q
المخاوف بشأن الصين مشروعة. لكن نظام التعريفة الحالي يجب أن يختفي. فالحمائية التي تضر الشركات الأمريكية وترفع الأسعار أمام المستهلكين غير فعالة، كما أنها ضارة. والأحرى، يجب أن تركز الإدارة جهودها على وقف النقل القسري للتكنولوجيا من الشركات الأمريكية، وقيادة الجهود الجدية متعددة الأطراف لإجبار الصين على الامتثال...
بقلم: مايكل آر سترين

واشنطن العاصمة- في مواجهة ارتفاع الأسعار، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الشهر، أن "محاربة التضخم" هي "أولويته الاقتصادية القصوى". ويَعد بأن إدارته "ستواصل بذل كل ما في وسعها لخفض الأسعار أمام الشعب الأمريكي". وعلى الرغم من تصريحات الالتزام هذه، إلا أن بايدن رفض رفع الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة ترامب على السلع المستوردة من الصين.

إن أسعار المستهلكين تنمو بأسرع معدل لها منذ أربعة عقود. إذ في شهر مايو/أيار فقط، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 1٪، مما جعله أعلى بنسبة 8.6٪ عن مستواه قبل عام واحد. والمشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. إذ على الرغم من أن التضخم الأساسي الذي يستبعد تلك العوامل لا يرتفع بوتيرة سريعة، إلا أنه عند مستوى مرتفع ولا ينخفض، مما يشير إلى أن التضخم راسخ في جميع القطاعات الاقتصادية.

وأدت حزمة إدارة بايدن البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، والتي وافقت عليها في مارس/أذار 2021 إلى تحفيز طلب المستهلكين إلى درجة تتجاوز بكثير القدرة الإنتاجية للاقتصاد، وإلى الارتفاع الحاد الذي شهدته أسعار المستهلك. والآن، تقع مهمة إعادة توجيه الاقتصاد إلى معدل تضخم منخفض ومستقر على عاتق الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى حد كبير.

لقد بذل بايدن جهودًا جديرة بالثناء لضمان أن تكون قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي مستقلة عن التأثير السياسي. ورغم أنه كان بطيئا للغاية في إدراك حجم تحدي التضخم في عام 2021، إلا أنه اعتمد، على الأقل، الخطاب المناسب في الوقت الحالي. ولكن، نظرا لمحدودية الأدوات التي يستخدمها الرئيس لمكافحة التضخم، فلا ينبغي إقصاء أي خيار من طاولة النقاش.

وفي موجز سياسي أصدره معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في مارس/أذار 2022، أفادت تقديرات الاقتصاديين غاري كلايد هوفباور، وميغان هوغان، ويلين وانغ، أن سياسة إلغاء التعريفات الجمركية التي تدخل في إطار الحرب التجارية لترامب من شأنها أن تقلل بصورة مباشرة من تضخم مؤشر أسعار المستهلكين بمقدار 0.3 نقطة مئوية. وبينما تحاول الشركات التنافس في سياق انخفاض الأسعار المحلية وأسعار الواردات، يمكن أن ينمو الانخفاض إلى 1.3 نقطة مئوية على المدى الطويل.

وفضلا عن ذلك، خلُص هوفباور، وهوغان، ووانغ، أن حزمة أوسع من سياسات تحرير التجارة من شأنها أن تنتج تأثيرًا أكبر. وهم يضعون الآن الخطوط العريضة لخطة من شأنها أن تشمل رفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين؛ وإلغاء الرسوم المفروضة على الخشب الكندي؛ وتخفيف القواعد التي تستبعد المنافسين الأجانب من مشتريات الحكومة الأمريكية؛ ووضع حد أقصى للتعريفات على مجموعة من السلع؛ وتوسيع نطاق السلع المعفاة من الرسوم الجمركية المستوردة من البلدان النامية. وستخفض هذه الخطة التعريفات والرسوم والحصص على 610.5 مليار دولار من السلع المستوردة، مما يقلل تضخم مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.5 نقطة مئوية بصورة مباشرة. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يصل الانخفاض إلى نقطتين مئويتين.

وفي مواجهة التضخم الذي بلغ 8.6٪- وهي نسبة قد لا تمثل الذروة- قد لا يبدو الخفض في هذا النطاق إنجازا كبيرا. ولكن نظرا لأن الأسرة النموذجية تنفق شهريا أكثر مما كانت تنفق العام الماضي بزيادة بلغت 460 دولارًا في شراء نفس السلع والخدمات، فحتى الخفض بنسبة ضئيلة سيكون له تأثير على التضخم. وحتى إذا لم يكن للتراجع عن التعريفات الجمركية للحرب التجارية أي تأثير على الإطلاق على التضخم، فسيظل ذلك مفيدًا للاقتصاد. لقد كانت سياسة ترامب الحمائية فاشلة استنادا إلى معاييرها؛ إذ قللت من فرص العمل في التصنيع بدلاً من زيادتها.

وفي ورقة عمل صدرت في كانون الأول/ ديسمبر 2021 بشأن زيادات التعريفة الجمركية الأمريكية في الفترة 2018-19، تفيد تقديرات آرون فلاين، وجوستين بيرس، أن عملية تحويل الصناعة المحلية من التعرض الخفيف نسبيًا للتعريفات (عند النسبة المئوية الخامسة والعشرين) إلى التعرض الشديد نسبيًا (عند النسبة المئوية الخامسة والسبعين) كانت مرتبطة بانخفاض 2.7٪ في العمالة الصناعية. ويُعزى تضاؤل أي فوائد نتجت عن حماية الواردات إلى زيادة تكاليف المدخلات للمنتجين المحليين، وتكاليف العمالة الناجمة عن انتقام البلدان الأخرى.

ومنذ شهور والبيت الأبيض يدرس رفع رسوم ترامب الجمركية، لكنه رفض اتخاذ أي إجراءات بخصوص ذلك. وتزداد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين عدائية؛ ومن المرجح أن الإدارة مترددة في خفض التصعيد من جانب واحد. وقد يكون بايدن قلقًا أيضًا من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف دعمه بين النقابات العمالية (التي غالبا ما تفضل الإجراءات الحمائية).

ولكن، إذا كان بايدن لا يزال متأثرًا بهذه الاعتبارات، فإنه في الواقع لم يجعل مكافحة التضخم "أولويته الاقتصادية القصوى". وينبغي أن يشير البيت الأبيض إلى أنه يتفهم خطورة المشكلة. وهذا يعني تجاوز الهجمات الخطابية والديماغوجية على الاستغلال المفترض لمصافي النفط المحلية، بمعنى أن الأولويات المهمة الأخرى يجب أن تأتي في المرتبة الثانية.

من المؤكد أن المخاوف بشأن الصين مشروعة. لكن نظام التعريفة الحالي يجب أن يختفي. فالحمائية التي تضر الشركات الأمريكية وترفع الأسعار أمام المستهلكين غير فعالة، كما أنها ضارة. والأحرى، يجب أن تركز الإدارة جهودها على وقف النقل القسري للتكنولوجيا من الشركات الأمريكية، وقيادة الجهود الجدية متعددة الأطراف لإجبار الصين على الامتثال للقوانين والأعراف الدولية، واتخاذ خطوات إضافية لتأسيس قيادة اقتصادية أمريكية في منطقة المحيط الهادئ. وعليها أن تزيد من دعمها للبحوث الأساسية، حتى تتمكن الولايات المتحدة من مواصلة التفوق على الصين في مجال الابتكار.

ولا يزال يتعين على بايدن أن يفي بوعده "بفعل كل شيء" يمكنه القيام به لخفض الأسعار. إن سياسة تخفيض التعريفات تشبه الثمار المعلقة؛ فلتقطفها يا سيدي الرئيس.

* مايكل آر سترين هو مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أمريكان إنتربرايز.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق