المخاطر النزولية جراء ارتفاع التضخم وحرب أوكرانيا تتحقق ويمكن أن تدفع الاقتصاد العالمي إلى حافة الركود إذا لم يتم تحجيمها.. آثار تردي الأوضاع الاقتصادية تظهر على أولئك الذين تضرروا بشدة من الارتفاع القياسي لأسعار الوقود والغذاء. وفي الوقت نفسه، تظهر بيانات بطاقة الائتمان وغيرها أن البعض لا يزال ينفق...
بدأت علامات الانهيار تظهر على بعض المستهلكين عالميا إذ أكد المتسوقون أنهم يلتزمون بشراء الأساسيات مثل الطعام ومبيض الملابس وشطائر البرجر رخيصة الثمن بسبب التضخم القياسي، في حين أن أولئك الذين لديهم حسابات بنكية أكبر يشترون شاحنات صغيرة بقيمة 50 ألف دولار.
ويراقب المستثمرون عن كثب نتائج الشركات بحثا عن دلائل على أن الاقتصادات تتجه نحو الركود. لكن المستهلكين يرسلون إشارات متباينة حتى الآن. فآثار تردي الأوضاع الاقتصادية تظهر على أولئك الذين تضرروا بشدة من الارتفاع القياسي لأسعار الوقود والغذاء. وفي الوقت نفسه، تظهر بيانات بطاقة الائتمان وغيرها أن البعض لا يزال ينفق على السفر وغيره من الأنشطة التي تكلف الكثير من المال.
أطلقت شركة وول مارت للبيع بالتجزئة إشارة تحذير، وأصدرت تحذيرا نادرا بشأن الأرباح. ويشتري زبائنها في الولايات المتحدة، وهم من الأسر ذات الدخل المنخفض، الطعام والضروريات الأخرى، بينما يتجاوزون الممرات المليئة بالملابس والسلع الرياضية.
وقال نيكولا مورجان براونزل، مدير التمويل في ليجال اند جنرال لإدارة الاستثمارات "تشير النتائج التي صدرت إلى أن المستهلك الأمريكي أصبح يركز الآن أكثر على عنصر السلع الأساسية في التسوق إذ لدينا تضخم في أسعار المواد الغذائية في خانة العشرات في بعض متاجر التجزئة تلك".
وتراجعت ثقة المستهلك الأمريكي للشهر الثالث على التوالي في يوليو تموز وسط مخاوف مستمرة بشأن ارتفاع التضخم ورفع سعر الفائدة.
عمالقة السلع الاستهلاكية مثل شركات كوكاكولا وماكدونالدز ويونيليفر قالت جميعها إن منتجاتها ما زالت تباع، رغم أسعارها المرتفعة.
ورفعت شركة يونيليفر، التي تملك 400 علامة تجارية منها هيلمانز وكنور ودومستوس، توقعات المبيعات للعام بأكمله بعد تجاوز توقعات المبيعات الأساسية للنصف الأول رغم ارتفاع الأسعار.
وحتى الآن يشتري المستهلكون، لكن يوجد تساؤل إلى أي مدى يمكن أن يستمر ذلك.
وقال أشيش سينها، مدير الاستثمارات في جابيلي، المساهم في يونيليفر وريكيت "نرى ارتفاعا في الأسعار عندما نخرج للتسوق أسبوعيا. السؤال هو: ما مدى قبول المستهلك لهذه الزيادات في الأسعار؟"
فيما قالت ماكدونالدز، التي تدير ما يقرب من 40 ألف مطعم، إن مبيعاتها من نفس المتاجر قفزت 10 بالمئة تقريبا، وهو أفضل بكثير من التوقعات بزيادة نسبتها 6.5 بالمئة.
ومع ذلك، قالت الشركة، التي تتخذ من شيكاجو مقرا لها، إنها تدرس ما إذا كانت ستضيف المزيد من خيارات القائمة مخفضة السعر - لا سيما في أوروبا - إذ يجبر التضخم المرتفع بعض المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض إلى "التنازل" لصالح منتجات أرخص ثمنا وشراء عدد أقل من الوجبات الكبيرة، حسبما أوضح المدير المالي كيفين أوزان خلال اتصال مع المستثمرين.
وقالت شركة كوكاكولا إن أحجام مبيعاتها العالمية ارتفعت ثمانية بالمئة في الربع الثاني، مدفوعة بالنمو في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة، بينما ارتفع متوسط أسعار البيع بنحو 12 بالمئة.
وقال جاريت نيلسون المحلل لدى سي.إف.آر.إيه "نتائج كوكاكولا تشهد على قيمة علامتها التجارية لأن المستهلكين غير مستعدين لشراء بديل آخر، على الرغم من زيادة الأسعار".
تباطؤ يلوح في الأفق؟
أعادت شركة جنرال موتورز تأكيد توقعاتها لأرباح العام بأكمله بزيادة متوقعة في الطلب. وقالت إنها تكبح الإنفاق والتوظيف قبل تباطؤ اقتصادي محتمل، لكن انخفاض صافي الدخل الربع سنوي بنسبة 40 بالمئة كان مخيبا للآمال مما دفع الأسهم للهبوط.
وانخفض صافي الدخل لشركة صناعة السيارات، ومقرها ديترويت، 40 بالمئة في الربع الثاني مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق بسبب الأزمات في سلاسل التوريد، والتي تشمل النقص العالمي في رقائق أشباه الموصلات الذي تفاقم في يونيو حزيران. وهبط سهم الشركة 3.5 بالمئة في منتصف التعاملات الصباحية.
ومع ذلك، فإن جنرال موتورز تتوقع ارتفاعا في عودة الطلب.
وصرح المدير المالي لجنرال موتورز بول جاكوبسون بأنه على الرغم من الضربة التي نجمت عن النقص العالمي في الرقائق خلال يونيو حزيران والذي استمر في يوليو تموز، لا تزال جنرال موتورز تتوقع ارتفاع السعر والطلب على سياراتها. وكررت شركة صناعة السيارات التأكيد على توقعاتها لأرباح العام إذ قال جاكوبسون إن الشركة ترى أن الطلب في النصف الثاني من العام سيعوض أي عجز حدث في الربع الثاني.
ويبدأ سعر شاحنة صغيرة من جنرال موتورز بنحو 31500 دولار لطراز شيفروليه الأساسي، وتتراوح أسعار معظم الطرز بين 50 ألفا و70 ألف دولار.
وقال "لدينا شعور جيد بأننا سنعوض كل هذا الحجم (المفقود) في النصف الثاني من العام".
ثقة المستهلك الأمريكي قرب أدنى مستوى
انخفضت ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى في عام ونصف العام تقريبا في يوليو تموز وسط مخاوف مستمرة من ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى تقويض الإنفاق ويشير إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في بداية الربع الثالث.
وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة كونفرنس بورد أن المستهلكين أعادوا تقييم خطط إنفاقهم بشكل حاد هذا الشهر، ويعتزم من شملهم الاستطلاع شراء الأجهزة الرئيسية مثل الثلاجات والغسالات خلال الأشهر الستة المقبلة. وهذه الخطط هي الأقل منذ أواخر عام 2010.
ورسم ذلك، إلى جانب بيانات أخرى أظهرت انخفاض مبيعات المنازل الجديدة في يونيو حزيران إلى أدنى مستوى لها فيما يزيد قليلا على عامين، صورة لاقتصاد معرض للركود.
تباطأ النشاط الاقتصادي مع تشديد مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) للسياسة النقدية بغية كبح التضخم. ومن المتوقع أن يرفع المركزي سعر الفائدة 75 نقطة أساس أخرى، مما سيرفع إجمالي رفع أسعار الفائدة منذ مارس آذار إلى 225 نقطة أساس.
وقال جيفري روتش كبير خبراء الاقتصاد لدى إل.بي.إل فاينانشال في تشارلوت بولاية نورث كارولاينا "تراجع ثقة المستهلك يعني أن الاقتصاد لا يقف على أقدام ثابتة".
وانخفض مؤشر كونفرنس بورد لثقة المستهلك 2.7 نقطة إلى 95.7 هذا الشهر، وهو أدنى مستوى منذ فبراير شباط 2021 وثالث انخفاض شهري على التوالي. وكان اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم توقعوا انخفاض المؤشر إلى 97.2.
أسعار المساكن
أظهر المستهلكون هذا الشهر أيضا ميلا أقل لشراء المنازل، إذ أدى ارتفاع فوائد الرهن العقاري إلى تآكل القدرة على تحمل تكاليفه، مما يشير إلى أنه سيكون هناك المزيد من الانخفاضات في مبيعات المنازل.
وأظهر تقرير منفصل من وزارة التجارة أن مبيعات المنازل الجديدة تراجعت 8.1 بالمئة إلى معدل سنوي معدل في ضوء العوامل الموسمية بلغ 590 ألف وحدة الشهر الماضي، وهو أدنى مستوى منذ أبريل نيسان 2020.
وعلى الرغم من تباطؤ الطلب، فمن غير المرجح حدوث انهيار في سوق الإسكان. ويؤدي النقص الحاد في المنازل إلى ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، فإن وتيرة ارتفاع الأسعار آخذة في التباطؤ.
وأظهر تقرير ثالث أن مؤشر أسعار المنازل ستاندرد اند بورز كور لوجيك كيس-شيلر ارتفع 19.7 بالمئة على أساس سنوي في مايو أيار بعد ارتفاعه 20.6 بالمئة في أبريل نيسان.
وتعزز استمرار التضخم القوي في أسعار المنازل بالتقرير الرابع الصادر عن الوكالة الاتحادية لتمويل الإسكان الذي أظهر ارتفاع أسعار الإسكان 18.3 بالمئة في 12 شهرا حتى مايو أيار بعد تسارعها 18.9 بالمئة في أبريل نيسان.
الأغنياء يزدادوا ثراءً والفقراء يرسخون الفقر بالديون
في أوقات التضخم والخوف من الركود، لم يتوقف أغنياء أمريكا من زيادة أموالهم في النصف الأول من العام.
وسجلت وحدتا إدارة الثروات في مورجان ستانلي وبنك أوف أمريكا نموًا في الاقتراضات في الربع الثاني من العام الجاري، وقد نتجت الزيادة بسبب ارتفاع الرهون العقارية والقروض المدعومة بأصول مثل محافظ الأسهم والسندات.
وفقًا لتقرير جديد صادر عن صحيفة وول ستريت جورنال، فإن المجموعة الفرعية الأكثر ثراءً في المجتمع الأمريكي تستغل خطوط الائتمان المدعومة بالأوراق المالية لشراء أصول بأسعار رخيصة في أسواق اليوم.
قال مايك كوسنيتسكي لصحيفة وول ستريت جورنال: "تقلبات السوق وتدهورها هو الوقت الذي يصنع في الأغنياء ثرواتهم، هذا وقت الشراء". موضحًا أن الأثرياء ينفقون أموالهم بشكل مختلف عن الفقراء، وأشار إلى قدرة أغنياء أمريكا في فترة الوباء على الاستفادة بالفرص لتكديس الثروات فيما ازداد الفقراء فقرًا.
وساعد ازدهار سوق الأسهم والعقارات، الذي أدى إلى ارتفاع قيمة الأصول المملوكة للأثرياء، إلى جانب معدلات الفائدة المنخفضة للغاية التي أعطتهم ديونًا رخيصة للتلاعب بها، الأثرياء على الادخار بمعدلات قياسية.
وفر الأمريكيون 2.7 تريليون دولار إضافية منذ يناير 2020 حتى ديسمبر 2021، وفقًا لـمودي أنالتيكس وكان نصفها في أيدي أغنى 10٪ في المجتمع الأمريكي. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة وسوق الأسهم المتعثر الآن، فإن نمو الاقتراض المدعوم بالأصول يشير إلى معنويات اقتصادية مرنة من المستهلكين الأمريكيين الأكثر ثراءً الذين اتحدوا ضد مخاوف الركود في النصف الأول من عام 2022.
وفي حين ارتفعت القروض المدعومة بالأصول بين الأغنياء، زادت ديون بطاقات الائتمان أيضًا بين جميع المقترضين في النصف الثاني من عام 2022.
أفاد كل من جي بي مورجان وويلز فارجو، اللذان شهدوا ارتفاع دفاتر قروضهم بنسبة 7٪ و8.4٪ في الربع الثاني، عن زيادة بنسبة 17٪ في قروض بطاقات الائتمان، وفقًا لرويترز.
وبينما لا تزال أسواق الائتمان تبدو في وضع جيد، يحذر المسؤولون التنفيذيون والمحللون في البنوك من أن الإنفاق الاستهلاكي وجودة الائتمان ستتغير قريبًا مع ارتفاع التضخم وارتفاع معدلات الفائدة.
وصفت نيلا ريتشاردسون، كبيرة الاقتصاديين في معالج الرواتب ADP، الوضع بأنه "ضربة مزدوجة" مشيرة إلى أن الأمريكيين الأفقر ينفقون الآن مدخراتهم ويتحولون إلى الائتمان لمشترياتهم، وهو ما يقابل بارتفاع أكبر في الأسعار.
"هذا يعني أن المستهلكين لا يقومون فقط بعمليات الشراء بأسعار اليوم المتضخمة، بل يدفعون أكثر علاوة على ذلك لتغطية التكلفة المتزايدة للاقتراض".
وقال كينيث ليون، مدير الأبحاث والصناعة والأسهم في CFRA Research لرويترز: "لم نشهد حتى الآن أي تصدعات كبيرة فيما يتعلق بصحة المستهلك. لا تزال جودة الائتمان جيدة للغاية ولكن من المحتمل أن يتغير ذلك في وقت ما من العام المقبل."
الركود ليس حتميا
من جهتها قالت جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية إن النمو الاقتصادي الأمريكي يتباطأ واعترفت بوجود خطر حدوث ركود، لكنها أضافت أن الركود ليس حتميا.
وقالت يلين لشبكة تلفزيون (إن.بي.سي) إن أرقام التوظيف الأمريكية القوية وإنفاق المستهلكين يظهر أن الاقتصاد الأمريكي ليس في حالة ركود في الوقت الحالي.
واستمر الارتفاع الكبير لأرقام التوظيف في الولايات المتحدة في يونيو حزيران بتوفير 372 ألف وظيفة، كما استقر معدل البطالة عند 3.6 بالمئة. وكان هذا هو الشهر الرابع على التوالي الذي يزيد فيه عدد الوظائف الجديدة على 350 ألفا.
وقالت يلين، التي كانت ترأس سابقا مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، "هذا ليس اقتصادا في حالة ركود... لكننا في فترة انتقالية يتباطأ فيها النمو، وهذا ضروري ومناسب".
وأضافت أن التضخم "مرتفع جدا" وأن الزيادات الأحدث لأسعار الفائدة تساعد في كبح جماح الأسعار وجعلها تحت السيطرة.
وقالت يلين "أنا لا أقول إننا سنتجنب بالتأكيد الركود... لكنني أعتقد بوجود مسار يحافظ على قوة سوق العمل ويؤدي إلى انخفاض التضخم".
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بمعدل سنوي 1.6 بالمئة في الربع الأول، ومن المتوقع أن يُظهر تقرير يوم الخميس ارتفاعا 0.4 بالمئة فقط في الربع الثاني، وفقا لخبراء اقتصاديين استطلعت رويترز آراءهم.
وقالت يلين إنه حتى إذا جاءت أرقام الربع الثاني سلبية، فلن يشير ذلك إلى حدوث ركود نظرا لقوة سوق العمل وزيادة الطلب.
وأضافت مؤكدة "الركود ضعف واسع النطاق في الاقتصاد. نحن لا نرى ذلك الآن".
ارتفاع التضخم ينذر بالركود
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي مرة أخرى، محذرا من أن المخاطر النزولية جراء ارتفاع التضخم وحرب أوكرانيا تتحقق ويمكن أن تدفع الاقتصاد العالمي إلى حافة الركود إذا لم يتم تحجيمها.
وقال الصندوق في تحديث لتوقعاته الاقتصادية العالمية إن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي سيتباطأ إلى 3.2 بالمئة في عام 2022 من توقعات عند 3.6 بالمئة صدرت في أبريل نيسان. وأضاف أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي انكمش بالفعل في الربع الثاني بسبب الانكماش في الصين وروسيا.
كما خفض الصندوق توقعاته للنمو لعام 2023 إلى 2.9 بالمئة من تقديرات أبريل نيسان البالغة 3.6 بالمئة، مشيرا إلى تأثير تشديد السياسة النقدية.
وتعافى النمو العالمي في عام 2021 إلى 6.1 بالمئة بعد أن سحقت جائحة كوفيد-19 الناتج العالمي في عام 2020 بانكماش بلغ 3.1 بالمئة.
وقال بيير-أوليفييه جورينشا كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في مؤتمر صحفي "الآفاق أصبحت قاتمة بشكل كبير منذ أبريل. قد يصبح العالم قريبا على شفا ركود عالمي، بعد عامين فقط من الركود السابق".
وأضاف "الاقتصادات الثلاثة الكبرى في العالم، الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو، تتباطأ، مع ما يترتب على ذلك من تأثيرات مهمة على التوقعات العالمية".
خفض آخر تقرير لصندوق النقد بشأن "توقعات الاقتصاد العالمي" تقديرات إجمالي الناتج الداخلي للعام 2022 إلى 3,2 في المئة، أي أقل بأربعة أعشار النقطة من توقعات نيسان/أبريل، وحوالى نصف المعدل المسجّل العام الماضي.
وذكر التقرير أن "الانتعاش المؤقت" من التباطؤ الناجم عن الوباء "أعقبته تطورات قاتمة في 2022 في وقت بدأت المخاطر تتجسد".
وقال صندوق النقد "ضربت عدة صدمات الاقتصاد العالمي الذي أضعفه الوباء بالفعل"، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة العالمية، ما دفع المصارف المركزية إلى رفع معدلات الفائدة بشكل حاد.
وعرقلت تدابير الإغلاق المرتبطة بكوفيد وأزمة العقارات المتفاقمة النشاط الاقتصادي في الصين بينما يؤدي رفع الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة بشكل كبير إلى تباطؤ النمو في الولايات المتحدة بشكل كبير.
لكن صندوق النقد الدولي وجّه تحذيرا حيال التوقعات، مشيرا إلى أن "المخاطر على التوقعات تميل بشكل كبير إلى الجانب السلبي" ومن شأنها إذا تجسّدت أن تدفع الاقتصاد العالمي باتّجاه هبوط يعد من بين الأسوأ على مدى السنوات الخمسين الماضية.
ويتمثّل مصدر القلق الأبرز بتداعيات الحرب في أوكرانيا بما يشمل احتمال قطع روسيا إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا والارتفاع الإضافي في الأسعار ونقص الغذاء بسبب تأثير الحرب على إمدادات الحبوب، وهو أمر قد يؤدي إلى مجاعة.
وأفاد التقرير أن "بإمكان صدمات كهذه، إذا كانت شديدة بالقدر الكافي، أن تؤدي إلى مزيج من الركود المصحوب بتضخم مرتفع بازدياد (ركود تضخمي)".
ومن شأن ذلك أن يوقف عجلة النمو ويؤدي إلى تراجعه إلى 2,0 في المئة عام 2023. وقال صندوق النقد إن معدل النمو بلغ مستويات أقل من هذه النسبة خمس مرّات فقط منذ العام 1970.
وقال غورينشا إن ذلك سيمثّل "اقترابا حقيقيا من تسجيل ركود عالمي".
التضخم أولوية
تتمثل أولوية صناع السياسات بالسيطرة على ارتفاع الأسعار، حتى وإن كان الثمن الإضرار بمواطنيهم، بحسب الصندوق، إذ أن الضرر الناجم عن ترك التضخم يخرج عن السيطرة سيكون أسوأ بكثير.
وفي مدونة بشأن التقرير، لفت غورينشا إلى خطوات "منسقة" من قبل مصارف مركزية رئيسية للتعامل مع تهديد التضخم "غير مسبوقة تاريخيا ويتوقع بأن تكون مؤثرة".
وقال "ستكون لتشديد السياسة النقدية تكاليف اقتصادية حقيقية لا مفر منها، لكن تأخيرها لن يساهم إلا بمفاقمة الصعوبات".
ويتوقع صندوق النقد حاليا أن ترتفع أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 8,3 في المئة هذا العام، أي أعلى بنقطة كاملة تقريبا عن التوقعات السابقة، بينما تواجه اقتصادات الأسواق الناشئة ارتفاعا في أسعار المواد الاستهلاكية تبلغ نسبته 9,5 في المئة.
لكن "بإمكان صدمات إضافية مرتبطة بالإمدادات في أسعار الغذاء والطاقة نتيجة حرب أوكرانيا أن تزيد يشكل حاد التضخم الإجمالي".
وسيؤثر ذلك بدوره سلبا على البلدان الفقيرة الأقل قدرة على تحمّل الصدمة، حيث يشكّل الغذاء الحصة الأكبر من ميزانيات العائلات.
تباطؤ في الولايات المتحدة والصين
بينما كان أداء الاقتصاد العالمي أفضل بعض الشيء من المتوقع في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، يبدو أنه "انكمش في الربع الثاني -- وهو أول انكماش منذ العام 2020"، بحسب ما أفاد صندوق النقد.
ويتوقع الصندوق حاليا بأن يبلغ النمو في الولايات المتحدة 2,3 في المئة، في ظل تراجع إنفاق المستهلكين وارتفاع معدلات الفائدة. ولفت التقرير إلى أن الركود (المعرّف بأنه نمو سلبي على فصلين متتاليين) قد يكون بدأ بالفعل.
وقال غورينشا إن "البيئة الحالية تشير إلى أن احتمال تجنّب اقتصاد الولايات المتحدة الركود ضيّق للغاية"، محذرا من أن أي "صدمة صغيرة" قد تدفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود.
ويتوقع أيضا بأن يتباطأ الاقتصاد الصيني بشكل كبير عام 2022، ليسجّل النمو 3,3 في المئة فقط -- هي أقل نسبة منذ أكثر من أربعة عقود باستثناء النسبة المسجلة خلال أزمة كوفيد عام 2020 -- بسبب المخاوف المرتبطة بالوباء و"تدهور أزمة" قطاع العقارات، بحسب التقرير.
وقال التقرير إن "التباطؤ في الصين يحمل تداعيات عالمية: تدابير الإغلاق إضافة إلى الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وتراجع الإنفاق المحلي تخفض جميعها الطلب على السلع والخدمات من شركاء الصين التجاريين".
وكانت هناك بعض الاستثناءات في التوقعات القاتمة، بما في ذلك تحسنات بالنسبة لإيطاليا والبرازيل والمكسيك، إضافة إلى روسيا التي ما زال من المتوقع بأن ينكمش اقتصادها لكنها تستفيد من ارتفاع أسعار النفط جراء العقوبات الغربية"، بحسب التقرير.
اضف تعليق