ما الذي تضمنته الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها العراق مع الصين؟ ولماذا لم تنشر تلك الاتفاقيات على الموقع الرسمي للحكومة العراقية كما هو حال الاتفاقيات والعقود السابقة ابتداءً من عقود التراخيص النفطية والى اليوم؟ وما هي آليات تنفيذ تلك الاتفاقيات؟ وما هي مصادر تمويلها؟ وهل الصندوق...
في إطار الجدل المحتدم حول الجدوى الاقتصادية للاتفاقية الاقتصادية بين العراق والصين الموقعة بينهما في 2019/9/23 ومدى اهميتها في اعمار وتطوير الاقتصاد العراقي تدور اسئلة حائرة عديدة تبحث عن اجوبة محددة من صانع القرار السياسي والاقتصادي في العراق.
منها: ما الذي تضمنته الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعها العراق مع الصين؟ ولماذا لم تنشر تلك الاتفاقيات على الموقع الرسمي للحكومة العراقية كما هو حال الاتفاقيات والعقود السابقة ابتداءً من عقود التراخيص النفطية والى اليوم؟ وما هي آليات تنفيذ تلك الاتفاقيات؟ وما هي مصادر تمويلها؟ وهل الصندوق العراقي المزمع تنفيذه والذي سيخصص له ١٠٠ ألف برميل يوميا من صادرات النفط الى الصين سيكون كافيا لتسديد مستحقات الصين؟ وهل سيكون هذا الصندوق جزءا من صندوق اعمار العراق ام منفصلا عنه؟ وما حكاية الضمانات السيادية التي تعهدت بها وزارة المالية؟ الا يعني ذلك ان العراق سيسدد جزءا من التزاماته من خلال الاقتراض من الصين؟ وهل ستنفذ الصين مشاريعها في العراق بصيغة استثمار ام مقاولة؟ وهل ستنفذ الشركات الصينية مشاريعها بشكل مباشر ام انها ستحيلها الى شركات ثانوية بسبب رداءة البيئة الاستثمارية في العراق؟ واخيراً، هل سيوافق البرلمان على هذه الاتفاقيات؟
سنحاول على الرغم من شحة المعلومات المتاحة عن هذه الاتفاقية الاجابة عن بعض الاسئلة التي تم طرحها لغرض توضيح الجوانب الايجابية والسلبية في هذه الاتفاقية.
في البدء يمكن القول بأنه لا يمكن تفعيل هذه الاتفاقية مالم يصادق عليها مجلس النواب العراقي وما لم يسبقها تشريع قانون مجلس الاعمار لان هذه الاتفاقية ترتب على العراق التزامات مالية تصل الى نحو 4 مليارات دولار سنويا وهو ما يعادل تقريبا 5% من عائدات النفط العراقية وهي النسبة ذاتها المخصصة في قانون مجلس الاعمار الذي رفعته الحكومة الى البرلمان لغرض تشريعه.
آلية عمل الاتفاقية
1. تأسيس حساب التسويات الذي يتضمن ايداع العراق 10% من صافي عوائد الصادرات العراقية النفطية الشهرية الى الصين وبصادرات نفط يومية تبلغ 100 ألف برميل لحساب شركتين صينيتين حكوميتين (لم يذكر اسمهما)، ضمن حصة العراق في اوبك وليس خارجها.
2. الحساب الثاني لأغراض التحوط ويخصص لخدمة الديون عند الاقتراض من المصارف الصينية في حالة عدم كفاية التمويل بصافي عائدات الصادرات النفطية المخصصة لتنفيذ المشروعات من قبل الشركات الصينية المنفذة أو التي سيجري تنفيذها بموجب الاتفاق في العراق. إن الآلية تقتضي بأن يضع العراق في الصندوق ما يعادل 150٪ من قيمة خدمة الديون المترتبة على المشاريع لفترة ٦ أشهر قادمة.
3. الحساب الثالث يمثل مساهمة الجانب العراقي كنسبة من مبالغ القروض التي سيتسلمها العراق من المصارف الصينية.
إذ سيحصل العراق عند الحاجة دائما على ائتمانات تعادل 1.8 مليار دولار ضمن السقف الائتماني البالغ ١٠ مليارات دولار، يساهم العراق فيها بنسبة ١٥٪ لتسديد الفائدة والاقساط على الديون المتحققة وان ٨٥٪ الاخرى المتبقية تمثل صافي الائتمان أو الاقتراض المقدم من الجانب الصيني من خلال قروض تقدمها المصارف الصينية إلى الشركات المقاولة بسعر فائدة تنافسي.
4. حساب الاستثمار إذ سيوضع في هذا الحساب اي اموال عراقية فائضة ستستخدم لتمويل مشاريع في العراق من جانب الشركات الصينية أو الشركات الدولية أو للتجهيز.
الجوانب الايجابية للاتفاقية
1. تقدم الاتفاقية أحد المفاتيح المهمة في تطوير الاقتصاد العراقي من خلال الاستفادة من حزم الادارة والتكنولوجيا الحديثة التي تقدمها الشركات الصينية.
2. توفر الاتفاقية التمويل المطلوب لإنجاز حزمة من المشروعات الاستراتيجية في العراق.
3. تسهل عملية انضمام العراق الى طريق الحرير من خلال الاستثمارات الصينية في البنى التحتية ذات الصلة بالطريق.
4. تسهم في تنويع العالقات الاقتصادية العراقية مع الخارج وتعزيزها من خلال الانفتاح والتعاون مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
5. يتوقف مدى الاستفادة من هذه الاتفاقية على حسن اختيار المشروعات التي ينبغي ان تكون قادرة على تعزيز الناتج المحلي الاجمالي وتنويعه وتوفير فرص عمل للمواطنين.
الجوانب السلبية للاتفاقية
1. تفاقم المديونية الخارجية العراقية وزيادة اعبائها على الاقتصاد العراقي المثقل بالديون اذ يسدد العراق حاليا نحو 10 مليارات دولار سنويا كأقساط لخدمة ديونه ستزداد كثيرا عند تنفيذ هذه الاتفاقية. إن الاتفاقية لا تعدو الا دينا اضافيا تتحمله الاجيال القادمة في الوقت الذي لا نحتاج فيه الى اغراق البلد بالدين الخارجي خاصة وان هذا الدين مرتبط بدولة واحدة ولا يتيح أي قدر من المرونة لصانع القرار الاقتصادي اذ ان هذا الحجم الكبير من الدين المترتب على هذه الاتفاقية تنفذه شركتين صينيتين حكوميتين فقط وتديره المصارف الصينية المعروفة بعدم الرصانة.
2. احتكار الشركتين الصينيتين للعمل في العراق قد يؤدي الى انجاز مشروعات ليست بالمستوى المطلوب من حيث الجودة والاداء من جهة ويؤدي الى غياب المنافسة بين الشركات للحصول على أفضل العروض للعراق من جهة اخرى.
3. ان هذه الاتفاقية ستدخل العراق في حلبة الصراع الامريكي–الصيني اللذان يخوضان حربا تجارية مستعرة بينهما وربما ستدخله ايضا في السباق بين الكبار الاخرين يكون فيها العراق الخاسر الاكبر.
4. تحصل الشركات الصينية على ارباح ووفورات غير منظورة تكون أكبر بكثير من تنفيذ المشروعات من خلال التمويل المحلي وباسلوب المقاولة المباشرة وهو ما سيحمل الاقتصاد العراقي كلف جديدة كان بالإمكان تفاديها لو أحسن العراق استخدام عائداته الكبيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية بدلا من تبديد وتبذير جزء مهما منها في مجالات غير مهمة او تبديدها من خلال الفساد الكبير في العراق.
والخلاصة ان هذه الاتفاقية قد تمثل خطوة الى الامام في تطوير الاقتصاد العراقي لو أحسن صانع القرار توظيفها غير انه يجب الابتعاد عن المبالغة والتهويل في توصيف هذه الاتفاقية وكأنها المنقذ الوحيد الذي سينقل العراق من حالة التخلف الى حالة النمو والتطور نظرا لما يترتب عليها كما يقال زيفا من تدفقات استثمارية الى العراق تصل الى 500 مليار دولار. ان الاساس في تطور البلدان هو تفعيل الاستثمار المحلي مع الاستفادة من العوامل الخارجية ومنها هذه الاتفاقية لتعزيز وتائر النمو والتطور وليست بديلة عنها.
اضف تعليق