هل تقدم نظرية الشمولية الاقتصادية الحل؟ هل يمكن تحقيق المساواة ومكافحة الفقر من خلال وضع حد أعلى للثروة المسموح بامتلاكها؟ يقول كثيرون لا يمكنك أبدا أن تصبح غنيا جدا. لكن ازدياد عدم المساواة الاقتصادية، يدفع المزيد من الناس للاعتقاد أن ذلك غير صحيح، فبعض الناس فعلا فاحشو الثراء...
حين يقدم أحدهم 40 مليار دولار لشراء موقع تويتر، وتفكك جسور لعبور يخت عملاق، وحين يزداد الأثرياء ثراء؛ يرى بعض الفلاسفة أن هناك مشكلة وشيء ما غير صحيح في النظام الاقتصادي. هل تقدم نظرية الشمولية الاقتصادية الحل؟
هل يمكن تحقيق المساواة ومكافحة الفقر من خلال وضع حد أعلى للثروة المسموح بامتلاكها؟ يقول كثيرون لا يمكنك أبدا أن تصبح غنيا جدا. لكن ازدياد عدم المساواة الاقتصادية، يدفع المزيد من الناس للاعتقاد أن ذلك غير صحيح، فبعض الناس فعلا فاحشو الثراء. وهناك قائمة طويلة بالاقتصاديين والفلاسفة والقادة السياسيين الذين تناولوا على مر القرون مسألة إعادة توزيع الثروة، وتم بناء أنظمة سياسة حول فكرة المساواة والمشاركة. بحسب d.w.
ما هي الشمولية الاقتصادية؟ الشمولية الاقتصادية هي مفهوم يقوم على أنه لا ينبغي أن يكون أحد فاحش الثراء، وتركز على أضرار ومخاطر وجود فاحشي الثراء. وعند مناقشة مسألة عدم المساواة، لا تركز على مشاكل الفقر أو زيادة عدد الفقراء؛ وإنما تركز على امتلاك الكثير.
وضع حد أعلى للثروة التي يمكن أن يملكها شخص واحد، ليس عقوبة، وإنما هو تشجيع لتغيرات إيجابية في النظام الاقتصادي وفي أحوال الناس بشكل عام من خلال التحسينات الاجتماعية. وإلى جانب ذلك فإن "فائض المال" في مرحلة ما لا يضيف مزيدا من الرفاهية والازدهار إلى الحياة، وفي معظم الحالات تكفي بضعة ملايين من الدولارات.
والشمولية الاقتصادية ليست اشتراكية ولا شيوعية ، ولا تمنع جمع الثروة أو الملكية الخاصة أو مستوى معين من اللامساواة الاجتماعية، وإنما تقول: امتلاك الكثير يكون كثيرا جدا أحيانا!
من أين أتت الفكرة؟ فكرة الشمولية الاقتصادية تعود بشكل رئيسي إلى إنغريد روبينز، وهي منظرة بلجيكية أستاذة في جامعة أوتريخت الهولندية، حيث تدرس في كلية الفلسفة وتركز في أبحاثها على قضايا الأخلاق والفلسفة السياسية والعدالة الاجتماعية.
وقد طرحت روبينز لأول مرة فكرة الشمولية الاقتصادية في مؤتمر عام 2012، لكن الأمر استغرق بضع سنوات حتى نشرت أول بحث أكاديمي عن الموضوع. ومنذ ذلك الحين تتحدث بلا كلل أو ملل عن الموضوع وتنشر أبحاثا وتحضر كتابا حول ذلك. وقد أثارت الفكرة ردود فعل متباينة حول العالم.
"في أوروبا وحسب خبرتي، فإن الجمهور يشارك العديد من الحجج المتعلقة بالشمولية الاقتصادية. لكن في الولايات المتحدة، فإن الفكرة بعيدة جدا عن النقاش العام السائد"، تقول روبينز لـ DW وتضيف "إن فكرة الحلم الأمريكي هي جزء من الثقافة الأمريكية التقليدية. والتي تقوم على أن كل الشخص ستكون لديه الفرصة ليصبح غنيا جدا، إذا ما أصبح فردا فقط".
إنغريد روبينز استاذة الفلسفة في جامعة أوتريخت الهولندية وصاحبة نظرية الشمولية الاقتصادية
إنغريد روبينز: الشمولية الاقتصادية تقوم على ركيزتين: حماية الديمقراطية أولا، ومعالجة الاحتياجات الملحة أو المشاكل العامة ثانيا.
توظيف جماعات الضغط ووسائل الإعلام!
إذن النظرية أكثر من مجرد إلقاء نظرة على اللامساواة في الدخل، فالأخلاق هي جوهر الشمولية. والسؤال: متى يكون من الضروري أخلاقيا التدخل في نظام اقتصاد السوق الحر من أجل صالح المجتمع ككل؟
هل يضيف الأثرياء شيئا ما إلى المجتمع من خلال الاستثمار في زيادة الإنتاج؟ أم أنهم مجرد مضاربين أو مستنزفين للأعمال التجارية أو للبلدان النامية بأكملها؟ هل فعلا 10 سيارات أفضل كثيرا من سيارتين؟
"يرفع البعض شعار: كل ملياردير فشلٌ سياسيٌ. أعتقد أن ذلك صحيح، ولكن حتى عندما يكون لدى بعض الأثرياء أقل بكثير من مليار، فإن ذلك إشكالي من الناحية الأخلاقية والسياسية" تقول روبينز. وتضيف بأن نظريتها حول الشمولية الاقتصادية تقوم على ركيزتين: حماية الديمقراطية أولا، ومعالجة الاحتياجات الملحة أو المشاكل العامة في المجتمع مثل تغير المناخ ثانيا.
بالنظر إلى اللامساواة السياسية، تخشى هذه الشمولية أن يؤدي ذلك إلى تقويض الديمقراطية. فالأثرياء يمكن أن يستخدموا أموالهم للتأثير على السياسيين وتوظيف جماعات الضغط لتمرير أجنداتهم من خلال القوانين. وإذا لم يجد ذلك نفعا، يمكنهم أن يؤثروا في الرأي العام من خلال امتلاكهم لوسائل الإعلام أو تمويل مراكز الأبحاث.
الثروة الطائلة تضر بالبيئة؟
الشمولية الاقتصادية تفترض أيضا أن توزيعا أكثر عدلا للثروة يمكن أن يؤدي إلى مزيد من المساواة في كل مجالات الحياة حول العالم، فيمكن أن تساعد في انتشال الناس من الفقر المدقع الذي يعيشون فيه.
"إذا كان لديك 10 ملايين، لن تضيف إلى حياتك مزيدا من الرفاهية والازدهار إذا امتلكت 100 ألف يورو أو دولار إضافية. ولكن إذا كنت عديم الثروة، فإن أي زيادة ستكون مهمة" وتعني جوعا أقل وعددا أقل من المنازل غير المدفأة وعددا أقل من الأطفال الفقراء، تقول روبينز.
والمسألة لا تتعلق بالمال فقط بالنسبة لأنصار نظرية الشمولية الاقتصادية، ويقولون إنالأثرياء يشكلون خطرا أكبر على البيئة، حيث يتركون بصمة كربونية كبيرة جدا. إذ أن "فاحشي الثراء يتسببون في تغير المناخ بشكل كبير، لأن حياتهم المادية أكثر وفرة واستثماراتهم ضارة بيئيا" تقول روبينز لـ DW، وتضيف "يمكن للمرء أن يحاجج ويقول بأنه سيكون من العدل استخدام أموالهم الفائضة لمعالجة أزمة المناخ، بدل السماح لهم ببناء ملاجئ أو فيلات فاخرة على أعالي الجبال للذهاب والاختباء هناك في حالة خروج تغير المناخ عن السيطرة واندلاع اضطرابات اجتماعية".
أخذ بعض هذه الثروات يمكن أن يساعد في التأقلم مع تغير المناخ، ويمكن للحكومات أن تستثمر هذه الأمواللحماية المواطنين من الظواهر المناخية القاسية. وفي نفس الوقت يمكن استخدامها في توسيع استخدام الطاقة المتجددة أو التقدم التقني.
رغم الانتقاد.. الأثرياء يزدادون ثراء!
بعض النقاد يرون أن الشمولية الاقتصادية لا تذهب بعيدا بما يكفي، ويرون أن الشركات يجب أن تخضع لإرشادات الشمولية. في حين هناك فلاسفة واقتصاديون يرفضون بشدة فكرة وضع حد للثروة. ولا يرون أن هناك حدا أخلاقيا للثروة المكتسبة أو الموروثة، ففرصة أن تصبح غنيا هي التي تدفع الشخص إلى المغامرة والابتكار والتغيير.
ويضيف هؤلاء الرافضون للشمولية، أن وضع حد للثروة لن ينهي عدم المساواة السياسية، كما أنه لا يمكن قياس الثروة بأي حال من الأحوال. وإن أفضل طريقة لتحقيق المزيد من المساواة هو اتباع نظام التصاعد الضريبي.
لكن ورغم كل ذلك فإن الأثرياء يزدادون ثراء. وقائمة المليارديرات لعام 2022 التي وضعتها مجلة فوربس أحصت 2668 مليارديرا حول العالم، بلغت قيمة مجموع ثرواتهم 12,7 تريليون دولار. وهو أقل بعض الشيء من العام السابق، حيث تسببت العديد من الأزمات العالمية في خسائر فادحة لبعضهم. ومع ذلك، فقد وجدت المجلة أن "أكثر من ألف ملياردير أصبحوا أغنى مما كانوا عليه قبل عام".
هل يمكن فعلا وضع حد للثروة؟
ترى روبينز أن مشكلة العالم الحقيقية هي في تنفيذ أفكارها. أولا من المستحيل تقريبا الوصول إلى تعريف عالمي موحد للثراء الفاحش. ثانيا، حتى لو كان هناك تحديد للمبلغ، كيف يمكن للمرء أن يحصّل المبلغ الفائض أصلا؟ وهي تجد العزاء في الأسئلة التي يطرحها الفلاسفة وليس في مصادرة عقد من الألماس أو طائرة خاصة.
وتقول "الأفكار يمكن أن تغير التاريخ. بعضها تفعل ذلك وبعضها لا تفعل". وربما لا تحظى أفكارها بالشعبية في بعض المناطق، ولكنها على الأقل تدفع الناس للتفكير في عدم المساواة. وتختم روبينز حديثها مع DW بالقول "إن دوري كفيلسوفة وباحثة هو تقديم هذه الحجج، ولكن الأمر يعود للمواطنين والقادة الاقتصاديين والسياسيين والدينيين لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق مثل هذا العالم".
اضف تعليق