في عصر يتسارع فيه تطور الذكاء الاصطناعي ليدخل كل تفاصيل حياتنا، من الرعاية الصحية إلى العدالة الجنائية، تبرز إشكاليةٌ محورية: كيف يُنظَّم هذا التطور التقني بضوابط قانونية وأخلاقية تحمي الأفراد والمجتمعات؟ تُثار تساؤلات عديدة حول مسؤولية الأخطاء أو الأضرار التي قد تنتج عن أنظمة الذكاء الاصطناعي...
في عصر يتسارع فيه تطور الذكاء الاصطناعي ليدخل كل تفاصيل حياتنا، من الرعاية الصحية إلى العدالة الجنائية، تبرز إشكاليةٌ محورية: كيف يُنظَّم هذا التطور التقني بضوابط قانونية وأخلاقية تحمي الأفراد والمجتمعات؟ تُثار تساؤلات عديدة حول مسؤولية الأخطاء أو الأضرار التي قد تنتج عن أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصةً عندما تكون قراراتها معقدةً أو غير متوقعة. للغوص في هذا الموضوع، نحاور المحامية زهراء كفاح، تشرح لنا في هذا الحوار الإطار القانوني الحالي، أبرز التحديات، والحلول الممكنة لمواكبة هذه الثورة التقنية دون التفريط في الحقوق الأساسية.
بدايةً، كيف يُعرِّف القانون الحالي "المسؤولية القانونية" في سياق الذكاء الاصطناعي، خاصةً إذا ارتكب النظام أفعالاً ضارة دون توجيه مباشر من البشر؟
القوانين الحالية لا تمنح الذكاء الاصطناعي "مسؤولية قانونية" مستقلة، وإنما تُسند الأفعال الضارة إلى الأفراد أو الشركات المرتبطة بتطويره أو تشغيله. بعض الأنظمة، مثل الاتحاد الأوروبي، تدرس إطارًا جديدًا للمسؤولية حيث يُعامل الذكاء الاصطناعي مثل "منتج" خاضع لمعايير الأمان والمسألة، وليس كفاعل قانوني مستقل.
هل تُعتبر أنظمة الذكاء الاصطناعي كـ"شخصية قانونية" يمكن محاسبتها؟ وما التحديات التي تواجهها الأنظمة القانونية في تطبيق هذا المفهوم؟
حاليًا، لا يُعتبر الذكاء الاصطناعي كيانًا قانونيًا مثل الشركات أو الأفراد، لأن ذلك سيتطلب قدرة على تحمل الالتزامات واتخاذ القرارات بشكل مستقل. التحدي الأساسي هو أن الذكاء الاصطناعي لا يملك نية أو وعيًا، مما يجعل من الصعب تطبيق مفاهيم مثل "القصد الجنائي" عليه.
من وجهة نظركِ، من يتحمل المسؤولية في حالة ارتكاب الذكاء الاصطناعي لخطأ أو جريمة: المطورون، المشغلون، الشركة المصنعة، أم المستخدم النهائي؟ وما معايير توزيع هذه المسؤولية؟
المسؤولية تعتمد على طبيعة الخطأ:
_المطورون إذا كان هناك خطأ في تصميم الخوارزميات.
_المشغلون إذا لم يراقبوا النظام بشكل كافٍ.
_الشركة المصنعة إذا لم توفر ضمانات أمان كافية.
-المستخدم النهائي إذا أساء الاستخدام أو تجاهل تحذيرات السلامة.
_القوانين تتجه نحو توزيع المسؤولية وفقًا لمدى تدخل كل طرف.
كيف تتعامل القوانين الحالية مع حالات "التحيُّز" في خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي قد تؤدي إلى تمييز ضد فئات معينة؟ وهل هناك سوابق قضائية في هذا المجال؟
العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بدأت بمراقبة التحيز الخوارزمي، خاصة في مجالات التوظيف والتمويل والعدالة الجنائية، هناك سوابق قضائية ضد شركات تكنولوجية بسبب خوارزميات تمييزية، مثل قضية ضد أمازون بشأن تحيز خوارزميات التوظيف.
ما أبرز الثغرات التشريعية التي تعيق محاسبة أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ وهل نحتاج إلى إطار قانوني جديد خاص بالتكنولوجيا الذكية بدلًا من تعديل القوانين القديمة؟
_صعوبة تحديد المسؤول الفعلي عن الخطأ.
_غياب معايير واضحة لتقييم أضرار الذكاء الاصطناعي
_تطور التكنولوجيا أسرع من التشريعات.
الحل قد يكون في وضع قوانين جديدة بدلاً من مجرد تعديل القوانين القديمة، خاصة في قضايا مثل الأمان السيبراني والأخلاقيات.
كيف يمكن إثبات العلاقة السببية بين قرار اتخذه الذكاء الاصطناعي والضرر الناتج عنه؟ وهل يُمكن الاعتماد على البيانات والخوارزميات كأدلة في المحكمة؟
القانون يواجه تحديًا في إثبات "الرابط السببي" بين قرارات الذكاء الاصطناعي والضرر الناتج، يمكن الاعتماد على مراجعة بيانات الخوارزميات، ولكن صعوبة فهم "الصندوق الأسود" لبعض النماذج المتقدمة تعقد المسالة، بعض الأنظمة تقترح شفافية أكبر في قرارات الذكاء الاصطناعي كحل جزئي.
هل تُجرم بعض الدول استخدام الذكاء الاصطناعي في أنشطة معينة؟ وما موقف القانون الدولي من تنظيم هذه التكنولوجيا عبر الحدود؟
بعض الدول تجرّم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل:
التزييف العميق لأغراض الاحتيال أو التضليل السياسي.
الأسلحة المستقلة التي تتخذ قرارات بالقتل دون تدخل بشري (قيد النقاش الدولي).
القانون الدولي لا يزال مترددًا في فرض لوائح موحدة بسبب اختلاف مصالح الدول.
كيف يمكن للشركات التقنية تجنُّب المسؤولية القانونية عند تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي قابلة للتعلُّم الذاتي، والتي قد تتطور بشكل غير متوقع؟
- توثيق مراحل تدريب الخوارزمية لضمان الشفافية.
- إدخال ضوابط أمان تحد من التطور غير المتوقع.
-التأكد من وجود إشراف بشري مستمر على القرارات الحساسة.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه التأمينات في تغطية الأضرار الناجمة عن الذكاء الاصطناعي؟ وهل هناك نماذج ناجحة لهذا النهج؟
توجد بالفعل شركات تأمين تقدم سياسات ضد الأضرار الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، خاصة في القطاعات المالية والصحية، التأمين قد يكون حلاً عمليًا لتقليل المخاطر القانونية.
كلمة أخيرة: ما نصيحتكِ للمشرِّعين والمطورين والمستخدمين لضمان توازن بين الابتكار التقني وحماية الحقوق القانونية والمجتمعية؟
للمشرعين: وضع إطار قانوني واضح ومتوازن يمنع الانتهاكات دون قتل الابتكار.
للمطورين: الالتزام بمعايير أخلاقية وتقنية صارمة لضمان أمان الأنظمة.
للمستخدمين: فهم حدود وإمكانيات الذكاء الاصطناعي وعدم الاعتماد عليه دون تدقيق.
القضية ليست فقط قانونية، بل أخلاقية ومجتمعية، وتتطلب تعاونًا دوليًا لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول.
في ختام هذا الحوار، تؤكد المحامية زهراء كفاح أن مواكبة الذكاء الاصطناعي تشريعيًا ليست رفاهيةً بل ضرورةً لحماية المجتمع من أضرار غير محسوبة. بينما تظل التشريعات الحالية عاجزة عن مجاراة التطور التقني، تبرز الحاجة إلى إطار قانوني دولي يعيد توزيع المسؤوليات بين المطورين والمشغلين والمستخدمين، مع ضمان شفافية الخوارزميات ومراقبتها. الرسالة الأهم هنا هي أن التوازن بين الابتكار والحماية ممكن، لكنه يتطلب وعيًا جماعيًا بأن الذكاء الاصطناعي – رغم فوائده – ليس كيانًا محايدًا، بل مرآةً تعكس أخلاقيات من يصنعه ويستخدمه.
اضف تعليق