مادام النظام الرأسمالي قائم على تحقيق الربح مع صرف النظر عن الآثار التي يتركها على الوضع العام، اي اعتماده على مبدأ \"الغاية تبرر الوسيلة\"، هذا ما ادى الى زيادة المخلفات التي يتركها من زيادة التفاوت الطبقي، زيادة الفقر، زيادة الجرائم، والتجارة بأعضاء البشر، وارتفاع حجم التلوث...
هناك تأثير سلبي كبير يتركه الاقتصاد على البيئة خصوصا في نهايات القرن العشرين وذلك بحكم سيطرة الربح وتفوقه على المبادئ والقيم والاخلاق وتحويل الهدف الى وسيلة والوسيلة الى هدف.
تحتل مسألة البيئة في الوقت الراهن أهمية كبيرة على مستوى العالم حيث اخذت الندوات والمؤتمرات تعقد لمناقشتها من حيث الأسباب والآثار والحلول والوصول إلى أهم النتائج لتعطى على ضوئها أفضل التوصيات اللازمة لمعالجتها، للوصول إلى عالم خال من المشاكل البيئية التي تؤثر على الحياة البشرية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
للاقتصاد دور مهم وكبير في الحياة البشرية، حتى وصف بعصب الحياة، إذ أن عدم ادارة الاقتصاد بشكل عادل يتناسب واحتياجات المجتمع مع عدم الأخذ بعين الاعتبار مسالة البيئة والمناخ، سيؤدي ذلك إلى سوء الحياة البشرية لان زيادة الإنتاج المفرط بشكل يتجاوز السكان، يؤدي إلى تلوث البيئة بكافة أنواعها، التربة والهواء والماء، وهذا التلوث يؤثر على إشباع حاجات الإنسان بالشكل الملائم.
بعد سقوط النظام الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن المنصرم أصبح النظام الرأسمالي هو المهيمن عالميا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية واحتلالها المرتبة الأولى عالميا في اغلب مجالات الحياة ومن بين هذه المجالات الاقتصاد وتلوث البيئة وكذا الحال بالنسبة للصين بعد إدخالها للإصلاحات الاقتصادية كتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد واتخاذها موقع المراقب وزيادة الحرية الاقتصادية وغيرها، وهذا يعني زيادة الجانب المادي على حساب الجانب البيئي ومن ثم تأثيره على حياة الإنسان صحيا كتلوث الهواء الذي يستنشقه او الماء الذي يشربه أو الأرض التي يمشي عليها او يزرعها.
ومادام النظام الرأسمالي قائم على تحقيق الربح مع صرف النظر عن الآثار التي يتركها على الوضع العام، اي اعتماده على مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، هذا ما ادى الى زيادة المخلفات التي يتركها من زيادة التفاوت الطبقي، زيادة الفقر، زيادة الجرائم، والتجارة بأعضاء البشر، وارتفاع حجم التلوث البيئي...الخ.
ان ما يميز مسألة التلوث البيئي عن المشاكل الأخرى هو انها تشمل الجميع الغني والفقر الكبير والصغير الرئيس والمرؤوس... الخ، في حين أن المشاكل الأخرى يمكن ان تقتصر على فئة دون اخرى وشرائح دون اخرى كالفقر يختص بطبقة معينة وكذا الحال بالنسبة للجرائم وغيرها، هذا ما يدفع بالجميع إلى الدعوة للحفاظ على البيئة وعدم تلويثها باستثناء اصحاب الشركات الذين يرومون تحقيق هدفهم الا وهو الربح المادي، فهم لا يعيرون اهتماما للبيئة بقدر ما يفكرون بتحقيق الأرباح - ومن هنا تم استنباط العنوان -.
فالضغط على اصحاب الشركات الملوثة للبيئة بواسطة ما يعرف بضريبة الكاربون او غيرها من الاساليب، حتى يستخدموا وسائل إنتاج حديثة صديقة للبيئة وغير ملوثة لها، ولهذا أصبحت بعض الصناعات تسمى بـ "الصناعات الصديقة للبيئة".
هذا التضارب بين البيئة والشركات الممثلة للاقتصاد في ظل النظام الرأسمالي، سيدفع بالحكومة إلى التدخل في الاقتصاد وفرض الضرائب على تلك الشركات، إذ أن الحكومة ترى من ناحية لها الحق في التدخل للحافظ على الصالح العام، ومن ناحية اخرى الضغط الشعبي على الحكومة، حيث يطالب الشعب ببيئة نظيفة غير ملوثة للهواء والماء والتربة من أجل الحفاظ على صحته. فالحكومة ومن اجل بقائها في الحكم الذي يستمد بقاءه من الشعب في النظام الديمقراطي، ستدفع الى اتخاذ قرارات من شأنها أن تحافظ على البيئة تلبية لمطاليب الشعب ورغبة البقاء في السلطة لان الشعب مصدر السلطات في النظام الديمقراطي.
وتتمتع البلدان المتقدمة بمؤسسات حاكمة مثل مؤسسات المجتمع المدني التي تدافع عن الشعب وتطالب بحقوقه، مؤسسات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، ولديها القدرة في محاربة هذه الشركات. علما ان هذه المؤسسات لها ارتباط وثيق بمراكز الأبحاث المتخصصة بأغلب المجالات ومن بينها مسألة البيئة، فمراكز الأبحاث تزود مؤسسات المجتمع المدني بأحدث البيانات والتحليلات والدراسات، ومن بينها المتخصصة بالجانب البيئي، فتأخذ المؤسسات المهتمة بمسألة البيئة دورها في التصدي لمحاربة تلوث البيئة بالأساليب والحلول الناجعة كأن تفرض ضريبة بحجم التلوث الصادر عن المسبب او تحث المجتمع على عدم التعامل مع هذا النوع من الشركات الملوثة او اللجوء المحاكم او غيرها. كذلك يمكن اللجوء إلى المراكز البحثية ايضا في ابدأ المساعدة والمشورة في تحديد الحل الأمثل لمعالجة مسألة التلوث.
فالارتباط بين مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث له علاقة كبيرة في التأثير على التلوث البيئي، إذ أن هذا الارتباط سيجعل المجتمع عن طريق مؤسساته وارتباطها بالمراكز البحثية، على دراية بمن يساهم في تلويث بيئته وإدراك مدى خطورة آثاره على المجالات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، فيكون أكثر اندفاعا وتحالفات وتآزرا مع مؤسساته للحفاظ على بيته وصحته ونفسيته واقتصاده.
إذ أن عدم الاهتمام بيئته سيزيد من التدهور الصحي لدى المجتمع، وهذا التدهور يتعارض مع الرفاهية الشخصية والنفسية والاقتصادية التي يروم تحقيقها المجتمع، فيحتاج مزيد من الأموال لمعالجتها هذا التدهور، وتخصيص جزء من الدخل الفردي او الحكومي للأغراض الصحية لموازاة التلوث البيئي ومعالجته والحفاظ على نوعية الحياة، وهذا التخصيص يؤدي الى الاضرار بالإنفاق على الاستهلاك والادخار الذي يتحول بدوره إلى استثمار، وهذا الاضرار في الانفاق على الاستهلاك والادخار الذي يتحول بدوره إلى استثمار، سيؤثر على الاقتصاد برمته إذ تخفيض الانفاق على الاستهلاك والادخار الذي يتحول بدوره إلى استثمار، من أجل معالجة مسألة التلوث، سيؤدي إلى انخفاض الطلب على عناصر الإنتاج من ايدي عاملة ومواد أولية وغيرها، فيزداد حجم البطالة التي لها انعكاسات سلبية كثيرة التي لا يسع المقام لذكرها.
كما أن زيادة تخصيصات معالجة البيئة وآثارها ستؤدي إلى تخفيض نوعية الحياة المعتادة التي كانت سائدة قبل زيادة التخصيصات اللازمة للتلوث البيئي، وهذه يعني زيادة هدر الموارد الاقتصادية التي من الممكن عدم اهدارها في حال سلامة النظام الاقتصادي و وهذا ما ينعكس على العلاقات النفسية والاجتماعية والاقتصادية بل وحتى السياسية والعلاقات الدولية، فلماذا تنتج دولة في ظل شيوع العولمة والشركات متعددة الجنسية والاستثمار الاجنبي، في بلدان نامية وتعود الفائدة الاقتصادية لها في حين تعاني البلدان النامية مشكلة التلوث البيئي؟!
ان السبب هو محاربة المجتمع في البلدان المتقدمة، من خلال مؤسساته الاجتماعية ومراكزه البحثية وحكومته المنبثقة من إرادته، الشركات والمصانع الملوثة للبيئة، هذا ما دفع بأصحاب هذه الشركات بالهجرة إلى الدول النامية التي لا تهتم ببيئتها وصحتها واقتصادها!!! حتى تحافظ تلك الشركات والمصانع على أرباحها الاقتصادية ونقل الأعباء المالية والتلوث البيئي إلى هذه البلدان الفقيرة في ادارة ذاتها.
كنتيجة لضعف الإدارة السياسية المنبثقة عن ضعف الوعي الشعبي كنتيجة لعدم فاعلية بل وخمول نخبه بأغلب أصنافها وأشكالها وانواعها وغياب المؤسسات الفاعلة في محاربة البيئة وكذا الحال بالنسبة للمراكز البحثية المتخصصة، وحتى وأن وجدت فهي غالب ما تكون غير مستقلة وخاضعة لمتطلبات السلطة السياسية من اجل استمرار بقاءها في العمل بل وربما تعمل في بعض الأحيان بالاتجاه المعاكس من خلال دعمها السلطة دون الأخذ بعين الاعتبار المسؤولية المناطة بها والتي أسست على اساسها، والتي ينبغي أن تأخذ على عاتقها توعية المجتمع بكل التحديات التي تهدد كيانه ووجوده حالا مستقبلا.
اتضح مما سبق، هناك تضارب بين الاقتصاد والبيئة، كون الاقتصاد وخصوصا الرأسمالي يبحث عن الهدف (الربح) دون أن يكترث للآثار التي يتركها على بيئة المجتمع وفي للوقت ذاته المجتمع لا يرغب التنازل عن بيئته. وهذا التضارب لا يعني عدم وجود امكانية لتعايشهما، أي ان هناك امكانية لتعايشهما حتى اخذت التسميات تطلق على البيئة والاقتصاد ما يعرف بـ"الاقتصاد الاخضر"، يمكن تحقيق التعايش بينهما من خلال ثلاثة نقاط وهي:
اولا: عقلنة الربح، زيادة توعية المجتمع بشكل عام ورجال الاعمال بشكل خاص، بان الاموال والأرباح هي وسيلة لتسير حياة الانسان وليس هدف بحد ذاته.
ثانيا: تقوية دور مؤسسات المجتمع المدني والمراكز البحثية وتقوية العلاقة والترابط بينهما خصوصا فيما يتعلق بالاقتصاد والبيئة.
ثالثا: تقوية الحكومة بمؤسساتها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية، حتى يتم تشريع القوانين المتعلقة وتنفيذها ومراقبتها ومحاسبة ومعاقبة من يتجاوزها.
اضف تعليق