رسالة بحثها ليست مجرّد دراسة أكاديمية تقليدية، بل هي محاولة جريئة لكشف الوجه الآخر للفن؛ الوجه الذي يُخفي الهيمنة الفكرية تحت قناع الجمال، ويجعل من اللوحة خطابًا ناعمًا للتأثير والاختراق. من بين دهشة الأسئلة وجسارة التحليل، تبرز رغد بصوتٍ بحثيٍّ متمرّد يسائل المسلّمات ويعيد تعريف الفن ودوره في تشكيل الوعي...

حين يتحول الجمال إلى أداة نفوذ، وتغدو اللوحة أكثر خطرًا من الخطاب السياسي، تقف الباحثة رغد عبد الواحد حيدر العبادي من قسم الفنون التشكيلية – فرع الرسم في كلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة أمام أحد أكثر ميادين الفن غموضًا وإثارة للجدل.

في رسالتها الموسومة «استراتيجيات تطويع الفن التشكيلي للتلاعب في العقول»، تبحر رغد في أعماق الفن لتكشف عن طبقاته الخفية، تلك التي تتوارى خلف ألوانٍ آسرة وخطوطٍ باذخة، لكنها تحمل في جوفها رسائل موجهة بدقة نحو العقل الجمعي.

رسالة بحثها ليست مجرّد دراسة أكاديمية تقليدية، بل هي محاولة جريئة لكشف الوجه الآخر للفن؛ الوجه الذي يُخفي الهيمنة الفكرية تحت قناع الجمال، ويجعل من اللوحة خطابًا ناعمًا للتأثير والاختراق.

من بين دهشة الأسئلة وجسارة التحليل، تبرز رغد بصوتٍ بحثيٍّ متمرّد يسائل المسلّمات ويعيد تعريف الفن ودوره في تشكيل الوعي.

كان لنا معها هذا الحوار المدهش... 

رغد، ما الذي ألهمكِ لاختيار موضوع الفن كوسيط محتمل للرسائل غير الجمالية، وكيف بدأت الفكرة الأولى لبحثكِ؟

بحكم ما يدور حول العالم من تبدلات متسارعة وسيطرة مراكز دون سواها على طرائق تصدير الافكار وتوجيه السلوك واحتمال اشتراك الفن كأداة لتحقيق الهيمنة الفكرية الاحادية. ارتسمت لدى فرضية ان الفن محمل بمقاصد متوارية ضمنيا يراد منها ان تستتر في الرداء الفني وتنفذ الى عقل المتلقي دون مسائلة.

 هل يمكن أن تصفين لنا اللحظة أو المشهد الذي شعرتِ فيه بأن الفن أصبح وسيلة للتأثير على الجماهير وليس مجرد تعبير جمالي؟ 

مع مسار البحث وزيادة المعرفة في هذه الفرضية ،كان ذلك تأكيدأ لما شعرت به ابتداء من ظنون حول استغلال الفن لتلك الغايات. ورغم ان النتائج لا تدعو للدهشة بحكم التوقع المسبق، الا ان تأكيدها لاحقاً حقق لدي الدهشة الممزوجة بالاستنكار بحكم رغبتنا في ان يكون الفن خالياً من هذه التوظيفات النفعية والتي تنقله من حالة النقاء المفترضة الى حالة أخرى ترفع عنه سماته الجمالية .

 ما الذي يجعل فرضية وجود رسائل غير جمالية في الأعمال الفنية أمرًا يحتاج للتحليل الأكاديمي؟

عادة البحث الأكاديمي يخلو من الانحياز والاهواء، ويعتمد على فرضيات علمية يتم تطبيقها على عينة مختارة بطريقة محددة. وبذلك تكون الشكوك الاولية محل اختبار ليثبت نفيها او تأكيدها تحليلا. ومن بعد مناقشتها مع لجنة مختصة يتم نشرها او الغائها، وذلك ما يمنح البحث قوة الاقناع العلمية متمايزا عن المقالات الشخصية التابعة لآراء كتابها فحسب.

 كيف تحددين الفرق بين الرسالة الجمالية والرسالة غير الجمالية في الفن؟

لا توجد رسائل غير جمالية في ظاهر الفن على الاقل. وما ندعوه رسائل غير جمالية تستلزم عدة اشتراطات، منها ان تكون مخفية وتنفذ بطريقة غير مباشرة حتى لا يتم رفضها من قبل المتلقي، كما يتوجب فيها ان تجمل مقاصد دعائية او توجيهية او تعبوية لأطراف محددة بعيدا عن لغة الفن العالمية المعروفة، لتكون الرسائل غير الجمالية محمولات غير فنية ودخيلة على التجربة الجمالية بالكامل، لكنها اشبه بالطفيليات الكامنة في جسد يبدو سليمًا ظاهريًا.

 في بحثكِ تناولتِ الإغراء البصري والجذب الجمالي للفن، إلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الآليات وسيلة للتأثير غير المباشر على الجمهور؟

تميز الفن عبر تاريخه الطويل ودونا عن المنجزات البشرية الاخرى بانه منتج يتعامل مع المشاعر ويقصد التأثير العاطفي على الافراد والجماعات. ومن المعروف ان الفن يؤثر على الانسان من الطفولة وحتى الشيخوخة. بدليل تفرع نتاجاته بين الموسيقى والادب والتشكيل. منها هو شعبي ينتجه المبدعون دون تدريب مسبق، ومنها ما هو نخبوي يستلزم دراسات استباقية مطولة وبما جعل ممن يطلعون عليه يدركون عمق تواشجه مع حياة الانسان وعلى مختلف ايديولوجياته ومستوى وعيه وثقافته. وبما يعزز الحكم بإغرائه وقوة جذبه. وبنفس الوقت ولذات الاسباب سيكون الفن مستهدفا لتطويعه كسلاح تأثير قصدي في الاخر.

 عند دراسة المراكز الفنية العالمية، هل يمكن القول إن الهيمنة الفنية مرتبطة بالهيمنة السياسية والاقتصادية؟ ولماذا؟

يبدو الامر كذلك فعلا، كون منظومة السيطرة تشتمل عدة أذرع. منها ما هو مباشر كقوة السلاح والاقتصاد والسياسة، ومنها ما هو خفي كالفن بكافة اشكاله وصنوفه، سيما في الفنون المرئية كالسينما وسواها. وبذلك تكون المراكز ذات القوة الاقتصادية والعسكرية هي الاقرب للتصدير الجمالي المعبأ بأفكارها الخاصة. والامر الذي يدعو للأسف ان الفنون التي تولد في الاطراف غير المؤثرة، بعاد تصديرها لهم على انها من نتاجات المراكز، وستكون حينها اشد تأثيرًا.

 كيف تقيمين تأثير التسويق والاستهلاك التجاري على الرسائل غير الجمالية في الأعمال الفنية؟

تراجعت سمة الفرادة والندرة عن المنتجات الفنية بعد الهيمنة الامريكية على تصدير الفن حول العالم، وبدأ انتاج ما يعرف بالفن متعدد النسخ، كوسيلة جديدة لزيادة العائد المادي، فضلاً عن صناعة نجوم الفن والترويج لهم واستغلال ذلك لاحقا لدعم طروحات المركز وفلسفته الاستعمارية غير المباشر. وبهذا المسار الذي ولد دخيلاً من فوق الفن، تزاوجت المنتجات الفنية مع مفاهيم الاستهلاك المعاصرة. ناهيك عن تداخل الفن مع السلع الاستهلاكية والمنتجات اليومية وبما جعل الفن يترك خصوصيته السابقة وينصهر في مسار الصناعة المعاصر.

ما هي أهم المؤشرات التي استخدمتها لتحليل النماذج الفنية الخمسة عشر؟ وهل واجهتِ صعوبة في تصنيف الرسائل المشفرة والمباشرة؟

تم تصنيف الاعمال الفنية بناء على أبرز المراكز المباشرة وشبه المباشرة الرائجة في الساحة العالمية اليوم. اعتمادا على مؤشرات الدعاية للدول وللقوة فيها والترويج لما يميزها عن غيرها، فضلاً عن تميزها بأساليب فنية محددة تؤكد على هويتها الفنية. وكذلك مجموعة من المؤشرات الاخرى التي تم تثبيتها ضمن البحث.

لاحظنا أن لكل مركز عالمي أسلوبه في توصيل الرسائل غير الجمالية، مثل البوب آرت في الصين أو الانطباعية في فرنسا، كيف تفسرين هذا التنوع؟

منذ القدم تميزت المراكز المتعاقبة بهوية اسلوبية ارتبطت بها، بعد ما تم تنشئتها وتطوريها ضمن ذلك المركز، وبحكم الانقطاع الجغرافي وصعوبة التواصل حينها، كانت تلك البؤر الانتاجية مستقلة ومتميزة وبما عزز من ثبات الهوية الثقافية والفنية لديها. وهذا الحدث يعد طبيعيا نتيجة للمعوقات السابقة. وبعد ما تذللت تلك المعوقات مع تقدم الزمن، تداخلا الاساليب وجرى تصديرها واستيرادها بين مختلف بقاع العالم، وبما عزز فرضية الارسال غير الجمالي المحمل عليها قصديا. ومن الملفت للانتباه ان المركز الامريكي المصدر في بداياته قد اعتمد على ما هو متاح ومنتشر لمراكز سابقة استمر في استثمارها وتوظيفها لحين ان حقق هويته الخاصة، كما في البوب ارت وما تبعه من اساليب فينة اخذت صداها عالميًا.

 في رأيكِ، هل استيعاب المتلقي العالمي للرسائل غير الجمالية يعتمد على معرفته بالثقافة المحلية أم على الأسلوب الفني نفسه؟

استيعاب المتلقي العالمي يكون مشروطا بدرجة تأثير المنتج الفني ومقدار نفاذه الى عاطفته ومشاعره وموائمة افكاره، التي حازت هي الاخرى على المعالجة الذوقية في محاولة لتقريب الاذواق من حول العالم وبما يعزز فرص التأثير الجمعي عند المتلقي من حول العالم. لذلك نلاحظ ان الثقافات المحلية اندمجت من مسار العولمة وباتت للفن خواص مشترك عالمية وما ينتج في بقعة يمكن له ان يفهم ويؤثر على متلقين في بقاع اخرى بعيدة عن مصدر الانتاج.

كيف يمكن تفسير الاختلاف بين تأثير السلطة على الفنانين في المراكز المختلفة، مثل الصين وروسيا مقابل فرنسا واليابان؟

كل المراكز تشترك في سعيها لجعل الفنان اداة تأثير وسلاح موجه نحو الاخر، لكن ما يميز مركزا عن سواها هو في كيفية استمالة الفنان لهذه الغاية، فمنهم من يجعل ولاءه مرتبطا بالوطنية والواجبات المقدسة لدولته، ومنهم من يعتمد توفير البيئة المغرية له واتاحة المتطلبات المناسبة له، سيما ادوات الاشهار والتداول في المحافل العالمية وبما يجعله أكثر اخلاصا للمركز الذي يحتضنه في طروحاته الجمالية.

 هل لاحظتِ وجود مقاومة أو تجاهل من الفنانين لبعض الرسائل غير الجمالية، أم أن الجميع منخرط بشكل غير واعٍ؟

بالتأكيد لا يشترك كل الفنانون في هذه الحالة المؤشرة في البحث، اعتمادا على بديهية ان الفنان حر وينتج كما يريد دون املاء من أحد، ولو شعر بالقيود التي تجبره على الانتاج بمسارات دون سواها، سيحاول التمرد حتما وسيقدم مقولة مضادة. لكن اللعبة الحقيقية في التأثير عليه دون ادراكه لذلك، ليقوم بما يراد منه وهو مقتنع بانه حرا تماما. ومع ذلك لا يمكن التعميم على كل الفنانين، ومن المثير للانتباه ان من له الرواج والشهره في الغالب هم اصحاب الانتماء والاصطفاف.

الى أي مدى يمكن اعتبار الفن أداة لتعزيز الانتماء القومي او الدعاية الوطنية ؟وهل تختلف هذه الظاهرة باختلاف المركز الثقافي ؟

نحن لا يمكن عزل الفن عن وسائل التأثير الاخرى التي تعمدها المراكز، وكلها في حزمة واحدة قد اثرت واستمرت بالتأثير ومن المتوقع لها ذات الاثر مستقبلا ان لم يكن اعلى من ذلك. وبين مركز واخر سيكون التأثير مختلفا بحكم قوة المركز ووسائله وادواته وكذلك فلسفته وغاياته في بلوغ ذلك. ما لا يجب ان نغفل عن كون التوظيف الفني لا يجب ان يكون مباشرا وصريحا، بل يعتمد التخفي تحت ستار الجمال الفني الخالص.

كيف أثر استخدام الرموز السياسية والثقافية على قدرة الفن على إيصال الرسائل غير الجمالية؟

في الغالب تكون الرموز السياسية وغيرها ادوات عرقلة اذا تم عرضها بمسار التمجيد والمديح، ومن الافضل وفق ذلك ان يتم ابعادها عن العرض المباشر، غير ان هنالك طرق اخرى لصناعة الايقونات العالمية، من خلال جعلها مادة فنية بيد فنانين من غير بيئتهم وبما يكسبهم سمة الحيادية. كما يجب التنبه الى ان المتلقي يميز ما هو دعائي عما هو فن نقي خال من الاضافات المباشرة. 

هل يمكن أن يتحول الفن إلى أداة مقاومة أو رد مضاد في مواجهة الهيمنة الفنية والثقافية؟

هذه الفرضية هي احدى مقترحات البحث التي قدمتها للدراسة مستقبلا، حيث التمست امكانية وجود فن مضاد لسيطرة المراكز ويعيد التقدير لفن الاطراف، سيما ان الكثير منها يملك ارث وتاريخ فني ذو امتداد طويل في عمود التاريخ. كما ان الادوات الرقمية المتاحة اليوم تعطي تقريبا تكافؤ في فرص التداول الرقمي من حول العالم. مع التنبه لقوة الفن الصادق في التأثير على الاخر.

ما أهم الخطوات التي ترين أنها ضرورية لتوعية الفنانين المحليين في العراق بمواطن القوة الفنية الخاصة بهم؟

عادة ما يكون الفن حقل التمرد الاوسع في مجمل الانشطة الانسانية، بسبب لا محدوديته وقدرته على اخفاء الرسائل والظهور بصور جمالية مشفرة تتعامل مع المشاعر لا مع المنطق، واي طرائق للتوعية المباشرة او غير المباشرة الممزوجة مع حب الانتماء لما نملك، كفيلة بان تعزز من دور المقاومة الفنية والرد المضاد، سيما وان العراق ذو خصوصية عالية بما حاز ويحوز عليه، فضلا عن الوعي الفردي الذي يستوعب ويدرك حجم التحديات دون الحاجة الى ضغط او الحاح. وما نشهده اليوم من احداث مؤلمة كفيلة بزيادة قوة الانتماء والاصطفاف.

كيف يمكن استثمار الوسائط الرقمية الحديثة في صناعة فن يواكب الفن العالمي دون الخضوع للرسائل غير الجمالية؟

تمت الاجابة على هذا السؤال مسبقا ولا ضير في الاعادة، فالوسيط الرقمي ومقدار ما يعزز من سرعة وصول رسائل المركز نحو الاطراف، فهو في ذات الوقت سلاح لنشر فكر الاطراف باتجاه المراكز والتأثير فيها، فما يحوزون عليه من نتاجات ليست حكرا عليهم، وبان الفنان صاحب الرسالة الصادقة وبالأدوات المناسبة للفهم عالميا، ان ينفذ الى الاخر مع اختلاف اللغة والمعتقد. وهنا يتضح ان الساحة الرقمية هي ميدان منازلة ينتصر فيها صاحب الانتاج الاعلى تأثيرا، حيث لا حدود ولا معوقات وفق ما كان سابقا.

هل ترين أن دمج تاريخ الفنون ونقدها في المناهج التعليمية كافٍ لفهم الاستراتيجيات غير الجمالية للفن؟

نقد الفنون ودراسة تاريخها مهم حتما، سيما إذا تعزز بالأمثلة التطبيقية المساندة، غير ان ذلك ليس كافيا حتما، اذ ان التنظير لا يعدوا عن كونه جزء يسير من العملية الفنية، والجزء الاهم هو في الانتاج والممارسة، سيما ان تعززت بالوعي والثقافة التخصصية. وهذا ما يمنح لكليات ومعاهد الفنون مهام ليست بالبسيطة، عندما ريد فعلا الدخول في معترك الصراع الجمالي المعاصر، سيما ونحن نملك العتاد البشري والمواهب العالية التي تؤهلنا لهذه المنافسة المهمة في المعاصرة.

من وجهة نظركِ، ما أهمية دراسة الحرب الثقافية العالمية وتسليح الفنون كما اقترحتِ في مقترحاتكِ المستقبلية؟

لكل بحث عدد من المقترحات لا يمكن انجازها في نفس البحث نتيجة شروط وحدود البحث العامة، من عدد الصفحات والوقت المتاح لإنجازه. وبذلك يرحل الباحث مقترحاته المهمة لمن سياتي من بعده. وما اقترحته من دراسة للحرب الثقافية العالمية هو جزء مكمل لهذا البحث، وله اهمية عالية بحكم ما نعيشه من مؤثرات متسارعة. ما افضى اليه البحث الحالي من نتائج تشير الى ان ما يتم من حراك فني عالمي ليس بريئا بشكل مطلق، وبحاجة الى دراسات متعددة تكشف ما يتم صياغته من ادوار يضطلع بها.

برأيكِ، هل يمكن أن يكون الفن المعاصر أداة للتغيير الاجتماعي والسياسي، أم أنه أصبح مجرد وسيلة للإقناع والدعاية؟

بحقيقة الامر تكون الدعاية والاقناع مقدمات للتغيير الاجتماعي والسياسي، بل قد يكون من ابرز أسلحة التغيير بحكم سرعة نفاذه الى المشاعر وقدرته العالية في التاثير غير الواضح واعتماده على ملامسة المشاعر.وهذه المواطن المؤثرة جعلته مصب اهتمام القوى الفاعلة حول العالم بشكل دائم ومتنامي مع الزمن.

كيف يمكن للفنان أن يحافظ على تفرده وإبداعه في ظل الهيمنة الذوقية للخطابات غير الجمالية؟

التفرد والاختلاف والتميز حالة صعبة لا يحققها الا القلة المبدعون، وازدادت صعوبة عالميا مع كم المعروض اليومي الذي لا يتوقف ولا يقل. وعموما كل خطاب صادق ومعزز بالتجريب والخبرات، سيأخذ مكانه بين حزمة الارسال من حول العالم وسيحظى بالتقدير المناسب إذا ما توفرت له فرصة العرض الرقمي المناسب.

هل يمكن اعتبار وجود الرسائل غير الجمالية في الفن تطورًا طبيعيًا للثقافة أم مؤامرة منظمة من المراكز العالمية؟

لا يمكن اعتبار الرسائل غير الجمالية تطورا طبيعيا للفن ابدا. بل ان الفن يتحول اسلوبيا ومضمونيا وتقنيا وغير ذلك من تعالقات خاصة بحقل الفن لوحده. وما كان سابقا من هيمنة المراكز ومحاولة نشر ثقافتها الخاصة بالإكراه او بالترغيب، بات يتم اليوم بصورة أكثر قوة ووفق ادوات واساليب جديدة قد لا تبدو واضحة للمتابع. ووفق ذلك يكون من الثابت هو استغلال الانشطة البشرية المؤثرة وجعلها ادوات موجهة قدر الامكان، والفن يكون من ضمنها ان لم يكن من أبرزها.

 ما الدروس التي يمكن أن يتعلمها صانعو الفن والمستقبل من نتائج بحثك حول التلاعب في العقول عبر الفن؟

هذا البحث هو محاولة لتسليط الضوء على جانب مسكوت عنه او مهمش او مغيب قسرا، لأسباب شتى. ومن الضروري بمكان عدم الاقتصار على الجوانب المضيئة فقط في قدرات الفنون الجميلة. والتنبه لما يراد من الفن ان يرتديه من ادوار تمرر مواربة دون إدراك ممن يتلقاها. وهنا سيكون هذا البحث وما يجاوره من دراسات محاولة لكشف الصورة العامة المساحة الفن الجمالية وغيرها. وبما يجعل تلقيها قائما على إدراك أكثر عمقا ودون الحاجة الى الارتياب او الرفض غير المبرر، ودون التسليم المطلق والاطمئنان لكل ما هو معروض.

ما بين لوحاتٍ تنبض بالجمال وأخرى تخفي في عمقها رسائل موجّهة، تقف الباحثة رغد عبد الواحد حيدر العبادي لتعلن أن الفن ليس بريئًا كما يبدو، وأن الألوان قد تُستخدم أحيانًا كجنودٍ صامتة في حربٍ فكريةٍ لا تُرى بالعين، بل تُزرع في الوعي بمهارة الفنّان ودهاء المركز.

بحثها «استراتيجيات تطويع الفن التشكيلي للتلاعب في العقول» لم يكن مجرد دراسة أكاديمية، بل صرخة وعيٍ فنيٍّ تنبّه إلى خطورة الجمال حين يتحول إلى أداة هيمنة، وتؤكد أن الفن الحقيقي هو ذاك الذي يُحرّر العقول لا الذي يُقيّدها تحت بريقٍ زائف.

رحلة فكرية متفردة خاضتها رغد، أضاءت فيها مناطق الظل في المشهد الفني العالمي، لتضع أمام المتلقي مفاتيح قراءة جديدة لكل لوحة، ولكل لون، ولكل فكرة تتخفى تحت ستار الإبداع.

ويبقى سؤالها الأخير معلّقًا كضوءٍ فوق جدار الحقيقة:

هل نحن من يتأمل اللوحة... أم أن اللوحة هي التي تتأملنا وتعيد تشكيل وعينا بصمتٍ ساحر؟

اضف تعليق