يحتل الاستثمار الأجنبي المباشر مكانه مهمة على المستوى المحلي والعربي والعالمي، وفي أغلب المجالات، خصوصاً في ظل سيادة العولمة التي تدعوا إلى إزالة الحدود بين الدول وتحرير التجارة، وذلك لأهداف سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها.
وما يؤكد على زيادة أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر هو ارتفاع قيمته الكلية، ما بين صادر ووارد، من 2،577 مليار دولار عام 2014 إلى 3،198 مليار دولار في عام 2016 حسب ما أشارت إليه المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات بناءاً على تقرير الاستثمار في العالم 2017 الذي تصدره منظمة الاونكتاد.
الفرق بين الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار الأجنبي غير المباشر
ولتلافي الخلط ما بين الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار الأجنبي غير المباشر لا بد من التعريف بهما ولو بشكل مختصر، فالاستثمار الأجنبي هو توظيف رأس المال في بلد خارج الدولة الأم اي في بلد أجنبي، سواء كان هذا التوظيف على شكل نقل الآلات ومكان ومعدات المستثمر إلى البلد الأجنبي، حيث يعرف بالاستثمار الأجنبي، أم كان بشكل أوراق مالية يتم توظيفها في الأسواق المالية الخاصة بالبلد الأجنبي، وهذا ما يعرف بالاستثمار الأجنبي غير المباشر (الاستثمار المالي).
وفي كلا الشكلين لابد أن يلتزم المستثمر الأجنبي بالقوانين والتشريعات الخاصة في البلد الأجنبي، إذ في حال عدم التزامه بها سيعرض استثماراته وأمواله للمخاطرة، وهذا ما لا يقبله المنطق الاقتصادي. كما إن على البلد الذي يعاني من نقص التمويل من ناحية في ظل حاجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية له من ناحية أخرى، لا بُد أن يعمل أيضاً، على خلق مناخ استثماري جاذباً للاستثمار الأجنبي، حتى يتم تلبية حاجة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عوضاً عن نقص التمويل المحلي، إذ ان عدم تهيئة المناخ المحلي لاستقبال الاستثمار الأجنبي للنهوض بالاقتصاد المحلي، أمرا لا يقبله المنطق الاقتصادي أيضا.
مناخ الاستثمار في العراق
وبما ان العراق هو أحد البلدان التي تعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، فهو يعاني من مناخ استثماري غير جيد، ويمكن توضيح ذلك من خلال ثلاث مستويات بإيجاز وكما يأتي:
- المستوى السياسي
إذ نلاحظ على مستوى المشهد السياسي في العراق، غياب المصالح العليا للبلد لدى الأحزاب التي تروم الوصول إلى سدة الحكم، وتغليب المصالح الشخصية على المصالح الوطنية، وشيوع الفساد بشكل كبير، بهدف خلق القوة الاقتصادية لصالح الحزب المتربع على سدة الحكم، حتى يستطيع الحزب إغراء الجماهير بالدعم المالي او السلعي، فضلاً عن مساهمة الحزب الحاكم في تضخم البطالة المقنعة في الجهاز الحكومي لكسب الولاء السياسي وضمان استمرارية السلطة او الوصول إليها مرة أخرى، وبالتأكيد ان استمرار المناكفات السياسية ينعكس صداها على الوضع الأمني ويتجه نحو الأسوء، وهذا ما يزيد من سوء المناخ الاستثماري.
- المستوى الاقتصادي
وعلى المستوى الاقتصادي نلحظ ان الاقتصاد العراقي يعاني من مشاكل هيكلية تتمثل في طغيان القطاع النفطي على الناتج المحلي الإجمالي وكذا الحال بالنسبة للصادرات الكلية والإيرادات الحكومية، فالقطاع النفطي يسهم بنسبة تتراوح ما بين 40-50% من الناتج المحلي الإجمالي، وبنسبة 90-98% من الصادرات الكلية، وبنسبة 85-95% من الإيرادات الحكومية، فهذه النسب تعكس مشكلة مركبة يعانيها الاقتصاد، فمادام القطاع النفطي هو المسيطر على الاقتصاد، وان المسيطر على القطاع النفطي هو القطاع العام، أي لازال القطاع الخاص يعاني من حصار الدولة على الرغم من تبني الدستور العراقي في المادة 112 التحول نحو اقتصاد السوق، فالاقتصاد العراقي يعاني من مشكلة ثنائية، يمكن الاطلاع عليها في مقال منشور على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بعنوان" ثنائية الاقتصاد العراق".
- المستوى الاجتماعي
وبخصوص المستوى الاجتماعي نلحظ انخفاض مستوى التعليم والصحة، حيث غالب ما تتراوح مؤشرات التنمية البشرية من حيث ترتيبها على المستوى العالمي ما بين 120-130 من بين 188 دولة يضمها التقرير الذي تصدره الأمم المتحدة، فضلا انحدار السلوك الاجتماعي وانخفاض الوعي الفردي الذاتي والمستوى الثقافي وزيادة المنازعات العشائرية خصوصا في وسط وجنوب العراق وغياب علاقة المواطنة وثقافتها، وهذا ما يخفض من مستوى التنمية، وبهذا الصدد يشير التقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 في العراق ضمن ص19 "لو كانت علاقات المواطنة وثقافة المواطنة أكثر رسوخاً وانتشارا، لكانت نتائج التنمية أفضل بما لا يقاس مقارنة بما حصل، وما أدى إليه تزايد التوتر الاجتماعي وأحيانا السياسي والأمني".
الاستثمار الأجنبي المباشر في العراق
وبناءا على ما تقدم نلاحظ ان تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى العراق اتجه نحو الانخفاض من 7،752 مليون دولار عام 2015 إلى 5،911 مليون دولار عام 2016، أي ان العراق خسر ما يقارب المليارين، بينما شهد تطورا ملحوظاً على المستوى العربي والعالمي، فارتفعت التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة الواردة إلى الدول العربية إلى 30،798 مليون دولار عام 2016 بعد إن بلغت 24،582 مليون دولار عام 2015، اما على المستوى العالمي فقد تمت الإشارة إليه آنفاً.
كما وان زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية الصادرة من العراق والتي بلغت 304 مليون دولار في عام 2016 بعد إن كانت 148 مليون دولار في عام 2015، يؤكد عدم جاذبية مناخ الاستثمار العراقي للاستثمارات المحلية، فكيف الحال بالنسبة للاستثمارات الأجنبية؟ بالتأكيد انها تهاجر قبل الاستثمارات المحلية، وهذا ما أثبتته القيم أعلاه.
- عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية الجديدة الواردة
بلغ عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية الجديدة الواردة إلى العراق320 مشروعاً خلال المدة 2003-2016، مشكلاً ما نسبته 2.62% من إجمالي عدد المشاريع الاستثمارية الواردة إلى الدول العربية، البالغ عددها 12،192 مشروعاً. ولو أخذنا متوسط حصة العراق من إجمالي عدد المشاريع هذه، من خلال تقسيم إجمالي عدد المشاريع على عدد الدول العربية الوارد إليها الاستثمار الأجنبي، ستكون النتيجة إن لكل بلد عربي أكثر من 580 مشروع، ومن بينها العراق، لكن عدد المشاريع الواردة إليه (320) تُثبت عدم استطاعته مناخه على جذب الاستثمارات الأجنبية بشكل سلسل كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول العربية الأخرى.
وعلى الرغم من انحراف متوسط عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية الواردة إلى العراق والتي بلغت 320 مشروعاً والتي ينبغي أن تكون على أقل تقدير 580 مشروعاً تناسباً مع حجم الاقتصاد العراقي، إلا إنها ساهمت في خلق وظائف بلغت ما يقارب 50،819 وظيفة، ومع هذا العدد فهي تشكل ما نسبته 2.27% من إجمالي عدد الوظائف التي بلغ عددها 1،819،428 بالنسبة لجميع الدول العربية خلال نفس المدة 2003-2016.
- العراق والاستثمارات البينية مع الدول العربية
يحتل العراق المرتبة السادسة من حيث التكلفة الإجمالية للمشروعات العربية البينية، بعد كل من مصر والسعودية والجزائر والأردن وليبيا، وبعبارة أخرى ان هذه الدول تسبق العراق من حيث حجم الاستثمارات العربية الواردة إليها، وتشكل استثمارات العربية الواردة إلى العراق ما نسبته 6.3% من مجموع الاستثمارات البينية العربية البالغة 324،129 مليون دولار خلال المدة 2003-2016.
- العراق والاستثمارات البينية من حيث القطاعات
وعلى الرغم من عدم وجود مناخ استثماري جيد إلا ان الاستثمارات العربية البينية اتجهت نحو قطاعات محدودة، وذلك لجدواها الاقتصادية التي تدفع المستثمر إلى المخاطرة في رأسماله، فقطاع العقارات وقطاع الفحم والنفط والغاز الطبيعي وقطاع الفنادق والسياحة كانت من اهم القطاعات التي اتجهت إليها الاستثمارات العربية، حيث شكلت هذه القطاعات بمفردها 83.19% من مجموع الاستثمارات العربية الموجهة لقطاعات الاقتصاد العراقي البالغة، 20،583.2 مليون دولار خلال المدة 2003-2016.
- اكبر المستثمرين الأجانب في العراق
إن سيادة الاستثمارات الأجنبية الجديدة الصينية في معظم البلدان العربية في عام 2016، حيث بلغت قيمتها 29،474.4 مليون دولار، أي انها تشكل ما يقارب 32% من مجموع الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى معظم البلدان العربية، بينما لم تستثمر الصين في العراق ولا دولار واحداً لنفس العام، في حين الذي امتلك حصة الأسد من حيث الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد العراقي هي روسيا حيث بلغت استثماراتها فيه 3،466.7 مليون دولار، اي تشكل ما يُقارب 88% من مجموع الاستثمارات الأجنبية في العراق.
وبعد ان اتضح ان مناخ الاستثمار في العراق غير ملائم لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، إذ تسبب في انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى الاقتصاد العراقي من ناحية، وهروب رأس المال المحلي من ناحية أخرى للاستثمار في الخارج، هذا ما يؤثر بالاتجاه السلبي على الكثير من المتغيرات الاقتصادية كالنمو الاقتصادي والبطالة والتجارة الخارجية والإيرادات الحكومية وسعر الصرف والاحتياطي الأجنبي وغيرها.
لذا لابد من العمل على ما يأتي:
1- ترميم المناخ الاستثماري في العراق من حيث تحقيق الاستقرار السياسي والأمني أولا لأنه واجهة الدولة اما المستثمرين الأجانب.
2- والعمل على فسح المجال أمام القطاع الخاص للتخلص من الهيمنة الحكومية والريعية النفطية على النشاط الاقتصادي حتى يتم تحقيق التنوع الاقتصادي.
3- الاهتمام بالمستوى الاجتماعي من خلال رفع المستوى التركز على المستوى الصحي والتعليمي، بالإضافة إلى ترسيخ ثقافة المواطنة وتغليبها على الانتماءات الأخرى، من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات وغيرها أو من خلال المناهج التعليمية او غيرها.
4- الاهتمام بالتشريعات القانونية التي تجعل المستثمر يشعر بالاطمئنان على استثماراته، وذلك من خلال تفعيل الجانب القضائي وسرعة استجابته للمستثمر حين يلجأ إليه.
اضف تعليق