13- المعرفة نتاج العمل الاجتماعي
(المعرفة: [1]knowledge)، نتاج للعمل الاجتماعي والتفكير اللذين يمارسهما الناس، وتكرار مثالي في شكل لغة للعلاقات الموضوعية المحكومة بالقانون في العالم الموضوعي الذي تعتريه التغييرات... وفي نظرية المعرفة المادية السابقة على الماركسية كانت المعرفة تفهم على النقيض من ذلك على أنها نتاج للجهد الإدراكي للفرد، نتاج للخبرة الفردية) واعترض عليه بـ(أن الإنسان يبدأ عملية الإدراك ممتلكاً جهازاً جاهزاً من المفاهيم والمقولات التي طورها المجتمع).(2)
المناقشة
يلاحظ عليه (3):
أولاً- لا يعقل أن يكون (العلم) والمعرفة نتاج (العمل) لأنهما من مقولتين مختلفتين تماماً(4)، بل حتى لو فرض القول بأنهما من مقولة واحدة(5) لا يصح ذلك، ولذا نجد (العمل الاجتماعي) قد لا ينتج فكراً ومعرفة، كما هو الحال في غالب الناس (مزارعين وعمالاً وغيرهم) أو قد نجد (العمل الاجتماعي) الواحد، ينتج ـ إذا استعرنا تعبيرهم ـ معارف متناقضة أو مختلفة، غاية الأمر أن (العمل الاجتماعي)، قد يكون من (العلل المعدة) للوصول إلى أفكار ومعارف، ثم هي قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة.
ثانياً- إن المعرفة ـ على فرض إمكان كونها نتاج العمل ـ فإنها كما قد تكون نتاجاً للعمل الاجتماعي، كذلك قد تكون نتاجاً للعمل الفردي أو للجهد الإدراكي للفرد، كما سبق، وكما يلمسه أي مفكر من نفسه عندما يكتشف آفاقاً ومعارف، لم يتوصل إليها مجتمعه أو السابقون عليه.
ثالثاً- إن الجهاز "الجاهز" الذي يمتلكه الإنسان من المقولات والمفاهيم، والذي يبدأ عملية الإدراك وهو ممتلك له، هو (الفطريات) و(الأوليات) و(المستقلات العقلية)(6) المغروسة في داخل نفس الإنسان منذ أن خلق، وليس المفاهيم التي طورها المجتمع، بل هذه المفاهيم تتوارد عليه لاحقاً وبشكل تدريجي، وقد يؤمن بها وقد لا يؤمن، وقد يطورها أو يحورها أو يعدل فيها أو يزيد أو ينقص منها.
ولذا نجد الطفل يشعر بـ(الظلم) الذي يمارس بحقه، بفطرته، وإن كان المجتمع قد طوّر فرضاً مفهوماً عن (العدل) يقتضي بضرورة جرحه أو قطع أعضاءه أو حبسه في نفق مظلم، حتى من دون أن يذنب أي ذنب.
رابعاً- إن عملية التفكير، والمعرفة، تحتضنها (اللغة) في أكثر الأوقات، وليست اللغة شرطاً أبداً لتحقق عملية التفكير أو المعرفة، ولذا نجد المفكر في كثير من الأحيان تراوده فكرة من غير أن يجد (اللفظ) المناسب لها، بل أن بعض المعاني السامية، لم توضع لها ألفاظ، ولذا نجد المرء ـ المفكر والعادي ـ كثيراً ما يتحير في كيفية ترجمة شعوره أو إحساسه أو أفكاره، إلى لغة أو كلمات.
خامساً- إن المعرفة هي أشمل وأعم من (العلاقات الموضوعية)؛ إذ المعرفة كما تشمل التصديقات، كذلك تشمل التصورات(7)، وكما تشمل المركب كذلك تشمل البسيط، وكما تتعلق بالعلاقات الموضوعية بين الأشياء، تتعلق أيضاً بذوات الأشياء (سواء كانت جواهر أم أعراضاً أم انتزاعيات أم اعتبارات).
كما أن المعرفة أعم من العالم الموضوعي الذي تعتريه التغييرات؛ إذ تشمل العالم الموضوعي الذي لا تعتريه التغييرات، كعالم المجردات.
اضف تعليق