لا تتميز حالات الركود عادة بندرة العمالة، ولكن في الوضع الراهن، يتزايد الطلب على العمالة في الخط الأمامي لمواجهة الوباء بشكل سريع. هذه الزيادة تقابلها زيادة أخرى في الخطر الذي يهدد هؤلاء العمال، الذين يكونون عادة أكبر سنا وأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا. وإذا...
بقلم: تيريزا غيلاردوتشي
نيويورك ــ على الرغم من حالة الاستقطاب العميقة التي تسود السياسة الأميركية، يبدو أن مجالات الاتفاق تطغى على مجالات الخلاف حول كيفية التعامل مع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن وباء مرض فيروس كورونا 2019. فمن ناحية، يتخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بالفعل تدابير جريئة فيما يتعلق بالسياسة النقدية، ومن ناحية أخرى، يعمل الكونجرس بشكل سريع على تقديم حزمة كبيرة من الحوافز المالية التي تضم عمليات الإنقاذ الحكومية باستخدام حصص الأسهم في الشركات الخاصة وتوفير دفعات نقدية تُقدم لمرة واحدة أو مرتين للأسر.
لكن هذه اللحظة النادرة من التعاون الثنائي بين الحزبين ستكون فرصة ضائعة إذا لم تُستغل أيضا في عكس التراجع الطويل الأمد في أشكال الحماية المتوفرة للعمال والقوة التفاوضية الجماعية في الولايات المتحدة. فكما أوضح لورنس سامرز، الأستاذ بجامعة هارفارد، وآخرون، ساهم هذا الاتجاه بشكل كبير في ركود الاقتصاد الأميركي في السنوات الأخيرة، ويهدد الآن بتقويض التعافي الاقتصادي القادم.
على الرغم من تشديد القيود على أسواق العمل منذ عام 2009، انخفضت حصة العمالة من الدخل بشكل مطرد. وفي غياب استجابة سياساتية تعيد الأجور والأمن الاقتصادي إلى مسارهما الصحيح مع نمو الأرباح والإنتاجية، يُصبح حدوث انخفاض مفاجئ في الناتج الاقتصادي أمرا حتميا. والأسوأ من ذلك، أن التصميم الحالي للاستجابة الحزبية من شأنه أن يسمح بزيادة قوة احتكارات البيع والشراء، مما يؤدي إلى مزيد من الركود وقمع العمالة. وبدون اتخاذ تدابير لتعزيز عوامل الاستقرار التلقائية، وبرامج التأمين الاجتماعي، والقدرة التفاوضية للعمال، فإن زيادة المعروض من العمالة، الناتجة عن ارتفاع معدلات البطالة، سيؤدي إلى خفض "أجر الحفظ" بالنسبة إلى العديد من العمال (وهو الحد الأدنى من الأجور الذي يمكن للعامل القبول به).
لا تتميز حالات الركود عادة بندرة العمالة، ولكن في الوضع الراهن، يتزايد الطلب على العمالة في الخط الأمامي لمواجهة الوباء بشكل سريع. هذه الزيادة تقابلها زيادة أخرى في الخطر الذي يهدد هؤلاء العمال، الذين يكونون عادة أكبر سنا وأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا. وإذا لم يعد بإمكانهم العمل، فسيعود ذلك بالضرر على الاستجابة الأوسع لقطاع الصحة العامة. ولا شك أن الأجور في مجال الرعاية الصحية والنقل وتوزيع الغذاء والقطاعات الأساسية الأخرى سترتفع في خضم الأزمة. لكن هذه الزيادات ستكون مؤقتة، وسيضطر العديد من العمال الآخرين إلى العمل لساعات إضافية (كمساعدين غير نقابيين في مجال المساعدة الصحية المنزلية أو عاملين بدون أجر في مجال الرعاية) دون تعويض إضافي، حتى مع زيادة المخاطر المهنية المرتبطة بهذه الوظائف.
نحن نعلم بالفعل ما هي السياسات التي من شأنها مساعدة العمال خلال الأزمة وما بعدها. بادئ ذي بدء، ينبغي إلزام جميع أصحاب الأعمال بتوفير إجازات مرضية مدفوعة الأجر. لكن في الواقع، وفي أعقاب عمليات ضغط من قبل أمازون وآخرين، أعفى الكونجرس الأميركي والرئيس دونالد ترمب الشركات التي يعمل بها أكثر من 500 موظف من هذه المتطلبات. لا يضر ذلك بالعمال فقط، ومن ثم بالتعافي الاقتصادي، بل يشكل كذلك خطرا على الصحة العامة (وهذا هو تحديدا السبب في احتفاظ مراكز مكافحة الأمراض ببيانات الإجازات المرضية مدفوعة الأجر).
ثانيا، يتوجب علينا تسهيل إجراءات منح الإجازات من قبل الشركات بدلا من التخلص من موظفيها أثناء فترات الصدمات. وكما يحتج أريندراجيت دوبي، الأستاذ بجامعة ماساتشوستس، فإنه يجب على الولايات المتحدة إلزام جميع الولايات بتقديم اتفاقيات تقاسم العمل، والتي بموجبها تدفع الحكومة تكاليف الأجور بشكل جزئي للعمال الذين قد يُستبعدون من وظائفهم بخلاف ذلك.
علاوة على ذلك، عند التفكير في الأزمة القادمة، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل على تغيير نظام التأمين ضد البطالة. فيجب توسيع نطاق الأهلية بشكل كبير (لا سيما ليشمل العمال المستقلين)، ويجب زيادة الفوائد إلى مستوى أعلى بكثير من مستوى استبدال الأجور الحالي، والذي لا يتجاوز 40٪. والحق أنه في هذا المضمار، تتخلف الولايات المتحدة بفارق كبير عن المملكة المتحدة، حيث أعلنت الحكومة بالفعل أنها ستغطي 80٪ من تكاليف الأجور للعاملين الذين من الممكن الاستغناء عنهم لكن لم يتم فصلهم.
ثالثا، ينبغي ألا يُسمح للشركات التي تتلقى تمويلا حكوميا من أي نوع بالاستعانة بمصادر خارجية أو انتهاك قوانين العمل أو المشاركة في عمليات إعادة شراء الأسهم. في الواقع، لطالما دفعت السيناتور الأميركية إليزابيث وارن بهذه الحجة، والآن حتى ترمب يوافق على ذلك.
رابعا، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع سياسات لمنع تشكيل "جيوش احتياط" من العمالة خلال فترات الركود الاقتصادي. على سبيل المثال، مع ارتفاع معاشات التقاعد، ستنخفض حاجة العمال الأكبر سنا إلى إغراق سوق العمل. لكن المشكلة تكمن في أنه على عكس معاشات التقاعد المحددة الفائدة، فإن خدمات الضمان الاجتماعي وخطط المعاشات التي تندرج تحت بند 401(k) من قانون ضرائب الدخل لا تُشكل عوامل استقرار تلقائية.
بخصوص هذه المسألة، ثمة اقتراح غير حكيم (دفع به مجلس تحرير صحيفة وول ستريت جورنال) من شأنه أن يسمح للأفراد بسحب حسابات التقاعد في وقت مبكر دون دفع غرامة. لكن العقوبة لا تمنع المستفيدين من سحب حساباتهم في حالات الطوارئ على أية حال. ومن خلال إلغاء العقوبة، تُرسل الحكومة إشارة مفادها أنه من المقبول للأسر أن تهدد مستقبلها في سبيل ضمان أمنها في الوقت الحالي. ونظرا إلى أن الهشاشة المالية في الولايات المتحدة آخذة في الارتفاع، فهذه وصفة لدفع الملايين من المتقاعدين إلى السوق للتنافس مع العمال الأصغر سنا خلال فترات الركود.
أخيرا، ينبغي للولايات المتحدة رفع الحد الأدنى للأجور على المستوى الفيدرالي إلى 15 دولار في الساعة، وزيادة العقوبات المفروضة على الشركات التي تصنف العمال بشكل خاطئ عن عمد لتجنب توفير الاستحقاقات. لن يؤدي هذا الإجراء وغيره من التدابير المذكورة أعلاه إلى زيادة حصة العمالة من الدخل واستقرار الطلب أثناء الأزمات فحسب؛ بل سيحقق ذلك دون زيادة العجز.
إحدى السمات الواعدة للأزمة الحالية هي أنها أثارت مشاعر قوية ومتعاطفة من الدعم العام للعمال، وخاصة أولئك الذين يخاطرون بحياتهم على خطوط المواجهة (وفي كثير من الأحيان بلا معدات واقية) لتقديم المساعدة. ويأمل المرء أن تترجم هذه المشاعر إلى سياسة.
على مدى عقود من الزمن، سمحت الولايات المتحدة بشكل كبير بتدهور أوضاع النقابات والاتفاقات الأوسع نطاقا بين الموظفين وأصحاب العمل. ففي الماضي، كانت النقابات هي التي تتفاوض على منح إجازات مرضية مدفوعة الأجر وبدائل للبطالة، مثلما توسلت نقابة عمال السيارات المتحدين، في خضم الأزمة الحالية، لإغلاق مصانع السيارات. إذا كان لدى المزيد من العمال عقود نقابية -تعمل كعامل استقرار تلقائي آخر- لكانت الضربة الناجمة عن الوباء أخف وطأة بالفعل. والآن، حان الوقت لأن يعطي كلا الحزبين الأولوية للعمال عند التخطيط لوضع استجابة سياساتية.
اضف تعليق