الاقتصاد الصيني الذي كان أكبر اقتصاد في العالم عام 1820 وبقي كذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر، يقف اليوم في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ويبقى بطبيعة الحال مهما جدا للاقتصاد العالمي، إذ إن أي هزات قد تصيبه ستكون لديها انعكاسات تنتشر إلى دول الكرة الأرضية...
الاقتصاد الصيني الذي كان أكبر اقتصاد في العالم عام 1820 وبقي كذلك حتى نهاية القرن التاسع عشر، يقف اليوم في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ويبقى بطبيعة الحال مهما جدا للاقتصاد العالمي، إذ إن أي هزات قد تصيبه ستكون لديها انعكاسات تنتشر إلى دول الكرة الأرضية، فمنذ عام 2010 الصين هي أكبر مصدر للسلع التجارية وثاني أكبر مستورد لها كما أنها خامس أكبر مصدر وثالث أكبر مستورد للخدمات التجارية.
إضافة إلى ذلك، فإن الصين ثاني أكبر مزود للاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد الولايات المتحدة، حيث شهدت عام 2014 خروج 116 مليار دولار بنمو 15% عن العام الذي سبق، مقابل نمو بـ3% للاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من الولايات المتحدة.
كما تحتل الصين المرتبة الأولى عالميا من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى البلاد والتي بلغت 129 مليار دولار عام 2014، ليس ذلك فحسب وإنما لدى الصين أكبر احتياطيات بالعملة الأجنبية بالغة 3.2 تريليونات دولار، وقد نجحت الصين في رفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بأكثر من 40 ضعفا من 155 دولاراً للفرد عام 1978 إلى نحو 6400 دولاراً عام 2015، لكن مع ذلك يبقى ذلك أقل من المتوسط العالمي في إشارة إلى التطور الإضافي اللازم.
وكما نعلم قامت الصين بتخفيض مستويات الفقر والارتقاء باقتصادها بفضل تحولها إلى مركز تصنيع للعالم، متخصصة بتجميع المنتجات محليا بالاعتماد على اليد العاملة الرخيصة نسبيا وتصدير السلع الرخيصة لجميع الدول، وقد لعب القطاع الخاص دوراً هاما في دعم نمو الاقتصاد الصيني وخلق الوظائف، حيث ساهمت شركات القطاع الخاص بنحو 75% من إجمالي الناتج المحلي الصيني بين 2010 و2012 ويساهم بتسعين في المئة من الصادرات.
لكن الاقتصاد الصيني يواجه تحديات حيث سجل أبطأ نسبة نمو منذ عام 1990 العام الماضي، ونما بستة وسبعة أعشار في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري مقارنة مع مستويات النمو التي فاقت 10% سابقا يأتي ذلك بسبب الحاجة مرة أخرى للتحول من اقتصاد يعتمد على الصادرات الى اقتصاد يعتمد على الاستهلاك.
وهذه خطوة ستكون صعبة نظراً لنسب الادخار المرتفعة جداً والتي تقارب 50% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين هذه النسبة 14% في الولايات المتحدة كما أن مستويات الدين مرتفعة عند نحو 240% بنهاية الربع الأول من هذا العام، وبحلول عام 2030 من المتوقع أن يكون أكبر اقتصاد في العالم بعد أن فقد المرتبة الأولى لنحو 130 عاما.
مرة أخرى الصين رغم التحديات التي تشمل تسهيل الاستهلاك المحلي وتخفيض مستويات والحد من مستويات الدين، إضافة إلى إصلاح الشركات المملوكة للدولة وتحقيق ارتفاع متوازن و صحي في مستويات المعيشة.
توجد الصين في كل مكان في هذه الأيام، يغذيها اقتصاد كبير هو الأسرع نموا في العالم، ويؤثر في حياتنا جميعا، وغدت عبارة "صنع في الصين" متداولة في كل العالم، فالبلاد التي تخيط ثيابا وتصنع أحذيةً وتجمع ألعابا لأطفال العالم أكثر من أي بلد آخر، ارتقت في سُلم التكنولوجيا، فإننا نجد الصين قد صارت أكبر مصنع للأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، تضخ في أسواق العالم كمية رهيبة من أجهزة التليفزيون والهواتف أكبر من أي بلد آخر، ناهيك عن صناعة السيارات بأنواعها، وأجهزة كمبيوتر عالمية تم تصنيعها في الصين.
أسباب نجاح الصين
لا يتجزأ نجاح الصين من إصلاح الكثير من عملية صنع القرار بها، والتي يمكن وصفها بأنها المركزية الديمقراطية الجديدة أو شكل حديث من المركزية الديمقراطية وكانت في الواقع عملية صنع القرار على النمط السوفيتي القديم تهتم أكثر بالمركزية من الديمقراطية، ولكن الصين قد تحسنت ذلك، وأسست مساءلة إجرائية في مركزيتها الديمقراطية.
وفي ظل هذا النظام، وفإن قراراً كبيراً نموذجياً مثل خطة الدولة الخمسية للتنمية يأخذ أكثر من عام من المشاورات المكثفة والتفاعلية في مختلف مستويات الدولة والمجتمع الصينيين، مع العديد من دورات "من الشعب وإلى الشعب، وإلى الشعب من الشعب".
وتتلقى عملية صنع القرار مدخلات من الآلاف من مؤسسات الفكر والرأي ، والوكالات الحكومية، والجامعات، والعلماء البارزين والمحترفين، بما في ذلك مناقشات ساخنة نادرة في وسائل الإعلام الاجتماعية وعلى موقع ويبو للمدونات الصغيرة .
ويعتبر قرار الجلسة الكاملة الثالثة الذي اعتمدته مؤخرا والخاص بتعميق الاصلاحات هو مثال جيد في هذا الصدد وطلبت مجموعة الصياغة التي يرأسها الرئيس شي جين بينغ شخصياً، الآراء من أكثر من 100 مؤسسة في جميع أنحاء البلاد، وتلقت 2500 اقتراح على مدى عام ونصف العام وقُبل نحو 50 في المئة من هذه الاقتراحات وخلال هذه العملية، ذهب جميع كبار القادة السبعة لمناطق مختلفة من الصين لإجراء تحقيقات في التحضير للمداولات بشأن القرار.
ونتيجة لذلك، فإن القرار النهائي يعكس التوافق الواسع للمجتمع الصيني حول العديد من القضايا مثل إصلاح الصحة العامة، وتعديل سياسة الطفل الواحد، تأخير سن التقاعد، وإصلاح القطاع المصرفي، وإصلاح التعليم و إنهاء نظام "الإصلاح من خلال العمل" واتخذت العديد من القرارات بناء على نتائج مشروعات تجريبية .
و"مع وجود درجة عالية من الشرعية في عملية صنع القرار، فليس هناك هناك حاجة في الغالي إلى "بيع" قرارات الدولة ، كما تفعل الولايات المتحدة مع الجمهور" وحالما يتم اتخاذ القرارات في بكين بعد هذه العملية، فإنها عادة ما تكون جاهزة "للدراسة والتنفيذ" أو إلى مزيد من الاختبار في مشاريع تجريبية مختلفة.
وتميل دورات المشاورات ومناقشات السياسيات المؤسسية في عمليات صنع القرار الرئيسية تميل إلى إثارة الكثير من التوقعات العامة على فترات منتظمة، وعادة ما تكون العديد من هذه التوقعات إيجابية أكثر من سلبية، لتحقيق التنمية الاقتصادية وتخلق هذه التوقعات بدورها غالبا طلباً على مدى متوسط إلى طويل وتجذب خطة نموذجية لمدة خمس سنوات في الصين انتباه جزء كبير من المجتمع الصيني، من الشركات الخاصة إلى الشركات المملوكة للدولة إلى المساهمين من الأفراد.
وفي الحقيقة أن قدرة الصين على الحفاظ على معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة أكثر من 9 في المئة على مدى ثلاثة عقود هي جزء لا يتجزأ من هذه الدورات المنتظمة من التوقعات وخلق الطلب التي يمكن التنبؤ بها.
إن الادعاء بأن الصين قد خلقت نموذجاً تنموياً خاصأ بها ليس بعيداً عن الخطأ، وميزة مهمة فيه يمكن أن تسمى "إدارة التنمية"، على النقيض من الإدارة العامة ومن المؤكد أن الخطط الوطنية الخمسية للصين والمؤتمر الاقتصادي السنوي للحزب الشيوعى الصينى هي جزء من إدارة التنمية فى الصين وينطبق الشيء نفسه على العديد من استراتيجيات وخطط التنمية المحلية وقد تقدم الجامعات الصينية ي نهاية المطاف دورات وحتى درجات علمية في إدارة التنمية مثلما أن درجة الإدارة العامة شائعة في كل مكان.
ولكن القضية الصينية قد تكون فريدة من نوعها، حيث إن الدولة الصينية، تحت مفهوم" اقتصاد السوق الاشتراكي"، لا تدير فقط هذه الأدوات الكينزية مثل السياسات المالية والنقدية، ولكن أيضا " أدوات" أخرى قد لا تكون متاحة في بلدان أخرى، مثل الملكية العامة للأراضي والموارد الاستراتيجية فضلا عن القطاع الحكومي الكبير، وتعطي هذه " الأدوات" الدولة الصينية سلطة أكبر.
يقف خلف كل ما سبق الفلسفة الصينية في الحكم، بما في ذلك اثنان من المفاهيم المميزة هما "مين يي" (minyi) و "مينشين" (minxin)، وتشير الأولي إلى "إرادة الشعب" والأخير إلى "مشاعر الشعب" وطرح هذان المفهومان لأول مرة من قبل منسيوس (372-289) قبل الميلاد ويمكن أن تكون إرادة الشعب عابرة وتغيير بين عشية وضحاها، في حين مشاعر الشعب تميل إلى أن تكون مستقرة ودائمة، مما يعكس كل مصالح الأمة على المدى الطويل وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، حتى في ظل الضغوط الشعبية أحيانا النايعة من إردة الشعب فقد ظلت الدولة الصينية تمارس عموما "حكم مينشين" وهذا يسمح للصين باالتخطيط للمدى المتوسط وإلى المدى الطويل وحتى للجيل القادم، بدلا من 100 يوم المقبلة أو الانتخابات المقبلة كما هو الحال في العديد من البلدان الغربية .
ولا تزال الصين تواجه العديد من التحديات المرعبة التي تتراوح من الفساد إلى فجوات الدخل الإقليمية والتدهور البيئي، ولكن الصين هي في الواقع أفضل مما كانت عليه في أي وقت في تاريخها الحديث وتعتبر البلاد الآن أكبر مختبر في العالم للتجريب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وتوجد كل الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن الصين، التي لديها نظام سياسي مُتكيف بشكل مستمر، سوف تصل إلى هدفها المتمثل في أن تصبح أكبر اقتصاد في العالم في غضون عقد من الزمن مع كل الآثار المترتبة على الصين نفسها وبالنسبة لبقية العالم بأسره .
اقتصاد الصين يتخطى الاقتصاد الأمريكي
كشف تقرير حديث صادر عن البنك الدولي أن اقتصاد الصين قد يتخطى الاقتصاد الأمريكي ليصبح الأكبر في العالم أواخر عام 2016، في مؤشر ينذر بتحول القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق.
كان حجم اقتصاد الصين أقل من نصف حجم الاقتصاد الأمريكي في عام 2005، ثم شهدت الصين في السنوات الماضية نموا كبيرا في الاقتصاد بمعدل 10 في المائة وصل النمو إلى 24 في المائة بين عامي 2011 و2014 وهذا التطور الكبير بحسب المحللين الاقتصاديين هو ثمار اعتماد الصين برنامجا اقتصاديا إصلاحيا انفتحت من خلاله على التجارة العالمية أواخر السبعينيات، وقد بلغ متوسط النمو الاقتصادي 9.9 في المائة سنويا من عام 1978 حتى عام 2012.
البرنامج الإصلاحي الصيني أعلنت الصين في عام 1978 فتح الباب أمام التجارة العالمية وحددت اليوان كعملة تجارتها الخارجية، في واحدة من خطواتها الأولى لإصلاح النظام الاقتصادي، والاستفادة من مواردها البشرية الضخمة صنعت الصين كذلك أربع مناطق اقتصادية لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وفي العام 1982 وضعت خطة لست سنوات تهدف لتحقيق النمو في اقتصاد السوق.
بعد بضعة تعثرات، دخلت الصين في منظمة التجارة العالمية، وفتحت أسواق الأسهم للمستثمرين الأجانب وعدلت بنودا في الدستور من أجل حماية الأملاك الخاصة ووقعت على اتفاق تحرير الأسواق مع عشر دول جنوب شرق آسيا، وعملت على تقوية العلاقة الاقتصادية المباشرة مع أمريكا لمواجهة التحديات بعيدة المدى وفي عام 2008 استثمرت الصين 586 مليار دولار في مشروع لدعم البنى التحتية ومجالات عدة مختلفة.
واجتذبت الصين تدفقا مستمرا من الاستثمارات الأجنبية منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، إذ تسابقت الشركات لدخول سوق الدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان الاستثمار في الأيدي العاملة منذ بدايات الثمانينيات جرى تشجيع الصينيين على الاستثمار في مجموعة واسعة من المؤسسات الصغيرة، في حين خففت الحكومة من الرقابة على الأسعار وشجعت الاستثمار الأجنبي. وركزت الصين على التجارة الخارجية بوصفها وسيلة رئيسة للنمو، الأمر الذي أدى إلى إنشاء مناطق اقتصادية خاصة أولا في شينتشين (بالقرب من هونج كونج) ثم في غيرها من المدن الصينية جرت أيضا إعادة هيكلة الشركات غير الكفء المملوكة للدولة من خلال إدخال النظام الغربي في الإدارة بينما أغلقت الشركات غير المربحة، ما أدى إلى خسائر هائلة في الوظائف.
نمو اقتصادي سريع
يرجع النمو السريع في الاقتصاد والصناعة في الصين إلى سياسة الانفتاح على العالم التي بدأت أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عبر إرسال البعثات إلى البلاد الغربية لتعلم الهندسة والاقتصاد وطرق الإدارة الحديثة بغرض التطوير الاقتصادي في البلاد.
وتم الاعتماد على "التقنوقراط" أي الإداريين في حل مشاكل الصين ودفع عجلة التطوير وتشغيل الصينيين، فكان هؤلاء خير نخبة يعتمد عليها في حل المشاكل في الصناعة والتطوير العملي والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي وتحولت المجموعة الحاكمة في الصين من الفئات الحزبية الصرفة إلى مجموعة من الإداريين المتعلمين في الجامعات الغربية، وهذا ما أسهم في تحسين أداء الاقتصاد الصيني وفي تسريع انفتاح الصين على العالم ومنذ التحرير الاقتصادي في عام 1978 نما اقتصاد جمهورية الصين المعتمد على الاستثمار والتصدير، 70 مرة وأصبح أسرع الاقتصادات الكبرى نموا في العالم، ويحتل الاقتصاد الصيني حاليا المرتبة الثانية عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة.
عوامل ساهمت بالنجاح
ويعود نجاح الصين الاقتصادي بشكل أساسي إلى التصنيع منخفض التكلفة ويعزى إلى الأيدي العاملة الرخيصة والبنية التحتية الجيدة ومستوى عال من التكنولوجيا والمهارة الإنتاجية المجتهدة والسياسات الحكومية المواتية، ويضيف البعض السعر المخفض لصرف العملة وتساهم الصين بحصص مرتفعة من الإنتاج العالمي للصناعات الأساسية كصناعات الصلب والألمنيوم، والصناعات التجهيزية والاستهلاكية (في طليعتها صناعة اللعب والنسيج والأحذية) وسجلت الصين تطورا كبيرا في مجال الصناعات العالية التكنولوجيا منها الصناعة الإلكترونية والمعلوماتية ومعدات غزو الفضاء وتتمركز معظم هذه المناطق الصناعية في الواجهة الساحلية الشرقية حيث نجد مدنا رئيسية في مقدمتها شنغهاي، بكين، شانج شيون، تيانحين كوان زو.
وتعد الصين قوة تجارية كبرى، وتحقق فائضا كبيرا في ميزانها التجاري حيث تضاعفت صادراتها أكثر من مرة خلال العقد الأخير وقد بلغ عدد سكان الصين سنة 2014 مليار و366 مليون نسمة أي ما يناهز خمس سكان العالم ويفسر ذلك بالتعمير السكاني القديم وبمعدل التكاثر الطبيعي الذي ظل مرتفعا إلى غاية العقد السادس من القرن الـ 20، ما أتاح وفرة الأيدي العاملة والسوق الاستهلاكية لذا ترتبط قوة الصناعة الصينية بأسس تنظيمية علمية تقنية بشرية وطبيعية، ففي مرحلة البناء الاشتراكي، أممت الدولة الصينية وسائل الإنتاج وضمنها المصانع، وأعطت الأولوية في البداية للصناعات الأساسية والتجهيزية قبل إقرار ما عرف باسم "المشي على قدمين".
ثم نهجت سياسة القفزة الكبرى إلى الأمام التي استهدفت تحقيق الإقلاع الاقتصادي بتعميم الصناعة في المدن والبوادي والاعتماد على الطاقة البشرية وإنجاز الأشغال الكبرى كالسدود وشبكة المواصلات وفي مرحلة الإصلاحات الجديدة والانفتاح على العالم تم إحداث المؤسسات الصناعية الجماعية والمؤسسات المختلطة وتخفيف احتكار الدولة للنشاط الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية بإحداث المناطق الحرة (التي يحصل فيها المستثمرون على تسهيلات إدارية وإعفاءات جمركية وجبائية).
الأولى على مستويات مختلفة وساعد البحث العلمي والتكنولوجي على تقدم الصناعة حيث اهتمت الصين بنشر التعليم وتكييفه مع متطلبات العصر ورفعت من نفقات البحت العلمي والتكنولوجي، ما أثمر عددا ضخما من التقنيين والمهندسين.
كما عملت على تقليد أو شراء براءات الاختراع الأجنبية، وأبرمت اتفاقيات التعاون وتبادل الخبرات في هذا المجال مع الدول المتقدمة وتساهم الصين بحصص مرتفعة من الإنتاج العالمي لمصادر الطاقة كالفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي ولمجموعة من المعادن كالحديد والزنك والرصاص والفوسفات محتلة بذلك المراتب الأولى عالميا.
وتتمركز مناجم الفحم في الصين الشمالية والجنوبية، بينما تتجمع آبار البترول والغاز الطبيعي في الغرب الصيني والصين الشمالية، حيت توجد أيضا مناجم الحديد أما بالنسبة لقوة التجارة الخارجية للصين فيمكن ردها إلى عدة عوامل منها، القدرة التنافسية للمصنوعات الصينية، فضلا عن تنوعها، وتوافر موانئ كبرى وأسطول تجاري ضخم، عدا عن عقد اتفاقيات تجارية مع مختلف دول العالم، وتدفق الاستثمارات الأجنبية على الصين، مقابل تزايد الاستثمارات الصينية في الخارج، وأخيرا وليس آخرا، انضمام الصين إلى المنظمة العالمية للتجارة وإلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
مكان الصدارة
احتلت الصين مكان الصدارة في العالم فعلى سبيل المثال، هي ثاني أكبر منتج للكهرباء وخامس أكبر منتج للنفط ودولة منتجة للغاز الطبيعي سياسات حكومية صائبة والصين هي الاقتصاد الكبير الوحيد الذي من المرجح أن يشهد نموا كبيرا هذا العام، والسبب الرئيسي وراء عدم تباطؤ اقتصاد الصين بقدر تباطؤ الاقتصادات الخمسة الكبرى في العالم هو قدرتها على التدخل الحكومي في الأوقات العادية، فقد حدت من الاستثمارات الأجنبية في القطاع المصرفي وابتعدت عن المبتكرات المالية الجديدة التي تشكل نواة أزمة القروض العالمية الحالية.
أما سبب نجاح النموذج الرأسمالي الصيني الموجه فلطالما حير علماء الاقتصاد، الذين غالبا ما يعتبرون الحكومات غبية والأسواق شديدة الذكاء بشكل فطري في أوقات الأزمات، بإمكان البيروقراطيين الصينيين أن يختاروا من بين الأدوات التقليدية لإدارة الأسواق، مثلما يفعل نظراؤهم الغربيون، ويمكنهم أيضا الاختيار من الأدوات المتوافرة فقط في نظامهم الرأسمالي الموجه، فقد أطلقت جهود إنقاذ اقتصادية شبيهة بتلك التي اعتمدها الغرب، بما فيها خطة ضخمة (بقيمة 600 مليار دولار) لتحفيز الإنفاق الحكومي وتخفيض معدلات الفائدة إلى حد كبير.
انفتاح الصين على الاستثمارات الغربية خلال تطورها الاقتصادي سبق انفتاح اليابان أو كوريا الجنوبية خلال تطورهما، هذا الانفتاح حدث في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان معدل الدخل السنوي لا يتجاوز 760 رينمينبي (500 دولار)، فقد أدرك الرئيس الصيني حينها "دينج" أن التجارة العالمية هي المخرج من الفقر الوطني.
لكنه سمح أيضا للفلاحين بأن يبحثوا عن وظائف في المدن وخلال الأزمة المالية الآسيوية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، متعهدة بجعل أسواقها المحلية أكثر انفتاحا وفي الوقت نفسه، سمحت الحكومة للعمال الذين تم صرفهم من معامل شهدت تخمة في عدد العمال بأن ينشئوا مؤسسات تجارية خاصة بهم وأن يشتروا العقارات السكنية التي تملكها الدولة بأسعار متدنية جدا، ما أدى إلى مجتمع قائم على الملكية بين ليلة وضحاها، ومهد السبيل لنشوء الطبقة الوسطى.
تواصل الصين مسيرتها نحو مزيد من الإصلاحات في قطاعات أساسية من السوق، فيما تعيد فرض سيطرتها على قطاعات أخرى المصارف هي أحد الأهداف الرئيسة للإصلاحات، ولهذه الغاية، لم تعد الصين تكتفي بالمتاجرة بالأسهم التقليدية وأصبحت تعتمد أنواعا جديدة من الأسهم المعقدة، بما فيها صناديق الاستثمار في مؤشرات الأسهم والسندات التجارية وغيرها من أدوات الاستثمار بالديون، وحتى المتاجرة بالعقود الآجلة، مع أنها عقود آجلة بسيطة تتعلق بأسعار النفط، بدلا من المشتقات الائتمانية المعقدة التي أدت إلى انهيار الأسواق الغربية.
إن إدراك القادة الصينيين، حتى في خضم أزمة القروض العالمية، أن أنواعا أكثر تعقيدا من الأسهم يمكن أن تلعب دورا يزيد من الاستقرار هو دلالة على تفكيرهم الاستراتيجي، ومهاراتهم العالية في التعلم من أخطاء الآخرين أما البرنامج الجديد لإصلاح قوانين العقارات فهو أكثر تبصرا، وهو سيتيح للفلاحين الصينيين تأجير أراضيهم للأجانب (بما في ذلك الشركات التجارية) وقدرت شركة "جونز لانج لاسال" الاستشارية المختصة بقطاع العقارات أن إصلاح قوانين العقارات قد يحرر عقارات ريفية بقيمة 2.5 تريليون دولار تقريبا.
اضف تعليق