والمشكلة فينا أننا ندعو الله ولكننا أحطنا أنفسنا بالمضادات والمزاحِمات القوية قبل الدعاء، ومعه وبعده أيضاً قد يكون ظالماً لزوجته أو للموظفين لديه أو لجيرانه أو حتى لشعبه وهو يدعو فكيف يستجاب له أو قد يكون ممن تعلقت به حقوق الناس من أموال سرقها منهم...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لماذا لا تستجاب أدعية بعض الناس؟ وماذا نصنع كي تستجاب أدعيتنا؟
قال الله العظيم: (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1) وقال عن العسل: (فيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ)(2)، وورد في الحديث: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) مِنْ قَتْلِهِ أَنْ جَعَلَ الْإِمَامَةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَالشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَإِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِهِ)(3).
والسؤال الذي يطرحه بعض الناس هو: إننا كثيراً ما ندعو الله تعالى ولا يستجاب لنا، وقد ندعو تحت القبة الشريفة ولا يستجاب لنا، كما قد نأكل من التربة المقدسة ولا نرى الشفاء؟!
ويمكن الجواب عن ذلك بوجوه أو بأنحاء عديدة(4):
أولاًـ الدعاء مقتضٍ للاستجابة
النحو الأول: إن ذلك كله، إنما بنحو (المقتضي)، وليس بنحو (العلة التامة).
والمراد بالمقتضي (الـمُعِدّ) أو (العلّة الـمُعدّة) مقابل الشرط والمانع وما أشبه.
والمهم أن نعرف أن (المقتضي) له عرض عريض جداً، أو فقل إنه حقيقة تشكيكية ذات مراتب فقد يكون الاقتضاء بدرجة تسعين بالمائة، وقد يكون بدرجة خمسين بالمائة، وقد يكون بدرجة واحد بالمائة وقد يكون بدرجة واحد بالألف، وكل ذلك لا يخلّ بكونه مقتضياً من حيث ذاته أصلاً لأن (الاقتضاء) علاقة (جوهرية) بين الشيئين، وليس علاقة (كميّة)... وتوضيح ذلك:
إنه يقال: (النار مقتضية للإحراق) والاقتضاء فيها درجته 99.99% أو ما يقارب ذلك، أي إن النار علّة للإحراق في 9.999 مورداً من الـ10.000 مورد، بل إنها قد تكون علّة للإحراق(5) في مليون مورداً إلا مورداً واحداً أو علة في مليار أو ترليون مورداً إلا واحداً، وذلك الاستثناء (الواحد بالمليار مثلاً) هو فيما لو كان البدن أو القماش مطلياً مثلاً بمادة عازلة، أو لم تكن هناك المحاذاة اللازمة.
وعليه: فإذا فرضنا أن المليون قطعة قماش كانت كلها ـ إلا واحداً ـ مطليةً بمادة عازلة، فإن قضيتنا (النار محرقة) أو (النار مقتضية للإحراق) أو (النار علّة للإحراق) لا تزال صادقة وإن تضاءلت كمية ما يحترق منها بالنار، إلى أقصى الحدود.
وبعبارة أخرى: (الاقتضاء) يرتبط بجوهر العلاقة بين الشيئين (العلّة والمعلول) ولا يرتبط بـ(كمية) انفعال الثاني عن الأول.
وهكذا حال الدعاء فإن الدعاء مقتضٍ للاستجابة، والتربة الحسينية كذلك مقتضية للشفاء، وقد تكون الاستجابة والشفاء مائة بالمائة، كما في دعاء المعصومين (عليهم السلام) (فيما لو طلبوا طلباً حتمياً)(6) وقد تكون الاستجابة والشفاء 90% مثلاً كما في دعاء الأولياء، وقد تكون واحداً بالمائة أو واحداً بالألف أو واحداً بالمليون، كما في أدعية العُصاة على اختلاف درجاتهم.
ثانياً ـ الدعاء مستجاب بشرط توفر الشروط وعدم المزاحِم
النحو الثاني: وقد يكون عدم استجابة الدعاء أو عدم الشفاء رغم تناول التربة، نتيجة (تزاحم المقتضيات)(7) فمثلاً قطع الرحم مقتضٍ لِقِصَرِ العمر والموت المبكّر عبر مرضٍ أو اصطدام أو ما أشبه ذلك، وفي المقابل فإن الدعاء أو التربة مقتضٍ للشفاء وطول العمر، فإذا قام الشخص بالعملين في وقت واحد تزاحم مقتضيان شديدا الاقتضاء، وترتبط المحصلة النهائية بنوع وبدرجة كل منهما (مع قطع النظر عن سائر العوامل) وذلك بعد إذن الله تعالى ومشيئته، مثلاً: درجة يقينه حين الدعاء أو درجة إخلاصه، أو نوع قطعه للرحم ودرجة القطيعة للرحم وغير ذلك.
وذلك كما يقال: إن هذا الدواء (الأنتي بيوتيك 500) مثلاً هو علاج قطعي للانفلونزا العادية خاصة إذا تناوله المريض مع فيتامين C أو B1 وغيرهما، ولكن هذا (القطع) إنما هو بلحاظ (الدواء والانفلونزا) فقط، أي لو لاحظنا هذين الأمرين فقط وقمنا بتحييد سائر العناصر والعوامل، ولكن المريض إذا استعمل الأدوية كلها ومع ذلك ألقى بنفسه في بحيرة متجمدة وبقي فيها ساعتين أو وقف في الهواء البارد القارص بدون ملابس كافية لساعات، فإنه لا شك أنه سيستمر مرضه بل قد يشتد ويزداد، ولا يخلّ ذلك أبداً بقاعدة أن (هذا الدواء هو علاج أكيد لهذا المرض).
ومثال آخر: التداخلات الدوائية التي يحذّر منها الأطباء، فإن بعض الأدوية قد يكون له مفعول مضاد لبعض الأدوية الأخرى، فإذا استعمل المريض كلا النوعين من العلاج فإن أحدهما يبطل مفعول الآخر.
وكذلك لو كان (المعقم والمطهّر) قطعي المفعول، فإنه يؤثر دون شك، لكن بشرط أن لا تسكب على الجرح ملوثات جديدة أخرى بنحو مستمر.
إننا ندعو ونعصي!
والمشكلة فينا أننا ندعو الله تعالى في السَّحَر أو تحت القبة المنورة أو عند الكعبة المشرفة أو نأكل التربة، ولكننا أحطنا أنفسنا ـ مع ذلك ـ بالمضادات والمزاحِمات القوية قبل الدعاء، ومعه وبعده أيضاً! فمثلاً: قد يكون ظالماً لزوجته أو للموظفين لديه أو لجيرانه أو حتى لشعبه وهو يدعو! فكيف يستجاب له؟ أو قد يكون ممن تعلقت به حقوق الناس من أموال سرقها منهم أو غصبها أو من رشوة ارتشاها أو اختلاس ارتكبه أو دَين مستحق عليه وهو لا يؤديه أو قد يكون ممن هتك أستار الناس أو أشاع فيهم الفاحشة وأتهم العلماء أو المؤمنين أو اغتابهم أو جرحهم بوجه (في مجلسٍ أو عبر إذاعة أو في كتاب أو جريدة ومجلة أو غير ذلك) وظلمهم عبر (الإعلام المضلل) فكيف يستجاب له؟!
وقد ورد: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ)(8) (وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعَاءَ)(9) و(فأسألك بعزتك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي وفعالي)(10).
أو قد يكون هذا الداعي قبل الدعاء ومعه وبعده، ممن تعلّقت به حقوق الله تعالى من صلاة وصوم وخُمس وحج وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، وقد ورد: (لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلِّيَ اللَّهُ أَمْرَكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ)(11) أو قد تكون بطنه مليئة من لقمة الحرام أو الشبهة فلا يستجاب له، أو قد يدعو وقلبه مليء بالحسد أو بالحقد على بعض المؤمنين، فكيف يستجاب له؟! أو قد يدعو وعقله ممتلئ من العجب والكبرياء والغرور، فكيف يستجاب له؟! وقد يدعو ثم يذنب فلا يستجاب له، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ الْحَاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ إِلَى وَقْتٍ بَطِيءٍ فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ ذَنْباً فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَكِ لَا تَقْضِ حَاجَتَهُ وَاحْرِمْهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ مِنِّي)(12) وسيأتي.
ولعله تعالى أشار في قوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(13) إلى هذين الجوابين، فالوفاء بالعهد الذي له علينا هو بإطاعته وعدم معصيته، فإن إطاعته في سائر الأمور يوفر (الشرط) لاستجابة الدعاء 100(% بإذن الله تعالى، ومعصيته في القضايا الأخرى تشكّل المانع من الاستجابة في كل الموارد؛ أي إذا أردت لطف الله تعالى باستجابة الدعاء 100% فعليك بالإطاعة المطلقة لله تعالى وتجنب معاصيه 100% وعندئذٍ تكون كما روي في الحديث القدسي:
(يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِيٌّ لَا أَفْتَقِرُ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لَا تَفْتَقِرْ.
يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا حَيٌّ لَا أَمُوتُ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ حَيّاً لَا تَمُوتُ.
يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ)(14).
خمسة وعشرون شرطاً لاستجابة الدعاء
كما أشير إلى وجود شروط لاستجابة الدعاء في روايات كثيرة(15)، ومنها:
معرفة الله تعالى
1 ـ ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: (قَالَ قَوْمٌ لِلصَّادِقِ (عليه السلام) نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ تَدْعُونَ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ)(16) وقال تعالى: (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَميعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينِهِ)(17) ويستفاد من الحديث:
الشرط الأول لاستجابة الدعاء هو: (معرفة الله تعالى) فإنه شرط في الإجابة وقضاء الحاجة، والمعرفة على درجات، وعلى حسب درجاتها تكون درجة استجابة الدعاء، فإذا أردت أن يستجاب دعاؤك فاسعَ لكي تتعرف، على قدر المستطاع، على الله تعالى وصفات جماله وجلاله، وعلى عظمته وجزيل إحسانه ووافر نِعَمه، وذلك عبر التدبر في الآيات القرآنية وقراءة أدعية (الصحيفة السجادية)، ومطالعة ما جاء في (نهج البلاغة) و(أصول الكافي) و(التوحيد) وغيرها عن الله تعالى، وتجليات عظمته وصفاته ونِعَمه.
الإخلاص له جل اسمه
2 ـ وقال تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ)(18) والمستظهر أن:
الشرط الثاني هو: (الإخلاص لله تعالى) وذلك لأنه إن دعا الله مخلصاً له الدين، كان داعياً له حقاً فهو أشبه بالشرط المحقق للموضوع(19)!
والحاصل: إنه يشترط في استجابة الدعاء بأن لا يكون مشركاً به بوجهٍ: بشِرك جلي أو خفي، كأن يكون مرائياً مثلاً، فطهّر قلبك من الشرك والرياء والسمعة وشبهها، كي يستجاب دعاؤك. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لابنه محمد بن الحنفية (رضوان الله عليه): (وَأَخْلِصِ الْمَسْأَلَةَ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالْإِعْطَاءَ وَالْمَنْعَ وَالصِّلَةَ وَالْحِرْمَانَ)(20).
الإقبال بالقلب حين الدعاء، واليقين بالإجابة
3 ـ4 ـ وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ سَاهٍ فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ ثُمَّ اسْتَيْقِنْ بِالْإِجَابَةِ)(21).
وعن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَ قَلْبٍ لَاه، وَكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَقُولُ: إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ لِلْمَيِّتِ فَلَا يَدْعُو لَهُ وَقَلْبُهُ لَاهٍ عَنْهُ وَلَكِنْ لِيَجْتَهِدْ لَهُ فِي الدُّعَاءِ)(22)، ويستفاد منه:
الشرطان الثالث والرابع وهما: (الإقبال بالقلب) و(اليقين بالإجابة) فإنهما شرطان لاستجابة الدعاء، وسهو القلب مانع، والإقبال يرتبط بالقلب، واليقين يرتبط بالعقل، بل ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ وَظُنَّ حَاجَتَكَ بِالْبَابِ)(23) أي ليبلغ يقينك إلى هذه الدرجة!.
الاستكانة لله تعالى والتضرع له
5 ـ6 ـ وقال تعالى: (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَـرَّعُونَ)(24) وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن قول الله عز وجل: (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَـرَّعُونَ)؟ قَالَ (عليه السلام): (الِاسْتِكَانَةُ هِيَ الْخُضُوعُ وَالتَّضَرُّعُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ وَالتَّضَرُّعُ بِهِمَا)(25). وعن المفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كَانَ فِيمَا نَاجَى اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ بِهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ (عليه السلام) أَنْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ عِمْرَانَ كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي أَلَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ هَا أَنَا ذَا يَا ابْنَ عِمْرَانَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحِبَّائِي إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ حَوَّلْتُ أَبْصَارَهُمْ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَمَثَّلْتُ عُقُوبَتِي بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ يُخَاطِبُونِّي عَنِ الْمُشَاهَدَةِ وَيُكَلِّمُونِّي عَنِ الْحُضُورِ يَا ابْنَ عِمْرَانَ هَبْ لِي مِنْ قَلْبِكَ الْخُشُوعَ وَمِنْ بَدَنِكَ الْخُضُوعَ وَمِنْ عَيْنِكَ الدُّمُوعَ فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ وَادْعُنِي فَإِنَّكَ تَجِدُنِي قَرِيباً مُجِيباً)(26) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بُكَاءُ الْعُيُونِ وَخَشْيَةُ الْقُلُوبِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا وَجَدْتُمُوهَا فَاغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ وَلَوْ أَنَّ عَبْداً بَكَى فِي أُمَّةٍ لَرَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْأُمَّةَ لِبُكَاءِ ذَلِكَ الْعَبْدِ)(27) وعن صفوان، عن الرضا (عليه السلام) في حديث: أن أبا قرة قال له: مَا بَالُكُمْ إِذَا دَعَوْتُمْ رَفَعْتُمْ أَيْدِيَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عليه السلام): (إِنَّ اللَّهَ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِضُرُوبٍ مِنَ الْعِبَادَةِ) إِلَى أَنْ قَالَ: (وَاسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالطَّلَبِ وَالتَّضَرُّعِ بِبَسْطِ الْأَيْدِي وَرَفْعِهَا إِلَى السَّمَاءِ لِحَالِ الِاسْتِكَانَةِ وَعَلَامَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ)(28) ويستفاد منه:
الشرطان الخامس والسادس وهما: (التضرع إلى الله تعالى) و(الاستكانة له).
وقد وردت روايات رائعة عن الكيفيات المختلفة للدعاء ومن الجدير ان نلتزم بها جميعاً، ومنها: عن محمد بن مسلم قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَقُولُ: (مَرَّ بِي رَجُلٌ وَأَنَا أَدْعُو فِي صَلَاتِي بِيَسَارِي، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِيَمِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَقّاً عَلَى هَذِهِ كَحَقِّهِ عَلَى هَذِهِ)، وَقَالَ:
الرَّغْبَةُ: تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَتُظْهِرُ بَاطِنَهُمَا.
وَالرَّهْبَةُ: تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَتُظْهِرُ ظَهْرَهُمَا.
وَالتَّضَرُّعُ: تُحَرِّكُ السَّبَّابَةَ الْيُمْنَى يَمِيناً وَشِمَالًا.
وَالتَّبَتُّلُ: تُحَرِّكُ السَّبَّابَةَ الْيُسْرَى تَرْفَعُهَا فِي السَّمَاءِ رِسْلًا وَتَضَعُهَا.
وَالِابْتِهَالُ: تَبْسُطُ يَدَيْكَ وَذِرَاعَيْكَ إِلَى السَّمَاءِ وَالِابْتِهَالُ: حِينَ تَرَى أَسْبَابَ الْبُكَاءِ)(29).
وقال السيد الوالد في موسوعة الفقه: (وهذه أقسام من الضراعة، ولعل الاصطلاحات تختلف، وإن كان الظاهر أن الألفاظ المختلفة لمعنى واحد تختلف من جهة الخصوصيات كالأسد والهصور والفدوكس، فلكل وجه وإن الكل يشير إلى الحيوان المفترس)(30).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّغْبَةَ وَأَبْرَزَ بَطْنَ رَاحَتَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهَكَذَا الرَّهْبَةُ، وَجَعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَهَكَذَا التَّضَرُّعُ، وَحَرَّكَ أَصَابِعَهُ يَمِيناً وَشِمَالًا، وَهَكَذَا التَّبَتُّلُ، يَرْفَعُ أَصَابِعَهُ مَرَّةً وَيَضَعُهَا مَرَّةً، وَهَكَذَا الِابْتِهَالُ، وَمَدَّ يَدَهُ بِإِزَاءِ وَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَقَالَ لَا تَبْتَهِلْ حَتَّى تَجْرِيَ الدَّمْعَةُ)(31).
إلفات هام: من الحديثين يستفاد أن للتضرع صورتين:
1ـ تحريك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً.
2ـ تحريك كل الأصابع يميناً وشمالاً، ولعلهما بحسب درجات البلاء فإذا ازداد حرك كلّ أصابعه.
كما يستفاد آن التبتل نوعان:
1 ـ تحريك السبابة اليسرى برفعهما إلى السماء ووضعها.
2 ـ تحريك كل أصابعه صعوداً ونزولاً، ويبدو أنهما حسب درجات البلاء أيضاً.
والرواية الرائعة التالية، هي خير مذكّر لنا بالدور الأساسي للقلب والخشية من الله والإقبال عليه، والتضرع في استجابة الدعاء، قال رسول الله: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً مِنَ الْحُزْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ، وَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ، وَانَّه لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانٌ جَهَنَّمَ في منخري المؤمن أبداً، وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَاراً مِنَ الضَّحِكِ وَإِنَّ الضَّحِكَ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)(32).
تمجيد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والتباكي
7 ـ9 ـ وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إِنْ خِفْتَ أَمْراً يَكُونُ أَوْ حَاجَةً تُرِيدُهَا فَابْدَأْ بِاللَّهِ وَمَجِّدْهُ وَأَثْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ) وَسَلْ حَاجَتَكَ وَتَبَاكَ وَلَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ بَاكٍ)(33) ومنه يستفاد:
الشرط السابع: لأقربية الاستجابة: (تمجيد الله والثناء عليه). وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إِذَا طَلَبَ أَحَدُكُمُ الْحَاجَةَ فَلْيُثْنِ عَلَى رَبِّهِ وَلْيَمْدَحْهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَبَ الْحَاجَةَ مِنَ السُّلْطَانِ هَيَّأَ لَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَحْسَنَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِذَا طَلَبْتُمُ الْحَاجَةَ فَمَجِّدُوا اللَّهَ الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ وَامْدَحُوهُ وَأَثْنُوا عَلَيْهِ، تَقُولُ: يَا أَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى وَيَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، يَا مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً، يَا مَنْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَيَقْضِي مَا أَحَبَّ يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى يَا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، يَا سَمِيعُ يَا بَصِيرُ، وَأَكْثِرْ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَقُلِ اللَّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلَالِ مَا أَكُفُّ بِهِ وَجْهِي، وَأُؤَدِّي بِهِ عَنْ أَمَانَتِي وَأَصِلُ بِهِ رَحِمِي وَيَكُونُ عَوْناً لِي فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)(34).
وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إِنَّ فِي كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): إِنَّ الْمِدْحَةَ قَبْلَ الْمَسْأَلَةِ، فَإِذَا دَعَوْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَمَجِّدْهُ)، قُلْتُ: كَيْفَ أُمَجِّدُهُ؟ قَالَ (عليه السلام): (تَقُولُ: يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، يَا فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ، يَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، يَا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلَى، يَا مَنْ هُوَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(35).
وقال السيد الوالد: (ما ذكر في هذه الروايات من التمجيد من باب المثال، كما هو واضح)(36) أي إنه ليس للحصر بل من باب التفسير بالمصداق.
الشرط الثامن: (الصلاة على النبي ) وآله (عليهم السلام))(37) فقد ورد عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كُلُّ دُعَاءٍ يُدْعَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ)(38) وعن ابن القداح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله ): لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ فَيَشْرَبُهُ إِذَا شَاءَ، اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَ فِي آخِرِهِ وَفِي وَسَطِهِ)(39).
وقال السيد الوالد: (أقول: لعل المراد أنكم إذا شئتم صليتم عليَّ وإذا لم تشاؤوا لم تصلّوا كالقدح الذي يملأه الراكب إذا شاء شرب منه، بل ليكن دعائكم منوطاً بذكري في أوله وآخره ووسطه، وإلا فلا يستجاب، فالاستجابة كالماء الذي عند الغير لا يعطي للطالب إلا إذا اعطاه ثمنه.
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): (مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ الطَّرَفَيْنِ وَيَدَعَ الْوَسَطَ، إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ لَا تُحْجَبُ عَنْهُ)(40))(41).
الشرط التاسع: (التباكي)، وقد ورد عن اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أَكُونُ أَدْعُو فَأَشْتَهِي الْبُكَاءَ وَلَا يَجِيئُنِي وَرُبَّمَا ذَكَرْتُ بَعْضَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي فَأَرِقُّ وَأَبْكِي، فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ (عليه السلام): (نَعَمْ، فَتَذَكَّرْهُمْ فَإِذَا رَقَقْتَ فَابْكِ وَادْعُ رَبَّكَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى)(42).
وعن عنبسة العابد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إِنْ لَمْ تَكُنْ(43) بِكَ بُكَاءٌ فَتَبَاكَ)(44).
وعن سعد بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إِنِّي أَتَبَاكَى فِي الدُّعَاءِ وَلَيْسَ لِي بُكَاءٌ؟ قَالَ (عليه السلام): (نَعَمْ وَلَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ)(45).
وقال السيد الوالد: (أقول: ذكرنا سابقاً أن المتباكي شبيه بالباكي، ومن تشبّه بقوم فهو منهم، لأن معيار القلب أهم من معيار الجسد، قال سبحانه: (آثِمٌ قَلْبُه)(46) وقال تعالى: (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليمٍ)(47))(48).
وقد جُمعت هذه الثلاثة وهي تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي وآله والتباكي في الرواية التالية: عن علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبي بصير: (إِنْ خِفْتَ أَمْراً يَكُونُ أَوْ حَاجَةً تُرِيدُهَا فَابْدَأْ بِاللَّهِ وَمَجِّدْهُ وَأَثْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ) وَسَلْ حَاجَتَكَ وَتَبَاكَ وَلَوْ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ، إِنَّ أَبِي (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ بَاكٍ)(49).
الدعاء والقلب غير قاسٍ
10 ـ وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ قَاسٍ)(50) ويستفاد منه:
الشرط العاشر وهو: أن لا يكون قلب الداعي قاسياً عند الدعاء، وقساة القلوب هم الذين لا يَحِنّون على اليتامى والمرضى والعجزة والأطفال، ولا يرقّ قلبهم للمظلومين، ولا يبكون من خشية الله تعالى ولا يرحمون أهلهم أو جيرانهم أو تلامذتهم أو الموظفين لديهم أو لا يرحمون شعبهم، قال السيد الوالد: (أقول: الصفات النفسية السيئة كالقسوة والحقد والنفاق والحسد وما أشبه تمنع استجابة الدعاء؛ فإنه لا يستجاب إلا مِن قلب نظيف، من باب المقتضي)(51).
وقد ورد عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال: (إِنَّ رَجُلًا كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ دَعَا اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ غُلَاماً، يَدْعُو ثَلَاثاً وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَلَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُجِيبُهُ قَالَ: يَا رَبِّ أَبَعِيدٌ أَنَا مِنْكَ فَلَا تَسْمَعُ مِنِّي أَمْ قَرِيبٌ أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي؟! فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَدْعُو اللَّهَ بِلِسَانٍ بَذِيٍّ وَقَلْبٍ غَلِقٍ عَاتٍ غَيْرِ نَقِيٍّ وَبِنِيَّةٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ فَاقْلَعْ مِنْ بَذَائِكَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ قَلْبُكَ وَلْتَحْسُنْ نِيَّتُكَ. قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوُلِدَ لَهُ غُلَامٌ)(52).
تجنّب الذنوب بعد الدعاء
11 ـ وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إِنَّ الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ الْحَاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضَاؤُهَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ إِلَى وَقْتٍ بَطِيءٍ فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ ذَنْباً فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَكِ لَا تَقْضِ حَاجَتَهُ وَاحْرِمْهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ مِنِّي)(53) ومنه يستفاد أن:
الشرط الحادي عشر وهو: عدم المعصية بعد الدعاء أصلاً، فإنه إن عصى استوجب غضب الله تعالى واستحق عدم الاستجابة، وذلك طبيعي ووجداني؛ ألا ترى إنك لو طلبت حاجة من أبيك أو من شيخ عشيرتك أو من مسؤول في الحكومة، ثم أهنته أو آذيته أو سرقت ماله أو ضربت أهله، فإنه لا وجه لأن تتوقع منه أن يقضي حاجتك؟! بل إن قضاء حاجته حينئذٍ خلاف الحكمة لأنه يزيده جرأة على الظلم والإيذاء، فعدم تلبية حاجته عقوبة وتأديب مطابق للحكمة.
ويلحق بهذا الشرط، بل قد نعتبره شرطاً آخر، الإقرار بالذنوب، والاستغفار منها؛ فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَمَّنْ حَدَّثَه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قُلْتُ: آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَطْلُبُهُمَا فَلَا أَجِدُهُمَا! قَالَ: (وَمَا هُمَا؟).
قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فَنَدْعُوهُ وَلَا نَرَى إِجَابَةً، قَالَ: (أَفَتَرَى اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ أَخْلَفَ وَعْدَهُ؟).
قُلْتُ: لَا! قَالَ: (فَمِمَّ ذَلِكَ؟).
قُلْتُ: لَا أَدْرِي! قَالَ: (لَكِنِّي أُخْبِرُكَ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا أَمَرَهُ ثُمَّ دَعَاهُ مِنْ جِهَةِ الدُّعَاءِ أَجَابَهُ).
قُلْتُ: وَمَا جِهَةِ الدُّعَاءِ؟! قَالَ: (تَبْدَأُ فَتَحْمَدُ اللَّهَ وَتَذْكُرُ نِعَمَهُ عِنْدَكَ ثُمَّ تَشْكُرُهُ ثُمَّ تُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ) ثُمَّ تَذْكُرُ ذُنُوبَكَ فَتُقِرُّ بِهَا ثُمَّ تَسْتَعِيذُ مِنْهَا فَهَذَا جِهَةُ الدُّعَاءِ)، ثُمَّ قَالَ: (وَمَا الْآيَةُ الْأُخْرَى؟).
قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وَإِنِّي أُنْفِقُ وَلَا أَرَى خَلَفاً! قَالَ: (أَفَتَرَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْلَفَ وَعْدَهُ؟).
قُلْتُ: لَا! قَالَ: (فَمِمَّ ذَلِكَ؟).
قُلْتُ: لَا أَدْرِي! قَالَ: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمُ اكْتَسَبَ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ وَأَنْفَقَهُ فِي حِلِّهِ لَمْ يُنْفِقْ دِرْهَماً إِلَّا أُخْلِفَ عَلَيْهِ)(54).
وفي رواية أخرى: قَالَ: قُلْتُ: وَمَا جِهَةُ الدُّعَاءِ؟! قَالَ: (إِذَا أَدَّيْتَ الْفَرِيضَةَ مَجَّدْتَ اللَّهَ وَعَظَّمْتَهُ وَتَمْدَحُهُ بِكُلِّ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَتُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَتَجْتَهِدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْهَدُ لَهُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَتُصَلِّي عَلَى أَئِمَّةِ الْهُدَى (عليهم السلام) ثُمَّ تَذْكُرُ بَعْدَ التَّحْمِيدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) مَا أَبْلَاكَ وَأَوْلَاكَ وَتَذْكُرُ نِعَمَهُ عِنْدَكَ وَعَلَيْكَ وَمَا صَنَعَ بِكَ فَتَحْمَدُهُ وَتَشْكُرُهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَعْتَرِفُ بِذُنُوبِكَ ذَنْبٍ ذَنْبٍ وَتُقِرُّ بِهَا أَوْ بِمَا ذَكَرْتَ مِنْهَا وَتُجْمِلُ مَا خَفِيَ عَلَيْكَ مِنْهَا فَتَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ مَعَاصِيكَ وَأَنْتَ تَنْوِي أَنْ لَا تَعُودَ وَتَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا بِنَدَامَةٍ وَصِدْقِ نِيَّةٍ وَخَوْفٍ وَرَجَاءٍ وَيَكُونُ مِنْ قَوْلِكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي وَأَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ فَأَعِنِّي عَلَى طَاعَتِكَ وَوَفِّقْنِي لِمَا أَوْجَبْتَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ مَا يُرْضِيكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً بَلَغَ شَيْئاً مِنْ طَاعَتِكَ إِلَّا بِنِعْمَتِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ طَاعَتِكَ فَأَنْعِمْ عَلَيَّ بِنِعْمَةٍ أَنَالُ بِهَا رِضْوَانَكَ وَالْجَنَّةَ ثُمَّ تَسْأَلُ بَعْدَ ذَلِكَ حَاجَتَكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ لَا يُخَيِّبَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى)(55).
تطييب المطعم وما يكسبه
12 ـ وعن رسول الله ) (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ فَلْيُطَيِّبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ)(56) ومنه يستفاد:
الشرط الثاني عشر وهو: أن يكون طعامه حلالاً وأن يكون كسبه من الحلال، لا من رشوة أو سرقة أو غصب أو اختلاس أو غش أو ربا أو احتكار أو شبه ذلك.
تعميم الدعاء للمؤمنين كافة
13 ـ وقال رسول الله: (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعُمَّ فَإِنَّهُ أَوْجَبُ لِلدُّعَاءِ)(57) ومنه يستفاد:
الشرط الثالث عشر: الدعاء لعموم المؤمنين فإنه من شروط أقربية استجابة الدعاء مما لو دعى لنفسه فقط، واللطيف أن الإنسان إذا سحق أنانيته وأهتم بالآخرين أكثر، منحه الله من عطاياه أكثر فأكثر، وبالعكس كلما ازداد أنانيةً، ازداد حرماناً وبُعداً عن الله تعالى وعن الناس وعن الكمال وعن أهدافه الدنيوية أو الأخروية، ومن مصاديق تعميم الدعاء أن يدعو الإنسان لجيرانه، ورد: (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن فاطمة الصغرى عن الحسين بن علي عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام): (قَالَ رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ (عليها السلام) قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ وَ سَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَتُسَمِّيهِمْ وَتُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُمْ وَ لَا تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْءٍ! فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ لِمَ لَا تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ الْجَارُ ثُمَّ الدَّارُ)(58).
وقد قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصيبٌ مِنْها وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقيتا)(59)، ويمكن أن يستفاد من هذه الآية أن الذي يدعو ظلماً على الغير يصاب بالسوء الذي دعا به غيره.
كثرة الدعاء في الرخاء
14 ـ وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِي الشِّدَّةِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ)(60) ومنه يستفاد:
الشرط الرابع عشر: كثرة الدعاء في الرخاء، ليستجاب للداعي إذا مسه البلاء والضراء، والمشكلة أننا لا ندعوا إلا عند البلاء عادة، أو إذا دعونا في الرخاء كانت دعواتنا قليلة، متراخية وغير متناسبة مع عظيم نِعمَ الله وفضله علينا أبداً. وتؤكد ذلك روايات أخرى أيضاً فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (مَنْ تَقَدَّمَ فِي الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ لَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْبَلَاءُ، وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ وَلَمْ يُحْجَبْ عَنِ السَّمَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْبَلَاءُ وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ ذَا الصَّوْتَ لَا نَعْرِفُهُ)(61).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِنَّ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ يَسْتَخْرِجُ الْحَوَائِجَ فِي الْبَلَاءِ)(62).
15ـ 17 ـ وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كَانَ أَبِي إِذَا طَلَبَ الْحَاجَةَ طَلَبَهَا عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ قَدَّمَ شَيْئاً فَتَصَدَّقَ بِهِ وَشَمَّ شَيْئاً مِنْ طِيبٍ وَرَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَدَعَا فِي حَاجَتِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ)(63) ومنه يستفاد:
الصدقة قبل الدعاء
الشرط الخامس عشر: الصدقة قبل الدعاء؛ فإن الدعاء أقرب للإجابة إذا تصدقت أولاً.
طلب الحاجة عند زوال الشمس
الشرط السادس عشر: طلب الحاجة عند زوال الشمس (لأنه الوقت الذي تفتح فيه أبواب السماء بالرحمة)، وهذا الشرط هو على سبيل البدل مع بعض الشروط الأخرى ككون الدعاء وقت السَّحَر، وكذا حال بعض الشروط الأخرى.
الدعاء في المسجد مع الطيب
الشرط السابع عشر: الدعاء في المسجد وأنت متطيب، ولعل من وجوه الحكمة في تأثير التطيب أنه يؤثر في انشراح النفس وفي التفاؤل، فيزداد ثقة وأملاً بإجابة الله تعالى لدعائه فيكون أقرب للاستجابة، ولعل من وجوهه أنه يؤثر في حسن خلق الإنسان، وكلما حسنت أخلاق الإنسان كان أقرب لله تعالى وأقرب للناس بل ربما سبّب ذلك تمشية أموره نتيجةً لتوثّق علاقة الناس به، وهذا مع قطع النظر عن الأثر الغيبي لذلك.
الصبر وعدم اليأس والقنوط
18 ـ وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ بِخَيْرٍ وَرَجَاءٍ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ فَيَقْنَطَ وَيَتْرُكَ الدُّعَاءَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَمَا أَرَى الْإِجَابَةَ)(64) ومنه يستفاد:
الشرط الثامن عشر: (الصبر) فإن الصبر من شروط استجابة الدعاء، وبوجه آخر يعني: إن استجابة الدعاء مضمونة ولو بعد حين.
اقتران الدعاء بالعمل بالأسباب
19 ـ وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ)(65) ومنه يستفاد:
الشرط التاسع عشر وهو: (العمل) أي أن لا يكتفي بالدعاء عن العمل بل عليه الأخذ بالأسباب الظاهرية والدعاء أيضاً. وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال: (أَرْبَعَةٌ لَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ:
دَعْوَةٌ الرَّجُلُ وَهو جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالطَّلَبِ؟
وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَدَعَا عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا إِلَيْكَ؟
وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي! فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالِاقْتِصَادِ أَلَمْ آمُرْكَ بِالْإِصْلَاحِ؟ ثُمَّ قَالَ: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)(66)
وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَدَانَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالشَّهَادَةِ؟)(67).
والمشكلة أننا نقصّر ونهمل الأسباب التي أمر الله تعالى بالأخذ بها، ثم ندعوا ونتوقع الإجابة ونعتب على الله تعالى إذا لم يستجب! وقد قال رسول الله ): (اعْقِلْ وتَوَكَّلْ)(68) وفي الآية الشريفة: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً)(69).
الإحسان للآخرين، مع الدعاء
20 ـ كما قال تعالى: (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ)(70) ولعله يستفاد منه:
الشرط العشرون: وهو الإحسان إلى الناس، فإنه يوجب أقربية الدعاء للاستجابة فإن استجابة الأدعية هي من رحمة الله و(إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَريبٌ مِنَ الْمُحْسِنينَ).
الإلحاح في الدعاء
21 ـ وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ): رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً طَلَبَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَأَلَحَّ فِي الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ لَهُ أَوْ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا)(71) )(72) ومنه يستفاد:
الشرط الحادي والعشرون: الإلحاح في الدعاء وهو شرط من شروط الاستجابة في كثير من الأحيان، فإن لم يستجب له فرضاً رغم إلحاحه فذلك لأجل ان يتفضل الله تعالى عليه بحسن العاقبة مثلاً، أي انه لو لم يلحّ في الدعاء لحاجاته، لكان سيموت كافراً، لكن الله لم يقضِ حاجته ليستمر في الدعاء ليمنّ جل اسمه عليه بتغيير مصيره إلى حسن العاقبة.
اليأس عما في أيدي الناس، ودعاء الغريق
22 ـ 23 ـ وقد ورد عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّهُ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ)(73) وفي (عدة الداعي) قال: (وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِيسَى (عليه السلام) ادْعُنِي دُعَاءَ الْحَزِينِ الْغَرِيقِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُغِيثٌ، يَا عِيسَى سَلْنِي وَلَا تَسْأَلْ غَيْرِي فَيَحْسُنَ مِنْكَ الدُّعَاءُ وَمِنِّي الْإِجَابَةُ الْحَدِيثَ)(74) ومنه يستفاد:
الشرطان الثاني والثالث والعشرون وهما: اليأس عما في أيدي الناس، والدعاء دعاء الحزين الغريق.
العمل بالقرآن الكريم
24 ـ وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (اللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ)(75) وقال (عليه السلام): (أَنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ)(76) ومنه يستفاد:
الشرط الرابع والعشرون وهو: العمل بالقرآن الكريم كله بكافة تعاليمه ودساتيره وقوانينه. وقال تعالى من قبل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(77) وقال: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ)(78) وقال: (وَالَّذينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحينَ)(79).
التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) وإمام الزمان (عليه السلام) ودعاؤهم للداعي
25 ـ قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَةَ وَجاهِدُوا في سَبيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(80) وقال جل اسمه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيماً)(81) وورد في الزيارة: (أَنَا سَائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فِيمَا إِلَيْكُمْ فِيهِ التَّفْوِيضُ وَعَلَيْكُمُ التَّعْوِيضُ فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهِيضُ وَيُشْفَى الْمَرِيضُ وَعِنْدَكُمْ مَا تَزْدَادُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَغِيضُ)(82) و(اللَّهُمَّ الْمُمْ بِهِ شَعْثَنَا وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنَا وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنَا وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنَا وَأَعِزَّ بِهِ ذِلَّتَنَا وَأَغْنِ بِهِ عَائِلَنَا وَاقْضِ بِهِ عَنْ مَغْرَمِنَا وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنَا وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنَا وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنَا وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنَا وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنَا وَأَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنَا وَأَنْجِزْ بِهِ مَوَاعِيدَنَا وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنَا وَأَعْطِنَا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنَا.
يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ وَأَوْسَعَ الْمُعْطِينَ اشْفِ بِهِ صُدُورَنَا وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنَا وَاهْدِنَا بِهِ لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَانْصُرْنَا عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنَا إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ)(83).
و(أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ قَوْلًا وَفِعْلًا وَأَنَّكَ الَّذِي تَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا فَعَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَكَ وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ وَقَرَّبَ زَمَانَكَ وَأَكْثَرَ أَنْصَارَكَ وَأَعْوَانَكَ وَأَنْجَزَ لَكَ مَوْعِدَكَ وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ يَا مَوْلَايَ حَاجَتِي كَذَا وَكَذَا فَاشْفَعْ لِي فِي نَجَاحِهَا، وَتَدْعُو بِمَا أَحْبَبْتَ)(84).
الفصل القادم: تنبيهات هامة، آداب استجابة الدعاء هي شروط أيضاً
اضف تعليق