q
ميزة العملات المشفّرة أنه يمكن الهروب بها بسهولة من تحت القصف. فالأوكران يأخذون معهم عملاتهم المشفّرة، آملين تحويلها لاحقاً إلى عملة ورقية بمجرد وصولهم إلى بر الأمان. وبينهم ثمة من يتطلّع إلى العملات المشفّرة كوسيلة لحفظ الثروة أكثر أماناً من حفظها لدى المصارف أو في اقتصادات تكون عرضة للانهيار السريع بسبب الحرب ونتائجها...

مع انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، طلبت حكومة الأخيرة من العالم المساعدة بأشكال عدّة؛ من بينها العملات المشفرة. ووفقاً لـ«blockchain Elliptic»، فقد حصدت أوكرانيا تبرّعات من مستثمرين حول العالم بقيمة تفوق 59 مليون دولار على شكل عملات رقمية. لكن لم تكن أوكرانيا وحدها التي استخدمت العملات المشفّرة في هذه الحرب. ففي مقابل ما جمعه الأوكرانيون، تبيّن أن الولايات المتحدة الأميركية تحاول منع روسيا من استخدام العملات المشفّرة لتجاوز العقوبات التي يفرضها الغرب. هكذا، اندلعت حرب العملات المشفّرة بالتوازي مع العمليات العسكرية. وقد وصفت هذه المعركة بأنها أول حرب عملات مشفرة في العالم.

حملة تبرّعات في أوكرانيا

حالياً، تحتل أوكرانيا المرتبة الرابعة في العالم لجهة تبنّي العملات المشفرة، وفقاً لشركة الأبحاث «blockchain Chainalysis»، وتقرير نشره «VOX». قد يفسّر هذا الإحصاء انخراط الأوكران في حملة التبرّعات التي أطلقها نائب رئيس الوزراء الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، الأسبوع الماضي «AidForUkraine». فهي عبارة عن تعاون بين الهيئات الحكومية الأوكرانية ومنصّة العملات الرقمية «Everstake» ومنصّة «Solana». والحملة تقبل التبرّعات عبر العملات الآتية: الـ«بتكوين» و«إيثيريوم» و«تيثر» و«دوجكوين».

كما في كل الحروب، فإن التداعيات المالية والنقدية تكون الأكثر حساسية. فمنذ بداية القتال بين الطرفين، علّق البنك المركزي في أوكرانيا التحويلات النقدية الإلكترونية، ومنع المواطنين الأوكران من سحب العملات الأجنبية. بنتيجة ذلك، فإنه خلال الأسبوع الأخير من شهر شباط، وصل التداول على المنصّة الأوكرانية للعملات المشفرة، «كونا»، إلى أعلى مستوى له منذ نيسان 2021.

ميزة العملات المشفّرة أنه يمكن الهروب بها بسهولة من تحت القصف. فالأوكران يأخذون معهم عملاتهم المشفّرة، آملين تحويلها لاحقاً إلى عملة ورقية بمجرد وصولهم إلى بر الأمان. وبينهم ثمة من يتطلّع إلى العملات المشفّرة كوسيلة لحفظ الثروة أكثر أماناً من حفظها لدى المصارف أو في اقتصادات تكون عرضة للانهيار السريع بسبب الحرب ونتائجها. طبعاً هذا الأمر ينطبق على الذين قاموا بتحويل أموالهم إلى عملات مشفّرة، أما الذين علقوا في النظام التقليدي لدى المصارف فهم غير قادرين اليوم على تحويل أموالهم إلى عملات رقمية بسبب القيود على السحب وانهيار قيمة العملة الأوكرانية.

التبرّعات بالعملات المشفّرة لأوكرانيا لا تنحصر بصندوق الإغاثة الذي تلقى من منصّة تداول العملات المشفّرة الشهيرة «باينانس» (Binance) ما يفوق 10 ملايين دولار. فمع استمرار الصراع، تشارك الأوكران مع آخرين حول العالم، عناوين محافظهم المشفّرة، طالبين التبرّع تحت عناوين عسكرية مباشرة معبأة بالحملة الإعلامية ضدّ روسيا. إحدى المنظمات غير الحكومية التي تدعم الجيش الأوكراني جمعت عدة ملايين من العملات المشفرة. كذلك، استخدمت هذه العملات من أجل شراء معدات عسكرية (هناك موقع يجمع التبرعات لشراء قاذفات جافلين المضادة للمدرعات) وإمدادات طبية. ولأن سعر العملات الرقمية غير قابل للتوقّع في ظل الأوضاع القائمة، ما يضرّ بقيمة المبالغ المرسلة من المتبرّعين لها المانحين، فقد «ابتدع» المسؤولون الأوكران مخرجاً يمنح بموجبه للمانحين «NFT» مقابل دعم الجيش الأوكراني (يشبه الأمر حصول الأفراد على ستيكر مقابل دعمهم لقضية معينة، وستبقى تلك الـ NFT في محافظهم الرقمية على شكل ممتلكات رقمية)، نظراً إلى تقلبات العملة المشفّرة.

الهروب من العقوبات

بالنسبة إلى روسيا، فإنه حتى قبل العملية العسكرية، كانت حكومة الولايات المتحدة قلقة من أن العملات المشفّرة يمكن أن تخفّف من تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا. ومثلما استخدمت إيران تعدين الـ«بتكوين» لتجاوز العقوبات، فإن روسيا تقوم بأمر مماثل أيضاً. بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الحكومة الروسية تعمل على تطوير روبل رقمي، وعلى بناء أدوات للمساعدة في إخفاء أصول المعاملات الرقمية. في الأساس، إذا كانت العقوبات تهدف إلى منع البلدان والشركات من التعامل مع روسيا، فسيكون التشفير وسيلة للالتفاف عليها.

قبل العملية العسكرية، كانت حكومة الولايات المتحدة قلقة من أن العملات المشفّرة يمكن أن تخفّف من تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا، لتجنب هذا السيناريو، دعا نائب رئيس الوزراء الأوكراني ووزير التحوّل الرقمي، منصّات التشفير و«بلوكتشاين» الى حظر عناوين المستخدمين الروس. كما تدرس إدارة بايدن كيفية معاقبة أصول العملات المشفرة الروسية، وقد حثت بالفعل بورصات العملات المشفرة على التأكد من أن أفراد ومؤسسات معينين خاضعين للعقوبات من روسيا لا يستخدمون منصاتهم... لكن هذا الأمر لم يفلح لأن استخدام العملات المشفّرة ممكن من دون المرور بالمنصّات المركزية التي تقع تحت أعين الأميركيين وسيطرتهم.

214 مليار دولار هي قيمة العملات المشفّرة المحمولة من الروس

تحتلّ روسيا المرتبة 18 في العالم في تبنّي العملة المشفّرة، وفقاً لـ«Chainalysis». ويقدّر موقع «بلومبرغ» أنها موطن لما لا يقلّ عن 214 مليار دولار من العملات المشفّرة، أو 12% من إجمالي قيمة هذا السوق. كذلك تحتلّ روسيا المرتبة الثالثة بين جميع البلدان في تعدين البيتكوين. وفي روسيا هناك 552 مؤسّسة تملك آلات صرافة عملات مشفّرة أو تقبل الدفع بهذه العملات. في المجمل روسيا ناشطة جداً في هذا المجال، وعملة «بيتكوين» هي الأكثر رواجاً على وسائل التواصل الاجتماعي المتداولة هناك، وتستحوذ على حصّة سوقية واسعة من عمليات تعدين «بيتكوين» كانت 5.9% في أيلول 2019 وارتفعت إلى 11.9% في آب 2021.

اضف تعليق