رغم التعافي النسبي الذي شهدته اسعار النفط نتيجة بدء سريان اتفاق اوبك+ بتقليص تدفق النفط صوب الاسواق العالمية، الا ان تداعيات الاغلاق الكبير المترتب على تزايد الاصابات بفيروس كورنا عرقل استقرار اسواق النفط طيلة الاسابيع الماضية. توجد وفــرة من الاسباب التي تدعم فرضية ارتفاع اسعار النفط...

رغم التعافي النسبي الذي شهدته اسعار النفط منذ ايار (مايو) الماضي، نتيجة بدء سريان اتفاق "اوبك+" بتقليص تدفق النفط الخام صوب الاسواق العالمية، الا ان تداعيات "الاغلاق الكبير" المترتب على تزايد الاصابات بفيروس كورنا وبلوغها حاجز (20) مليون اصابة حول العالم عرقل استقرار اسواق النفط طيلة الاسابيع الماضية. مع ذلك، توجد وفــرة من الاسباب التي تدعم فرضية ارتفاع اسعار النفط خلال الاسابيع والشهور القادمة، اهمها:

قيود الانتاج

اتفقت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها، وهي المجموعة المعروفة باسم أوبك+، بخفض الإنتاج بمقدار(9.7) مليون برميل يوميا بدءاً من أيار (مايو) الماضي، أي ما يعادل (10%) من الإمدادات العالمية، وتقرر تقليص التخفيضات رسميا إلى (7.7) مليون برميل يوميا بدءاً من آب (أغسطس) حتى كانون الأول (ديسمبر) القادم. ويلاحظ تصميم منظمة اوبك على ضبط الانتاج رغم تباطؤ وضعف امتثال بعض المنتجين في الشهور الماضية، من خلال عملية مراجعة وتصحيح مستمرة، خاصة منذ الاتفاق على عقد اللجنة الوزارية لمراقبة خفض الإنتاج بصفة شهرية.

وتعقد اللجنة اجتماعها الثالث على التوالي في 18 آب (أغسطس) الجاري. ويعد الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه "أوبك+" في نيسان (أبريل) الماضي خطوة فعالة وغير مسبوقة في تاريخ المنظمة، فقد تم خفض ما يقرب (10) مليون برميل يوميا من إنتاج نفط (23) دولة مشاركة في "اتفاق التعاون" ضمن إطار جهود مكثفة لاحتواء تداعيات وباء فيروس كورونا على الطلب العالمي. وتتوقع أوبك، انخفاض إنتاج الدول النفطية خارج أوبك بحوالي (3) ملايين برميل يوميا في 2020، ليرتفع إلى حوالي مليون برميل يومياً العام المقبل.

ويشير التقرير الاخير للمنظمة، إلى أن الانخفاض الاكبر في إنتاج الدول خارج أوبك كان في الولايات المتحدة التي يتوقع أن يكون متوسط انخفاض إنتاجها (1.32) مليون برميل يوميا، تليها روسيا بـ (1.13) مليون برميل يوميا، ثم كندا (300) ألف برميل يوميا، وقازاخستان (140) ألف برميل يوميا، كما يتوقع انخفاض إنتاج كل من ماليزيا وأذربيجان وعمان والإكوادور، بما مجموعه (350) ألف برميل يوميا، مقابل ارتفاع إنتاج البرازيل وغايانا والنرويج بما مجموعه (570) ألف برميل يوميا. وقدر التقرير انخفاض الإنتاج في الربع الثاني بمقدار (8.1) مليون برميل يوميا عما كان عليه في العام السابق بسبب التخفيضات الاختيارية التي قامت بها دول "أوبك+" والتخفيضات الإجبارية نتيجة انخفاض أسعار النفط خاصة في الولايات المتحدة، اذ نخفض عدد الحفارات النفطية النشطة في الولايات المتحدة إلى 176 حفارًا فقط، وهو أدنى مستوى منذ 2005، وفقًا لبيانات شركة Baker Hughes الصادرة مؤخرا. وقامت شركات الطاقة بإيقاف منصات الحفر بصورة مستمرة تقريبًا لأكثر من أربعة أشهر ونصف. وفي ظل الأسعار الحالية، سينخفض حجم الإنفاق الرأسمالي بقرابة (70%) العام المقبل، حسب توقعات شركة ريستاد إنرجي الدولية لاستشارات الطاقة.

اتجاه الطلب

نتج عن انتشار فيروس كورونا وفرض الحجر الصحي في كثير من مدن العالم، انخفاضاً كبيراً في الطلب العالمي على النفط، خاصة في الربع الثاني من العام 2020. فقد أفصح تقرير وكالة الطاقة الدولية مؤخرا عن بلوغ الطلب العالمي على النفط في الربع الثاني من العام الجاري (85) مليون برميل يوميا، وهو ما يقل عن معدل الطلب في نفس المدة من العام الماضي بقرابة (15.8) مليون برميل يوميا. هذا الرقم مهم كونه يعكس نتائج "الإغلاق الكبير" على اسواق النفط بسبب انتشار فيروس كورونا عالميا، كما يُظهر أن الأثر كان اقل من المتوقع، اذ أشارت بعض التوقعات إلى انخفاض الطلب العالمي بقرابة (25–30) مليون برميل يوميا. وفي أحدث تقرير لها (12/8/2020)، توقعت منظمة اوبك ارتفاع الطلب على النفط من متوسط (93.1) مليون برميل يوميا عام 2020 إلى قرابة (100) مليون برميل يوميا عام 2021، ويعني ذلك عودة الطلب إلى وضع ما قبل فيروس كورونا بداية عام 2022.

وقدر التقرير الطلب على السوائل النفطية في يوليو الماضي ب (93.4) مليون برميل يوميا، بانخفاض قدره(9.1) مليون برميل يوميا عن الشهر نفسه من العام الماضي. إلا أنه أعلى مما كان عليه في الربع الثاني من العام الجاري بأكثر من (8) مليون برميل يوميا، الأمر الذي يعكس أثر انتهاء عمليات الحجر في أغلب دول العالم. وتوقعت أوبك ايضا ارتفاع الطلب العالمي على النفط بنحو (7) مليون برميل يوميًا في 2021. وبحسب التقرير الاخير لوكالة الطاقة الدولية، فإن الطلب على النفط في الصين، لم يتعافَ فقط، بل ارتفع أيضًا بشكل ملحوظ، حيث قفز بمقدار (750) ألف برميل يوميًا في حزيران (يونيو) 2020، مقارنةً بنفس الشهر من عام 2019.

تحفيز الاقتصاد

ارتفعت أسعار النفط الخام مؤخرا، بدعم من توقعات تحفيز الاقتصاد الأمريكي مما سيساعد في انطلاق أكبر مستهلك للنفط في العالم، اذ يدرس الكونجرس حزمة تحفيز مالي جديدة تتراوح من (5%) من الناتج المحلي الإجمالي (اقتراح الجمهوريين) إلى (15%) من الناتج المحلي الإجمالي (اقتراح الديمقراطيين). كما يدعم انتعاش الطلب الآسيوي اسواق النفط العالمية نتيجة فتح الاقتصادات الاسيوية وارتفاع الأنشطة الصناعية مجددا صوب مستويات ما قبل فيروس كورونا، اذ تشير البيانات الاخيرة إلى أن المصانع في الصين تعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، مما يعني تزايد الطلب على الطاقة، وهو ما يضاف إلى مؤشرات التعافي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويساهم ارتفاع الأسهم الأوروبية، التي صعدت للجلسة الثالثة على التوالي نتيجة الحزمة المالية التي اقرها زعماء الاتحاد الأوروبي بمقدار (1.8) تريليون يورو مؤخرا، في دعم اسواق النفط العالمية.

مخزون النفط

افصحت تحركات اسعار النفط الخام خلال الشهور الماضية عن حساسية عالية لمخزونات النفط الخام، ويربط خبراء تعافي اسعار النفط مؤخرا ببيانات حكومية تظهر تراجع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة على نطاق واسع، مما عزز الآمال بصمود الطلب على الوقود في أكبر اقتصادات العالم في وجه جائحة فيروس كورونا. ويشير تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض المخزون بمقدار (18.2) مليون برميل في الولايات المتّحدة و(1.6) مليون برميل في اليابان في الماضي. ونظرًا لانخفاض الأسعار المستقبلية مقارنةً بالحاليّة، انتفى الحافز للتخزين، خاصّةً التخزين العائم، الأمر الذي خفض المخزون العائم بمقدار (35.7) مليون برميل من ذروته التاريخية، التي بلغت (184.8) مليون برميل، في شهر تمّوز (يوليو) 2020. وكانت أسعار نفط برنت قد ارتفعت الى أكثر من (45) دولار للبرميل بسبب انخفاض مخزونات النفط الخام والبنزين ونواتج التقطير وتكثيف انتاج شركات التكرير وتحسن الطلب على المنتجات النفطية.

لقاح كورونا

مؤخرا، أحصت منظمة الصحة العالمية 26 لقاحاً مرشحاً ضد فيروس كورونا في العالم يجري تقييمها خلال تجارب إكلينيكية على البشر. ومعظم هذه التجارب في "المرحلة الأولى" التي تهدف بشكل أساسي إلى تقييم سلامة المنتج، أو "المرحلة الثانية" حين يتم بالفعل استكشاف مسألة الفعالية. يليها "المرحلة الثالثة" الأكثر تقدماً، حين تُقاس الفعالية على آلاف المتطوعين: وهذا ينطبق على اللقاحات التجريبية التي طورتها شركتا بَيونتك الألمانية وفايزر الأميركية، ومختبرات مودرنا الأميركية ومختبرات سينوفارم وسينوفاك الصينية وجامعة أكسفورد بالتعاون مع أسترازينيكا البريطانية.

وقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا أن بلاده طوّرت "أول" لقاح ضد فيروس كورونا "سبوتنيك 5"، ووفقا للسلطات الطبية الروسية إن المعلمين والطاقم الطبي سيتلقون اللقاح ابتداء من أغسطس الجاري. وسيُطرح اللقاح للتداول في الأول من كانون الثاني (يناير) 2021، وفق لوزارة الصحة الروسية. ويرجح ان يساهم ايجاد لقاح ناجع لمكافحة فيروس كورونا متاح لجميع المصابين حول العالم في إنعاش الاقتصاد ودفع اسعار النفط صوب معدلات تفوق التوقعات الجارية، نظرا لخروج الكثير من الطاقات الانتاجية (خصوصا النفط الصخري) من الاسواق بسبب انهيار الاسعار قبل شهور.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2020
www.fcdrs.com

اضف تعليق