q

تعرض الاقتصاد العراقي، مؤخرا، الى جملة صعوبات قد تعيق مؤشر الازدهار الاقتصادي الذي حققه في السنوات الماضية، وبعد ان كان البلد (الذي يعتمد على النفط كمصدر اساسي للموازنة الاتحادية) يعاني من حصار اقتصادي دولي (اثر الغزو الذي قام به الرئيس السابق صدام حسين لدولة الكويت عام 1991) استمر لأكثر من عقد من الزمن، زادت العوائد المالية للعراق من (12) مليار دولار الى ما يفوق (100) مليار دولار سنويا بفعل ارتفاع اسعار النفط، اضافة الى الاقبال العالمي على شراء النفط العراقي بعد رفع الحصار والغاء اغلب الديون الدولية المترتبة على العراق والتي كانت تقدر بأكثر من 600 مليار دولار.

وقد انعكست الصعوبات التي يمر بها العراق، سلبا على الاقتصاد للعام الحالي والعام القادم، كما يتوقع معظم الخبراء، وتتركز الاسباب حول اربعة عوامل اساسية:

1. الانخفاض الحاد في اسعار النفط عالميا، والذي فقد النفط من خلاله ما يقارب 50% من قيمته السوقية، وبالتالي خسارة العراق لعشرات المليارات من العملة الصعبة التي يحتاجها للمحافظة على الانتعاش الاقتصادي وتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي.

2. الحرب التي يشنها العراق ضد تنظيم ما يسمى (الدولة الاسلامية/ داعش) والتي استنزفت اموال ضخمة من العائدات المالية للعراق، اضافة الى الخسائر المادية التي تسبب بها تنظيم داعش في المدن والمناطق التي وقعت تحت سيطرته، وهي خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

3. آفة الفساد المستشري في اغلب مفاصل الدولة والتي ادت الى ضياع اموال كبيرة من عوائد النفط بطرق مباشرة وغير مباشرة، من دون ان تكون هناك اليه شفافة لمكافحة الفساد والتقليل من أضراره الاقتصادية الخطيرة على مستقبل العراق.

4. عدم وجود تخطيط مستقبلي لدعم الاقتصاد العراقي بروافد مالية جديدة (غير الرافد النفطي) كتعزيز الاستثمار وتنشيط القطاعات الاقتصادية الاخرى (الصناعية، الزراعية، السياحية، التحويلية...الخ) وغيرها.

وبالتالي فان العراق، وعلى الرغم من الانتعاش المرحلي السابق، ما زال عرضة للأخطار والتقلبات الاقتصادية التي تعتري السوق النفطية، وبحسب خبراء، فان قطاع النفط لم يعد السوق الاكثر امنا بعد ما حدث مؤخرا من انحسار كبير في مستوى الاسعار، كما رجح مراقبون، استمرار هبوط الاسعار الى مستويات قياسية جديدة، الامر الذي قد يضع الحكومة العراقية في دوامة البحث عن حل الازمات بدلا من البحث عن كيفية الارتقاء بمستوى الاقتصاد العراقي. 

اقتصاد العراق ينكمش

فقد قال صندوق النقد الدولي إن من المتوقع أن ينكمش اقتصاد العراق الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط 0.5 في المئة هذا العام وهو أقل كثيرا من توقعات سابقة للصندوق منذ شهرين بانكماش قدره 2.7 في المئة، وعزا الصندوق هبوط الناتج إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في شمال وغرب العراق لكن يبدو أن أحدث تقديراته جاءت بناء على أرقام مرتفعة لإنتاج النفط والصادرات في البلاد، وقال صندوق النقد الدولي في بيان بعد محادثات مع مسؤولين عراقيين إن من المنتظر أن يصل إنتاج النفط إلى 3.3 مليون برميل يوميا في 2014 ارتفاعا من 3.1 مليون في 2013 مع استمرار الصادرات عند مستويات 2013 البالغة 2.5 مليون برميل يوميا، وأضاف الصندوق أن من المرجح أن يتعافى النمو إلى نحو اثنين في المئة في 2015 مع زيادة إنتاج وصادرات النفط بدعم من الإتفاق الأخير بين الحكومة المركزية وسلطات إقليم كردستان حول صادرات النفط ومدفوعات الميزانية. بحسب رويترز.

وبموجب الإتفاق الذي من المتوقع أن يبدأ سريانه في يناير كانون الثاني سيتم تصدير 300 ألف برميل يوميا من نفط كركوك عبر خط أنابيب يمتد عبر المنطقة الكردية إلى تركيا إضافة إلى 250 ألف برميل يوميا من حقول إقليم كردستان، ويعد الانكماش الاقتصادي هذا العام هو الأول من نوعه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق في 2003 وفي أعقاب نمو بلغ 4.2 في المئة في 2013، وقال الصندوق إن هبوط أسعار النفط وتراجع الإيرادات ساهما في خفض الاحتياطيات الأجنبية إلى 67 مليار دولار من نحو 77 مليار دولار في بداية العام، ودفع انخفاض أسعار النفط حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى إلغاء المسودة الأصلية لميزانية 2015 وإعداد نسخة معدلة لتقديمها إلى البرلمان، ولم يتم الموافقة على ميزانية لعام 2014 وهو ما قلص الإنفاق في مجالات عديدة لكن الإنفاق خارج الميزانية وبصفة خاصة على الأمن زاد العجز إلى نحو خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقال الصندوق "مع تقلص التمويل المتوقع في 2015 فإننا نتوقع أن ينخفض العجز الحكومي إلى أقل من اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي"، ويكافح العراق لإعادة بناء بنيته التحتية المتهالكة والتي تضررت جراء الحروب والحصار الاقتصادي وهناك حاجة لاستثمارات في جميع القطاعات تقريبا من الكهرباء إلى البنوك، ولا يزال قطاع النفط (الذي يدر 95 في المئة من الإيرادات الحكومية) يواجه صعوبات نظرا لتقادم البنية التحتية.

تحذير صندوق النقد الدولي

فيما قال مسؤول في صندوق النقد الدولي إن الماليات العامة في العراق معرضة بشكل متزايد للتأثر بهبوط أسعار النفط وإن الحكومة قد تواجه صعوبة في تمويل خطة ميزانية هذا العام، وقال كارلو سدراليفيتش رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى العراق "توجد مشكلة هيكلية، تعتمد السياسة المالية بشكل كبير على إيرادات النفط وهذا الاعتماد يتزايد، وأشارت تقديرات الصندوق في أكتوبر تشرين الأول الماضي إلى أن العراق الذي يعتمد على صادرات النفط الخام لجني نحو 93 في المئة من الإيرادات الحكومية كان يحتاج متوسطا لسعر برميل النفط يبلغ 106.1 دولار في 2013 لضبط ميزانيته وذلك ارتفاعا من 95 دولارا للبرميل في 2011 نظرا لزيادة النفقات، لكن خام برنت يحوم حاليا حول 107 دولارات للبرميل ومن المتوقع أن يتراجع تدريجيا في العامين القادمين إلى 103 دولارات في 2014 و100 دولار في 2015 مع استمرات تمتع السوق بامدادات جيدة في ظل طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة وزيادة إنتاج العراق بحسب استطلاع لآراء محللين.

وقال سدراليفيتش "هناك مصدر آخر للقلق يتمثل في عدم مرونة الإنفاق، هناك جوانب كثيرة من الإنفاق الجاري وعندما لا تجد له الحكومة إيرادات كافية ينتهي الأمر بها لخفض الاستثمارات وهذا يؤثر بدروه سلبيا على النمو في الأجل البعيد"، وقدر صندوق النقد أن ميزانية العراق تحولت إلى عجز بلغ 0.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي وهو الأول منذ 2010 مقارنة مع فائض نسبته 4.1 في المئة في 2012، وتابع سدراليفيتش يقول إن مسودة ميزانية هذا العام التي يناقشها البرلمان حاليا تشمل زيادة كبيرة في الانفاق في صورتها الحالية وربما يواجه العراق صعوبة في تمويلها، وفي وقت سابق انسحب وزراء أكراد من جلسة للحكومة العراقية بسبب خلافات على الإيردات بخصوص مسودة ميزانية 2014 التي تقدر بنحو 174.6 تريليون دينار (150.1 مليار دولار). بحسب رويترز.

وقال رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي إن الميزانية التي ضخمها الانفاق الإضافي سوف تنهار إذا استمرت الحكومة في دفع حصة إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق البالغة 17 في المئة من الإيرادات النفطية رغم احتجاز الأكراد لعائدات تصدير النفط، وتابع أن مسودة الميزانية تتوقع عجزا قدره 21 تريليون دينار بافتراض أن يسدد الأكراد للخزانة إيرادات صادرات نفط قدرها 400 ألف برميل يوميا، وقالت مصادر في قطاع النفط إن هذا الهدف أعلى بكثير من الطاقة التصديرية الحالية لكردستان التي تبلغ نحو 255 ألف برميل يوميا، وانتقد الصندوق في تقرير سابق العراق بسبب ضعف تخطيط وتنفيذ الميزانية والإنفاق الزائد وضعف معدلات تنفيذ الاستثمارات، وقال سدراليفيتش أيضا إن العراق يجب ان يضمن استقلال البنك المركزي عن سياسة الحكومة ويبقي إدارة الاحتياطي الخاص بالبنك منفصلة عن صندوق تنمية العراق، وتابع ان احتياطيات صندوق تنمية العراق الذي تستخدمه الحكومة لمشروعات الاستثمارات العامة بلغت 6.5 مليار دولار في نهاية 2013 من 18.5 مليار دولار في 2012، وأذكى هذا إضافة إلى الإنفاق المتزايد بالميزانية مخاوف من أن تستخدم الحكومة في نهاية المطاف احتياطيات النقد الأجنبي بالبنك المركزي البالغة 77 مليار دولار لتمويل الإنفاق العام وهو ما قد يضعف العملة ويزيد التضخم.

خطة خمسية لتنويع الموارد

الى ذلك أعلنت الحكومة العراقية عن خطة خمسية لتنويع الاقتصاد بدلا من الاعتماد على النفط وتطوير القطاع الصناعي، وتواجه الخطة التي أعلنها العراق مؤخرا معوقات كبيرة من بينها تصاعد العنف الطائفي والتناحر السياسي داخل الحكومة الائتلافية، لكن قد تكون الخطة في حالة تنفيذها إيذانا ببدء مرحلة جديدة من التعافي من آثار الحروب والعقوبات الاقتصادية الدولية التي دامت عقودا من الزمن، واقتصر التعافي منذ الغزو الأمريكي عام 2003 على ارتفاع إنتاج النفط، وقال حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة إن الحكومة اتخذت قرارا بالتركيز على الموارد غير النفطية وإن الخطة الجديدة ستركز على الصناعة، وتنص الخصة التي تغطي الفترة من عام 2013 إلى عام 2017 على استثمار نحو 357 مليار دولار في مشروعات تنمية في أنحاء البلاد والتركيز على خمسة قطاعات هي البناء والخدمات والزراعة والتعليم والنقل والمواصلات والطاقة، وسيأتي نحو 79 بالمئة من هذه الاستثمارات من الحكومة والباقي من القطاع الخاص. بحسب رويترز.

وسيظل النفط أكبر مصدر للإيرادات الحكومية في تلك الفترة، ومن المتوقع أن تبلغ إيرادات النفط 768.7 تريليون دينار (662 مليار دولار) في السنوات الخمسة وأن تبلغ الإيرادات غير النفطية 43.5 تريليون دينار، ويطمح العراق إلى رفع إنتاج النفط من 3.2 مليون برميل يوميا في 2012 إلى 9.5 مليون برميل يوميا في 2017 وتعزيز الصادرات من 2.6 مليون برميل يوميا إلى ستة ملايين برميل يوميا في 2017 بافتراض أن متوسط سعر برميل النفط 85 دولارا على مدى السنوات الخمسة، ويعتقد كثير من المحللين أن هذه الأهداف قد تكون مغرقة في التفاؤل نظرا للمشاكل اللوجستية وتأثير العنف الطائفي على إنتاج النفط والأنشطة الحكومية، ويسعى العراق لزيادة طاقة تخزين النفط الخام للتصدير من 10.987 مليون برميل إلى 30.057 مليون برميل في 2017، وتتضمن الخطة الخمسية أيضا جهودا لتعزيز الإنتاج الزراعي للحد من اعتماد العراق على واردات الحبوب، وقال سامي متي الوكيل الفني لوزارة التخطيط العراقية إن الخطة تهدف لإنتاج نحو ستة ملايين طن من القمح في 2017 وهو ما سيغطي الاستهلاك المحلي ورفع متوسط إنتاج الشعير من 820 ألف طن في 2011 إلى 1.2 مليون طن في 2017، وقال إن الخطة تهدف لزيادة إجمالي الإنتاج العراقي بمعدل 13 بالمئة سنويا في المتوسط وخفض نسبة الفقر من 19 بالمئة في 2012 إلى 16 بالمئة في 2017، وتأمل الحكومة أيضا أن تساعد الخطة على تضييق الفجوات الاقتصادية بين المناطق الريفية والحضرية.

مشاريع واستثمارات بالمليارات

من جهته قال وزير البلديات والأشغال العامة العراقي عادل مهودر إن العراق يخطط لإنفاق مليارات الدولارات على مدى العامين إلى الثلاثة أعوام القادمة لتنفيذ 50 مشروعا في مجال المياه والصرف الصحي ستكون مفتوحة أمام المقاولين الأجانب، وقال الوزير إن الحكومة العراقية إتخذت خطوات من بينها تسهيل إصدار تأشيرات لرجال الأعمال وتشجيع شركات المقاولات الأجنبية على فتح فروع لها في البلاد، وتحجم شركات المقاولات الأجنبية عن تنفيذ مشروعات في البنية التحتية يحتاجها العراق بشدة بسبب بطء الإجراءات البيروقراطية والأوضاع الاقتصادية والأمنية غير المستقرة، وقال مهودر على هامش مؤتمر في دبي إنه تم تخصيص 1.4 مليار دولار سنويا لمشروعات على مدى عامين أو ثلاثة أعوام بدءا من 2014 مضيفا أن المشروعات الجديدة وعددها 50 مشروعا مرتبطة ببناء بنية تحتية للصرف الصحي وشبكة لمياه الشرب النقية من نهري دجلة والفرات، وتابع مهودر ان العراق سيطلب من الشركات التقدم بعروض في 2014 بعدما تكون تلك المشروعات قد اجتازت مرحلة التخطيط بنهاية 2013، وقال إن الحكومة فوضت بالفعل رؤساء البعثات الدبلوماسية لإصدار تأشيرات لرجال الأعمال والمستثمرين في غضون 48 ساعة، وأضاف الوزير أن الحكومة تعرض أيضا تقديم خطابات ضمان ربما يحتاجها المقاولون لاستيراد معدات ولوازم أخرى، وقال مهودر ان وزارته تشرف حاليا على 50 مشروعا على الأقل في مجال البنية التحتية تشارك في معظمها شركات من آسيا والشرق الأوسط على استعداد للمخاطرة مقارنة بالشركات الغربية، وتستثمر في الوقت الحاضر الصين وتركيا وإيران والهند وماليزيا ودولة الامارات العربية المتحدة إضافة إلى بعض الشركات الأوروبية في القطاع. بحسب رويترز.

فيما قال وزير الإعمار والإسكان العراقي محمد الدراجي إن العراق يواجه أزمة إسكان إذ من المتوقع أن يستكمل البلد الذي مزقته الحرب خمسة في المئة فقط من 2.5 مليون وحدة سكنية عليه أن يشيدها بحلول عام 2016 لتلبية الطلب، ويتوقع خبراء أن تصل مساهمة القطاع الخاص إلى أربعة أخماس المباني الجديدة في العراق وأن يأتي الجزء الأكبر من تلك الاستثمارات من الخارج، لكن المستثمرين الأجانب يحجمون عن المشاركة بسبب العوائق البيروقراطية وقلة الخبرة الحكومية في إدارة المشروعات بينما يشكل الوضع الأمني المتدهور مصدرا آخر للقلق، وإضافة إلى ذلك يواجه ملاك المنازل المحتملون صعوبات للحصول على قروض عقارية بفائدة معقولة من البنوك التجارية بينما تعاني برامج التمويل العقاري التي تدعمها الحكومة من نقص مزمن في التمويل قياسا إلى الطلب عليها، وقال الدراجي على هامش مؤتمر في دبي إن العراق يحتاج لبناء 2.5 مليون وحدة سكنية جديدة بنهاية عام 2016، لكنه توقع بناء 130 ألف وحدة فقط بحلول ذلك الوقت منها 30 ألف وحدة تبنيها الحكومة و100 ألف وحدة يبنيها القطاع الخاص، وأضاف الدراجي أن ذلك ما يدفعه للقول بأن هناك أزمة لن يتم حلها بدون استثمارات مباشرة من مستثمرين أجانب، وقال إن المشكلة قائمة منذ 40 عاما ولن تحل في غضون عامين أو ثلاثة، وأظهر تقرير من صندوق النقد الدولي في يوليو تموز أن الاستثمار الأجنبي المباشر في العراق شكل نحو واحد في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في 2012، وقال الدراجي "ما لم نجتذب شركات أجنبية فلن نعرف متى ستنتهي هذه الأزمة".

اضف تعليق