حتى في غياب إعادة رسملة الاحتياطي الفيدرالي من قِـبَـل الخزانة، فإن الخسائر ومستويات الأسهم السلبية حتى الآن لم تستدع إصدار نقدي إضافي بحجم لا يتسق مع السعي الفعّـال إلى تحقيق هدف التضخم. الواقع أن المبالغ المعنية، والتي تبلغ نحو 95 مليار دولار، تبدو ضئيلة للغاية أمام الميزانية العمومية...
بقلم: ويليام إتش بويتر
نيويورك ــ في الثلاثين من أغسطس/آب 2023، سَـجَّـلَ بيان الحالة الموحد الذي يصدره نظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة رأسمال إجمالي بلغ 42.72 مليار دولار أميركي. كان هذا الرقم ليصبح سلبيا لولا ظهور دين سلبي بقيمة 87.15 مليار دولار، مدفوعة بنحو 95.12 مليار دولار من تحويلات الأرباح الواجبة الدفع لوزارة الخزانة الأميركية. ولكن لا ريب أن هذا الدين السلبي (المعروف بمسمى الأصل المؤجل) يشكل حيلة محاسبية تسمح لبنك الاحتياطي الفيدرالي بتجنب الاضطرار إلى تسجيل إجمالي رأس المال السلبي (الأسهم أو القيمة الصافية) في ميزانيته العمومية.
يَـشْـرَح الاحتياطي الفيدرالي هذا الأصل المؤجل على النحو التالي:
"تُـحَـوِّل بنوك الاحتياطي الفيدرالي صافي الأرباح المتبقية إلى وزارة الخزانة الأميركية بعد التعامل مع تكاليف العمليات، ودفع أرباح الأسهم، والمبلغ اللازم للحفاظ على سقف الفائض المخصص لكل من بنوك الاحتياطي الفيدرالي. تمثل المبالغ الإيجابية التحويلات الأسبوعية التقديرية المستحقة للخزانة الأميركية. وتمثل المبالغ السلبية حالة الأصول المؤجلة التراكمية، المكتسبة أثناء فترة حيث لا يكون الدخل كافيا لتغطية تكلفة العمليات، ودفع أرباح الأسهم، والحفاظ على الفائض. الأصل المؤجل هو مقدار صافي الدخل الذي تحتاج بنوك الاحتياطي الفيدرالي إلى تحقيقه قبل استئناف التحويلات إلى الخزانة الأميركية".
بدون هذا الأصل المؤجل، كان إجمالي رأس المال ليصبح 52.40 مليار دولار بالسالب، وكان الاحتياطي الفيدرالي ليجد نفسه في ذات المنطقة التي يقع فيها البنك التشيكي الوطني، الذي كانت أسهمه سلبية طوال القسم الأعظم من السنوات العشرين الأخيرة، فضلا عن البنوك المركزية في السويد، وشيلي، وإسرائيل، والمكسيك، وأستراليا ــ وجميعها سجلت أسهما سلبية في نهاية عام 2022.
لو اضطرت البنوك المركزية إلى تسويق أصولها ليس فقط عند بيعها بل وأيضا عند إدراج محافظها المتاحة للبيع والمحتفظ بها حتى آجال استحقاقها، فإن خسائر رأس المال على الأوراق المالية والقروض الطويلة الأجل المدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة بعد جائحة كوفيد-19 كانت لتضع أغلب البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة في المنطقة الحمراء.
ولكن لماذا لا يعلن الاحتياطي الفيدرالي عن رأس المال السلبي فحسب؟ في نهاية المطاف، لا أحد يفترض أنه سيكون مُـعـسِـرا بطريقة مبررة (غير قادر على الوفاء بالالتزامات التعاقدية الحالية والمستقبلية). الواقع أن رأس المال السلبي، الذي يُـشار إليه أحيانا بإعسار الميزانية العمومية، لا يعني ضمنا الإعسار المبرر أو إعسار التدفقات النقدية، حيث يصبح من غير الممكن سداد الالتزامات عند استحقاقها. وما دام بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يتحمل التزامات مادية مقومة بعملة أجنبية، فإنه يستطيع دوما طباعة النقود للخروج من متاعب الإعسار، لأنه يحتكر إصدار العطاءات القانونية. لكن حجم سك العملة المطلوب لتجنب الإعسار المبرر قد لا يكون متوافقا مع هدف التضخم.
لا ينبغي لنا أن ننظر إلى إعسار البنوك المركزية المبرر من منظور الميزانية العمومية التقليدية ــ التي تدرج فقط الالتزامات القانونية والتعاقدية كأصول وخصوم ــ بل من حيث الميزانية العمومية الشاملة أو قيود الميزانية المؤقتة. ولا تسجل الميزانية العمومية الشاملة المخزون القائم من ديون البنك المركزي النقدية في خانة الخصوم لأنها كذلك بالاسم فقط.
ورغم أن حاملها ينظر إليها دون شك على أنها أصل، فإن أي كمية بعينها من عملة البنك المركزي لا تعدو كونها مطالبة بذلك المبلغ من عملة البنك المركزي. ويضاف هنا أصل واحد واثنين من الخصوم. يمثل الأصل القيمة المخصومة الحاضرة من صافي سك العملة الحالي والمنتظر في المستقبل، وهذا يعني إصدار البنك المركزي من النقود مطروحا منه أي فائدة مدفوعة على المخزون القائم من أموال البنك المركزي. يتمثل الخصم الرئيسي في القيمة المخصومة الحاضرة لصافي التحويلات المالية الحالية والمنتظرة في المستقبل إلى الخزانة ــ المالك المستفيد من نظام الاحتياطي الفيدرالي. ويتمثل الخصم الثاني في القيمة المخصومة الحاضرة للتكاليف الحاضرة والمنتظرة في المستقبل لإدارة البنك المركزي. وأنا أعتبر هذا حقيقة مسلم بها، وأتجاهل القيمة المخصومة الحاضرة لصافي المدفوعات غير الفوائد للقطاع الخاص ("أموال الهيلوكوبتر" في حال تسييلها).
تسمح "الأصول المؤجلة" لبنك الاحتياطي الفيدرالي بوضع بعض المعايير (الإيجابية) للأسهم التقليدية. ويجري تحييد أي خسائر في الدخل أو رأس المال والتي من شأنها أن تهدد بدفع صافي القيمة الحقيقية إلى ما دون مستوى العتبة من خلال تخفيض مماثل في القيمة المخصومة الحاضرة لصافي مدفوعات التحويل من البنك المركزي إلى الخزانة. إذا كانت هذه الخسائر كبيرة ومستمرة بالقدر الكافي، فقد يسفر هذا عن سلسلة من صافي مدفوعات التحويل السلبية إلى الخزانة، أو حتى قيمة مخصومة حاضرة سلبية لصافي التحويلات الحالية والمنتظرة في المستقبل بالكامل.
يتلخص البديل في زيادة رسوم سك العملات الحالية و/أو المستقبلية، وقد يخلف هذا عواقب سلبية على السياسة النقدية وقدرة الاحتياطي الفيدرالي على ملاحقة تفويضه المزدوج المتمثل في تحقيق القدر الأقصى من تشغيل العمالة واستقرار الأسعار. لكن الاحتياطي الفيدرالي لم يعجب بهذا الخيار.
تُـعَـد هذه الأشكال من مدفوعات التحويل الصافية السلبية من البنك المركزي إلى الخزانة (عندما ينخفض رأسمال البنك المركزي إلى ما دون مستوى عتبة بعينها) جزءا من مذكرة التفاهم ذات الصلة بين بنك إنجلترا وخزانة صاحب الجلالة. لكن إعادة الرسملة ليست جزءا من الإطار التشريعي والتنظيمي الذي يربط بين بنك الاحتياطي الفيدرالي وخزانة الولايات المتحدة. تفترض بنية "الأصول المؤجلة" لدى الاحتياطي الفيدرالي أنها قادرة على تحديد القيمة المخصومة الحاضرة لصافي التحويلات إلى الخزانة على أي مستوى، سواء كان سلبيا أو إيجابيا، حتى برغم أن هذا، بكل وضوح، ليس الواقع السياسي في الولايات المتحدة.
النبأ السار هنا هو أنه حتى في غياب إعادة رسملة الاحتياطي الفيدرالي من قِـبَـل الخزانة، فإن الخسائر ومستويات الأسهم السلبية حتى الآن لم تستدع إصدار نقدي إضافي بحجم لا يتسق مع السعي الفعّـال إلى تحقيق هدف التضخم. الواقع أن المبالغ المعنية، والتي تبلغ نحو 95 مليار دولار، تبدو ضئيلة للغاية أمام الميزانية العمومية التي لا تزال تتجاوز 8 تريليون دولار.
من المنطقي، رغم ذلك، أن تقدم الولايات المتحدة اتفاق إعادة رسملة على الطريقة البريطانية بين بنك الاحتياطي الفيدرالي والخزانة. فهذا من شأنه أن يضمن اضطرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، في حالة استمرار الخسائر في التصاعد، إلى الاختيار بين تجنب الإعسار المبرر والتخلي فعليا عن هدف التضخم.
اضف تعليق