النظام ليس مجرد أداة إدارية، بل هو جوهر الحضارة الإسلامية، وعماد نهضتها المستدامة، كان يرى أن الله تعالى أقام سنن الكون على أساس النظام الدقيق، وأن على الإنسان أن يعكس هذا النظام في حياته ومجتمعه ليبلغ الرشد والتكامل، الشيرازي يربط النظام ارتباطا وثيقا بمفهوم الحرية والعدالة والشورى، فلا نظام...

حين أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) قائلاً: "اوصيكما وجميع ولدي واهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم"، لم يكن مجرد نصيحة عابرة، بل قاعدة فلسفية وعملية لبناء الإنسان والمجتمع والدولة، هذه الكلمات تكشف أن النظام ليس مجرد ترتيب ميكانيكي للأعمال اليومية، بل وعي مسؤول وفكر متوازن يربط بين العمل والدين، بين التفكير والإدارة، وبين الحرية والانضباط.

النظام في المنظومة العلوية يتجاوز الشكل التنظيمي ليصل إلى قيمة أخلاقية وفكرية، إنه طريق لتحقيق العدل، والمحافظة على الموارد، وضمان الاستقرار الاجتماعي، وتحويل العمل الفردي إلى فعل مؤسسي فعال يخدم الفرد والمجتمع، فالإنسان الذي يخطط وينظم أموره هو شخص قادر على تحقيق أهدافه وإفادة الآخرين في الوقت نفسه، وعكسه يؤدي إلى الفوضى والتشتت.

هذا المعنى اطر له الدين الاسلامي عبر العديد من الآيات القرآنية الدالة على هذا المبدأ بشكل متكرر، فهي تشير إلى أن الكون قائم على التقدير والتنظيم الدقيق، وأن النظام ليس بدعة إنسانية بل سنة إلهية، يقول الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)، وقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، فكل شيء في الكون خلقه الله بمقدار محدد ومدروس، ويجب أن يكون أي تنظيم مجتمعي بشري قائم على التنظيم المدروس والمرتب بعناية كما احسن الله في كل شيء خلقه ورتبه.

فالكون قائم على التقدير والتنظيم، والمجتمع البشري لا يمكن أن ينهض إلا إذا تمثّل هذه القيم في سلوكه ومؤسساته، حيث يصبح كل عمل محسوبا ومضبوطا، كل قرار مبنيا على قواعد واضحة، وكل علاقة مؤطرة بالعدل والاحترام المتبادل.

فلسفة نظم الأمر

النظم والتنظيم عند امير المؤمنين (عليه السلام) ليست مجرد ترتيب روتيني للأعمال، بل فضيلة معرفية وأخلاقية، تربط بين الطاعة والنظام، بين الوعي الشخصي والمؤسسات، بين الحقوق والواجبات، فالإنسان الواعي يعرف ما يجب عمله، ويضبط أولوياته بين حاجاته الفردية ومتطلبات المجتمع، وبذلك يتحول النظام إلى قوة فاعلة تحقق مصالح الجميع.

ويمكن اعتبارها مشكلة من محاور:

1. النظم الفكرية والقيمية: الإنسان المنظم يبدأ بنفسه، ويحدد أهدافه بما يتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية، فالخطأ في هذه المرحلة يؤدي إلى فوضى في الإدارة وفي العلاقات المجتمعية.

2. النظم المؤسسية: المؤسسات المستقرة والواضحة الضوابط والمهام هي صمام أمان لأي مجتمع، أي خلل في التنظيم المؤسسي يؤدي إلى تعطيل الخدمات وفساد الموارد، والآية الكريمة تدعم هذا المعنى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا).

3. النظم الاجتماعية والعلاقاتية: تنظيم العلاقات بين الأفراد وتوزيع الموارد والفرص بطريقة عادلة يضمن المشاركة الفعالة ويحقق الاستقرار، يقول الله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، فالمشاركة في اتخاذ القرار هي أساس التنظيم الاجتماعي السليم، وتضمن مشاركة الجميع في الشأن العام بدلاً من المركزية المطلقة.

رؤية الإمام الشيرازي 

لقد اعتبر المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي أن النظام ليس مجرد إدارة روتينية، بل مشروع حضاري كامل يربط بين الدين والسياسة والاقتصاد والاجتماع، ويهدف إلى تحقيق الاستقرار والرفاهية والعدل في المجتمع، ويؤكد أن غياب التنظيم أو تطبيقه العشوائي يؤدي إلى تراجع المجتمعات وانحراف أهدافها.

أن "النظام" ليس عنده مجرد أداة إدارية، بل هو جوهر الحضارة الإسلامية، وعماد نهضتها المستدامة، كان يرى أن الله تعالى أقام سنن الكون على أساس النظام الدقيق، وأن على الإنسان أن يعكس هذا النظام في حياته ومجتمعه ليبلغ الرشد والتكامل، الشيرازي يربط النظام ارتباطا وثيقا بمفهوم الحرية والعدالة والشورى، فلا نظام بلا حرية مسؤولة، ولا تنظيم بلا عدل، ولا استقرار بلا مشاركة واعية، فالنظام عنده ليس قيدا على الإنسان، بل تحرير من الفوضى والعشوائية، وفتح للطاقة الخلاقة الكامنة في كل فرد.

كما يرى أن النظام السياسي في الإسلام يقوم على مبدأ الشورى والعدالة والحرية، وهي أركان مترابطة لا يمكن لأي نظام مستقر أن يستغني عن أحدها، فالشورى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ليست مجرد خيار سياسي بل هي الطريق للوصول الى الرأي الصائب، وصون الأمة من الاستبداد، وتنظيم أمرها في توازن بين السلطة والمسؤولية والعمل المنسق والتخطيط الجماعي والسير نحو الامام على بينه وتفكير وليس بطريقة عشوائية. 

إن النظام السياسي الذي يراه الشيرازي (رحمه الله) والقائم على الشورى والعدالة يؤدي إلى انضباط القرارات، وتكامل المسؤوليات، وتوزيع المهام وفق الكفاءة، فلا تتضارب المصالح، ولا يستأثر بالسلطة، بل تكون الأمة كلها شريكة في صنع القرار، اذ كان يؤمن بأن "نظم الأمر السياسي" لا يتحقق بسن القوانين فقط، بل بـ تربية الضمائر وتنظيم المؤسسات على أسس المشاركة والشفافية، وكان يدعو إلى تحديد الصلاحيات بدقة، ومحاسبة المسؤولين، وتداول السلطة بالوسائل السلمية، بوصفها ضمانات للنظام العام واستقراره.

أما في النظام الاقتصادي، فيرى الشيرازي أن الخلل في توزيع الثروة هو أول طريق الفوضى الاجتماعية، فحين يختل النظام في الاقتصاد، تنتشر الطبقية، ويهدر المال العام، وتضيع العدالة، الاقتصاد الإسلامي نظام متكامل لا يهدف إلى تراكم الثروة، بل إلى توازنها، ليعيش الناس في أمن وكرامة، بعيدًا عن الاستغلال والاحتكار، لقوله تعالى (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ)، فالآية الكريمة تعبر عن المبدأ الاقتصادي للنظام الإلهي، وهو منع تكدس الثروة بيد فئة قليلة، لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب النظام الاجتماعي، وينتج الفقر والفساد، لذا دعا الإمام الشيرازي إلى نظام اقتصادي تشاركي يضمن العدالة الاجتماعية من خلال تفعيل الزكاة، والخمس، والوقف، والمؤسسات الخيرية المستقلة والمنظمة، لتكون أدوات اقتصادية تسهم في استقرار المجتمع.

اما النظام الإداري فهو ترجمة عملية للقيم الأخلاقية في الأداء المؤسسي، فالإدارة المنظمة لا تعني التعقيد البيروقراطي، بل التبسيط مع الدقة، والمرونة مع الانضباط، فالعمل المنظم يبدأ بالفكر المنظم، فلا نجاح لإدارة بلا رؤية، ولا إصلاح لمؤسسة بلا محاسبة، فالنظام الحقيقي هو أن يعرف كل فرد دوره، ويؤديه بإتقان ومتابع، وبالإشارة إلى قول النبي الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم): "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، اذ ان الإتقان جوهر التنظيم، لأنه يجمع بين الأداء الصحيح والمراقبة الذاتية، فيتحول العمل من عبء إداري إلى عبادة مسؤولة، تثمر كفاءة واستقرارا.

ان النظام الإداري في فكر الشيرازي هو نظام إصلاحي متجدد، يقوم على التدريب المستمر، وإشراك الكفاءات، وتقييم الأداء وفق معايير العدالة والشفافية، وهو ما تحتاجه اليوم مؤسسات الدولة العراقية لتتحول من البنية التقليدية إلى بنية مؤسساتية حديثة قادرة على الأداء الفعال وخدمة المواطنين بإنصاف واحترام.

نظم الأمر في إصلاح شؤون العراق

يواجه العراق منذ عقود طويلة سلسلة من الأزمات المتشابكة، ناتجة عن تراكمات إدارية واقتصادية واجتماعية وسياسية، سببها الأساسي هو غياب النظام المنهجي الشامل في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، نتج عنها فوضى القرار، وتضارب الصلاحيات، وغياب الشفافية، وتشتت الأولويات، وهي كلها مظاهر تشخص خللا في "نظم الأمر"، بمعنى غياب الرؤية الكلية المنظمة التي توحد الجهود وتمنع الهدر والارتباك والفوضى.

من هنا، فإن استلهام مبدأ "نظم أمركم واصلاح ذات بينكم" ليس مجرد شعار او ترف فكري، بل قد يشكل ضرورة وطنية وأخلاقية لبناء عراق مستقر ومزدهر بعيد عن الازمات والمشاكل من خلال تلخيص أبعاد الإصلاح لهذا المبدأ في أربعة محاور رئيسية:

أولًا: النظم السياسي 

يعاني الواقع السياسي العراقي من حالة تشظ في القرار العام، وتعدد في مراكز التأثير دون تنسيق جامع، هذا أدى إلى ضعف التخطيط، وتناقض السياسات، وإهدار طاقات المجتمع، فلسفة نظم الأمر السياسي التي دعا إليها امير المؤمنين (عليه السلام) ويمكن ان تقوم على أساسين، اولهما الشورى المنظمة باعتبار أن الشورى لا يمكن ان تكون فعالة إلا إذا كانت مؤسسية ومنضبطة بقوانين ومعايير تحدد من يشارك وكيف يتخذ القرار كقال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، أي أن المشاركة في صناعة القرار يجب أن تكون عملية منظمة، وليست مجرد استشارة شكلية، وقد اشار الشيرازي الى ضرورة تفعيل الشورى الحقيقية من خلال وجود مؤسسات مستقلة للرأي، ومجالس تخطيط وطنية، وهيئات رقابة ذات صلاحيات حقيقية، تضمن التوازن بين السلطات.

اما الثاني فهو العدل كأساس للنظام السياسي لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما سئل عن الافضل العدل ام الجود فقال: "العدل يضع الامور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، والعدل سائس عام" ويقول (عليه السلام): "العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في خلقه ونصبه لإقامة الحق، فلا تخالفه في ميزانه ولا تعارضه في سلطانه"، اذ أن النظام بلا عدالة هو كالجسد بلا روح، وإن استقر ظاهرا، فهو متصدع في باطنه، العدالة هنا ليست فقط في الأحكام القضائية، بل في توزيع المناصب، وإقرار الحقوق، وتكافؤ الفرص، ومحاسبة المقصرين مهما علت مناصبهم، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)، وهذه الآية تصلح أن تكون دستورا أخلاقيًا لكل نظام سياسي عادل، يلزم القائمين عليه أن يجعلوا العدالة غاية لا وسيلة.

ثانيًا: النظم الإداري

النظام الإداري هو العمود الفقري للدولة، فإذا صلحَ صلحت سائر مفاصلها بحسب ما اعتبره السيد الشيرازي، فهو يؤكد أن الإدارة الناجحة لا تكون بكثرة التعليمات، بل بـ وضوح المسؤوليات، وانسيابية الإجراءات، وربط السلطة بالمساءلة، وهذا ما يشهده العراق اليوم من بطء في إنجاز المعاملات، وازدواجية في القرار، وغياب في المساءلة، والحل الجذري هو إعادة هندسة النظام الإداري على أسس علمية وإيمانية في الوقت نفسه، تجمع بين الانضباط المؤسسي والرقابة الأخلاقية، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): "رحم الله امرأً عمل عملاً فأتقنه"، إن إصلاح الإدارة العراقية يتطلب اعتماد نظام توصيف وظيفي دقيق يحدد المهام والمسؤوليات، وربط الأداء بالمحاسبة الحقيقية بعيدا عن المحسوبيات، واعتماد الرقمنة كوسيلة لتقليل الفساد وتسريع الإجراءات.

ثالثًا: النظم الاقتصادي 

من أبرز مظاهر غياب النظام في العراق هي الاقتصاد الريعي المعتمد على مصدر واحد (النفط)، دون تنويع أو تنظيم للقطاعات الإنتاجية، فلسفة السيد الشيرازي في الاقتصاد تقوم على نظام متوازن يدمج بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، بحيث تحفز المبادرة الفردية، وتمنع الاحتكارات، وتنظم الثروات في مسارات التنمية، يقول تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ)، فالله تعالى يربط الرزق بالنظام، فلا يوسع على الناس إلا بمقدار ما يتحمل النظام الاجتماعي والاقتصادي من عدالة وانضباط، فالنظام الاقتصادي العادل عنده يعني توزيع عادل للثروات عبر الموارد المالية الشرعية كالزكاة والخمس والوقف الإنتاجي، وتحفيز الاستثمار الوطني لا الاستهلاك المفرط، وضبط الإنفاق العام وفق أولويات التنمية لا المصالح الحزبية أو الشخصية، وهكذا يتحول الاقتصاد من دائرة الفوضى إلى نظام نمو متزن يحقق الأمن المعيشي والكرامة الاجتماعية.

رابعا: النظم الاجتماعي والثقافي 

يعد النظام الاجتماعي والثقافي جوهر البناء الإنساني، إذ هو الذي يصنع الشخصية الوطنية الواعية، يرى الشيرازي أن المجتمع المنظم هو الذي يربي أبناءه على الوعي والانضباط، والتعاون لا الفوضى، ان تطبيق هذا المفهوم في العراق يعني إصلاح النظام التربوي ليبني عقلا منظما لا حافظا فقط، ونشر ثقافة احترام القانون والانضباط الاجتماعي، وبناء إعلام وطني منظم يربط بين الحقيقة والمصلحة العامة، وتأسيس مؤسسات مجتمع مدني منظمة ومؤثرة تشارك في الإصلاح لا في التناحر، وفي هذا السياق يمكن فهم قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، فالإصلاح يبدأ من الداخل، من تنظيم الذات قبل تنظيم الدولة، ومن تهذيب السلوك قبل سن القوانين.

إن تأمل وصية أمير المؤمنين لابنه الامام الحسن (عليهما السلام)، يجعلنا أمام مبدأ إلهي عميق يتجاوز حدود الزمان والمكان، فالنظم ليس مجرد وسيلة لحسن الإدارة، بل هو جوهر لبناء الأمة واستقامة شؤونها، وهذا ما أدركه السيد محمد الشيرازي معتبرا أن الفوضى لا تبدأ من ضعف المؤسسات فقط، بل من غياب الروح التنظيمية في الإنسان نفسه، ومن التردد في الالتزام بالقانون والمبدأ، لذلك، دعا إلى بناء "الإنسان المنظم"، لأنه أساس كل إصلاح إداري أو سياسي أو اقتصادي، فكما أن الخلية المنظمة تكون جسدا صحيا، كذلك المواطن المنظم يكون وطنا مستقرا.

لقد قال الله تعالى في معرض بيان سنن التوازن والنظام الكوني: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، أي أن النظام في الكون ليس مصادفة، بل قانون إلهي متوازن ومنظم ودقيق لا يقوم على الفوضى والعبث واللعب، ومن يخالفه في شؤون الحياة يعرض نفسه للفوضى والاضطراب، وكذلك الأمم، إن لم تلتزم نظاما متينا في تدبيرها، تذبل قوتها مهما بلغت ثروتها أو علمها، ولذلك فإن النهوض بالعراق اليوم لا يمكن أن يتحقق بالمشروعات المؤقتة أو الخطابات الإنشائية، بل بإنشاء نظام وطني شامل يقوم على العلم والعدل والشفافية والمشاركة، كما رسمه القرآن وأكده أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وبينه الإمام الشيرازي في رؤيته الحضارية.

التوصيات العملية 

1. إعادة بناء النظام الإداري على أسس الكفاءة والمساءلة: عبر وضع هيكل تنظيمي واضح للوزارات والمؤسسات، يحدد الصلاحيات ويمنع التداخل والتكرار، وإنشاء جهاز رقابي وطني مستقل فعليًا، يمتلك صلاحية مراقبة الأداء ومحاسبة المقصرين بلا استثناء، وتفعيل مبدأ "الوظيفة خدمة لا سلطة"، كما كان يؤكد الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر.

2. ترسيخ النظام السياسي القائم على الشورى والشفافية: يتم من خلال تنظيم عمل الأحزاب ضمن إطار قانوني يمنع الاحتكار ويشجع التعدد المسؤول، واعتماد الحوار المؤسسي بديلًا عن الصراع، وفق مبدأ (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، وتفعيل آليات المحاسبة الدستورية، وتحديد سقوف زمنية للقرارات التنفيذية لضمان الفاعلية والوضوح.

3. تنظيم النظام الاقتصادي على مبدأ العدالة والتنمية: إنشاء "مجلس وطني للتنمية" يضع الخطط الاقتصادية على المدى البعيد، بعيدًا عن المزاج السياسي الآني، وتنويع مصادر الدخل، ودعم الزراعة والصناعة والتقنيات الحديثة كركائز لتنمية مستدامة، وضبط الإنفاق العام وتوجيهه نحو البنى التحتية والتعليم والصحة، اضافة الى تفعيل هوية اقتصادية واضحة المعالم وليس اقتصاد قائم على الفوضى والاجتهادات الشخصية. 

4. إصلاح النظام الاجتماعي والثقافي: إدخال مفهوم "التربية التنظيمية" في المدارس والجامعات عبر مناهج عملية تعلم إدارة الوقت والمسؤولية الجماعية، الى جانب دعم الإعلام الوطني الملتزم بنشر ثقافة النظام والانضباط، لا بث الفوضى والتناحر، وتنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني وتوحيد جهودها ضمن أهداف تنموية وطنية، مع نشر الوعي بأن احترام القانون والنظام هو عبادة وسلوك حضاري قبل أن يكون التزاما إداريا.

5. إصلاح النظام القضائي والرقابي: عبر تعزيز استقلال القضاء وحمايته من الضغوط السياسية، وتسريع إجراءات التقاضي عبر تبسيط القوانين واعتماد الرقمنة، وجعل القضاء ضامنا لسيادة القانون.

ان فلسفة نظم الأمر ليست دعوة إلى البيروقراطية أو الانضباط القسري، بل إلى الوعي المنهجي الذي يحول الفوضى إلى طاقة منظَّمة.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2025

http://shrsc.com

اضف تعليق