جائحة مرض فيروس كورونا والانخفاض الحادّ في أسعار النفط، وفي حجم الإنتاج النفطي فاقمت مواطن الضعف في الاقتصاد العراقي. ومن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لهذا العام بنسبة 11 في المئة في خضمّ الاتّساع الحادّ في الاختلالات المالية والخارجية. ثمّة حاجةٌ إلى تثبيت حزمة شاملة...
جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، والانخفاض الحادّ في أسعار النفط، وفي حجم الإنتاج النفطي فاقمت مواطن الضعف في الاقتصاد العراقي. ومن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لهذا العام بنسبة 11 في المئة في خضمّ الاتّساع الحادّ في الاختلالات المالية والخارجية.
ثمّة حاجةٌ إلى تثبيت حزمة شاملة من السياسات الاقتصادية القريبة المدى ضمن استراتيجية مالية جديرة بالثقة للتّغلّب على الأزمة الصحية، وضمان الاستقرار الاقتصادي، وحماية الفئات الأكثر عرضه للمخاطر.
تحقيق النمو الدائم والشامل في خضمّ التّحدّيات الهائلة سيتطلب إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، تستهدف تعزيز المالية العامة، وتحسين الحوكمة الرشيدة، وإصلاح قطاع الكهرباء، وتعزيز تنمية القطاع الخاص، وضمان استقرار القطاع المالي.
فقد أتمّ فريق من خبراء صندوق النقد الدولي، بقيادة توخير ميرزويف، بعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2020 مع السلطات العراقية، التي امتدت من 11 نوفمبر / تشرين الثاني وحتى 10 ديسمبر / كانون الأول، وعقدت جلساتها عبر منصات إلكترونية.
وفي نهاية البعثة، أدلى السيد ميرزويف بالبيان التالي:
"فاقمت تبعات جائحة فيروس كوفيد-19، والانخفاض الحادّ في أسعار النفط وفي حجم الإنتاج النفطي مواطن الضعف في الاقتصاد العراقي. ومن المتوقع أن ينخفض نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي الى -11 في المئة في العام 2020، وذلك يعكس الانكماش في حجم الإنتاج النفطي، وتعطُّل النشاط الاقتصادي غير النفطي. ومن المتوقّع أن يؤدى الانخفاض الحاد في الإيرادات النفطية الى زيادة العجز في المالية العامة والحساب الجاري الخارجي إلى 20 و 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي.
"إجراء إعادة معايرة حاسمة للسياسات الاقتصادية القريبة المدى سيكون له أهمية بالغة في ضمان استقرار الاقتصاد الكلي، وحماية الفئات الأكثر عرضه للمخاطر. إنّ التّغلب على الأزمة الصحية هو الأولوية القصوى. وسوف تحتاج المرحلة التالية من الجائحة إلى موارد مالية إضافية - تشمل الحصول على لقاح فعّال وتوزيعه على نطاق واسع، مدعومة بإطار قوي للحوكمة الرشيدة. وسيكون لوضع حزمة سياسات شاملة، تهدف إلى خفض الاختلالات المالية والخارجية، أهمية بالغة في تخفيف القيود المالية، وضمان استدامة الدين، مع المحافظة في الوقت ذاته على الاحتياطيات الدولية.
وفي هذا السياق، يجب أن تستهدف الجهود المالية في موازنة العام 2021 المجالات الأساسية لمواطن الضعف في المالية العامة، وبصورة خاصة إيقاف التوسع غير المستدام في فاتورة الرواتب والأجور وفاتورة التقاعد، وخفض الدعم الذي لا يؤدي إلى ترشيد الطاقة، وزيادة الإيرادات غير النفطية. وستحظى حماية الأكثر عرضه للمخاطر بأهمية قصوى، وهذه الحماية تتطلب تعزيز التحويلات النقدية لهم بدرجة كبيرة، وتوسيع نطاق التغطية بها، إلى جانب تحسين استهداف الأجزاء الأخرى من شبكة الأمان الاجتماعي.
"سوف يحتاج تحقيق النمو الدائم والشامل على المدى المتوسط، في خضمّ التحديات الهائلة ومواطن الضعف، إلى الاستمرار في تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة النطاق. ويجب أن تستهدف هذه الإصلاحات تعزيز الأموال العامة للتمكين من تلبية الاحتياجات الصحية واحتياجات الإنفاق الاجتماعي البالغة الأهمية، وإصلاح قطاع الكهرباء، ومكافحة الفساد، وتوسيع نطاق القدرات المؤسسية. ويعمل عدم التيقن من آفاق سوق النفط على المدى المتوسط، والنمو القوي للسكان على زيادة الحاجة الملحّة للنهوض ببرنامج الإصلاح.
"سيعمل التعزيز المستمر للمالية العامة، على المدى المتوسط، على إيجاد الحيز المالي (مساحة الإنفاق من المالية العامة) الذي تشتدّ الحاجة إليه لأغراض التنمية والحماية الاجتماعية. وسيعزّز إجراء إصلاح شامل في نظام الخدمة المدنية فعَّالية القطاع العام، في الوقت الذي سيقلّص فيه التكاليف المالية.
وهناك حاجة إلى إعادة معايرة نظام التقاعد لضمان استدامته. وإن وقف استمرار الخسائر المالية المتصاعدة لقطاع الكهرباء، وإصلاح هذا القطاع سوف يعزّز توفير الخدمات، ويضمن استمرارية وسلامة الوضع المالي للقطاع. كذلك فإن إجراء إصلاح شامل للسياسات والإدارة الضريبية والجمركية سيساعد في تنويع الإيرادات المالية. ويجب أن تقترن هذه الجهود بإدخال تحسينات على إدارة المالية العامة، لتقليص المخاطر المالية الناشئة من الضمانات الحكومية، والالتزامات الطارئة الأخرى.
"معالجة مواطن الضعف في نظام الحوكمة والحد من الفساد ستكون عوامل حيوية للتنمية الاقتصادية للعراق مستقبلاً. كما أن التبسيط واستخدام التكنولوجية الرقمية وممارسة مستوى أكبر من الشفافية في الخدمات العامة الأساسية وفي المؤسسات، سيخفّض مخاطر الفساد، وبخاصة في نظام المشتريات العامة.
وإلى جانب ذلك، فإن تعزيز عمليات التدقيق والمراجعة، وتحسين الأطر القانونية والتنظيمية بما يتوافق مع المعايير والاتفاقيات الدولية، وتوسيع نطاق القدرات اللازمة للرقابة المستندة إلى المخاطر، وإنفاذ متطلبات الامتثال لقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، سوف تساعد جميعها على تعزيز ثقة الجمهور والمستثمرين.
"إن وضع استراتيجية حاسمة لإصلاح المصارف الكبيرة المملوكة للدولة، وتحقيق تكافؤ الفرص في القطاع المالي سوف يمكّن من تنمية القطاع الخاص، ويؤمّن الاستقرار المالي. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعزيز الرقابة على طرق حوكمة هذه المصارف، وممارسة الرقابة المعزّزة عليها، سيتطلب إجراء عملية تدقيق دولية للمصارف الكبيرة المملوكة للدولة، لإثراء الخيارات المتاحة لإعادة هيكلتها.
"لقد تبادل فريق خبراء الصندوق الآراء مع كبار المسؤولين في البنك المركزي العراقي، ووزارة المالية، وأعضاء اللجنة المالية البرلمانية، وكذلك مع وزارات وجهات حكومية أخرى، وممثلين عن المجتمع المدني.
ويود فريق خبراء صندوق النقد الدولي أن يشكر السلطات العراقية على المباحثات الصريحة والمثمرة التي أجرتها معها طوال مدة البعثة."
رقابة الصندوق
من مسؤوليات الصندوق الأساسية الإشراف على النظام النقدي الدولي ومتابعة السياسات الاقتصادية والمالية في بلدانه الأعضاء البالغ عددها 190 بلدا، وهو نشاط يعرف باسم "الرقابة". وفي سياق هذه العملية التي تتم على المستويين العالمي والإقليمي وكذلك على مستوى البلدان المنفردة، يرصد الصندوق المخاطر المحتملة التي يمكن أن تهدد الاستقرار، ويوصي بما يلزم من تعديلات ملائمة في السياسات للحفاظ على النمو الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي.
ما السبب في أهمية المتابعة التي يقوم بها الصندوق؟
المتابعة الدقيقة التي يقوم بها الصندوق أمر ضروري لتحديد المخاطر التي تهدد الاستقرار والنمو والتي قد تتطلب تعديلات علاجية في السياسات. وبالإضافة إلى ذلك، يشكل التعاون الدولي في هذه الجهود مطلبا ضروريا في الاقتصاد العالمي الذي أصبح يتسم بالترابط، حيث يمكن أن تؤثر مشكلات أو سياسات البلد الواحد على كثير من البلدان الأخرى. ويمكن تيسير هذا التعاون من خلال عضوية الصندوق التي تضم كل بلدان العالم إلا قليل. وتشمل المتابعة التي يقوم بها الصندوق الرقابة الثنائية التي تركز على البلدان الأعضاء المنفردة والرقابة متعددة الأطراف أو الإشراف على الاقتصاد العالمي.
التشاور مع البلدان الأعضاء
عادة ما تنطوي متابعة الصندوق على زيارات سنوية للبلدان الأعضاء يعقد فيها خبراؤه مناقشات مع المسؤولين في الحكومات والبنوك المركزية حول آفاق الاقتصاد والسياسات الاقتصادية الكلية. وتركز هذه المناقشات على سعر الصرف والسياسات النقدية وسياسات المالية العامة والسياسات المالية-الكلية، بالإضافة إلى الإصلاحات الهيكلية الحاسمة بالنسبة للاقتصاد الكلي. ويسعى خبراء الصندوق إلى الالتقاء بأطراف معنية أخرى، ومنها أعضاء الهيئات التشريعية وممثلو القطاع المالي وقطاع الأعمال، والاتحادات العمالية والمجتمع المدني. وتؤدي هذه المناقشات مع قطاع واسع من المجموعة المعنية إلى تقييمات أفضل للسياسات الاقتصادية وآفاق الاقتصاد المتوقعة في البلد العضو.
وعند استكمال خبراء الصندوق لعملية التقييم، يقدمون تقريرا إلى المجلس التنفيذي لمناقشته. ثم تُنقَل آراء المجلس بشأن التقرير إلى سلطات البلد العضو ختاماً لعملية تعرف باسم مشاورات المادة الرابعة. وبالنسبة لمعظم البلدان، يصدر بيان صحفي يلخص تقرير خبراء الصندوق إلى جانب آراء المجلس التنفيذي، كما يُنشر تقرير الخبراء.
الإشراف العالمي
ويقوم الصندوق أيضا برصد وتحليل الاتجاهات الاقتصادية السائدة إقليميا وعالميا ويصدر تقارير دورية حول هذه الاتجاهات السائدة. ويتضمن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي عرضا لتحليلات خبراء الصندوق الاقتصاديين بشأن تطورات الاقتصاد العاملي على المديين القصير والمتوسط، ويتناول الموضوعات ذات الاهتمام العاجل على صعيد السياسات ويناقش التداعيات العالمية التي يمكن أن تنشأ عن السياسات الاقتصادية الكلية للاقتصادات الكبرى التي تحتل مكانة محورية على مستوى العالم. وفي تقرير الاستقرار المالي العالمي، يتم تقييم أسواق رأس المال العالمية والاختلالات ومواطن الضعف المالية التي تفرض مخاطر محتملة على الاستقرار المالي. أما تقرير الراصد المالي فيقدم تحديثا لتوقعات المالية العامة على المدى المتوسط وتقييما للتطورات التي تطرأ على الموارد العامة. كذلك ينشر الصندوق تقارير عن آفاق الاقتصاد الإقليمي تقدم تحليلا مفصلا لمناطق العالم الأساسية.
ويحرص الصندوق على التعاون الوثيق مع مجموعات أخرى، منها مجموعة العشرين للاقتصادات الصناعية واقتصادات الأسواق الصاعدة والتي يعمل منذ عام 2009 على مساندة جهودها للحفاظ على التعاون الاقتصادي الدولي عن طريق عملية التقييم المتبادل بين أعضائها. وفي هذا السياق، يحلل الصندوق السياسات المتبعة في البلدان الأعضاء لتحديد مدى اتساقها مع هدف تحقيق نمو عالمي مستمر ومتوازن. وفي تقارير القطاع الخارجي، يتم تحليل وتقييم المراكز الخارجية لتسعة وعشرين اقتصادا من اقتصادات العالم الكبرى، إلى جانب منطقة اليورو. ويتضمن التحليل تقييما منتظما للحسابات الجارية وأسعار الصرف والمراكز الخارجية للميزانيات العمومية والتدفقات الرأسمالية والاحتياطيات الدولية. كذلك يعد الصندوق مرتين سنويا جدول أعمال السياسات العالمية الذي يجمع فيه أهم النتائج والمشورة بشأن السياسات من تقارير متعددة الأطراف ويقترح للصندوق وبلدانه الأعضاء جدول أعمال مستقبلي للسياسات.
تطويع رقابة الصندوق للتحديات العالمية المتطورة
ويجري الصندوق مراجعات دورية لأنشطته المتعلقة بالرقابة والمتابعة بما يساعد على التكيف مع تغيرات الاقتصاد العالمي. وفي مراجعة الرقابة المقررة كل ثلاث سنوات والتي أجريت في عام 2014، تم تعزيز التقدم في العمل الرقابي بعد الأزمة المالية العالمية. وكانت مراجعة 2011 قد ركزت على الرقابة متعددة الأطراف، تعبيرا عن زيادة الوعي بانعكاسات الترابط المالي عبر البلدان، مما أرسى الأساس للقرار المعني بالرقابة الموحدة لعام 2012 والذي ركز على الاستقرار الداخلي واستقرار ميزان المدفوعات في البلدان الأعضاء، إلى جانب الاستقرار النظامي. وفي سبتمبر 2012، اعتمد المجلس التنفيذي استراتيجية الرقابة المالية التي تقترح خطوات ملموسة لتعزيز أنشطة المتابعة التي يزاولها الصندوق. وقد أدت هذه الإصلاحات مجتمعة إلى إصلاح شامل لأدوات الرقابة وتحديث للإطار القانوني. وجاءت مراجعة الرقابة المقررة كل ثلاث سنوات في 2014 لتدعم هذه الإصلاحات، وتقر بأن الرقابة ينبغي أن تظل قابلة للتكيف مع التطورات، وتؤكد مبدأ الانتقائية فيما يمكن تقديمه من مشورة.
وركزت التوصيات الصادرة عقب مراجعة 2014 على مساعدة البلدان في تجاوز التحديات التي أعقبت الأزمة المالية العالمية. وكان من أهم الأولويات في هذا الصدد تنقيح الرقابة من خلال تطويع المشورة بصورة أفضل حسب مزيج السياسات المالية والنقدية والخارجية والهيكلية، استنادا إلى تجارب البلدان المختلفة وبدعم من منهج أكثر تركيزا على احتياجات العميل. وتم تحديد خمس أولويات تشغيلية للفترة 2014-2019، وهي المخاطر والتحديات؛ والرقابة الاقتصادية الكلية/المالية؛ والمشورة بشأن السياسات الهيكلية؛ والمشورة المترابطة والمتخصصة بشأن السياسات؛ والمنهج الذي يركز على احتياجات العميل.
وتحدد السيدة مدير عام الصندوق في خطة العمل التي وضعتها لتعزيز الرقابة الإجراءات العملية اللازمة للمُضي قُدُما في كل هذه المجالات ذات الأولوية. ومن خلال مراجعة 2018 المرحلية القادمة لأعمال الرقابة، سيتم رصد الوضع الراهن فيما يتعلق بجدول أعمال الرقابة، لتحديد ما حققه الصندوق من تقدم في تنفيذه والخطوات التالية لتنفيذ الأولويات القائمة. ومن المقرر إجراء مراجعة شاملة للرقبة في عام 2019.
اضف تعليق