تتضمن هذه المساهمة تقييم مشروع الانبوب باستخدام منهجية تحليل الكلفة وعلى اساس معدلات استخدام الانبوب قياسا لطاقته التصميمية من جهة وعلى اساس مقارنة كلفة النقل لأغراض التصدير قياسا مع مسارات ومنافذ التصدير الاخرى لأسواق النفط الرئيسية في اوروبا وامريكا وِشرق اسيا. تشير المعالجات والحسابات التي قمت بها...
تداولت وسائل الاعلام قبل مدة تصريح وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة عن موافقة مجلس الوزراء العراقي على اتفاقية إطارية لمشروع مد أنبوب نقل نفط العراق الخام من البصرة إلى ميناء العقبة على البحر الأحمر وقد ابلغه بذلك، هاتفيا، نظيره وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، وان المجلس قد فوضه بإنهاء الإجراءات اللازمة لتوقيع الاتفاقية الاطارية.(1)
لم أجد في الموقع الالكتروني لوزارة النفط العراقية اية اشارة حديثة الى هذه المكالمة الهاتفية ولم يصدر عن المكتب الاعلامي للوزارة اي بيان عن هذا الامر! بعد ذلك اصدرت شركة المشاريع النفطية (التابعة لوزارة النفط) ايضاح مفاده ان المشروع قيد الدراسة والتحليل!!
تتضمن هذه المساهمة تقييم مشروع الانبوب باستخدام منهجية تحليل الكلفة وعلى اساس معدلات استخدام الانبوب قياسا لطاقته التصميمية من جهة وعلى اساس مقارنة كلفة النقل لأغراض التصدير قياسا مع مسارات ومنافذ التصدير الاخرى لأسواق النفط الرئيسية في اوروبا وامريكا وِشرق اسيا.
تشير المعالجات والحسابات التي قمت بها لإعداد هذه المساهمة الى:
1- تتباين كلفة البرميل (واصل للعقبة) بين 5.05 دولار/برميل عند المستوى المضمون (30% من الطاقة التصميمية) و2.08 دولار/برميل عند أفضل حالة ممكنة (80% من الطاقة التصميمية).
2- عند توقف الضخ لأسباب تتعلق بالجانب العراقي، فعلى العراق دفع مبلغ 1.424 مليون دولار يوميا الى المستثمر.
3- في حالة تصدير فائض النفط من العقبة الى الاسواق الاوربية والامريكية من خلال قناة السويس ستزداد الكلفة (على الاقل) عند أفضل حالة ممكنة الى 3.58 دولار/برميل عند التصدير الى الاسواق الاوربية والى 5.18 دولار/برميل عند التصدير الى الاسواق الامريكية. يترتب على ذلك خسائر مادية يتحملها العراق وستشكل معضلة وكابوس تسويقي لشركة تسويق النفط-سومو.
4- الا انه من الممكن ان تتغير هذه الارقام وبشكل مؤثر وذي مغزى في حالة توفر بيانات اضافية ومعلومات تفصيلية دقيقة وشاملة وخاصة ما يتعلق بهيكلية الكلفة ومكوناتها الرئيسية ومدى تغطية الكلفة للجزء من الانبوب الممتد بين البصرة وحديثه.
5- الى جانب حسابات الكلفة والمقارنات التي تم اجراءها، فقد تضمنت هذه المساهمة ذكر، بإيجاز شديد، اهم عشرة قضايا قانونية وتعاقدية ترتبط بالمشروع والتي لابد من الاهتمام بها بأقصى درجات المهنية التخصصية لضمان مصالح العراق.
التعتيم يقود الى تباين المواقف
وافقت جميع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2011 على مقترح مشروع الانبوب وقد وافقت جميع المجالس الوزارية على المشروع وتخويل وزراء النفط المتعاقبين على توقيع الوثيقة المعنية بالأنبوب سواء كانت مذكرة تفاهم او اتفاقية او اتفاقية اطارية او ضمن اللجنة المشتركة العراقية الاردنية.
ولكن لم يتم نشر اي نص موّقع لأية وثيقة تتعلق بالتفاصيل الاساسية للأنبوب، كما لم يتم نشر اي دراسة جدوى فنية اقتصادية او خلاصتها التنفيذية. وهذا يشكل مأخذا على كل من وزارة النفط وعلى الامانة العامة لمجلس الوزراء؛ التعتيم وانعدام الشفافية يقود بالضرورة الى تباين المواقف بشأن الانبوب سواء ضمن الإطار الرسمي او خارجه بين المعنيين والمهنيين والمختصين والمراقبين والسياسيين ووسائل الاعلام وغيرهم.
باختصار شديد ودون ذكر التفاصيل والاسماء فقد برزت الاتجاهات والمواقف التالية بين العراقيين، داخل او خارج العراق، بشأن هذا الانبوب:
الاتجاه المعارض لتنفيذ الانبوب لأسباب عديدة ويدعو الى عدم السير في تنفيذه.
الاتجاه المؤيد لتنفيذ الانبوب لاعتبارات سياسية او جيوسياسية او اقتصادية افتراضية او رغبوية.
الاتجاه الذي يدعو الى زيادة (مضاعفة) طاقة الانبوب فوق ما معلن رسميا.
الاتجاه الذي يخلط بين موضوع الانبوب وموضوع تجهيز العراق للأردن بالنفط الخام بعد خصم كلفة النقل.
الاتجاه في تباين النظرة الى الانبوب ذاته: فمنهم من ينظر اليه كمشروع واحد بمسار واحد وبطاقة تصميمية واحدة من البصرة حتى العقبة، ومنهم من ينظر اليه كمرحلتين الاولى من البصرة حتى حديثة والثانية من حديثة حتى العقبة وبطاقتين تصميميتين مختلفتين، ومنهم من ينظر اليه على اساس الحدود السيادية-داخل العراق وداخل الاردن، ومنهم من ينظر اليه على اساس التمويل والاستثمار كمشروع واحد او مشروع واحد بجزئين... وهكذا.
الجدوى الاقتصادية الفنية لمشروع الانبوب
يعلم المختصون المهنيون ان الجدوى الاقتصادية لأي مشروع ليست عبارات فضفاضة وعمومية او رغبوية او ما يفترض ان يكون عليه الامر. بل هي حسابات وارقام ومتغيرات وافتراضات وحالات ومعادلات ومنهجيات يعبر عنها بنتائج ومؤشرات وتدفقات نقدية لكلف المشروع المختلفة سواء كانت جارية او باحتساب قيمها الحالية طيلة العمر الافتراضي للمشروع.
وعليه تستند دراسة الجدوى الاقتصادية لأنبوب النفط على مجموعة كبيرة من المتغيرات والاعتبارات التي يجب ان تدرس فنيا وهندسيا وتصميميا بشكل دقيق لاختيار أفضل تصميم لمختلف مكونات الانبوب بين البصرة والعقبة.
وكما ذكر اعلاه لم تقدم وزارة النفط طيلة السنوات العشر الماضية اية دراسة جدوى لهذا المشروع ولم تقدم حتى خلاصة تنفيذية لأية دراسة جدوى بهذا الصدد.
ولهذا تباينت المعلومات المنشورة في مختلف المصادر عن الانبوب بشكل كبير جدا مثل: مسارات الانبوب بين البصرة والعقبة؛ عدد محطات الضخ وطاقاتها التشغيلية ومصادر تزويدها بالطاقة؛ تمويل مراحل تنفيذ الانبوب ان كانت عن طريق الاستثمار او التمويل الذاتي؛ الفترة الزمنية للعقد التنفيذي؛ كلفة الانبوب (الرأسمالية والتشغيلية)؛ المتطلبات التعاقدية؛ الضمانات السيادية؛ فترة تنفيذ مد الانبوب؛ الطاقة التصميمية ونسبة استخدمها؛ هيكلية الكلفة وغير ذلك.
مؤشرات وحسابات الكلفة
لتقدير مؤشرات الكلفة سأعتمد على اخر ما صرح به وزير النفط العراقي بتاريخ 1 تموز 2021 والتي تتلخص بما يلي:
أن كلفة إنشاء أنبوب نفط "بصرة – عقبة" ستبلغ نحو 26 ملياراً عن طريق الاستثمار من قبل شركات خاصة، مبيناً أن كلفة المشروع لن تُرَد إلا بعد 50 سنة، بحسب صيغة العقد المقترح لإنشائه. أن "معدل التصدير من خلال الأنبوب سيتراوح ما بين 200 ألف ومليون برميل يومياً"، أن "العراق يرغب بزيادة تصديره إلى خمسة ملايين برميل يومياً". سيأخذ الأردن عن كل برميل 30 سنتاً وأن مصر تستورد 24 مليون برميل سنوياً.(2)
لم يوضح الوزير هيكل الكلفة الكلية البالغة 26 مليار وما هي نسبة المكونات الاساسية الاربعة فيها وهي: التكاليف الرأسمالية؛ التكاليف التشغيلية؛ تكاليف التمويل؛ وعائد الاستثمار للشركات الخاصة المنفذة للأنبوب. وهل ان المليون برميل يوميا هي طاقة تصميمية او تشغيلية/فعلية للأنبوب، وغيرها من المعلومات.
في ضوء بيانات الوزير اعلاه تم احتساب كلفة البرميل الواحد خلال طيلة عمر الانبوب وعلى اساس نسبة الاستخدام الفعلي لطاقة الانبوب التصميمية PAUR؛ حيث يشير التحليل الاقتصادي بانخفاض كلفة البرميل كلما اقتربت الطاقة الفعلية من الطاقة التصميمية والعكس صحيح.
يوضح الشكل التالي حسابات كلفة البرميل بالدولار على اساس نسبة استغلال الطاقة التصميمية للأنبوب.
من هذا الشكل وما تعنيه الحسابات التي تضمنها يترتب ما يلي:
1- ستكون كلفة البرميل بحدود 14.24 دولار عندما تكون نسبة استغلال الطاقة التصميمية للانبوب بحدود 10% فقط. وإذا ما اضفنا رسوم المرور التي تدفع للأردن بواقع 30 سنت للبرميل فستصبح الكلفة بحدود 14.54 دولار؛ وهذه الكلفة غير معقولة وغير محتملة لأنه من غير الواقعي افتراض تشغيل الانبوب بعشر طاقته التصميمية لمدة خمسين عاما.
2- على الطرف الاقصى المقابل ستنخفض كلفة البرميل الى حوالي 1.42 دولار ومع رسوم المرور الى 1.72 دولار عند تشغيل الانبوب بكامل طاقته القصوى التصميمية. ومع ان هذه الكلفة تبقى مرتفعة وغير تنافسية بالتحليل المقارن، كما سنرى ادناه، فأنها تبقى غير ممكنة وغير محتملة لأنه من غير الممكن فنيا وتشغيليا وغير محتمل اقتصاديا ان يستمر تشغيل الانبوب بطاقته التصميمية لمدة خمسين عاما دون توقف!!!
3- تشير المعلومات الرسمية الى ان احتياجات مصفى الزرقاء في الاردن تكون بحدود 150 ألف برميل يوميا (أبي) وان مصر ستستورد 24 مليون برميل سنويا. وعلى افتراض التزام كل من الاردن ومصر باستدامة هذا الطلب طيلة فترة تشغيل الانبوب فان هذا يشكل الحد المضمون لتشغيل الانبوب وهو بواقع 215.7 ابي؛ وهذا، ربما، الاساس الذي اعتمده وزير النفط العراقي عند قوله بتراوح تشغيل الانبوب بين 200 ابي ومليون برميل يوميا. عند هذا الحد المضمون لتشغيل الانبوب تكون كلفة البرميل بحدود 6.6 دولار ومع رسوم المرور تصبح الكلفة بحدود 6.9 دولار.
ان هذه الكلفة مرتفعة وغير مقبولة وغير اقتصادية. يضاف الى ذلك وجود شكوك اردنية لابد من الاشارة اليها حول مدى استخدام مصفى الزرقاء لنوعية النفط العراقي. فحسب تصريحات وزير الطاقة الاردني الاسبق، علاء البطاينه، انه بسبب المحتوى الكبريتي للنفط العراقي لا يستطيع مصفى الزرقاء ان يأخذ أكثر من 10% من النفط العراقي المجهز.(3) هذا البعد او المتغير النوعي يفرض نفسه بقوة مما يحتم اخذه بنظر الاعتبار عند احتساب احتمالات استغلال الطاقة التصميمية للأنبوب وبالتالي كلفة البرميل. وينطبق الامر كذلك على مدى التزام مصر كميا ونوعيا لاستلام النفط العراقي طيلة الخمسين سنة المعتمدة لعمر المشروع.
4- في ضوء المتغيرات اعلاه ووجود حالة اللايقين فان أفضل حالة افتراضية، لأغراض التحليل المقارن، هي استخدام الانبوب بمعدل 80% من طاقته التصميمية طيلة عمر المشروع. وفي هذه الحالة الافتراضية الافضل تكون كلفة البرميل بحدود 2.08 دولار بضمنها رسوم المرور. ولكن كون هذه الحالة تعني ان كمية النفط المنقول تفوق ضعفي الحد المضمون، مما يتطلب تصدير تلك الكمية الفائضة البالغة 584 أبي. يترتب على تصدير هذه الكمية كلف اضافية لتغطية نفقات التحميل في ميناء العقبة ورسوم مرور قناة السويس وكلف الشحن بين ميناء العقبة وموانئ التفريغ في اوروبا او شمال افريقيا او الاسواق الامريكية، وسأقوم بتقدير هذه الكلف الاضافية ادناه؛
5- في حالة توقف تشغيل الانبوب لأسباب او لقرار من قبل الجانب العراقي فعلى العراق دفع 1.424 مليون دولار يوميا للمستثمر. ومن الجدير بالذكر ان احتمالية توقف تشغيل الانبوب واردة للغاية لمشروع عمره التعاقدي خمسون عاما. وعليه يتوقع، بل يجب، على الجانب العراقي توخي الحذر الشديد عند صياغة العقد وخاصة ما يتعلق بالمواد المتعلقة بالقوة القاهرة ومسؤولية المشغل او المستثمر والتوقفات التي تحدث لأسباب تتعلق بالجانب الاردني والمصري وغيرها مما ليس للعراق دور فيها. وفي نفس الوقت يجب حماية حقوق العراق وتعويض ما يلحق بالعراق من اضرار مادية ومالية عند توقف تشغيل الانبوب لأسباب خارج مساهمة او سيطرة العراق.
مقارنة تكاليف نقل البرميل الى الاسواق الرئيسية
تتضح اهمية وجدوى هذا الانبوب من خلال مقارنة تكاليف النقل بين هذا الانبوب وتكاليف النقل البحري انطلاقا من موانئ التصدير العراقية في البصرة الى الاسواق الرئيسية في اوروبا والامريكيتين من خلال قناة السويس والى الاسواق الاسيوية من خلال المحيط الهندي. اي ان الجدوى المعتمدة لتقييم الانبوب لا تعتمد على اساس حسابات التدفقات النقدية لكل من الكلف والعوائد طيلة عمر الانبوب وصافي القيمة الحالية لتلك التدفقات، بل على مقارنة التكاليف مع مسارات التصدير الاخرى.
توفر وثيقة او دراسة "الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة 2013-2030"(4) التي أعدها الاستشاري "بوز وكوBooz &Co " تقديرات كلف نقل البرميل من البصرة الى الاسواق الرئيسية من خلال اربعة مسارات: الاول من خلال ميناء جيهان التركي الى كل من الاسواق الاوربية والامريكيتين؛ والثاني من خلال قناة السويس الى كل من الاسواق الاوربية والامريكيتين؛ والثالث من خلال رأس الرجاء الصالح – جنوب افريقيا الى الامريكيتين؛ والرابع شرقا من خلال بحر العرب-المحيط الهندي باتجاه الاسواق الاسيوية.
ومع الاسف لم تتضمن تلك الوثيقة اي تقدير لكلف النقل من خلال انبوب البصرة-العقبة رغم انها اشارت الى الانبوب بشكل موجز.
المقارنة التالية تعتمد على ما ورد في تلك الوثيقة على قدر تعلق الامر بالمسار الثاني والمسار الرابع ومقارنتهما بتقديراتي لكلف النقل لأنبوب البصرة-العقبة وفق الحسابات والمنهجية التي اوضحتها اعلاه.
جدول رقم (1)
تكاليف نقل البرميل من موانئ البصرة الى الاسواق الرئيسية
تشير الارقام اعلاه ومقارنتها وبشكل واضح لا يحتاج الى مزيد من الشرح الى ارتفاع كلفة البرميل بموجب هذا الانبوب لأغراض التصدير الى الاسواق النفطية الرئيسية حتى مع أفضل حالة افتراضية تكون فيها الطاقة التشغيلية الفعلية 80% من الطاقة التصميمية للأنبوب طيلة عمره الاقتصادي.
يضاف الى ما تقدم لابد من التنبيه الى والتأكيد على بعض الجوانب الكمية والنوعية المهمة عند المقارنة مع مسارات التصدير للأسواق الثلاثة.
1- تكون الكمية المتاحة للتصدير من ميناء العقبة عند أفضل حالة افتراضية لتشغيل الانبوب بحدود 584292 برميل يوميا. وقد يكون من الممكن استخدم ناقلات النفط بهذا الحجم للتصدير الى اسواق البحر الابيض المتوسط ولكن تصبح كلفة نقل البرميل (التحميل من ميناء العقبة ورسوم المرور في قناة السويس واجور الناقلة من ميناء التحميل الى ميناء التفريغ) اعلى مما تم اعتماده وذلك لاعتبارات اقتصاديات الشحن البحري حيث تكون كلفة البرميل منخفضة عند استخدام النقلات العملاقة – أكثر من ملونين برميل-وترتفع كلما كانت سعة الناقلة اقل من ذلك.
2- اما اذا كان التصدير الى الاسواق الامريكية فتكون حمولة الناقلة مليون برميل كحد ادنى لاعتبارات كلفة النقل لهذه المسافات البعيدة. وهذا يعني ضرورة توفير طاقات تحميل وخزن في ميناء العقبة أكثر بكثير من مليون برميل. كذلك لابد من التأكد من ان غاطس الميناء يسمح بدخول وتحميل وخروج ناقلة نفط بسعة مليون برميل. كل هذه الاعتبارات تقود الى احتمالية ان تكون كلفة النقل من ميناء العقبة اعلى مما تم اعتماده في الحسابات أعلاه.
3- لاعتبارات تتعلق بنوعية نفوط البصرة واقتصاديات النقل البحري والاهمية النسبية للأسواق الدولية لنفط البصرة نرى تزايد متواصل في حصة الاسواق الاسيوية لتصبح في عام 2018 بحدود 67% من اجمالي صادرا ت نفوط البصرة. ويرتبط ويترتب على ذلك ان الفروقات السعرية لصالح العراق في تلك الاسواق كانت، في عام 2018، بفارق 4.31 دولار للبرميل مقارنة مع اسعار التصدير الى الاسواق الامريكية وبفارق 2.93 دولار للبرميل مقارنة مع اسعار التصدير الى الاسواق الاوربية.(5) وإذا ما اضفنا هذه الفروقات السعرية الى تكاليف نقل البرميل من ميناء العقبة الى الاسواق الاوربية والامريكية يصبح تبرير مد هذا الانبوب مكلف وغير مبرر اقتصاديا.
الجوانب القانونية والتعاقدية
يتطلب تنفيذ هذا الانبوب وتشغيله طيلة عمره الافتراضي التوقيع على العديد من الوثائق والاتفاقيات والعقود بعضها سيادي الطابع وبعضها تمويلي وبعضها تشغيلي. ولكن، وكما هي الحال في موضوع الكلفة الكلية، لم يتم رسميا ذكر جميع هذه الوثائق ولا تفصيلاتها ولا الشروط التي ترتبط بها ولا المستلزمات التي يجب توفيرها. ولذا أجد من الضروري ادراج بعضها مع ايجاز مقتضب جدا عن كل منها.
1- وثيقة اطارية سيادية: على كل من العراق والاردن (وكذلك مصر ابتداءً او لاحقا) توقيع وثيقة بين حكومتيهما تتعلق بالأنبوب، وهذه الوثيقة تشكل الاساس السيادي للمشروع. تكون الوثيقة على شكل "مذكرة تفاهم" او "اتفاقية دولية" او موثقة في "محظر اجتماعات رسمي" او غير ذلك. ولكن لاعتبارات قانونية وعملية ولطول مدة المشروع يفضل ان تكون الوثيقة بشكل "اتفاقية دولية-ثنائية او ثلاثية الاطراف". وفي هذه الحالة لابد من موافقة الجهات التشريعية في الدول المتعاقدة على هذه الاتفاقية كي تدخل حيز التنفيذ.
2- العقد التنفيذي الاستثماري: بما ان تنفيذ العقد سيكون على اساس "بوتBOOT-" فلابد من توخي شديد الحذر عند مناقشة والمفاوضة على شروط وضوابط وجميع فقرات العقد التنفيذي وكل الملاحق الخاصة به. واتوقع ان تكون تفاصيل العقد التنفيذي الاستثماري معقدة وصعبة وطويلة وقد يلجأ الطرف الاستثماري (ومستشاريه) الى اعتماد صياغات لغوية تفسر في الغالب لصالح المستثمر. وبسبب طول مدة عمر المشروع فانه من المتوقع ان يتحوط المستثمر مما يقود الى تضخيم الكلف (الكلفة الرأسمالية وكلفة التمويل ومردود الاستثمار)؛ وهذا ربما ما يفسر ضخامة كلفة المشروع البالغة 26 مليار دولار وهذا ما يبرر ضرورة تفصيل مكونات هذه الكلفة المرتفعة!
3- الضمانات السيادية المالية: من المحتمل جدا او المؤكد الطلب من وزارة المالية العراقية تقديم ضمان، نيابة عن الحكومة العراقية، تسديد المستحقات المالية المترتبة على الجانب العراقي (بغض النظر عن الجهة العراقية المتعاقدة).
4- ضمانات تحويل المستحقات: من المحتمل جدا او المؤكد الطلب من البنك المركزي العراقي تقديم تعهد لضمان، نيابة عن الحكومة العراقية، تحويل المستحقات المالية المترتبة على الجانب العراقي (بغض النظر عن الجهة العراقية المتعاقدة).
5- تعهدات سومو: الطلب من سومو تقديم تعهد بتوفير النفط الخام حسب الطاقة التصميمية للأنبوب-كحد اعلى.
6- التعهد بتوفير الطاقة اللازمة لتنفيذ وتشغيل الانبوب: الطلب من وزارة الكهرباء (في حالة تشغيل محطات الضخ بالطاقة الكهربائية) او شركتي غاز الجنوب والوسط (في حالة تشغيل محطات الضخ بالغاز) او شركتي مصافي الجنوب والوسط (في حالة تشغيل محطات الضخ بالمنتجات النفطية) تقديم هكذا تعهدات.
7- اتفاقيات دعم الصادرات: تنفيذ المشروع يتطلب، حسب ما بينه الاستشاري(6)، الاستفادة من تسهيلات انظمة تمويل ودعم الصادرات المعمول به ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). للاستفادة من هذه التسهيلات لابد من عقد اتفاق مع المؤسسة او الوكالة الرسمية المعنية في الدولة المصدرة من جهة والجهة/الجهات العراقية المعنية؛ وهذا ما كنا نقوم به في عقد الثمانينات من القرن الماضي. كذلك تتضمن قوانين الموازنة للسنوات الاخيرة فقرات تتعلق بتسديد مستحقات الى او تقديم تسهيلات من قبل تلك الجهات الدولية المعنية.
8- اتفاقية التمويل المصرفية: بسبب ضخامة كلفة الانبوب والمدة الزمنية الطويلة لتسديد تلك الكلفة لابد من توفير التمويل المطلوب طيلة تلك المدة. ولا يمكن او من غير المتوقع ان تقوم مؤسسة واحدة او مصرف واحد من تحمل اعباء هكذا كلفة ولهذه المدة الطويلة. التجربة العملية تشير الى احتمالية تأليف تحالف مصرفي يضم العديد من البنوك الدولية بقيادة بنك دولي معروف من الدرجة الاولى. يتم التفاوض مع الجانب العراقي المعني للتوصل الى ما يطلق عليه "اتفاقية قرض اوربيةELA " وهذه الاتفاقية تكون عادة طويلة وتفصيلية ومعقدة ومكلفة وتتطلب العديد من الضمانات السيادية والتأكيدات الرسمية وكم هائل من البيانات والاحصائيات الحكومية.
9- تأكيدات قانونية من وزارة العدل: وفي الغالب يتم الطلب من وزارة العدل العراقية تأكيد قانونية ودستورية ما يقدم من ضمانات وتأكيدات وصلاحيات عقد الاتفاقيات والتخويل بتوقيعها... وما الى ذلك. ومن الجدير بالذكر ان معظم المتطلبات المذكورة اعلاه يطلبها المستثمرون والشركات والبنوك الاوربية والغربية، ولكنها تكون بمستوى اقل في حالة الشركات الصينية او الروسية.
10- الضمانات الامنية: من المحتمل جدا او المؤكد الطلب من الجهات الامنية العراقية تقديم الضمانات، نيابة عن الحكومة العراقية، لحماية الانبوب والعاملين عليه.
شبهة فساد تتعلق باستشاري المشروع
بين النائب يوسف الكلابي وزملاءه باللجنة الفرعية للجنة النزاهة النيابية بان الشركة الاستشارية الكندية SNC -Lavalin حكم عليها بالفساد بكندا لتقديم رشا في ليبيا والجزائر لكبار المسؤولين الحكوميين بالبلدين مما ادى لاستقالة وزيرين بحكومة كندا السابقة في حينه. وجاء بين النائب بعد احالة وزارة النفط، في شهر ايلول ٢٠١٩، العقد الاستشاري المالي والاشراف على التنفيذ على تلك الشركة ومديرها غسان ابراهيم اسحق اشقر (بسبب ارتباطاته بالأردن حسب تصريح النائب الكلابي).(7)
لم ترد وزارة النفط على هذه التهمة ولا امتلك اية معلومات حول موضوع الفساد، علما ان الشركة الكندية الاستشارية المذكورة قد اعدت دراسة عن الانبوب في عام 2012. (8)
ايضاح شركة المشاريع النفطية-سكوب(9)
اصدرت الشركة بتاريخ 19 كانون ثاني الحالي ايضاح حول الانبوب ردا على ما تداول في وسائل الاعلام العراقية. الايضاح، مع شديد الاسف، كان متشنجا اتهاميا وتهديديا لا مبرر له ويتنافى مع ابسط متطلبات الشفافية!!
ولكن اهم ما ورد في الايضاحات الخمسة ان المشروع لازال "قيد الدراسة والتحليل" وان "الكلفة التخمينية للمشروع لا تتجاوز (9) تسعة مليار دولار".
ومع ذلك لم توضح الشركة هيكل ومكونات هذه الكلفة التخمينية فهل هي الكلفة الرأسمالية فقط ام انها تتضمن الكلفة التشغيلية وكلفة التمويل وكلفة عائد المستثمر. واغلب الضن ان مبلغ 9 مليار دولار يتعلق بالكلفة الرأسمالية فقط.
كذلك لم توضح الشركة هل تشمل هذه الكلفة التخمينية كامل كلفة جزء الانبوب بين البصرة وحديثة ام لا، علما ان طاقة هذا الجزء تبلغ 2.25 مليون برميل يوميا. وبسبب هذا التباين الكبير جدا في طاقة هذا الجزء من الانبوب فان الضرورة تحتم تجزئة الكلفة لان هذا يؤثر بشكل كبير وفاعل على التقييم الاقتصادي لكامل الانبوب من البصرة الى العقبة.
لمعلومات المعنيين في شركة المشاريع النفطية فانا اتابع هذا المشروع منذ بداياته الاولى في منتصف عقد ثمانينيات القرن الماضي وعندي عنه قاعدة بيانات ومعلومات جيدة تحدث باستمرار. وخلال عملي كرئيس خبراء في مجلس الوزراء لغاية مغادرتي في تموز 1988 فقد كنت ضمن فرق العمل التي اوكلت اليها مهمات تقييم المشاريع المهمة ومن ضمنها تلك التي تولتها الشركة في حينه ومنها مشروع توسيع انبوب النفط العراقي التركي وتمويله بقرض من شركة الاستثمارات النفطية (ابيكورب) التابعة لمنظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط (أوابك) ومشروع انبوب النفط العراقي خلال الاراضي السعودية (إبسا) الى ميناء ينبع على البحر الاحمر ومشروع مصفى الدهون في بيجي وغيرها.
ملاحظات ختامية
اود القول ان الحسابات التي تضمنتها هذه المداخلة قد استندت على المعلومات والبيانات التي اشير اليها خلال العرض وخاصة ما يتعلق بالكلفة الكلية وطاقة الانبوب والفترة الزمنية لاستراد كافة الكلف وحاجة كل من الاردن ومصر. جميع هذه المتغيرات وغيرها من المتغيرات المؤثرة والتي لم تذكر تحتاج الى تفصيل أكثر ومن جهة رسمية كي يتم اجراء تقييم اقتصادي أكثر شمولية وأدق تحليليا. اي ان توفير المعلومات ونوعيتها وتفصيلها تحدد الى مستوى كبير نتائج الحسابات وما يبنى عليها من راي. وهنا لابد ان أأكد على امرين اساسيين:
الاول؛ يتعلق بمنهجية تقييم الانبوب حيث انها تقتصر ويجب ان تقتصر على موضوع الكلفة حصرا وبالتحليل المقارن مع البدائل الفنية لتنفيذ المشروع ذاته من جهة ومع كلف التصدير في بدائل/ مسارات التصدير من جهة ثانية.
لا يصح استخدام منهجية التقييم على اساس التدفقات النقدية (الكلف والعوائد) ومؤشرات معدل المردود الداخلي. والسبب يعود الى ان تدفقات العوائد يعتمد الى حد كبير جدا على اسعار النفط أكثر من اعتماده على كلفة الانبوب وكفاءة تشغيله. تحليليا، يكون هذا الانبوب مجدٍ اقتصاديا سواء كانت اسعار النفط 10 او 100 دولار للبرميل؛ الفرق، ان العوائد الصافية تكون اقل عند الاسعار الواطئة وأكثر عند الاسعار العالية. وهنا مكمن خطورة، او تضليل، منهجية تحليل العوائد الصافية؛ لأنها تغطي على هيكلية وتضخيم كلفة المشروع وتسمح، تبعا لذلك، بخلق مجالا واسعا للفساد ولتحقيق عوائد عالية للمستثمر على حساب المصلحة الوطنية الاقتصادي.
الثاني؛ يتعلق بتفاصيل هيكلية الكلفة لان لهذه الهيكلية تأثير كبير ومباشر على نتائج التقييم الاقتصادي. وفي هذ المجال أأكد على مسالتين اساسيتين: الاولى؛ تفصيل الكلفة الكلية للأنبوب على اساسا المكونات الاربعة التالية: الكلفة الرأسمالية؛ الكلفة التشغيلية؛ كلفة التمويل؛ كلفة عائد الاستثمار. يوجد تباين الكبير فيما ورد عن مختلف المصادر الرسمية والاعلامية عن مبلغ كلفة الانبوب حيث تراوحت بين 5 مليار دولار الى 26 مليار دولار. اغلب الضن ان تباين الكلفة يعكس التباين في هيكلية او مضامين تلك الكلفة: الكلفة التي تقل عن 9 مليار دولار تتضمن الكلفة الرأسمالية للأنبوب فقط، والكلفة التي تزيد على ذلك لغاية 26 مليار فإنها تتضمن تقديرات كل الكلف. اما المسالة الثانية فتتعلق بتكاليف الانبوب الممتد من البصرة الى حديثة وهل تدخل كلفته ضمن الكلفة الكلية لكامل الانبوب او يتم معالجتها على انفراد.
وعليه لابد من توضيح هذه المسالة لان لها تأثير كبير وواضح على حسابات كلفة الانبوب من جهة، وهل يدخل هذا الجزء من الانبوب في العقد الاستثماري او ينفذ مباشرة من قبل شركة المشاريع النفطية من جهة ثانية.
واخيرا، بما ان ايضاح شركة المشاريع النفطية الاخير حول الانبوب يؤكد ان "المشروع مازال قيد الدراسة والتحليل"، لذا ادعو كل من وزارة النفط وشركة المشاريع النفطية الى:
1- اخذ ما ورد في هذه المداخلة بعين الاعتبار وبكل جدية لان مشروع الانبوب في ضوء المعطيات المتاحة مكلف اقتصاديا، وقد يحمل العراق اعباء مالية كبيرة ويحتمل ان يشكل معضلة تسويقية وكابوس لشركة تسويق النفط-سومو.
2- ضرورة توفير مسودات العقد والاتفاقية الاطارية والشروط المتعلقة بالتمويل وعوائد المستثمر وغيرها من الوثائق وذلك لغرض دراستها وابداء الراي المتخصص بشأنها.
اضف تعليق