سجلت أسعار السلع الأساسية، وتكاليف النقل الدولي، والأسهم، وعملة البيتكوين، ارتفاعات حادة، وانخفضت قيمة الدولار بشكل كبير. وقد تكون هذه بوادر لارتفاع أسعار المستهلك في منطقة الدولار. وفي ظل ترابط معدلات التضخم الشديد على المستوى الدولي، فإن ارتفاع التضخم في منطقة الدولار من شأنه أن يعجل بنمو الأسعار...
بقلم: أكسل ويبر
زيوريخ ــ تشير التوقعات الحالية من جانب العديد من البنوك، والبنوك المركزية، وغير ذلك من المؤسسات، إلى أن التضخم لن يمثل مشكلة في المستقبل المنظور. على سبيل المثال، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يظل التضخم العالمي مكبوحا حتى نهاية أفق توقعاته في عام 2025. ولكن هل من الممكن أن يفيق أولئك الذين صدقوا هذه التوقعات على صدمة عنيفة؟
لطالما اشتهرت النماذج الاقتصادية بالافتقار إلى الدقة في التنبؤ بالتضخم بدرجة مزعجة، ثم زادت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) التحدي تعقيدا على تعقيد. في حين يعاير المتنبئون الاقتصاديون نماذجهم بالاستعانة بالبيانات من السنوات الخمسين الأخيرة لتفسير الاتجاهات الاقتصادية والتنبؤ بها، فإن الظروف الاقتصادية اليوم ليس لها سابقة في تلك الفترة. وعلى هذا فإن توقعات التضخم المنخفضة اليوم لا تضمن بقاء التضخم منخفضا بالفعل.
حتى بدون أي ضغوط تضخمية إضافية، سترتفع معدلات التضخم المسجلة بشكل كبير في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021. يتوقع بنك UBS أن يرتفع التضخم على أساس سنوي إلى أكثر من 3% في الولايات المتحدة ونحو 2% في منطقة اليورو، بحلول مايو/أيار، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى القاعدة المنخفضة في النصف الأول من عام 2020، عندما بدأت عمليات الإغلاق المرتبطة بالجائحة. وعلى هذا فإن المعدل الأعلى لا يشير إلى ارتفاع الضغوط التضخمية، وإن كانت أي زيادة فوق هذه المستويات ستشكل علامة تحذير.
يزعم كثيرون أن أزمة كوفيد-19 انكماشية، لأن تدابير التخفيف من العواقب التي خلفتها الجائحة أثرت على الطلب الكلي بشكل سلبي أكثر من تأثيرها على العرض الكلي. في الأشهر الأولى من الأزمة، كانت هذه هي الحال إلى حد كبير: ففي إبريل/نيسان 2020 على سبيل المثال، هبطت أسعار النفط نحو الصِـفر أو حتى دونه.
لكن نظرة فاحصة على العرض والطلب تكشف عن صورة أكثر دقة. على وجه الخصوص، تسببت الجائحة في تحويل الطلب من الخدمات إلى السلع، التي أصبح بعضها أكثر تكلفة بسبب اختناقات الإنتاج والنقل.
بالحسابات الحالية لأسعار المستهلك، يُـعَـوَّض عن ارتفاع أسعار السلع جزئيا بانخفاض أسعار الخدمات مثل السفر جوا. ولكن في واقع الأمر، تعني القيود المرتبطة بالجائحة أن استهلاك العديد من الخدمات انخفض بشكل حاد؛ على سبيل المثال، انخفضت أعداد الناس الذين يسافرون جوا الآن. وبالتالي، أصبحت سلال الاستهلاك الفعلي أكثر تكلفة من السلة التي تستخدمها السلطات الإحصائية لحساب التضخم. لذا، فإن معدلات التضخم الحقيقية غالبا ما تكون حاليا أعلى من الأرقام الرسمية، كما أكدت التقارير.
بمجرد أن ترفع الحكومات القيود المفروضة على التنقل، فقد يزداد تضخم الخدمات أيضا إذا كانت القدرة الاستيعابية المتقلصة ــ نتيجة الإغلاق الدائم للمطاعم والفنادق، على سبيل المثال، أو الاستغناء عن العاملين في شركات الطيران ــ غير كافية لتلبية الطلب.
وقد يفرض التوسع المالي والنقدي غير المسبوق في الاستجابة لأزمة كوفيد-19 خطر تضخم أعظم. وفقا لتقديرات بنك UBS، بلغ إجمالي العجز الحكومي 11% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهذا أكثر من ثلاثة أضعاف المتوسط في السنوات العشر السابقة. كما ازدادت ميزانيات البنوك المركزية العمومية بشكل أكبر في العام الماضي، بنحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وعلى هذا فقد جرى تمويل العجز الحكومي في عام 2020 بشكل مباشر عن طريق إصدار أموال جديدة. لكن هذا لن ينجح إلا إذا كان العدد الكافي من المدخرين والمستثمرين على استعداد للاحتفاظ بالمال والسندات الحكومية بأسعار فائدة صِـفرية أو سلبية. وإذا تسببت الشكوك حول سلامة هذه الاستثمارات في استحثاث المدخرين والمستثمرين على التحول إلى أصول أخرى، فسوف تضعف عملات البلدان المتأثرة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستهلك.
كانت النوبات السابقة من الديون الحكومية المفرطة تنتهي دائما تقريبا إلى ارتفاع التضخم. وقد ينشأ التضخم الناجم عن فقدان الثقة بسرعة وفي بعض الحالات في وقت يتسم بالبطالة الجزئية، دون أن يسبق ذلك دوامة هابطة في الأجور والأسعار.
على الرغم من أن السياسة النقدية التوسعية بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008 لم تؤد إلى زيادة التضخم، فإن هذا لا يضمن أن يظل نمو الأسعار منخفضا هذه المرة. بعد عام 2008، تدفقت السيولة المنشأة حديثا بشكل أساسي إلى الأسواق المالية. لكن التوسع الحالي في ميزانيات البنوك المركزية العمومية يعمل على توليد تدفقات مالية ضخمة إلى الاقتصاد الحقيقي، من خلال عجز مالي قياسي ونمو ائتماني سريع في العديد من البلدان. علاوة على ذلك، كانت استجابة السياسة النقدية للجائحة أسرع وأكبر كثيرا من نظيرتها في الأزمة السابقة.
تُـعد التحولات الديموغرافية، وزيادة تدابير الحماية، والزيادة الفعلية من جانب الاحتياطي الفيدرالي في العام الماضي لهدف التضخم البالغ 2% بين عوامل أخرى ربما تؤدي إلى ارتفاع التضخم في الأمد الأبعد. ورغم أن هذه العوامل البنيوية من غير المرجح أن تؤدي إلى زيادة في نمو الأسعار في الأمد القريب، فإنها تظل قادرة على تسهيل هذه الزيادة.
وقد يخلف أي ارتفاع حاد في التضخم عواقب وخيمة. ولاحتواء هذا الخطر، يتعين على البنوك المركزية أن ترفع أسعار الفائدة، وقد يخلق هذا مشاكل متعلقة بالتمويل للحكومات والشركات والأسر المثقلة بالديون. تاريخيا، كانت البنوك المركزية غير قادرة في الأغلب الأعم على مقاومة الضغوط من جانب الحكومات من أجل تمويل مستدام للميزانية. وكان هذا يؤدي غالبا إلى معدلات تضخم مرتفعة للغاية، مصحوبة بخسائر ضخمة في القيمة الحقيقية لأغلب فئات الأصول، فضلا عن اضطرابات سياسية واجتماعية.
في الأشهر الأخيرة، سجلت أسعار السلع الأساسية، وتكاليف النقل الدولي، والأسهم، وعملة البيتكوين، ارتفاعات حادة، وانخفضت قيمة الدولار الأميركي بشكل كبير. وقد تكون هذه بوادر لارتفاع أسعار المستهلك في منطقة الدولار. وفي ظل ترابط معدلات التضخم الشديد على المستوى الدولي، فإن ارتفاع التضخم في منطقة الدولار من شأنه أن يعجل بنمو الأسعار في مختلف أنحاء العالم.
يستخف كثيرون بخطر ارتفاع التضخم، ولا تفعل التنبؤات المتفائلة القائمة على النماذج أي شيء للتخفيف من مخاوفي. ولا ينبغي لصناع السياسات النقدية والمالية، وكذلك المدخرين والمستثمرين، أن يسمحوا لأنفسهم بالوقوع في الخطأ. في عام 2014، توقع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق ألان جرينسبان أن يرتفع التضخم في نهاية المطاف، واصفا ميزانية بنك الاحتياطي الفيدرالي العمومية بأنها "كومة من المواد السريعة الالتهاب". وقد تكون الجائحة الصاعقة التي تشعلها.
اضف تعليق