من المحتمل أن تكون أزمة فيروس كورونا قد تسببت في إحداث التغيير المتوقع منذ فترة طويلة في ميزان الطلب على النفط وأن يكون هذا التحول قد أصبح محور التفكير داخل منظمة أوبك، فقد خفضت الجائحة الاستهلاك اليومي من النفط الخام بمقدار الثلث هذا العام...
من المحتمل أن تكون أزمة فيروس كورونا قد تسببت في إحداث التغيير المتوقع منذ فترة طويلة في ميزان الطلب على النفط وأن يكون هذا التحول قد أصبح محور التفكير داخل منظمة أوبك، فقد خفضت الجائحة الاستهلاك اليومي من النفط الخام بمقدار الثلث هذا العام في وقت تعمل فيه زيادة استخدام السيارات الكهربائية والتحول إلى مصادر للطاقة المتجددة على تخفيض التوقعات للطلب على النفط في الأجل الطويل. بحسب رويترز.
ودفع ذلك بعض المسؤولين في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، أقوى نصير للنفط منذ تأسيسها قبل 60 عاما، إلى التساؤل عما إذا كان انهيار الطلب الذي شهده العالم هذا العام يؤذن بتحول دائم وعن أفضل السبل لإدارة الإمدادات إذا كان عصر النفط يقترب من نهايته، قال مصدر بصناعة النفط على صلة وثيقة بأوبك لرويترز ”الناس بدأوا يفيقون على واقع جديد ويحاولون تدبر ما يحدث“، مضيفا أن احتمال ألا يتعافى الاستهلاك بالكامل على الإطلاق ”قائم في أذهان جميع اللاعبين الرئيسيين“.
وحاورت رويترز سبعة من المسؤولين الحاليين والسابقين ومصادر أخرى على صلة بأوبك وطلب أغلب هؤلاء المسؤولين والمصادر عدم نشر أسمائهم، وقال هؤلاء إن الأزمة التي شهدها العام الجاري ودفعت سعر النفط إلى ما دون 16 دولارا للبرميل دفعت منظمة أوبك وأعضاءها الثلاثة عشر إلى إطلاق التساؤلات حول الآراء الراسخة منذ فترة طويلة عن التوقعات الخاصة بنمو الطلب على النفط.
وقبل 12 عاما فحسب كانت دول أوبك تتمتع بسيولة نقدية عالية عندما تجاوز سعر النفط 145 دولارا للبرميل، أما الآن فهي تواجه تحولا جذريا إذا دخل الاستهلاك مرحلة تراجع دائم. وسيتعين على المنظمة أن تكون أكثر إحكاما في إدارتها للتعاون مع المنتجين الآخرين مثل روسيا وذلك لتعظيم الإيرادات المتراجعة. كما سيتعين عليها العمل لضمان عدم تدهور العلاقات داخلها بفعل اندفاع أي طرف للدفاع عن حصته في السوق في ضوء تقلص الطلب دون مراعاة لمصالح بقية الأعضاء.
قال حسن قبازرد مدير البحوث في أوبك من 2006 إلى 2013، والذي يتضمن عمله حاليا تقديم المشورة لصناديق التحوط وبنوك الاستثمار عن سياسة أوبك، ”مهمة أوبك ستكون أصعب في المستقبل بسبب انخفاض الطلب وارتفاع الإنتاج من خارجها“.
وقال مسؤول يعمل في دراسات الطاقة بوزارة النفط بإحدى الدول الكبرى الأعضاء في أوبك إن الصدمات التي واجهها الطلب على النفط في الماضي أدت إلى تغييرات دائمة في سلوك المستهلكين. وأضاف أن من المستبعد أن يختلف الأمر هذه المرة.
وتابع ”الطلب لا يعود إلى مستويات ما قبل الأزمة أو يستغرق حدوث ذلك وقتا. ومبعث القلق الرئيسي هو أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في السنوات القليلة المقبلة بسبب التقدم التكنولوجي السريع لاسيما في بطاريات السيارات“.
وفي العام 2019، استهلك العالم 99.7 مليون برميل من النفط يوميا وكانت أوبك تتوقع أن يرتفع الاستهلاك إلى 101 مليون برميل في اليوم في 2020، غير أن تداعيات الجائحة على المستوى العالمي أدت إلى توقف حركة الطيران والسيارات في الشوارع ودفعت أوبك لتقليص الطلب في 2020 إلى 91 مليون برميل يوميا في حين لا تزال التوقعات تشير إلى أن الطلب في 2021 سيقل عن مستوياته في 2019.
التنبؤ بالذروة
منذ فترة طويلة تحاول الدول المنتجة ومحللو الطاقة وشركات النفط التنبؤ بالموعد الذي سيصل فيه العالم إلى ”الذروة النفطية“، وهي النقطة التي يبدأ بعدها الاستهلاك في الانخفاض بشكل متواصل. غير أن الطلب ظل يرتفع عاما بعد عام باطراد باستثناءات من حين لآخر في فترات الركود الاقتصادي.
ومع ذلك عمدت أوبك إلى تقليص التوقعات. ففي 2007 توقعت أن يصل الطلب العالمي في 2030 إلى 118 مليون برميل يوميا. وبحلول العام الماضي انخفضت توقعات الطلب في 2030 إلى 108.3 مليون برميل في اليوم.
وقال مصدر في أوبك إن من المتوقع أن يتضمن تقرير أوبك لشهر نوفمبر تشرين الثاني المقبل تعديلا آخر بالخفض، وامتنع مسؤولون في أوبك عن التعليق على توقعات الطلب أو السياسة المتعلقة بهذا التقرير. لكن المسؤولين قالوا إن التاريخ يبين قدرة أوبك على التكيف مع التغيرات في السوق، وتتباين توقعات الاستهلاك خارج منظمة أوبك. فقد خفضت شركات النفط توقعاتها لأسعار النفط الخام في الأجل الطويل مع تقلص آفاق الطلب لتقلص بالتالي قيمة أصولها نتيجة لذلك، وتعتقد شركة (دي.إن.في جي.إل) العالمية للاستشارات أن الطلب بلغ ذروته على الأرجح في العام 2019.
وشهدت النسبة المئوية لنصيب النفط من مزيج الطاقة العالمي انكماشا مطردا في العقود الأخيرة إذ تراجعت من نحو 40 في المئة في 1994 إلى 33 في المئة في 2019 وذلك رغم ارتفاع حجم الاستهلاك مع زيادة أعداد السيارات ونمو حركة السفر جوا وصناعة البتروكيماويات التي تزايد إنتاجها من مواد البلاستيك وغيرها.
وربما يكون هذا الوضع بسبيله للتغير الآن مع زيادة إنتاج السيارات الكهربائية والمشاكل التي تواجهها صناعة الطيران للتعافي من تداعيات الجائحة. ولا يتوقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (اياتا) الوصول مرة أخرى إلى مستويات التشغيل لعام 2019 إلا في 2023 على أقرب تقدير، وقال مسؤول ثان في أوبك يشارك في وضع التوقعات ”ما إن تنتعش حركة الطيران بنهاية 2023 سيعود الطلب إلى مستواه الطبيعي بخلاف المنافسة من موارد الطاقة الأخرى“، مسلطا بذلك الضوء على صعوبة وضع التنبؤات وسط اتجاه عالمي لاستخدام المزيد من موارد الطاقة المتجددة وغيرها من أنواع الوقود، وهذا يضع أوبك أمام تحد متزايد. فأغلب أعضاء المنظمة، التي تملك 80 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، يعتمدون اعتمادا كبيرا على النفط، ولا تزال أسعار النفط، المتأرجحة أعلى من 40 دولارا للبرميل، أقل من المستوى الذي تحتاج إليه معظم حكومات الدول الأعضاء لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات بما في ذلك السعودية القائد الفعلي للمنظمة.
ضغوط جديدة
ليست الأزمات بالأمر الغريب على أوبك التي تعد مصدرا لحوالي ثلث الإمدادات العالمية. فقد أدارت الصدمات التي شهدتها الإمدادات خلال حروب الخليج في الثمانينيات والتسعينيات وفي العقد الأول من الألفية الثالثة وتوصلت إلى سبل للتكيف عندما يفتح منتجو النفط غير الأعضاء فيها صنابيرهم، مثلما كان حال صناعة النفط الصخري الأمريكية في العقد الأخير.
وأقرب مثال على ذلك، عندما هوى الطلب بفعل أزمة فيروس كورونا اتفقت أوبك وروسيا وحلفاء آخرون ائتلفوا في مجموعة تُعرف باسم أوبك+ على تنفيذ تخفيضات قياسية في الإنتاج بلغت 9.7 مليون برميل يوميا تعادل عشرة في المئة من الإمدادات العالمية. ويستمر العمل بهذه التخفيضات حتى نهاية يوليو تموز الجاري.
ومع ذلك يبدو أن قادم الأيام سيحمل في طياته اختبارا جديدا لصلابة أوبك. فبدلا من التعامل مع الصدمات الأحادية كل عل حدة سيتعين على أوبك التعايش مع تراجع طويل الأمد، وقال شكيب خليل الذي شغل منصب وزير النفط الجزائري على مدى عقد وكان رئيسا لأوبك مرتين ”هذا الاتجاه سيفرض ضغطا على التعاون بين أعضاء أوبك وكذلك بين أوبك وروسيا مع سعي كل طرف للحفاظ على حصته من السوق“.
وربما تظهر بعض التحديات في الأجل القريب من داخل أوبك إذ أن إيران وفنزويلا الخاضعتين لعقوبات أمريكية تسعيان لزيادة إنتاجهما أو من خلال ارتفاع إنتاج ليبيا المنكوبة بالصراع، وربما تأتي تحديات أخرى من الخارج إذ تحاول المنظمة الحيلولة دون اقتناص إنتاج النفط الصخري الأمريكي حصة من السوق في الوقت الذي تسعى فيه أوبك لتقليص الإنتاج في إطار مساعيها لدعم الأسعار.
وقال مندوب إحدى الدول الأعضاء في أوبك ”تحديات كثيرة في المستقبل وعلينا التكيف“ مضيفا أن إدارة المنظمة للأزمات السابقة أثبتت قدرتها على الاستجابة للتغيرات، وقال قبازرد مدير البحوث السابق في أوبك إن المنظمة ربما يكون أمامها فترة أطول قليلا للتكيف قبل بلوغ الطلب ذروته. لكنه أضاف أن الموعد الذي يتعين على أوبك التكيف فيه يقترب، وتابع ”لا أعتقد أنه (الطلب) سيرتفع عن 110 ملايين برميل يوميا بنهاية الأربعينيات“ مضيفا أن تداعيات جائحة كوفيد-19 غيرت عادات المستهلكين بحيث لن تعود إلى سابق عهدها.
اضف تعليق