى ما يقرب من 40 درجة مئوية في القاهرة يوم الثلاثاء. ومن المتوقع أن ترتفع بصورة أكبر خلال الأيام القليلة المقبلة.

وذكرت الوزارتان في بيان مشترك أن هذا “يستدعي زيادة فترة تخفيف الأحمال اليوم فقط لساعة إضافية من أجل الحفاظ على الكفاءة التشغيلية للشبكة القومية لنقل الكهرباء والشبكة القومية للغازات الطبيعية”.

وتراجعت إمدادات الغاز الطبيعي، الذي يساعد مصر على توليد الكهرباء، في وقت ارتفع فيه الطلب على الكهرباء بسبب الزيادة السكانية. ودعمت الحكومة أسعار الطاقة بشكل كبير لسنوات.

وبدأت مصر قطع الكهرباء لمدة ساعة يوميا الصيف الماضي وزادت المدة إلى ساعتين مع بداية هذا الصيف.

كما واجهت البلاد نقصا في العملة الأجنبية اللازمة لتسهيل استيراد الغاز خلال العامين الماضيين.

وتسعى مصر لخفض فاتورة الدعم منذ توقيع حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بقيمة ثمانية مليارات دولار في مارس آذار.

ورفعت الحكومة أسعار مجموعة واسعة من أنواع الوقود في مارس آذار، كما زادت سعر الخبز المدعوم بأربعة أمثال في أول يونيو حزيران.

صندوق النقد الدولي مجدداً

من جهة أخرى عادت بعثة صندوق النقد الدولي لإجراء المراجعة الثالثة لبرنامج مصر الاقتصادي، ومن المقرر أن تستمر حتى بداية شهر يونيو حزيران المقبل، في وقت بدأت فيه مصر إجراءات مالية أبرزها رفع أسعار الخبز المدعوم ودراسة التحول للدعم النقدي وليس العيني.

وفي حال اجتياز مصر المراجعة ستحصل على شريحة جديدة من قرضها مع الصندوق البالغ 8 مليارات دولار، فإن زيارة البعثة تأتي بعد نحو شهرين على اجتياز مصر المراجعتين الأولى والثانية وحصولها على 820 مليون دولار في أبريل نيسان الماضي، بجانب خفضها سعر الجنيه مقابل الدولار ورفعها لأسعار الفائدة.

وفقاً لجدول مراجعات مصر مع صندوق النقد الدولي فإن الزيارة البعثة تأتي في موعدها والهدف منها التأكد أن مصر تسير في طريق تنفيذ برنامجها الإصلاحي مع صندوق النقد.

ويقول جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لدى كابيتال إيكونوميكس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لـCNN الاقتصادية إن المؤشرات الرئيسية التي سيراجعها صندوق النقد الدولي في زيارته إلى مصر هي نظام سعر الصرف، إذ من المرجح أن ينظر في مرونة العملة ومدى تحركها خلال الفترة الماضية.

وفي مطلع مارس آذار خفضت مصر سعر عملتها لتتخطى حاجز 45 جنيهاً للدولار الواحد مقابل نحو 31 جنيهاً قبل هذا الخفض.

وكانت الفجوة قد اتسعت بين سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية والبنوك قبل خفض أول مارس آذار الماضي، قبل أن تعود السوق الموازية لتهدأ منذ تحريك السعر.

ومن المقرر أن ينظر صندوق النقد الدولي إلى تطور احتياطيات النقد الأجنبي لمصر، والتي زادت بشكل كبير في الشهرين الماضيين، إذ تمثل حاجزاً للسلطات المصرية في مواجهة الصدمات الخارجية، وفقاً لسوانستون.

وتظهر بيانات البنك المركزي المصري أن احتياطيات النقد الأجنبي لمصر ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ نحو 4 سنوات في نهاية أبريل نيسان الماضي لتسجل 41.057 مليار دولار، مستفيدة من صفقة رأس الحكمة مع الإمارات والتي حصلت مصر فيها على 35 مليار دولار.

وتأتي زيارة الصندوق في وقت تتجه الحكومة المصرية لتنفيذ بعض الإجراءات المالية للحد من ارتفاع عجز الموازنة مثل رفع أسعار الخبز المدعم لأول مرة منذ الثمانينات، كما أعلنت الحكومة المصرية دراسة التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من العيني.

وقال علي المصيلحي، وزير التموين المصري، إن رفع أسعار الخبز المدعم سيوفر للموازنة المصرية نحو 13 مليار جنيه.

ويقول سوانستون إن صندوق النقد سيسعى إلى بقاء الوضع المالي في مصر متشدداً بما فيه الكفاية من خلال خفض الدعم.

وبحسب سوانستون فإن خفض الدعم سيسهم في تضييق العجز المالي لموازنة مصر بالإضافة إلى أن هذه الأموال ستسهم في توفير مدفوعات الديون والتي تمثل قيمة كبيرة من مصروفات الموازنة العامة.

ويقول علي متولي إن الصندوق سينظر أيضاً إلى مدى تقدم مصر في الإصلاحات الهيكلية التي تعزز دور القطاع الخاص في مصر وتخارج الدولة من بعض النشاطات.

وكانت إيفانا فلادكوفا هولر، رئيسة بعثة صندوق النقد في مصر قالت في أبريل نيسان الماضي إن المناقشات خلال المراجعة المقبلة للاقتصاد المصري ستتضمن مدى تقدم الحكومة المصرية في التخارج من النشاط الاقتصادي وتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة.

ويضيف أن الصندوق سيطلب المزيد من إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة والحد من عجز الموازنة العامة من خلال تدابير تعزز الإيرادات وتخفّض المصروفات، بجانب السيطرة على التضخم عبر أدوات البنك المركزي المعتادة كرفع الفائدة وجمع السيولة.

ما أهمية رفع مصر لسعر الخبز المدعم؟

فيما يلي بعض الحقائق حول استهلاك مصر من الخبز وواردات القمح.

مبيعات الخبز

يعد الخبز مكونا أساسيا في وجبات المصريين الذين يبلغ عددهم 106 ملايين نسمة ويعيش نحو 60 بالمئة منهم تحت خط الفقر أو بالقرب منه.

ويتم توفير الخبز المدعم في إطار برنامج مستمر منذ عقود يدمج بين دعم المواد الغذائية ونظام نقاط لشراء الخبز. يحصل حاملو بطاقات دعم الخبز على خمسة أرغفة خبز "بلدي" يوميا لكل فرد من أفراد الأسرة المسجلين على البطاقة. ورفعت الحكومة السعر من خمسة قروش (0.0011 دولار) إلى 20 قرشا للرغيف في الأول من يونيو حزيران.

ويحصل حاملو بطاقات الدعم التمويني أيضا على مبلغ 50 جنيها لكل فرد من أفراد الأسرة شهريا لشراء مواد غذائية أخرى بأسعار مدعمة منها الزيوت النباتية والسكر والدقيق.

ومن لا يمتلك بطاقة دعم الخبز أو ما يعرف بكارت الخبز، يشتري الخبز غير المدعم من المخابز الخاصة والذي ارتفع سعره في العامين الماضيين.

واردات القمح

تقول وزارة التموين إن الحكومة المصرية تنتج نحو 100 مليار رغيف خبز سنويا في إطار برنامج الدعم أي نحو 250 مليون رغيف يوميا.

وهذا يتطلب نحو 8.5 مليون طن من القمح سنويا. وتستورد الحكومة ما بين 5.0 و5.5 مليون طن سنويا من خلال مناقصات وممارسات تنافسية تطرحها الهيئة العامة للسلع التموينية.

ويستورد القطاع الخاص خمسة ملايين طن سنويا من القمح.

وتشتري الحكومة أيضا نحو 3.5 مليون طن من المزارعين المحليين خلال موسم الحصاد في مصر.

وقال وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي إن الهيئة العامة للسلع التموينية ستستورد نفس الكميات من القمح بعد زيادة أسعار الخبز المدعم.

وقال متعاملون في هيئة السلع التموينية إنهم لا يتوقعون أن تتأثر واردات القمح ما لم تتحول الحكومة لتوفير دعم نقدي مشروط للخبز. وتستخدم هذه الاستراتيجية مع منتجات مدعمة أخرى، وهي عبارة عن مدفوعات نقدية مخصصة لشراء سلع بعينها.

وإذا حدث ذلك، فلا يزال بإمكان مصر استيراد نفس الكميات ولكن ستتجه للاعتماد بشكل أكبر على القطاع الخاص بدلا من الهيئة العامة للسلع التموينية.

ما هي التكلفة؟

زادت فاتورة دعم الغذاء في مصر خلال السنوات الماضية، في ظل ارتفاع أسعار القمح العالمية والتخفيضات المتتالية لقيمة الجنيه المصري.

وقالت وزارة المالية في مارس آذار إنها ستخصص نحو 125 مليار جنيه لدعم الخبز في موازنة الدولة للسنة المالية 2025/2024، وكان المبلغ 91 مليار جنيه العام الماضي بحسب وزير التموين.

ويمثل السعر الجديد للرغيف المدعم 16 بالمئة من تكلفة تصنيع الخبز.

إصلاح الدعم

في عام 1977، حاول الرئيس الراحل أنور السادات رفع أسعار الخبز وغيره من السلع المدعمة، ما تسبب في إشعال فتيل أعمال شغب دفعت السادات للتراجع عن قراراته. وبعد ذلك رفع خلفه الرئيس السابق حسني مبارك سعر الخبز إلى خمسة قروش في عام 1988.

ولم يتغير السعر منذ ذلك الحين رغم محاولات الحكومة إعادة توجيه برنامج دعم المواد الغذائية، من خلال تنقيح ومراجعة بطاقات الدعم التمويني وتحديد الفئات المستفيدة وزيادة أسعار بعض السلع المدعمة وتقليل وزن الرغيف المدعم.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس+سي ان ان

اضف تعليق