عقد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت مؤتمره خلال المدة 19-21 ايار 2017 تحت شعار تمكين الاجيال نحو المستقبل، وإنصبت النقاشات في جوهرها على موضوع تشغيل القوى الشبابية في العصر الرقمي او الثورة التكنولوجية الرابعة الراهنة.
فأمام ظاهرة عجز الشركات الكبرى عن التشغيل الواسع للقوى العاملة الشابة ذلك لإحلال تكنولوجيا عالية الكثافة، وكذلك عجز الحكومات في توفير فرص العمل (ولاسيما من امم شابة نسبة الشباب فيها بنحو 60 بالمئة من اجمالي قوة العمل) بسبب السير في مبدأ الحكومة الإلكترونية الصغيرة الفاعلة، لذا فان الفرص المتاحة للتشغيل هي بلوغ مايسمى بالنظام الايكولوجي ECO system: اي الترابط المتسارع لكل الطاقات الموهوبة للشباب والقدرات الريادية المدعومة بالابتكارات التي يتعاطى معها العصر الرقمي لتشكيل حواضن عمل منتجة ومستفيدة في ان واحد، ذلك عبر ظواهر سلوكية ادارية ديناميكية (يطلق عليها اصطلاحاً بالتغير الجذري الخلاق (disruption) وهو مزيج بين الريادة الادارية والقدرة على الابتكار والمواهب لتوليد منتجات جديدة واسواق جديدة تشكل جميعها اساس النظام الايكولوجي الذي قوامه المشروعات الصغيرة والمتوسطة المترابطة رقمياً.
فالترابطات بين مدخلات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومخرجاتها التي تتعاطى بقدرات معلوماتية متبادلة تأتي جميعها (كقوة تفاعلية) لتعظيم كفاءة الانتاج وادخال منتجات جديدة مولدة لأسواق جديدة كما ذكر.
اما دور الدولة فسيبقى المجهز الاساس للبنى التحتية (المادية والقانونية) وتسهيل الاعمال وتبسيط الاجراءات مع التأكيد على مبدأ الشراكة والتفاعل بين الدولة والسوق.
كما اثيرت قضايا نظرية اقتصادية مهمة في مفهوم توازن السوق الرقمية، فعلى سبيل المثال أخذ قانون مارشال في العرض والطلب (لتحديد الاسعار التوازنية) مفهوماً جديدا في توازن السوق الرقمية.
فالأسعار التوازنية الرقمية هي تمثل تعادل الطلب مع العرض (حيث يمثل العرض هنا احتواء جميع المشكلات بما فيها مشكلات البنية التحتية والبيروقراطية الحكومية وغيرها والنزول بها الى حدها الادنى الامثل من خلال تبسيط الاجراءات وشفافية اللوائح الرقابية).
وهكذا فإن خلاصة الافكار التي جاء بها النظام الايكولوجي آنفاً هو المخرج الاساس لنظام التشغيل ومواجهة البطالة من خلال كثافة المنتج الجديد الذي تسهل تحقيق نموه تلك الادوات الرقمية وقدراتها المعلوماتية، سواء في مجال اقامة حاضنات الاعمال او تشييد نظام للوحدات السكنية الواطئة الكلفة او استعمال الطاقة الشمسية او التقنيات الحديثة في الزراعة او استخدام الذكاء الصناعي، اي من خلال اقامة وحدات انتاجية صغيرة ومتوسطة ومترابطة تعمل بقاعدة رقمية موحدة في تبادل المعلومات لتشكل جميعها النظام الايكولوجي الامثل الذي سيكون قوة فاعلة للتشغيل الاساسي للقوة البشرية الشابة.
يلحظ ان العراق في ظروفه الراهنة هو بأمس الحاجة الى خطوة فاعلة لتجميع الشركات الصغيرة والمتوسطة الرائدة لتشكيل نواة لنظام ايكولوجي يتوافر له التمويل الداخلي او الدولي سواء من وكالات التمويل الدولية او مشروع اقراض البنك المركزي او غيرها لبلوغ العصر الرقمي وامتيازاته في تشغيل الطاقات العاملة من الشباب وتوليد منتجات جديدة وفق قاعدة معلومات ميسرة لكل تجمع منتج.
فعلى سبيل المثال لا الحصر يلحظ ان العالم العربي ينفق حاليا على الترجمة سنويا أكثر من ١،٢مليار دولار وهي فرصة لإقامة وحدات ترجمة بأدوات عصرية رقمية كنشاط مكون للنظام الايكولوجي والامثلة على ذلك كثيرة.
وعليه نرى اهمية السير بعصر رقمي جديد للعراق وبدعامتين اساسيتين : اولهما : البدء بإقامة نظام للشركات الشبابية الرائدة (SME,s) في الحقول المختلفة كالزراعة والبناء وفروع الانتاج ذات الابتكارات الرقمية حصرياً، بالتنسيق بين الوزارات ذات العلاقة كالتعليم العالي والشباب والرياضة والعمل والشؤون الاجتماعية والتخطيط وكذلك البنك الدولي والافادة من خبراته الواسعة بهذا الشأن.
والاخرى: تهيئة السبل اللازمة لتشجيع تأسيس شركات رائدة صغيرة للمنتجات المبتكرة وخلق اسواق وطنية جديدة باسم الشركات الرائدة للشباب وزجها في نظام تجميعي واحد يعمل وفق قاعدة معلومات وبيانات كفوءة، بلوغاً لاقتصاد رقمي فعلي الذي يعني استخدام شبكات الانترنت لتسهيل اعمال المجتمع التبادلية والتعاقدية، مع التأكيد على مبدأ توافر العدالة الرقمية (اي جعل عمليات استخدام الانترنت متاحة للجميع دون تميز او اقتصارها على فئات مجتمعية محددة).
اضف تعليق