إسلاميات - عقائد

مناقشات النظرية الحسية

1ــ يلزمها انكار (المجردات) و(الالة المجرد) عن المادة كاملاً 2ــ يلزمها انكار قانون العلية والمعلولية 3ــ يلزمها رفض علم الرياضيات بالكامل (الحساب والهندسة) 4ــ يلزمها رفض وجود الصفات الاضافية كالأبوة والاخوة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.

دروس في أصول العقائد (5)

قال الله العظيم (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ...)([1])

(الغيب المطلق) ينقض المسلك الحسي.

والغيب قسمان: ما غاب عن الحواس مما يمكن ان تناله، وما غاب عنها مما لا يمكن ان تناله، ومثال الثاني الله جل جلاله فانه مجرد عن المادة والمدة والزمان والمكان وكافة ما يرتبط بالمادة بوجهِ فهو الغيب المطلق، وكذلك سائر المجردات بناءً على القول بوجود مجرد غير الله كالروح على القول بتجردها([2]).

والغيب بالمعنى الثاني لا يمكن للحواس أبداً ان تدركه بوجه من الوجوه، وإلا لما كان غيباً ولما كان مجرداً هذا خلف، والإسلامي كالباحث الذي سلك مسلك الحسيين واستدل على ذلك بقوله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) لا يمكنه الجمع بين الإيمان بالغيب وبين المسلك الحسي إذ كيف يؤمن بالغيب المطلق (وهو الله تعالى) والإيمان متوقف على المعرفة وقد ارتأى ان المعرفة لا بد ان تنتهي إلى احدى الحواس مع ان الحواس لا يمكن ان تناله الله تعالى بوجه؟([3])

وبداهة فطرية الإذعان بالله تعالى وكون وجوده مما يستقل العقل بإدراكه، دليل آخر على بطلان المسلك الحسي فتدبر جيداً.

نعم من لا يقبل وجود الاله أو لا يقبل انه مجرد ويرفض وجود مجرد على الإطلاق، فانه لا يمكننا إلزامه بهذا الوجه، اللهم إلا بالاستدلال بتحقق إدراك الغيب بالمعنى الأول بغير الحواس كالحدس القطعي وقوة الفكر أو ما أشبه.

مناقشة الحسيين الماديين

ويمكن الجواب عن دعوى الحسيين كـ(جون لوك) بعدم وجود معرفة إلا منتهيةً إلى الحواس وعبرها ناشئةً منها، إضافة إلى ما سبق من الأجوبة الخمسة، بأجوبة عديدة متنوعة وان تداخل بعضها مع بعض الأجوبة السابقة:

قانون العِلّية

أولاً: ان الإذعان بقانون العِلّية، يدفع دعوى الحسية، وذلك لأن العلية والمعلولية مما لا تحس أبداً بأية واحدة من الحواس الخمس، وإنما الذي يحس هو ذات العلة وذات المعلول لا صفة العلية والمعلولية.

ويكشف عن ذلك وبوضوح المثال الآتي: فاننا عندما نرى الورقة تحترق بسقوطها في النار أو الحديد يتمدد بالحرارة فاننا نكتشف بعقلنا، لا بحواسنا الخمسة، عِلّية الحرارة لتمدد الحديد وعِلّيه النار لاحتراق الورقة لكن لا وجود محسوساً للعِلّية في الخارج([4]) فان ما نراه هو:

أ- (النار) ب- الورقة ج- التماس أو المماسة([5]) أو السقوط داخل النار د- الاحتراق.

لكن عِلّية النار للاحتراق هذه العِلّية لا ترى ولا تحس ولا يعقل ان ترى أو تحس. فدقق.

ثم غاية الأمر اننا نرى اقتران احتراق الورقة بسقوطها في النار لكن من أين ان النار عِلة للاحتراق بل لعلهما متقارنان دائماً والعلة أمر ثالث خفي؟ ان العقل هو الذي يكتشف العِلية من غير ان يراها أو يلمسها الإنسان. نعم من ينكر قانون العلية مطلقاً، فانه لا يلزمه هذا الإلزام ويجب ان نناقشه عندئذٍ في إنكاره لأصل قانون العِلّية؛ بانه إنكار للبديهي وشبه ذلك.

علم الرياضيات

ثانياً: علم الرياضيات كالهندسة والحساب.

فان القواعد الهندسية أمور عقلية لا تحس بالحواس الخمسة أبداً فمثلاً: (مساحة المثلث تساوي حاصل ضرب قاعدته في ارتفاعه مقسوماً على اثنين) فان الذي يُرى هو نفس المثلث اما ان مساحته تساوي ضرب... فلا يرى ولا يلمس ولا يشم ولا يتذوق ولا يسمع، بل ان (المساواة) بنفسها مما لا يحس بل مما يُدرَك بالعقل فقط إذ اننا نرى نفس الأمرين المتساويين اما وصف المساواة فانتزاع عقلي.

وكذلك القواعد في علم الحساب فان 4×4= 16 لا يحس بالحواس الخمس بل يحدس ويدرك بالعقل إذ لا يوجد شيء في الخارج اسمه (الضرب) بل انه مفهوم عقلي تحليلي انتزاعي.

بل ان العدد نفسه لا وجود له في الخارج بحيث يُرى أو يُحس إنما الموجود هو ذات المعدود لا العدد، ولك ان تتصور كتابين أو قلمين فتقول هما اثنان فكل واحد من الكتابين موجود في الخارج وهو مما يرى أو يلمس لكن وصف الاثنينية لا يلمس ولا يرى ولا يحس، بل لو كان له وجود في الخارج بحيث يرى ويلمس([6]) لكان كل اثنين ثلاثة: هذا الكتاب وذاك واثنينيتهما! ثم هذه الثلاثة تكون أربعة: هذا الكتاب وذاك واثينيتهما ثم ثلاثية هذه الثلاثة فهي الرابعة! وهكذا تكون خمسة فستة فيتسلسل! وهو أمر بديهي البطلان لكنه لزم من فرض وجودٍ خارجي محسوس للاثنين([7]).

والحاصل: ان كل ما كان الاتصاف به في الخارج وعروضه إلى الذهن([8]) – كما فيما سبق وما سيأتي – فانه لا يحس بالحواس الخمسة.

الأمور الإضافية

ثالثاً: الأمور الإضافية كالأبوة والاخوة والفوقية والتحتية والموازاة وغيرها فان الاتصاف بها في الخارج والعروض في الذهن.

وبعبارة أوضح الموجود في الخارج هو ذات الأب وهو الذي يُرى ويحس اما صفة الابوة فمع انه متصف بها – إذ ليس كذبا ان هذا أب ذاك – إلا انها لا تحس بأية حاسة وكذا سائر الحقائق الإضافية فلاحظ. وللحديث صلة

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

...............................
([1]) البقرة: 1-3.
([2]) ولم يثبت وجود مجرد غير الله تعالى، كما لا دليل على امتناعه، نعم ما توهموه لازماً له كالقدم وشبهه غير لازم أبداً كما سيأتي.
([3]) واما إدراك مخلوقاته فانها لا تكون دليلاً عليه تعالى* إلا مع الإيمان بالعِلية والمعلولية، والعلية والمعلولية من المعقولات الثانية الفلسفية وهي لا تدرك بالحواس أبداً، إنما المدرك بها ذات العلة (إن كانت مادية) وذات المعلول. فتدبر * أي على المسلك الحسي ونظائره، اما مسلك الفطرة فانه غير متوقف على الالتفات بعقولنا للعلية والمعلولية كما سيأتي.
([4]) وان كان الاتصاف بها ثابتاً في الخارج.
([5]) بل وصف المماسة كوصف، لا يحس بذاته كما سيأتي.
([6]) ولم يكن وجوده بوجود منشأ انتزاعه.
([7]) وجود أمثال الاثنين والأربعة بوصف الاثنينية والأربعية، أي وجود الاثنينية والاربعية، إنما هو بوجود منشأ انتزاعها ككل الانتزاعيات لكنها جميعاً لا تحس بالحواس الخمسة.
([8]) وهو المسمى بالمعقول الثاني البسيط (الفلسفي).

اضف تعليق