الانتِفاخ المفاجئ لـ الفُقاعة العقارية في العراق بدأ في بغداد مطلَع العام 2021 مدفوعاً بموجة غسيل الأموال التي اقترنت بتفعيل القيود الخارجية على تحويل الأموال المسروقة أو التي تمَ الحصول عليها بوسائل مُريبة وغير مشروعة من العراق إلى دول وملاذات أخرى...

في السنوات الثلاث الأخيرة تحديداً، شهدت المدن الرئيسة في العراق (وخاصّةً العاصمة بغداد) ارتفاعاً هائلاً في أسعار العقارات (أبنيةً وأراضٍ)، بحيث أصبحَ سعر المتر المربّع الواحد يفوقُ سعره في نيويورك وطوكيو ولندن وباريس.

"الانتِفاخ" المفاجئ لـ "الفُقاعة العقارية" في العراق بدأ في بغداد مطلَع العام 2021 مدفوعاً بموجة غسيل الأموال التي اقترنت بتفعيل القيود الخارجية على تحويل الأموال "المسروقة" (أو التي تمَ الحصول عليها بوسائل مُريبة وغير مشروعة) من العراق إلى دول و"ملاذات" أخرى.

وهكذا ظهرت و نَمَت وازدَهرَت "شوارع غسيل الأموال" في أكثر من حيّ من تلك الأحياء المُسمَاة بـ "الراقية" في بغداد، بمطاعمها ومقاهيها ومراكز تسوَقها (وتجميلها) ومحلاَتها الباذخة، وشققها السكنيّة الفاخرة. ولم يقتصر انتشار "الفقاعة العقارية" على تلك الأراضي والمباني الموجودة في الأحياء "الراقيَة" من بغداد، بل امتدّ منها إلى وحدات السكن البسيطة والمتواضِعة في الأحياء الشعبيّة.

ومن بغداد، امتدّ الأثر التراكمي لارتفاع أسعار العقارات، وطارت الفُقاعة العقاريَة في سماء محافظات أخرى، ثمَ هبطت فوق أراضيها ومبانيها، مُخَلَفةً المزيد من هذه الفقاعات على امتداد العراق كُلّه. 

أمَا الموجة الارتداديّة للفقاعة العقارية، فقد بدأت ملامحها بالظهور في عام 2024 بعد إن استنفدت عملية غسيل الأموال (داخليا) زخمها الرئيس من جهة، وبفعل الخوف من عمليات رصد ومُلاحقة الأموال المسروقة، وما تمَ غسيلهُ منها، ومُلاحقة المُستفيدين منها من جهة أخرى (وبالذات بعد انكشاف أمر سرقات كبرى وعمليات نهب مُنظَمة للمال العام، لم يعُد بإمكان أيّة جهة التستُّر عليها، لأسبابٍ وتفاصيلٍ عديدة لا يتسّع المجال لذكرها في هذه الورقة).

ولم تتضخَم الفقاعة العقارية في العراق بفعل الفساد فقط، بل وأيضاً من خلال تقديم "هِبات" و "مِنَح" و"عطايا" حكوميَة سخيَة، وبالذات فيما يتعلَق بتمويل "الاستثمار" في بناء المُجمَعات السكنيَة، وتمكين "المُستثمرين" نتيجة لذلك (ومعظمهم مدعومون ومُرتَبِطون بعلاقات تَخادُم متعدّة الأوجه بقوى سياسية نافذة) من تحقيق أرباح هائلة نتيجةً للمُغالاة في تحديد سعر بيع المتر المُربَع الواحد للوحدات السكنيَة في هذه المُجمَعات.

ويبدو الآن أنَ هذه "الفُقاعة العقاريَة" قد بدأت بالتلاشي (أو هي قابلةٌ للانفجار في أيّة لحظة). فقد بدأت أسعار العقارات بالانخفاض (بفعل زيادة العرض وتراجع الطلب)، وهناك الكثير من العقارات المعروضة للبيع منذ أشهر، دون أن يتقدَمَ أحدٌ لشراءها أصلاً.

وتُعزَز أوضاعُ اللايقين (الاقتصاديَة والسياسية) في العراق هذا الميل نحو انخفاض الطلب. وبالرغم من وفرة المعروض، فإنَ التوقعات المُتشائِمة (القائمة على متابعة "المُشتَرين" لمتغيرات داخلية وخارجيَة تبعثُ على الخوف من تطورَات الأوضاع في المستقبل، وانعكاسها السلبي على العراق) هي من تدفع بسوق العقارات (بل ومختلف أنشطة الاقتصاد و"أسواقه" الأخرى) نحو ركودٍ قد يكون طويل الأجل.

وقد يُجادِلُ البعض بأنَ هذا الطَرحَ مُبالغٌ بهِ، أو غيرُ دقيق.. غير أنَ بديهيَات الاقتصاد تقول أنَّ استمرار الركود في سوقٍ، هي سوقُ فُقاعةٍ أصلاً، سيؤدي إلى انهيارٍ لاحقٍ وكبيرٍ و مفاجئ وسريع، في هذه السوقِ حتماً.

ومع أنّ ركود سوق العقارات في العراق ما يزالُ في بداياته، ولم يتحوَل بعد إلى كسادٍ كامل (بما يعني انفجار فقاعته)، إلاَ أن الكثيرَ من "المُشترينَ – العاديَينَ" قد تضرَروا من تبعات هذا الركود، وانعكاسه السلبي على أسعار العقارات منذ الآن، وبالذات أولئكَ الذين أنفقوا كُلَ مُدَخراتِ حياتهم لشراء الأراضي والوحدات السكنيَة في ذروة ارتفاع أسعار العقارات (تلك الأسعار المُبالَغ بها بإفراط، والتي لم تكن خاضِعةً يوماً لأيَ معيارٍ أو ضابطٍ أو حسابٍ اقتصاديَ سليمٍ ومُنصِف).

نحتاجُ إلى التحسَبَ الحكوميَ لاحتمال حدوث وضعٍ كهذا منذ الآن، وبما يمنع انفجار "الفُقاعة العقاريّة" (التي أسهمت "الدولةُ" العراقيَةُ بشكلٍ أو بآخرَ في صُنعها)، وأن لا نسمحَ بأن يحدث ذلك على نحوٍ مُفاجيءٍ وسريعٍ وغير مُنضَبِط، لكي لا تكونُ العواقبُ وخيمةً على الناسِ والاقتصاد.

اضف تعليق