ماذا يخربنا واقع المسلمين اليوم؟، فالبلاد الإسلامية هنالك الكثير من الموسَّرين والأثرياء، أو القادرين على إقراض المحتاجين، لكنهم لا يُقدِموا على خطوة مساعد المحتاجين وإقراضهم لأنهم يخشون أن لا تعود لهم تلك الأموال، بمعنى إنهم لا يتاسّون برسول الله صلى الله عليه وآله، ولا بأئمة أهل البيت الأطهار...

(لقد رأيت عدّة أشخاص يقترضون لمرّة ثانية لدفع القرض الأول، 

بل ويقترض ثالثاً ليؤدّي القرض الثاني وهكذا)

سماحة المرجع الشيرازي

الأسوة، والإسوة تعني النموذج الناجح والصحيح الذي يتفق كثيرون على أنه الشخصية التي يجب عليهم إتِّباعها في كل شيء، لأنها سوف تجعل منهم أناسا صالحين ناجحين، حيث يتحسّن تفكيرهم وعاداتهم وسلوكهم ويمكن أن يكونوا نموذجا صالحا للآخرين، وبهذه الطريقة يمكن أن يُبنى مجتمعا (نموذجيا) صالحا، وهذا يعود بالمنفعة على الجميع.

رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو مديونا، وأمير المؤمنين عليه السلام كذلك ودّع هذه الحياة وهو مديونا، وسار أئمة أهل البيت على خطى أجدادهم الأطهار عليهم السلام، فقد كانوا يقترضون لكي يُقضوا حاجات المحتاجين، ولا يترددوا من إقراض المحتاج حتى لو لم يملكوا مبلغ الإقراض، فقد كانوا يستدينون من الآخرين لقضاء حاجة المحتاجين.

هذا الفعل النبيل أو الثقافة الإنسانية في مساعدة المحتاجين، لها تأثيرها الكبير والفاعل في نشر وإشاعة ثقافة التعاون والتكافل في المجتمع، لذلك نرى أن جميع المجتمعات المتطورة تمتلك ثقافة التكافل، ولا يتردد الناس فيها عن إقراض الأموال لأناس محتاجين، أما في أمة المسلمين، فيوجد عندهم أسوة أنقذتهم من الفقر وبنت فيهم روح الإيثار، إنه رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي مات وهو مديونا).

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة مساعدة المحتاجين: 

(الأسوة، والإسوة بمعنى الاقتداء والاتّباع لشخص ما، نمضي على غراره ومنواله. فقد يكون الاقتداء حسناً من قول وفعل وتقرير وقد يكون سيّئاً. وكل ما يقوم به رسول الله صلى الله عليه وآله من قول وفعل وتقرير فهو حسن وجميل،‌ وينبغي التعلّم منه والتأسّي به لأنّه أسوة حسنة).

ويضيف سماحته دام ظله:

(لقد رأيت في تراث أهل البيت عليهم السلم، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام امير المؤمنين والإمامين الحسن والحسين عليهم السلام استشهدوا وهم مديونون. وهكذا هناك عدد من الأئمة صلوات الله عليهم. قد استشهدوا وهم مديونون للآخرين).

أهل البيت أسوتنا في مساعدة الآخرين

وقد لوحظ وجود العديد من علمائنا ومراجعنا رحمهم الله، كانوا يتأسون برسول الله صلى الله عليه وآله وبأئمة أهل البيت عليهم السلام في هذا السلوك الإنساني الكبير، حيث كنوا يموتون وهم مديونين للآخرين وفي نفس الوقت كانت مبالغ الإقراض تعود إلى أنا س آخرين، بمعنى أنهم كانوا يقرضون المحتاجين من أموال الدائنين لأنهم لا يمتلكون أموالا.

هذا التصرف أخذوه وتعلّموه من أسوتهم أهل البيت عليهم السلام، وقد ذكرت كتب تراجم العلماء تفاصيل الديون التي كانت عليهم بعد رحيلهم، وقد كانوا رحمهم الله يقرضونها لأناس محتاجين، ولم يفكروا هل سيعود مبلغ الإقراض أما لا يعود، المهم لديهم أن يساعدوا المحتاج الذي لا يملك المال، وربما لا يستطيع الاقتراض إلا من الإنسان الذي يُؤْثِر الآخرين على نفسه.

حيث يقول المرجع الشيرازي دام ظله:

(هناك العديد من علماءنا ومراجعنا الماضيين رضوان الله عليهم كانت لهم هذه الخصلة تأسّياً برسول الله صلى الله عليه وآله، ولذا ذكروا في تاريخهم، وأنا رأيت مجموعة منهم قد قاموا بذلك، أنّ جماعة منهم ماتوا وهم مدينون للآخرين وأحياناً كانت لبعضهم ديون كثيرة. وقد ورد ذكر ذلك في كتب تراجم العلماء، أنّهم استقرضوا للآخرين. فأحيانا ماتوا مدينين).

ولكن ماذا يخربنا واقع المسلمين اليوم؟، فالبلاد الإسلامية هنالك الكثير من الموسَّرين والأثرياء، أو القادرين على إقراض المحتاجين، لكنهم لا يُقدِموا على خطوة مساعد المحتاجين وإقراضهم لأنهم يخشون أن لا تعود لهم تلك الأموال، بمعنى إنهم لا يتاسّون برسول الله صلى الله عليه وآله، ولا بأئمة أهل البيت الأطهار.

مع أن هؤلاء المتمكنين ماليا ليسوا بخلاء، وإنما هم يخشون أن تُعاد إليهم تلك المبالغ، ولكن الإسلام يحث على التكافل والتعاون، فليس الجميع يمتلكون الأموال، وهناك أفراد كثيرون يحتاجون إلى الإقراض والمساعدة كي يعالجوا مشاكلهم المادية، فلماذا يكفّ المسلمون القادرون ماليا عن مساعدتهم وهم بأمسّ الحاجة للمساعدة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(إنّ الواقع الذي نعيشه اليوم في عدد من البلاد الاسلامية هي أنّ الشخص يريد أن يستقرض مبلغا والآخرون لديهم هذا المبلغ لكنّهم لا يقرضونه، لا لبخلٍ، بل لخوفهم أنّهم إذا أقرضوه ربما لا يتمكّن من أداء قرضه. والحال (إنّ النبي صلى الله عليه وآله استقرض للآخرين ويجب اتّباعه في ذلك والتأسّي به، فـ (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). 

المطلوب من جميع المسلمين، إذا كانوا يتأسون بأهل البيت عليهم السلام، أن يبادروا ويتعلّموا ثقافة إقراض المحتاجين، كونها ثقافة أهل البيت عليهم السلام لدرجة أنهم ماتوا مديونين، كما أن هذه الخصلة تساعد على بناء مجتمع متكافل متماسك، وتصب في تدعيم البنية الاجتماعية على نحو يضاهي أو يفوق المجتمعات المتقدمة.

نشر ثقافة التكافل بين الناس

لهذا مهم جدا أن تُشاع هذه الثقافة بين الناس، لأنها تصب في مسارين، الأول الحد أو القضاء على العوز الذي تعاني منه شرائح واسعة في البلاد الإسلامية، والثاني تسود ثقافة التكافل والمساعدة وتزداد العلاقات الاجتماعية قوة ومتانة، وتزول الأحقاد بين الطبقات الاجتماعية، وتنعدم الفجوات الطبقية الفاصلة بينهم.

لذا حتى لو اضطررت كي تقترض لإقراض المحتاج فلا تتردد في القيام بذلك قيد أنملة، لأن أهل البيت بدءا من سول الله صلى الله عليه وآله، وأئمة أهل البيت الأطهار هم من قاموا بهذا العمل، وطالما هم أسوة حسنة للمسلمين، فحريّ بكل مسلم أن يسير بسيرة الأسوة وبما قامت به لغرس ثقافة التكافل في المنهج الحياتي الكلّي للمسلمين.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول:

(من اليوم فصاعداً ليعزم كل واحد منّا من مختلف شرائح المجتمع، أن يقرض المحتاج حتى لو استقرض لشخص آخر. وإن لم يستطع الأداء، فليقترض ثانية من شخص آخر ليسدّد به القرض الأول).

مع العلم إن كل إنسان يقوم بهذا العمل، أي يبادر إلى مساعدة المحتاجين، وإقراض المعوزين، سوف يكون من الوفَّقين في حياته وفي جميع مساعيه الهادفة إلى تعزيز البنية الاجتماعية، وزيادة قوة وفاعلية عملية التكافل المجتمعي، فهذه الثقافة ثبت فعليا تأثيراتها الإيجابية وارتقائها بالمجتمع الذي يتعاون أراده مع بعضهم، الأغنياء مع الفقراء، والأقوياء مع الضعفاء.

ولابد أن نفهم بأن التوفيق الذي يحصل عليه الإنسان المبادر إلى مساعدة المحتاجين، فيه مصاعب ومشاكل، أي أن هذا الطريق لا يخلو من صعوبات ومشقة، ولا يمكن لأي عمل خير لا يواجه المصاعب والمشاق، فكل طريق شاق نتائجه ناجحة وكبيرة.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:

(إذا عزم الانسان على هذا العمل الصالح وفّقه الله تعالى لذلك، وطبعاً لا يعني ذلك التوفيق عدم وجود مشاكل في هذا الطريق، لكنّ الله يختبر عباده من هذا الطريق).

في النهاية نحن نمتلك الأسوة الخالدة، ونطمح أن نكون من المجتمعات الراقية في فكرها وسلوكها الإنساني وفي أخلاقها، لهذا نحن بحاجة ماسة إلى المبادرات الحقيقية الخالصة التي تُسهم بالقضاء على الفقر والعوز، ونحن قادرون على القيام بذلك، لكن بشرط أن نسير فيما سار عليه أسوتنا، نبيّنا صلى الله عليه وآله وأئمتنا عليهم السلام، وعلماؤنا ومراجعنا رحمهم الله وأطال في أعمار الأحياء منهم. 

اضف تعليق