يعاني ثاني اقتصاد عالمي من طلب عالمي ضعيف وتباطؤ داخلي. وساهم احتمال حصول ركود في الولايات المتحدة وأوروبا مع معدل التضخم العالي، في اضعاف الطلب العالمي على المنتجات الصينية في الأشهر الأخيرة. ويؤدي التباطؤ الاقتصادي عام في الصين الى انهيار القطاع العقاري الذي كان مزدهرا في الماضي...
فيما تكافح القوى الاقتصادية الكبرى في العالم التضخم، دخلت الصين مرحلة انكماش في الأسعار هي الأولى منذ أكثر من سنتين، تحت وطأة استهلاك داخليّ متباطئ يشكل عقبة بوجه الانتعاش الاقتصادي في البلد.
وحذّرت القيادة الصينية من أن اقتصاد البلاد يواجه "صعوبات وتحديات" جديدة، بعد نشر مؤشرات جاءت إيجابية لكنها بقيت دون المتوقع لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتعهد كبار قادة الصين بتكثيف الدعم السياسي للاقتصاد وسط عملية تعاف مضطربة إثر جائحة كورونا والتركيز على زيادة الطلب المحلي، مما يعطي مؤشرا على المزيد من الخطوات التحفيزية.
وسجلت الصين الشهر الماضي أكبر تراجع في صادراتها منذ العام 2020 على ما اظهرت أرقام رسمية فيما يعاني ثاني اقتصاد عالمي من طلب عالمي ضعيف وتباطؤ داخلي.
وساهم احتمال حصول ركود في الولايات المتحدة وأوروبا مع معدل التضخم العالي، في اضعاف الطلب العالمي على المنتجات الصينية في الأشهر الأخيرة.
ويؤدي التباطؤ الاقتصادي عام في الصين الى انهيار القطاع العقاري الذي كان مزدهرا في الماضي.
صعوبات وتحديات
فقد حذّرت القيادة الصينية من أن اقتصاد البلاد يواجه "صعوبات وتحديات" جديدة، بعد نشر مؤشرات جاءت إيجابية لكنها بقيت دون المتوقع لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
جاء التحذير في اجتماع سنوي يعقده المكتب السياسي للحزب الشيوعي برئاسة الرئيس شي جينبينغ أواخر تموز/يوليو، لمراجعة الوضع الاقتصادي للبلاد قبيل الإجازة الصيفية في آب/أغسطس.
وأتى اجتماع 2023 بعد أيام من نشر أرقام رسمية أظهرت أن الصين حقّقت نموّا متسارعا في الربع الثاني من العام، الا أن المؤشرات جاءت ما دون التوقعات وعززت الاعتقاد بأن عملية التعافي في مرحلة ما بعد رفع قيود كوفيد-19 بدأت تفقد زخمها.
ولفت المجتمعون الى أن "العملية الاقتصادية الراهنة تواجه صعوبات وتحديات جديدة، تعود بشكل رئيسي الى الطلب المحلي غير الكافي، والصعوبات التشغيلية لبعض الشركات، والمخاطر المرتفعة والأخطار المخفية في قطاعات أساسية، وبيئة خارجية معقّدة وحادّة"، وفق محطة "سي سي تي في" العامة.
ووفق خلاصات الاجتماع التي نشرتها القناة، أقرّ مسؤولو المكتب السياسي بضرورة أن تعمد الصين الى "تطبيق قانون تنظيمي محدد وفاعل للاقتصاد الكلّي، وتقوية تنظيم مواجهة التقلبات الدورية واحتياطات السياسات".
ودعوا الى بذل جهود لزيادة الطلب المحلي و"تعديل سياسات القطاع العقاري وتحسينها بطريقة مناسبة".
ووجد المسؤولون الصينيون أنفسهم في الفترة الماضية أمام دعوات متتالية لتحديد إجراءات للدعم الاقتصادي، بعد سلسلة من المؤشرات المخيبة للآمال.
وتعهد كبار قادة الصين بتكثيف الدعم السياسي للاقتصاد وسط عملية تعاف مضطربة إثر جائحة كورونا والتركيز على زيادة الطلب المحلي، مما يعطي مؤشرا على المزيد من الخطوات التحفيزية.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن المكتب السياسي، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب الشيوعي الحاكم، قوله إن الصين ستكثف التعديلات في السياسة الاقتصادية مع التركيز على توسيع الطلب المحلي وتعزيز الثقة ومنع المخاطر.
وأضافت شينخوا نقلا عن المكتب، بعد اجتماع ترأسه الرئيس شي جين بينغ، "يواجه الاقتصاد الصيني حاليا صعوبات وتحديات جديدة، تنشأ بشكل أساسي من عدم كفاية الطلب المحلي والصعوبات في تشغيل بعض الشركات والمخاطر... في القطاعات الرئيسية، فضلا عن بيئة خارجية صعبة ومعقدة".
ومضى المكتب قائلا إن الصين ستنفذ تعديلاتها الكلية "بطريقة دقيقة وقوية" وتعزز التعديلات التي تهدف لمواجهة التقلبات إذ تتمسك الحكومة بسياسة نقدية حكيمة وسياسة مالية استباقية، حسبما أوردت شينخوا.
ونقلت شينخوا عن الرئيس شي قوله خلال اجتماع منفصل إن الصين ستسعى جاهدة لتحقيق أهدافها التنموية السنوية.
وتحدد الصين هدفا للنمو الاقتصادي لهذا العام عند نحو خمسة بالمئة.
ويقول معظم المحللين إن من غير المرجح أن يقدم صناع السياسة أي حوافز قوية بسبب المخاوف من تنامي مخاطر الديون.
وأعلنت بكين في 17 تموز/يوليو تسجيل نموّ متسارع في الربع الثاني من العام الحالي بلغ 6,3 في المئة، الا أنه كشف نقاط ضعف يواجهها اقتصادها، اذ أظهرت أن المستهلكين ما زالوا على حذرهم.
وكانت هذه النسبة أعلى من المسجَّلة في الربع الأول (4,5%)، لكنها بقيت ما دون 7,1% التي توقعها محللون استطلعت وكالة فرانس برس آراءهم.
وأتى فشل الاقتصاد الصيني في تحقيق النسبة المتوقعة على رغم أن قاعدة المقارنة للعام الماضي كانت ما دون المعتاد، اذ كانت البلاد في حينه، خصوصا الكثير من المدن الكبرى، تخضع لسلسلة من الإجراءات الاحترازية الواسعة النطاق لمواجهة الجائحة.
ووفق قاعدة المقارنة بين ربع وآخر التي تسمح بمقاربة أقرب الى الواقع الراهن، سجّل الاقتصاد الصيني نموّا بنسبة 0,8 بالمئة في الربع الثاني، أي أدنى بشكل ملحوظ من 2,2% التي سجّلها بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس، وهي كانت أول ربع كامل بعد رفع القيود لمواجهة كوفيد.
وعرفت مبيعات التجزئة المؤشر الرئيسي لاستهلاك الأسر في حزيران/يونيو تباطؤا جديدا. ومع أن مؤشر المبيعات سجل ارتفاعا بمعدل سنوي مع زيادة نسبتها 3,1% إلا أن وتيرته أقل بكثير من المعدل في أيار/مايو مع 12,7%.
وبلغ معدل البطالة في صفوف الشباب بين 16 و24 عاما، مستوى قياسيا جديدا في حزيران/يونيو مع 21,3%.
أما النسبة الإجمالية للبطالة فبقيت عند 5,2 بالمئة، الا أنها تأخذ في الاعتبار المدن الكبرى حصرا.
ولم يخرج القطاع العقاري من أزمته، مع فشل بعض المطوّرين الكبار في انجاز المشاريع السكنية ما يدفع الشراة الى الاحتجاج والامتناع عن سداد القروض.
وبقيت الخطوات الملموسة محدودة على رغم أن المصرف المركزي الصيني خفّض معدل الفوائد في حزيران/يونيو والسلطات تعهدت بدعم قطاع العقارات.
واعتبر المحلل في "ماكواير" لاري هيو في نشرة تحليلية أن "ما تجدر متابعته من هذا الاجتماع ليس إجراءات محددة ضمن السياسة (الاقتصادية)، بل توجّه (هذه) السياسة كما حدده القادة".
من جهته، اعتبر كبير الاقتصاديين في "بينبويت لإدارة الأصول" جيوي جانغ أن "الحكومة ذكرت +تقوية تنظيم مواجهة التقلبات الدورية+، لكن التوجه المتعلق بالسياسات النقدية والمالية لا يبدو مختلفا بشكل كبير عن السابق".
واعتبر أن الدعوة الى دعم القطاع العقاري تؤشر الى أن الحكومة "أقرت بأهمية تغيير السياسة في هذا القطاع من أجل تحقيق استقرار في الاقتصاد".
من جهته، قلّل المحلّل هو من شأن التوقعات بأن تعمد السلطات الى إقرار حزمة حوافز كبرى بسرعة، بل رجّح "أن تواصل اعتماد خطوات تحفيزية متدرجة".
وكشفت الصين الجمعة سلسلة إجراءات لتحفيز شراء السيارات، إضافة الى غيرها من الخطوات للترويج للذكاء الاصطناعي واستخدام الالكترونيات.
وحقق إجمالي الناتج المحلي في 2022 زيادة بنسبة 3 بالمئة، وبقي دون الهدف الرسمي المعلن (5,5%).
وحددت الصين هدفا لنمو إجمالي ناتجها المحلي لهذه السنة عند مستوى 5%. وعلى رغم أن هذه النسبة هي من الأدنى للصين خلال عقود، أقر رئيس الوزراء لي تشيانغ بأن تحقيقها سيكون صعبا.
خفض أسعار الفائدة
وفي خطوة غير متوقعة، عمد المصرف المركزي الصيني الى خفض معدل الفائدة على تسهيلات الإقراض المتوسطة الأجل، وهي قروض لسنة واحدة للمؤسسات المالية، من 2,65 الى 2,5 في المئة.
ويقلّص خفض هذه الفائدة كلفة التمويل على المصارف، ما يشجّعها على زيادة الاقراض وبالتالي امكان تعزيز الانفاق.
وسجلت الصين في تموز/يوليو انكماشا في الأسعار للمرة الأولى منذ أكثر من عامين تحت وطأة استهلاك داخليّ متباطئ.
وإن كان تراجع الأسعار يبدو من حيث المبدأ مفيدا للقدرة الشرائية، إلا أنه يشكل في الواقع خطرا على الاقتصاد ككل إذ يحمل المستهلكين على إرجاء مشترياتهم بدل الإنفاق، على أمل الاستفادة من تراجع إضافي في الأسعار.
مما يشير إلى ضرورة تكثيف صانعي السياسة تدابير الدعم لتعزيز الانتعاش المتعثر.
وقال بنك الشعب الصيني إنه خفض سعر الفائدة على قروض قيمتها 401 مليار يوان (55.25 مليار دولار)، (الدولار = 7.2585 يوان صيني)، ضمن تسهيل إقراض متوسط الأجل مدته عام واحد لبعض المؤسسات المالية 15 نقطة أساس إلى 2.50 بالمئة من 2.65 سابقا.
وفي استطلاع أجرته رويترز لآراء 26 مراقبا للسوق هذا الأسبوع، توقع 20 مشاركا أن يترك البنك المركزي معدل الفائدة دون تغيير، مقابل ستة توقعوا انخفاضها هامشيا.
وقال البنك المركزي في بيان على الإنترنت إنه ضخ أيضا 204 مليارات يوان من خلال إعادة الشراء العكسي لمدة سبعة أيام مع خفض تكاليف الاقتراض عشر نقاط أساس إلى 1.80 بالمئة من 1.90 سابقا.
وكان بنك الشعب الصيني خفض أسعار الفائدة الرئيسية في يونيو حزيران لدعم الاقتصاد، لكن البيانات تأتي ضعيفة بشكل متزايد منذ ذلك الحين.
فعلى سبيل المثال، نما الناتج الصناعي 3.7 بالمئة في يوليو تموز عنه قبل عام، متباطئا من 4.4 بالمئة في يونيو حزيران، بينما ارتفعت مبيعات التجزئة أيضا بوتيرة أبطأ الشهر الماضي.
وجاءت بيانات الإنتاج التي أصدرها المكتب الوطني للإحصاء يوم الثلاثاء أقل من التوقعات بزيادة 4.4 بالمئة في استطلاع أجرته رويترز لآراء محللين.
ارتفعت مبيعات التجزئة 2.5 بالمئة فقط، متراجعة عن زيادة 3.1 بالمئة في يونيو حزيران، على الرغم من موسم السفر الصيفي. وتوقع المحللون ارتفاعها 4.5 بالمئة.
في غضون ذلك، زاد الاستثمار في الأصول الثابتة 3.4 بالمئة في الأشهر السبعة الأولى من 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مقابل توقعات بارتفاعه 3.8 بالمئة.
كما انخفض الاستثمار العقاري في الصين 8.5 بالمئة في الأشهر السبعة الأولى عن الفترة ذاتها من العام السابق.
وأظهرت بيانات رسمية أن مبيعات العقارات حسب المساحة تراجعت 6.5 بالمئة في الفترة من يناير إلى يوليو مقارنة بالعام السابق، وسط طلب لا يزال ضعيفا وأزمة ديون متفاقمة.
وتراجعت عمليات البناء الجديدة 24.5 بالمئة حتى يوليو تموز على أساس سنوي.
وتفاقمت أزمة ديون العقارات في الصين وسط غياب الدعم السياسي القوي، مما زاد من مشاكل التعافي الاقتصادي المتعثر.
وتأتي الأرقام المعلنة عقب صدور مجموعة بيانات قاتمة الأسبوع الماضي بما في ذلك أرقام التجارة وأسعار المستهلكين المخيبة للآمال وانخفاض نمو الائتمان على نحو قياسي. وتزيد هذه البيانات الضعيفة من الحاجة الملحة لمزيد من تدابير الدعم الحكومي.
توقف نشر نسب البطالة لدى الشباب
وأعلنت الصين وقف نشر نسب البطالة المتزايدة في أوساط الشباب، في ظل سلسلة من المؤشرات الاقتصادية المخيبة للآمال التي تثير القلق بشأن ثاني اقتصاد في العالم.
وسجلت البطالة لدى الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما نسبة قياسية بلغت 21,3 في المئة في حزيران/يونيو.
وأعلن المكتب الوطني للاحصاءات توقفه عن نشر مؤشرات البطالة للفئات العمرية، معلّلا ذلك بالحاجة "لتحسين احصاءات مسح القوة العاملة".
وقال المتحدث باسم المكتب فو لينغهوي في مؤتمر صحافي "سيتمّ اعتبارا من آب/أغسطس الحالي، تعليق نشر نسب البطالة الحضرية للشباب والفئات العمرية الأخرى على امتداد البلاد".
وأفاد المكتب بأن نسبة البطالة الاجمالية ارتفعت من 5,2 في المئة في حزيران/يونيو الى 5,3 في تموز/يوليو.
وبدأ تزايد البطالة في أوساط الشباب يثير قلق العديد منهم. وقالت الطالبة لي نيوجون لوكالة فرانس برس في بكين إن نسب البطالة هذه "مقلقة للغاية".
أضافت ابنة الثامنة عشرة "عندما أفكر بإيجاد وظيفة، ينتابني قلق شديد".
ومع تزايد الأرقام التي تؤشر الى تباطؤ محتمل في الاقتصاد، دعا العديد من الخبراء الى خطة تعافٍ واسعة النطاق لتعزيز الدورة الاقتصادية.
وقال المحللان لدى مجموعة "سوسييتيه جنرال" واي ياو وميشيل لام في مذكرة "بهدف إحياء الطلب سريعا، نعتقد أن خيار السياسة الأكثر فاعلية عند هذا التقاطع سيكون إطلاق خطة استهلاك تحفيزية مركزية مدعومة من الحكومة".
الا أن السلطات تبقي الى الآن على إجراءات محددة الهدف وإعلانات عن دعمها القطاع الخاص، في ظل محدودية الإجراءات الملموسة المتخذة من بكين.
وحذّر تينغ لو محلل اقتصاد الصين لدى "نومورا" من أن تعليق نشر نسب بطالة الشباب "قد يضعف بشكل إضافي ثقة المستثمرين الدوليين بالصين".
وقابل العديد من مستخدمي مواقع التواصل المحلية التبرير الرسمي للخطوة بمزيج من التشكيك والتهكم.
وكتب مستخدم من بكين "هل يمكنك حلّ المشكلة عبر تكميم فمك وعصب عينيك؟".
وسعى القادة الصينيون الى تحفيز الاستهلاك المحلي خلال الأسابيع الماضية.
وأصدر مجلس الدولة الشهر الفائت خطة من 20 بندا لتشجيع السكان على زيادة الانفاق في قطاعات اقتصادية عدة مثل السيارات والسياحة والأدوات المنزلية.
وحذّر المكتب السياسي للحزب الشيوعي في اجتماع عقده أواخر تموز/يوليو برئاسة شي جينبينغ، من أن اقتصاد البلاد "يواجه صعوبات وتحديات جديدة".
وحددت الصين هدفا لنمو إجمالي ناتجها المحلي لهذه السنة عند مستوى 5%. وعلى رغم أن هذه النسبة هي من الأدنى للبلاد خلال عقود، أقر رئيس الوزراء لي تشيانغ بأن تحقيقها سيكون صعبا.
وتعزز المؤشرات هذه الصعوبة، اذ نما اقتصاد الصين بنسبة 0,8 في المئة فقط بين الربعين الأول والثاني لعام 2023.
ورجح تينغ بأن "الاقتصاد الصيني يواجه دوامة انحدارية وشيكة والأسوأ لمّا يأتِ بعد، والمساعدة المتأتية عن خفض الفائدة ستكون محدودة".
انكماش في الأسعار
فيما تكافح القوى الاقتصادية الكبرى في العالم التضخم، دخلت الصين الأربعاء مرحلة انكماش في الأسعار هي الأولى منذ أكثر من سنتين، تحت وطأة استهلاك داخليّ متباطئ يشكل عقبة بوجه الانتعاش الاقتصادي في البلد.
ويسجل انكماش الاسعار أو الانكماش المالي عند تراجع أسعار السلع والخدمات، وهو نقيض التضخم.
وإن كان تراجع الأسعار يبدو من حيث المبدأ مفيدا للقدرة الشرائية، إلا أنه يشكل في الواقع خطرا على الاقتصاد ككل إذ يحمل المستهلكين على إرجاء مشترياتهم بدل الإنفاق، على أمل الاستفادة من تراجع إضافي في الأسعار.
ومع تراجع الطلب، تضطر الشركات إلى خفض إنتاجها وتجميد عمليات التوظيف أو حتّى تسريح موظفين، وتقر تخفيضات جديدة لتصريف مخزونها، ما يؤثر على مردوديتها مع بقاء تكاليفها بمستواها.
وانخفض مؤشر أسعار الاستهلاك الذي يعتبر المقياس الرئيسي للتضخم في الصين إلى النطاق السلبي في تموز/يوليو مسجلا تراجعا بنسبة 0,3% بمعدّل سنوي، بحسب أرقام نشرها مكتب الإحصاءات الوطني.
وبعدما كان التضخم بنسبة الصفر قبل شهر، توقع محللون استطلعت وكالة بلومبرغ آراءهم انكفاء الأسعار، إنما بنسبة أكبر قدرها 0,4%.
وعلى سبيل المقارنة، بلغت نسبة التضخم في حزيران/يونيو 4,5% في فرنسا و3% في الولايات المتحدة.
ورأى المحلل كين تشونغ من مصرف ميزوهو الياباني أن "الانكماش المالي يعكس واقع تباطؤ الانتعاش في الصين وضرورة اعتماد خطة نهوض قوية لتحفيز طلب غير كاف".
ويوصي الكثير من الخبراء الاقتصاديين بمثل هذه الخطة لدعم النشاط الاقتصادي.
غير أن السلطات تكتفي حاليا بتدابير محدودة وإعلان نوايا تجاه القطاع الخاص بدون تحقيق نتائج مقنعة.
ورأى الخبير الاقتصادي تشيوي تشان من شركة "بينبوينت أسيت ماناجمنت" أن الأرقام الاقتصادية الجديدة قد تضع الحكومة "تحت الضغط" وتحضها على مراجعة موقفها.
في المقابل، اعتبر المحلل تيم واترير من دار الوساطة في البورصة "كاي سي إم ترايد" أن "هذه الأرقام سيئة، لكن هل هي سيئة إلى حد يدفع بكين على اتخاذ تدابير جديدة على الفور؟"
وشهدت الصين فترة قصيرة من انكماش الأسعار في نهاية 2020 ومطلع 2021، نجم عن انهيار أسعار لحوم الخنزير، الأكثر استهلاكا في البلد.
وتعود فترة انكماش الأسعار السابقة إلى 2009.
ويخشى الكثير من المحللين هذه المرة أن تكون الفترة أطول في ظل تعثر محركات النمو الرئيسية في الصين وارتفاع بطالة الشباب إلى مستوى قياسي تخطى 20%.
ورأى الخبير الاقتصادي أندرو باتسون من مكتب غافيكال دراغونوميكس أن أزمة القطاع العقاري الذي لطالما مثل ربع إجمالي الناتج المحلي في الصين، هو السبب "الرئيسي" لهذه "الصدمة الانكماشية".
من جهة أخرى، سجل مؤشر أسعار الانتاج انكماشا جديدا في تموز/يوليو للشهر العاشر على التوالي متراجعا بنسبة 4,4%، وفق أرقام مكتب الإحصاءات.
ويعكس هذا المؤشر الذي يعتبر مقياسا لكلفة البضائع عند خروجها من المصانع، وضع الاقتصاد بصورة عامة، وسبق أن تراجع بنسبة 5,4% في حزيران/يونيو.
ويؤدي انكماش أسعار الانتاج إلى تقليص هامش الربح للشركات.
وصدرت هذه الأرقام الجديدة غداة نشر نتائج مخيبة للأمل للصادرات الصينية التي تشكل تقليديا دعامة أساسيّة للنمو.
وسجلت الصين الشهر الماضي أكبر تراجع في صادراتها بوتيرة سنوية منذ العام 2020 بلغ 14,2%، تحت وطأة طلب عالمي ضعيف وتباطؤ داخلي.
وينعكس هذا الوضع مباشرة على عشرات آلاف الشركات التي باتت تواجه تباطؤا في نشاطها.
وتجعل هذه الظروف من الصعب على الصين تحقيق هدف النمو الذي حددته الحكومة بحوالى 5% لهذه السنة.
ولم يتعدّ النمو الاقتصادي الصيني 0,8% بين الفصلين الأول والثاني من 2023، بحسب الأرقام الرسمية.
وفي هذه الأثناء، أعطت الصين تعليمات لخبراء الاقتصاد بعدم نقل أنباء تثير الهلع وخصوصا بشأن انكماش الأسعار، بحسب ما أوردت صحيفة "فاينانشل تايمز" البريطانية ووكالة بلومبرغ.
أكبر تراجع في الصادرات
سجلت الصين الشهر الماضي أكبر تراجع في صادراتها منذ العام 2020 على ما اظهرت أرقام رسمية فيما يعاني ثاني اقتصاد عالمي من طلب عالمي ضعيف وتباطؤ داخلي.
وانخفضت مبيعات السلع الصينية في الأسواق الخارجية بنسبة 14,5% بمعدل سنوي الشهر الماضي، مسجلة انكماشا للشهر الثالث على التوالي وفق الأرقام الصادرة بالدولار عن مصلحة الجمارك الصينية.
وكان هذا التراجع الأكبر الذي يسجل منذ انخفاض نسبته 17,2% في كانون الثاني/يناير شباط/فبراير 2020 عندما عانى الاقتصاد الصيني من الشلل في الأسابيع الأولى من جائحة كوفيد-19.
باستثناء ارتفاع في آذار/مارس ونيسان/أبريل، شهدت الصادرات الصينية تراجعا متواصلا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2022.
وساهم احتمال حصول ركود في الولايات المتحدة وأوروبا مع معدل التضخم العالي، في اضعاف الطلب العالمي على المنتجات الصينية في الأشهر الأخيرة.
وكانت الصادرات الصينية تراجعت بنسبة 12,4% بمعدل سنوي في حزيران/يونيو.
دعم أكبر للشركات الخاصة
كما تعهدت الصين بدعم القطاع الخاص ليصبح "أكبر وأفضل وأقوى" عبر سلسلة من الإجراءات الرامية إلى مساعدة الشركات الخاصة وتعزيز التعافي المتباطئ بعد الجائحة.
وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) نقلا عن مبادئ توجيهية نشرها الحزب الشيوعي ومجلس الوزراء إن الصين ستسعى جاهدة لتوفير بيئة أعمال مواتية للسوق من الدرجة الأولى.
وقالت شينخوا إن "القطاع الخاص قوة جديدة لتعزيز التحديث على النمط الصيني وأساس مهم للتنمية عالية الجودة وقوة رئيسية لتعزيز بناء الصين الشامل لقوة اشتراكية عصرية".
وتشمل التدابير حماية حقوق الملكية للشركات الخاصة ورجال الأعمال وخطوات لضمان المنافسة العادلة في السوق من خلال إزالة العراقيل التي تعوق دخول السوق.
وقالت شينخوا إن المبادئ التوجيهية ستشمل دعم الشركات المؤهلة للطروحات في البورصة وكذلك إعادة التمويل.
وتشير المبادئ التوجيهية أيضا إلى أن السلطات ستدحض على الفور "التصريحات والممارسات الخاطئة" التي يمكن أن تضر بالشركات الخاصة، وستستجيب لمخاوف هذه الشركات في الوقت المناسب.
هبوط حاد لأسهم شركة عقارات
وفي سياق متصل هبطت أسهم شركة العقارات العملاقة "كانتري غاردن" بعدما فاتتها مدفوعات سندات وحذّرت من خسائر تقدّر بمليارات الدولارات، ما يفاقم المخاوف حيال قطاع العقارات الصيني المثقل بالديون.
وتراجع سعر سهم الشركة الصينية بأكثر من 16 في المئة عند الساعة 11,00 (03,00 ت غ) في بورصة هونغ كونغ.
أُدرجت شركة العقارات العملاقة الخاصة على قائمة "فوربس" لأكبر 500 شركة في العالم. وكانت رئيستها يانغ هويان حتى وقت قريب واحدة من أغنى النساء في آسيا.
وقالت يانغ في بيان الجمعة "نواجه صعوبات تعد الأكبر منذ تأسيسنا"، مضيفة "نؤمن بشدة بأن قطاع العقارات سيعود في نهاية المطاف إلى مسار التنمية الصحية والثابتة بعد مروره في مرحلة التغييرات العميقة هذه".
لطالما اعتُبرت الشركة قوية ماليا لكنها فشلت في تسديد دفعتي سندات وبعد فترة سماح مدتها 30 يوما، تواجه الشركة خطر التخلف عن السداد في أيلول/سبتمبر إذا بقيت غير قادرة على الدفع.
وأعلنت "كانتري غاردن" نهاية الأسبوع بأنها ستعلّق تداول سنداتها الداخلية اعتبارا من الاثنين، في قرار يرجّح بأن يثير قلق الأسواق فيما تفيد الشركة بأن قيمة دينوها بلغت حوالى 1,15 تريليون يوان (159 مليار دولار) في أواخر 2022.
ورفعت التزاماتها الإضافية تقديرات أخرى لدينها الإجمالي إلى نحو 1,4 تريليون يوان (193 مليار دولار)، بحسب بلومبرغ.
ومن شأن أي انهيار لـ"كانتري غاردن" أن يحمل تداعيات كارثية على النظام المالي والاقتصاد الصيني، كما هو الحال بالنسبة لمنافستها المثقلة بالديون "إيفرغراند".
أعلنت المجموعة مطلع الشهر الجاري بأنها تتوقع بأن تبلغ خسائرها في النصف الأول من العام ما بين 45 مليار و55 مليار يوان (حوالى 6,2 مليار إلى 7,65 مليار دولار).
وأكدت الشركة في إعلان نشرته بورصة هونغ كونغ "نظرا إلى تدهور المبيعات وبيئة إعادة التمويل مؤخرا، فإن الأموال المتاحة في خزائن الشركة تنخفض بشكل متواصل، ما يؤدي إلى ضغط سيولة على مراحل".
أدت إصلاحات في قطاع السكن الصيني أواخر تسعينات القرن الماضي إلى ازدهار قطاع العقارات، وهو أمر ساهمت فيه التقاليد الاجتماعية التي تعتبر امتلاك عقار شرطا للزواج.
لكن بكين باتت في السنوات الأخيرة تعتبر الديون الضخمة المتراكمة على كبرى شركات القطاع مصدر خطر غير مقبول بالنسبة لنظام الدولة المالي وسلامتها الاقتصادية بالمجمل.
وفي مسعى لتخفيف مديونية القطاع، شددت السلطات منذ العام 2020 بشكل تدريجي شروط حصول المطورين على القروض، ما أدى إلى تجفيف مصادر تمويل الشركات المديونة أساسا.
أعقب ذلك إعلان عدة شركات، لا سيما "إيفرغراند"، تخلفها عن السداد، ما قوّض ثقة المستثمرين المحتملين وانعكس على القطاع.
ويأتي انهيار القطاع الذي كان مزدهرا في الماضي على وقع تباطؤ اقتصادي عام في الصين.
اضف تعليق