هل البنية الأساسية في أميركا سيئة إلى هذا الحد حقا؟ لقد توصلت شركة أمازون إلى كيفية توصيل كل شيء من الموز إلى أدوية السُـعال في غضون ساعات من تسجيل العميل لطلبه بنقره واحدة. لم يكن بوسع أحد أن يفعل ذلك في زمن جورج دبليو بوش...
بقلم: تود بوخهولز

سان دييجو ــ كانت البنية الأساسية الأميركية في تدهور مستمر منذ عَـبَر جورج واشنطن نهر ديلاوير المتجمد على متن قارب راشح متهالِك. ويبدو أن هذه "حقيقة" يقر بها الحزبان الجمهوري والديمقراطي. فكل أربع سنوات، يُـذَكِّرنا المرشحون الرئاسيون بهذا الزعم. وفي الآونة الأخيرة، كشف المرشح الديمقراطي بيت بوتيجايج عن خطة للبنية الأساسية استقرت بطريقة سِحرية على ذات التكلفة التي أعلنها المرشح دونالد ترمب في عام 2016 (تريليون دولار).

لكن هل البنية الأساسية في أميركا سيئة إلى هذا الحد حقا؟ لقد توصلت شركة أمازون إلى كيفية توصيل كل شيء من الموز إلى أدوية السُـعال في غضون ساعات من تسجيل العميل لطلبه بنقره واحدة. لم يكن بوسع أحد أن يفعل ذلك في زمن جورج دبليو بوش، ناهيك عن زمن جورج واشنطن.

من الخطأ أن نحصي ببساطة الـحُـفَر في الطرق والمسامير الصدئة على الجسور ثم نعلن عن أزمة. الواقع أن تقارير وزارة النقل تشير إلى أن عدد الجسور التي تعتبر "رديئة" انخفض بنحو 22% على مدار السنوات العشر الأخيرة. بغض النظر، ينبغي لنا أن نعكف على تقييم ما أسميه "حِمل البنية الأساسية"، وأن نسأل بدلا من ذلك ما إذا كان حجم السلع والخدمات التي يجري تسليمها في الوقت المحدد قد تزايد.

تحت عدسة حِمل البنية الأساسية، يتبين لنا أن اقتصاد العمل المؤقت يطلق العنان لمجموعة ضخمة من الخدمات الجديدة التي تغدو وتجيء حول حُـفَر الطريق. والآن، تعمل شركات مثل Uber وLyft على تعزيز كفاءة الاقتصاد، لأن عددا أقل من المركبات يظل خاملا. في عام 2018، افتتح مطار سان دييجو الدولي مرأب سيارات جميلا بلغت تكلفته 128 مليون دولار. في ذلك المرأب يستطيع صاحب السيارة أن يجد بسهولة مكان وقوف لمركبته، لأن نصف المرأب تقريبا شاغر. ونتيجة لتزايد خيارات الركوب، فإن عدد طلاب المدارس الثانوية الراغبين في الحصول على رخصة قيادة تراجع بنحو الثلث. قد يشكل هذا تهديدا لشركات صناعة السيارات في الأمد البعيد لكنه يوفر قدرا هائلا من الراحة لأولئك الراغبين في الركوب إلى المنزل من أي مكان. أما عن أولئك الذين يفضلون البقاء في المنزل، فإن سائقي شركات مثل DoorDash وGrubhub يسارعون لتوصيل الوجبات الساخنة إلى العملاء، فيحاربون الثلوج والأمطار وظلمة الليل، مثل رجل البريد في الماضي. ومن الواضح أن المشتغلين في العمل المؤقت ينجزون المهمة على خير ما يرام.

في القطاع حيث تقوم شركات بتقديم خدماتها لشركات أخرى، تبنت شركات السكك الحديدية مثل شركة Norfolk Southern وشركة CSX مؤخرا برنامج "السكك الحديدية الدقيقة الجداول" لتعبئة المزيد من الحاويات على القطارات، مما يقلل الحاجة إلى المزيد من الرحلات. وتقدر شركة Norfolk Southern أنها تستطيع الآن الاستغناء عن 500 من قاطراتها. وتتنافس شركات مثل UPS، وFedEx، وDHL على الطرقات وفي السماء لتسليم السلع والبضائع بتكلفة أرخص، بمساعدة من شركات الخدمات اللوجستية التكنولوجية البادئة مثل شركة Convoy، التي يدعمها بِل جيتس وجيف بيزوس.

لا تتمثل المشكلة الأكبر التي تواجهها موانئ الشحن الأميركية في الهياكل والمباني، بل في القواعد النقابية التي أثارت المتاعب منذ لعب مارلون براندو دور البطل في فيلم On the Waterfront في عام 1954. من ناحية أخرى، تشهد محطات الركاب الطرفية ازدهارا واضحا. ففي سبعينيات القرن العشرين، كان أسطول شركة Princess Cruises في البرنامج التلفزيوني الشهير The Love Boat يتألف من سفينتين فقط. اليوم، تملك الشركة 19 سفينة، وتستضيف مع الشركات المنافسة نحو 14 مليون مسافر سنويا، وتغادر سفنها من موانئ فلوريدا، وكاليفورنيا، وألاسكا، وهاواي.

يجب أن يعبر حِمل البنية الأساسية أيضا عن الأحمال الرقمية، بما في ذلك إطلاق الجيل الخامس من الاتصالات هذا العام. لقد أصبح "عصر التلفزيون الذهبي" ممكنا بفضل سرعات النطاق العريض التي تسمح لأجهزة التلفزيون والهواتف الذكية ببث برامج لا حصر لها. ولا يعتمد شِعار "Netflix and chill" على أريكة مريحة، بل على الإلكترونات الفائقة السرعة التي تبث عبر الفضاء. صحيح أن الشوارع في سبعينيات القرن العشرين كانت مبتلاة بعدد أقل من الـحُـفَر. لكن أغلب الأسر في ذلك الوقت كانت تعتبر نفسها محظوظة إذا تلقت عددا قليلا من القنوات التلفزيونية بوضوح (وعندما كان الرئيس يلقي خطابا، فإنه كان يظهر على جميع القنوات!). إذا كنت تعيش في الولايات المتحدة الآن، فأي عصر من عصور البنية الأساسية تفضل حقا؟

لا شك أن شوارع أميركا عامرة بالـحُـفَر وحركة المرور الكثيفة. وبالنسبة لكثير من الناس قد يكون التنقل بائسا. وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة راند فإن المسافرين لمسافات طويلة أصبحوا أكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 33%. ذات يوم، أطلق المضيف الإذاعي هاورد ستيرن حملة على مستوى ولاية نيويورك من خلال الوعد بحظر أعمال الطرق أثناء النهار. ولا شك أن خطة ستيرن رفعت معنويات المستمعين واجتذبت بعض الناخبين.

يتلخص أحد الحلول في العمل عن بُـعد. يشير استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب إلى أن 31% من الموظفين يعملون الآن عن بُـعد. ومع ذلك، يجب القيام بشيء لمساعدة أولئك الذين يضطرون إلى السفر. والحل ليس ببساطة زيادة الإنفاق الحكومي. في مقال رائع نُـشِر في صحيفة بوسطن جلوب، وَثَّــق وزير الخزانة الأميركي السابق لورنس سمرز كيف تسبب الغباء البيروقراطي وتقتير أصحاب المصالح الخاصة في تأخير إصلاح جسر أندرسون الذي يبلغ طوله 71 مترا في كمبريدج بولاية ماساتشوستس لمدة خمس سنوات وتضخيم تكلفة الإصلاح بمقدار خمسة ملايين من الدولارات. علما بأن الجسر الأصلي، الذي بُـني في عام 1912، استغرق بناؤه أحد عشر شهرا.

عندما تستحوذ المصالح الخاصة على كل معدات البناء، فلن تجد مشاريع البنية الأساسية "الجاهزة للبناء". ولن تختفي عقلية "ليس في فنائي الخلفي" التي تعارض مشاريع البينة الأساسية. وعندما يجري تحسين خدمة التوصيل باستخدام طائرات بدون طيار إلى الصورة المثلى، فسوف يتحول شعار "ليس في فنائي الخلفي" إلى "ليس فوق فنائي الخلفي".

لكن البديل موجود. فبادئ ذي بدء، ينبغي للمزيد من المدن والولايات أن تتبنى نظام "تسعير الازدحام"، الذي يجعل القيادة أثناء ساعات الذروة أكثر تكلفة. أظهرت دراسة حديثة أن تسعير الازدحام في ستوكهولم نجح في خفض تلوث الهواء بنحو 5% إلى 15%، مما قلل من حالات الإصابة بالربو، في حين زاد أيضا من سهولة التنقل عبر أنحاء المدينة. ثانيا، ينبغي لنا أن نعمل على إلغاء القوانين التي تدفع تكاليف البناء إلى الارتفاع دون داع، بما في ذلك قانون ديفيز-باكون لعام 1931، الذي يلزم المقاولين الفيدراليين بدفع "الأجور السائدة"، التي تُـعَـرَّف عادة بأنها الأجور النقابية، حتى برغم أن 87% من عمال البناء غير نقابيين. وتشير تقديرات مكتب الموازنة في الكونجرس إلى أن إلغاء هذا القانون من شأنه أن يوفر مبلغ 12 مليار دولار إضافية للمشاريع الفيدرالية على مدار السنوات العشر التالية.

أخيرا، لتحفيز إنشاء طرق جديدة تقوم على تحصيل رسوم، والتي تمول عادة من خلال السندات البلدية، يجب إصدار شريحة خاصة من السندات ذات الفئة الصغيرة للسكان المحليين. وكحافز لحمل السائقين على شراء السندات، يمكن منحهم تصريحات مجانية للعبور على الطريق مدى الحياة. وهذا كفيل بتمويل المزيد من الطرق، وبناء الفخر المدني، وإعطاء المستثمرين الحماية من العواقب السلبية. فحتى في حالة هبوط أسعار السندات، يظل بوسع حاملي السندات أن يتمتعوا بالمرور المجاني.

بطبيعة الحال، لن تدوم مشاريع البينة الأساسية التي تشيد اليوم إلى الأبد. في عام 1776، لجأت قوات جورج واشنطن، في محاولة لمنع الجنود البريطانيين من الاقتراب، إلى إحراق معبر صغير في منطقة برونكس يسمى جسر الملك، والذي بني في القرن السابع عشر. وعلى الرغم من انهيار الجسر فقد تمكنت الدولة الجديدة من البقاء والازدهار.

* تود ج. بوخهولز، المدير السابق للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض والمدير الإداري لصندوق التحوط لإدارة تايغر، حصل على جائزة ألين يونغ لجامعة هارفارد للتدريس في الاقتصاد ومؤلف كتاب "أفكار جديدة من الاقتصاديين الميتين وثمن الرخاء".
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق