وفي الأسواق الصاعدة، تراكمت الديون إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة الدين في الثمانينات. وهناك 40% من البلدان منخفضة الدخل – أي 24 من مجموع 60 بلداً – بلغت مرحلة المديونية الحرجة أو أصبحت قاب قوسين من الوصول إليها – وهي المرحلة التي يعجز فيها البلد المقترض عن...
بقلم: مارتن مولايزن ومارك فلاناغان
كثر النقاش العام حول مدى قدرة بضعة بلدان عالية المخاطر على الاستمرار في تحمل الديون. لكن عبء الدين العام يمثل مشكلة متنامية في مختلف أنحاء العالم.
ففي الاقتصادات المتقدمة، بلغ الدين العام مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، رغم بعض الانخفاضات المسجلة مؤخراً. وفي الأسواق الصاعدة، تراكمت الديون إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة الدين في الثمانينات. وهناك 40% من البلدان منخفضة الدخل – أي 24 من مجموع 60 بلداً – بلغت مرحلة المديونية الحرجة أو أصبحت قاب قوسين من الوصول إليها – وهي المرحلة التي يعجز فيها البلد المقترض عن سداد خدمة الدين العام، مما يمكن أن يُحْدِث اضطراباً كبيراً في النشاط الاقتصادي والتوظيف. فلا غرابة إذن في أن اليابان، بوصفها رئيس مجموعة العشرين في الدورة الحالية، أدرجت القدرة على تحمل الديون كقضية ذات أولوية في جدول أعمال المجموعة.
ومستويات الدين المرتفعة بصورة غير مسبوقة لا تمثل مشكلة بالضرورة حين تكون أسعار الفائدة الحقيقية بالغة الانخفاض، كما نجدها الآن في كثير من الاقتصادات المتقدمة. لكن مستويات الدين المرتفعة يمكن أن تجعل الحكومات أشد تعرضاً لتضييق الأوضاع المالية العالمية وارتفاع تكاليف الفائدة. ويمكن أن يساهم هذا في حدوث تصحيحات سوقية، وحركات حادة في أسعار الصرف، وزيادة ضعف التدفقات الرأسمالية، مما يمكن أن يفاقم القضايا المتعلقة بإمكانية تحمل الديون.
وبالطبع، ليس كل الدين سيئاً. فالاقتراض يمكنه بالفعل تمويل الاستثمارات الحيوية في البنية التحتية والصحة والتعليم وغير ذلك من السلع العامة. ويؤدي الاستثمار في الطاقة الإنتاجية، عندما يتم بشكل سليم، إلى تحقيق دخل أعلى يمكن أن يعوض تكلفة خدمة الدين. وقد ساعد بعض الارتفاع في الدين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، على دعم النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية وتجنب حدوث نتيجة أسوأ.
وتنشأ المشكلات حين يكون الدين مرتفعاً بالفعل والموارد المستمدة من القروض الجديدة لا تُنفَق بحكمة (وذلك لأسباب منها الفساد وضعف المؤسسات)، أو حين يصاب البلد بكوارث طبيعية أو صدمات اقتصادية، مثل حركات أسعار الصرف أو التحولات المفاجئة في اتجاه التدفقات الرأسمالية، تضعف قدرته على سداد الدين. وتلك المشكلة الأخيرة تعاني منها الآن بعض بلدان الأسواق الصاعدة.
لكن البلدان منخفضة الدخل هي التي تواجه في العادة أصعب التحديات المتعلقة بالدين وتكون في العادة أيضاً هي الأقل تسلحاً بالأدوات اللازمة لمواجهتها.
ويحتاج كثير من هذه البلدان إلى موارد إضافية كبيرة للتنمية، وقد اعتمدت بشكل متزايد في تأمين التمويل الخارجي على إصدار السندات السيادية والاقتراض من مقرضين رسميين جدد ودائنين تجاريين أجانب. وغالباً ما تأتي السندات السيادية والقروض التجارية بأسعار فائدة أعلى وآجال استحقاق أقصر، مما يزيد من تكلفة خدمة الدين ويضفي مزيداً من التعقيدات على مهمة إدارتها.
وبينما توجد مزايا في تنويع مصادر التمويل، نجده يؤدي أيضاً إلى خلق تحديات جديدة في إدارة الدين والتعامل مع إعادة هيكلته، إذا تطلب الأمر، لأننا لا نملك آليات مستقرة للتنسيق بين الدائنين تشمل الدائنين الجدد.
فما الذي يستطيع المقرضون والمقترضون القيام به؟ هناك ثلاث أولويات للسياسات يمكن أن تساعد في إحداث فرق مؤثر.
أولاً، يتعين بذل جهود أكبر للتأكد من أن الاقتراض السيادي يحقق الاستدامة المالية. فينبغي للمقترضين أن يحددوا خططاً دقيقة للإنفاق من المالية العامة ولعجز المالية العامة حتى يظل الدين العام على مسار يمكن الاستمرار في تحمله. وينبغي لهم أيضاً أن ينظروا بدقة في العائدات التي يمكن أن تحققها مشروعاتهم ومدى قدرتهم على السداد من خلال رفع الإيرادات الضريبية قبل الاستعانة بقروض جديدة. وينبغي للمقرضين تقييم أثر القروض الجديدة على وضع المديونية لدى المقترض قبل منحه قرضاً جديداً. وسيؤدي هذا إلى حماية كل من المقرض والمقترض من الدخول في اتفاقيات تتسبب في مصاعب مالية لكليهما في المستقبل.
ثانياً، ينبغي أن نتأكد من التزام كل البلدان بإعداد تقارير شاملة وشفافة عن الدين العام. وهناك مجال لتحقيق إنجازات كبيرة في تقوية المؤسسات التي تسجل الدين وتراقبه وتعد تقارير عنه في كثير من البلدان النامية. فعلى سبيل المثال، ثلث البلدان منخفضة الدخل لا يعد تقارير عن الضمانات التي يقدمها القطاع العام، بينما يتم إعداد تقارير عن دين المؤسسات العامة في أقل من 1 من مجموع 10 بلدان منها. وهناك حيز أمام الدائنين للسماح بدرجة أكبر من الإفصاح الكامل عن شروط القروض التي يقدمونها للبلدان. ويمكن أن تساعد زيادة الشفافية بشأن التزامات الدين العام أيضاً على منع تراكم التزامات" مستترة" كبيرة تتحول مع الوقت إلى دين حكومي صريح.
ثالثاً، ينبغي أن نشجع التعاون بين الدائنين الرسميين استعداداً لحالات إعادة هيكلة الدين التي يشارك فيها دائنون غير تقليديين. فنظراً لارتفاع مستوى الدين المقدم من الدائنين الجدد، ينبغي أن نفكر في كيفية جعل التنسيق بين الدائنين الرسميين فعالاً – لأنه غالباً ما يشكل أهمية بالغة في تسوية أزمات الديون.
أما بالنسبة للصندوق، فنحن والمؤسسات الشريكة نتعاون عن كثب مع بلداننا الأعضاء لتعزيز قدرتها على تسجيل الديون وإدارتها وضمان الشفافية بشأنها. ونحن نعمل أيضاً على تقوية منهجياتنا المستخدمة في تقييم إمكانية القدرة على تحمل الديون وتدريب المسؤولين من البلدان الأعضاء على استخدامها. ونعمل بنشاط أيضاً مع المقرضين الجدد في مجالات عديدة منها تحسين قدرتهم على المشاركة في عمليات إعادة هيكلة الديون على أساس متعدد الأطراف، إذا دعت الحاجة إليها.
واعتباراً من الثمانينات، استغرق الأمر عقوداً من المباحثات المرهقة لكي يتسنى إنشاء آليات لتسوية أزمات الديون في أمريكا اللاتينية ثم في البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. وأبرزت الأبحاث والفعاليات المختلفة كيف تؤثر أعباء المديونية المفرطة على التعافي الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة. ونحتاج إلى التنبؤ بالمخاطر الكامنة في تراكم المديونيات الحالية واتخاذ الخطوات الصحيحة لتخفيفها.
اضف تعليق