سياسات تحسين سعر صرف العملة الوطنية ليست بالسياسات الشائعة الاستعمال لأنها تؤدي تقويض القدرة التنافسية لصادرات البلد من خلال جعل المستوردات أرخص سعرا من المنتج المحلي، غير ان العراق تقتصر صادراته على النفط الخام ولذلك فاعتماد هذا النوع من السياسات لن يؤثر عليه كثيرا من هذه الزاوية...
ان سياسات تحسين سعر صرف العملة الوطنية ليست بالسياسات الشائعة الاستعمال لأنها تؤدي تقويض القدرة التنافسية لصادرات البلد من خلال جعل المستوردات أرخص سعرا من المنتج المحلي، غير ان العراق تقتصر صادراته على النفط الخام ولذلك فاعتماد هذا النوع من السياسات لن يؤثر عليه كثيرا من هذه الزاوية.
وبهذا الصدد هناك مجموعة من الملاحظات على تخفيض السعر الرسمي للدولار الامريكي مقابل الدينار العراقي من 1450 دينار الى 1300 دينار لكل دولار يمكن تحديد أهمها على النحو الآتي:
1. انخفاض الايرادات الحكومية مقومة بالدينار العراقي بنحو 15 ترليون دينار سنويا (بعد تسديد استيرادات الحكومة ونفقات جولات التراخيص واقساط خدمة الدين الخارجي).
2. ارتفاع عجز موازنة 2023 بنحو 15 ترليون دينار.
3. ارتفاع الدين الداخلي بمقدار 15 ترليون دينار لأن عجز الموازنة سيتم تمويله من الاقتراض الداخلي.
4. زيادة حجم الدين الداخلي مقوم بالدولار الامريكي بأكثر من 5 مليارات دولار وارتفاع اقساط خدمة الدين السنوية بحوالي 1.4 ترليون دينار.
5. ان تغيير سعر الصرف أدى الى زعزعة الاستقرار المالي في العراق والى المضاربات بالعملة الاجنبية وارباك السوق العراقية والى فقدان ثقة المؤسسات المالية الدولية بالسلطة النقدية والمالية في العراق والى التأثير سلبيا على البيئة الاستثمارية في العراق.
6. ان ربط سعر صرف الدينار في بلد يعتمد نظام السعر الثابت بمتغير خارجي وهو سعر برميل النفط الخام الذي يحدد في السوق العالمية والذي يتميز بالتقلب الشديد، يعرّض سعر صرف الدينار لمخاطر شديدة خاصة في حالة الانخفاض الكبير في أسعاره لاسيما وان إيرادات النفط العراقية تشكل اكثر من 90% من الايرادات العامة.
7. ان إعادة سعر صرف الدينار الى ما كان عليه سابقا لن يؤدي الى إعادة أسعار السلع الى ما كانت عليه لان الاسعار تتمتع بمرونة عالية عند الارتفاع لكنها لزجة او ذات مرونة ضعيفة عند الانخفاض، خاصة وان الاسعار لا تتأثر حاليا بانخفاض سعر صرف الدينار وحده وانما بمتغيرات أخرى بعضها مرتبط بالسوق العالمية وسلاسل التوريد وأزمة الطاقة، كما ان ارتفاع حجم الكتلة النقدية من 76.561 ترليون دينار في نهاية عام 2021 الى 87 ترليون دينار في نهاية عام 2022 والتي سترتفع كثيرا هذا العام نتيجة للتوسع الكبير في النفقات العامة في موازنة 2023. وهذا سوف يؤدي الى زيادة حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات وهو ما سيؤدي اما الى منع انخفاض الاسعار او الى زيادة حجم الاستيرادات من جهة، وسيؤدي الى زيادة الطلب على الدولار ما يجعل الفرق كبيرا بين السعر الموازي والسعر الرسمي للدولار، وهو ما يمثل كابحا آخرا يحول دون انخفاض الأسعار، ويفاقم من حالة عدم الاستقرار النقدي والمالي في العراق. ومن ناحية أخرى فان مستوى التخفيض المتوقع في مستوى الاسعار الداخلية الناجم عن تخفيض السعر الرسمي للدينار يعتمد على مدى قدرة الحكومة على تجسير الهوة او تقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي للدينار التي تصل حاليا الى نحو 15%.
8. التعديل الحالي لسعر صرف دولار جاء في وقت غير مناسب من جانبين الاول: التراجع الملحوظ في أسعار النفط العالمية ومن ثم في عائدات النفط العراقية في هذا العام قياسا بعام 2022، اذ حقق العراق عائدات نفطية بلغت 115 مليار دولار وبمتوسط شهري بلغ نحو 9.5 مليار دولار وبمتوسط سعر قدره 95 دولار للبرميل، في حين لم تزد عائدات النفط لشهر كانون الاول الماضي عن 7.5 مليار دولار، والجانب الثاني هو الزيادة الكبيرة في النفقات التشغيلية لموازنة عام 2023 وخاصة في فقرتي الرواتب والرعاية الاجتماعية التي تقترب من مستوى 100 ترليون دينار مما يعني إضافة أعباء مستدامة على الموازنة العامة قد لا تستطيع عائدات النفط تغطيتها وخاصة بعد تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الدينار.
9. ان التغيير المفاجئ والكبير في سعر صرف العملة الوطنية خلال مدة قصيرة من شأنه ان يؤثر عل هيكل الاسعار المحلية والتجارة الداخلية والخارجية والانتاج والاستهلاك والاستثمار والاحتياطي النقدي الاجنبي مما سيؤدي الى التأثير الشديد على استقرار الاقتصاد الكلي في العراق.
10. ان اعتماد سياسة الدولار الرخيص من خلال تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الدينار سيؤدي الى زيادة شراء العراقيين للأصول الخارجية كالشقق والمنازل لأنها ستصبح أرخص بعد خفض سعر الدولار ما يعني المزيد من الاستنزاف احتياطي العملات الاجنبية لدى البنك المركزي.
11. ان السبب الرئيس لإرتفاع مستوى الاسعار الداخلية يرتبط في تنظيم التجارة وليس في ارتفاع الدولار في السوق الموازية، وينبغي قطع الصلة بين أسعار السلع في السوق العراقية وسعر الصرف الموازي من خلال القضاء على الدولرة التي تعني التعامل الداخلي بالدولار بدلا من الدينار، مثال تاجر المفرد يدفع ثمن بضاعته الى تاجر الجملة او المستورد الرئيس بالدولار فيضطر الى شراء الدولار المرتفع من السوق الموازية مما يدفعه الى زيادة اسعار مبيعاته بالدينار ويحصل التضخم. والمفروض ان تاجر الجملة يستورد بضاعته بالسعر الرسمي للدولار ويبيع بضاعته الى تاجر المفرد بالدينار لكي يحوله مرة اخرى عبر النظام المصرفي الى الدولار.
اضف تعليق