الانتكاسة كبيرة لأنه للمرة الأولى، بعد الدعوات إلى التقشف، تتخذ الحكومة إجراءً فعلياً منذ استلامها مقاليد السلطة قبل شهر تقريباً، وإن الخزائن فارغة تقريباً بسبب نقص النقد، ولأنه لا توجد طريقة للحصول على المزيد قريباً، فكانت الفكرة تخفيض جميع الرواتب حتى رواتب الوزراء والنواب...
مثل كل بداية الشهر تسلمت نسرين صالح راتبها التقاعدي. لكن المفاجأة: بمجرد أن قامت بعدّه، تبيّن أنه ينقص حوالى 150 ألف دينار (125 دولار تقريباً)، في أولى خطوات التقشف القسري في العراق، الذي سرعان ما تراجعت عنه السلطات.
والاستقطاعات كبيرة للغاية، سواء بالنسبة للدولة ذات الاقتصاد الراكد أو بالنسبة للعراقيين الذين يعيش واحد من كل خمسة منهم تحت خط الفقر، لدرجة أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أوضح في مؤتمر صحافي طويل أن هذه ليست "تخفيضات في الرواتب بل نقص في السيولة" يجب أن يتم تعويضه قريباً. بحسب فرانس برس.
الانتكاسة كبيرة لأنه للمرة الأولى، بعد الدعوات إلى التقشف، تتخذ الحكومة إجراءً فعلياً منذ استلامها مقاليد السلطة قبل شهر تقريباً، يقول مسؤول حكومي لوكالة فرانس برس إن "الخزائن فارغة تقريباً بسبب نقص النقد، ولأنه لا توجد طريقة للحصول على المزيد قريباً، فكانت الفكرة تخفيض جميع الرواتب حتى رواتب الوزراء والنواب".
أموال منهوبة
لكنه يشير إلى أن الضغط المقابل كان كبيراً من الناس الذين أثر الحجر الصحي بسبب وباء كوفيد-19 بشكل كبير على مداخيلهم، ومن النواب والسياسيين الذي تظاهر الشارع ضدهم قبل فترة، أعلن الكاظمي أخيراً أنه تم الاستقطاع فقط من رواتب 27 في المئة من المتقاعدين، وأن الفرق سيدفع قريباً.
لكن العجز لا يزال قائما، ويتزايد كل شهر بأكثر من أربعة مليارات دولار. وتبقى الرواتب والمعاشات التقاعدية البند الأول للإنفاق الذي يمكن للحكومة أن تستقطع منه، إذ يشكل معظم المبلغ الشهري المخصص لدفع مستحقات موظفي الدولة.
ويعتبر هذا رقماً كبيراً موروثاً من المحسوبية في السلطة التي أنتجها سقوط النظام السابق في العام 2003. فحينها كان عدد موظفي الدولة أقل من مليون، واليوم هناك أربعة ملايين موظف، وأربعة ملايين عراقي آخرين يعتمدون أيضاً على الدولة التي تدفع لهم رواتب تقاعدية أو تعويضات كسجناء سياسيين سابقين، ونازحين سابقين، وصناديق تعويضات أخرى أنشئت بعد إطاحة صدام حسين.
ومع حصول واحد من كل خمسة عراقيين على معونات حكومية، تصبح الفاتورة أثقل على الدولة التي تعتمد في دفع كل نفقاتها على النفط الذي انهارت أسعاره قبل أشهر مع نقص شديد في الطلب عليه.
ولكن عندما قامت السلطات بدفع الرواتب، بعد أول زيارة علنية قام بها الكاظمي بالتحديد إلى هيئة التقاعد، كان السخط جماعياً في بلد خرج لتوه من انتفاضة شعبية غير مسبوقة ضد الفساد والبطالة.
صناديق تعويضات بالجملة
تقول نسرين صالح وهي مدرّسة خدمت أكثر من 30 عاماً "كان يتوجب على الحكومة أن تعيد الأموال المنهوبة منذ العام 2003 من قبل السياسيين واللصوص، لا أن تستقطع من لقمة الفقراء"، وتضيف لفرانس برس "هم يقدرون علينا فقط، لماذا لا يجربون قطع رواتبهم ليشعروا بهذا الإحساس؟".
لعب الكاظمي نفسه ورقة الموقف الشعبي، مع توجيه اتهامات قاسية ضد السياسيين الذين تسلموا مقاليد السلطة منذ العام 2003، وذكر بشكل خاص حالة اللاجئين العراقيين السابقين في رفحاء بالسعودية، وهم عائلات نفيت في عهد صدام حسين، وتعوضها الحكومة برواتب شهرية لكل أفراد العائلة.
ومن جيل إلى جيل، بات عدد هؤلاء اليوم 150 ألف مستفيد من التعويضات التي تبلغ 40 ألف دينار (33 دولار تقريباً) عن كل يوم سجن، إضافة إلى راتب شهري يبلغ مليون ومئتي ألف دينار، رغم أن "بعضهم يعيش في الخارج ولديهم المال" بحسب ما قال الكاظمي.
يقول العاطل عن العمل ياسر الصفار (43 عاما) لفرانس برس "كيف يتم تعويض شخص قضى حياته في أوروبا ولا يعوّض المواطن الذي عاش سنوات الحصار وظلم صدام وسنوات الإرهاب والحرب الأهلية".
مصانع منهوبة وزراعة مهملة
ويتقاضى السجناء السياسيون السابقون، من أيام النظام السابق، والذين يتجاوز عددهم مئتي ألف، راتباً شهرياً قدره مليون ومئتي ألف دينار، وهم يخشون أن يكونوا ضحية سياسة التقشف الجديدة، ما دفعهم إلى التظاهر الأسبوع الحالي في بغداد وجنوب البلاد.
وبالنسبة للعراقيين، هناك نفقات زائدة من جانب المسؤولين. فعلى سبيل المثال، يتقاضى نائب في البرلمان راتباً يتراوح بين ثلاثة وستة آلاف دولار، أي أكثر بعشر مرات من متوسط الراتب العراقي، يضاف إليها نحو 900 دولار بدل تكاليف أمنية.
وإذا أرادت الدولة توفير الأموال للصمود اقتصادياً، عليها تحرير ميزانيات للاستثمار، ففي عهد صدام حسين، كان القطاع العام يوفر فرص عمل لجميع خريجي الجامعات، ولكن في مجال الصناعة والزراعة، وبدعم من الدولة، ما يوفر دخل جزء كبير من السكان، لكن بعد العام 2003، فإن المصانع التي نهبت أو دمرت في الحروب، والحقول التي أهملت بسبب الهجرة الريفية، توقفت عن العمل، أما بالنسبة للخريجين، فهم يعتمدون على الرشاوى للحصول على وظيفة حكومية، من دون حتى التفكير في القطاع الخاص الغائب أصلاً جراء العراقيل والبيروقراطية وضعف القطاع المصرفي، وهيمنة الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة عليه.
اضف تعليق