من الناحية الوضعية فإن خفض إلغاء الضرائب، بما فيها المكوس، كثيراً ما يحفز الاقتصاد يمكن للحكومة أن تحفز الاقتصاد عن طريق خفض الضرائب. فقد يقرر المستهلكون عندما يتوفر لهم مزيد من الأموال من جراء خفض الضرائب أنه لا ضرر من إنفاق بعض منها. مرة أخرى، يؤدي هذا الإنفاق...

على مستوى العقل العملي والواقع الخارجي والسلوك والتنفيذ، فإنه إضافة إلى ما تضمنته بعض النصوص السابقة من تسجيل لعدد من المواقف العملية، ومن التأشير على بعض الحقائق التاريخية والأفعال الميدانية، إضافة إلى ذلك فإن المقارنات الآتية تكشف لنا جوانب من عظمة إرفاق الإمام علي (عليه السلام) بالرعية ومدى تخفيفه الخراج عليهم:

إلغاء المكوس

أولاً: إلغاء المكوس، فإنه (من الضرائب التي كانت تؤخذ في الإسلام المكوس، واحدها مكس، وهو ضريبة تضرب على أصناف التجارة من قبيل ما يعرف اليوم بالجمرك أو الفردة (الفرضة) أو نحوها. وكان المكس، أو المقس، شائعاً في الجاهلية، فكان يؤخذ من تجار القبط والفرس في المدينة عُشر متاجرهم. فلما ظهر الإسلام أقره عمر بن الخطاب، وكانت هذه الضريبة لا تؤخذ من التاجر إلا إذا انتقل من بلاده إلى بلاد أخرى. فالشامي إذا طاف في بلاد الشام كلها بتجارته لا يؤخذ منه عشر أو مكس، وأما إذا انتقل إلى مصر أو العراق فيؤخذ منه المكس.

والمكس على ما فرضه عمر ثلاث درجات: يؤخذ من أهل الذمة (النصارى واليهود) نصف العشر، أي من كل عشرين درهماً درهم. ومن المسلم ربع العشر، أي من كل 40 درهماً درهم. وليس فيما دون المائتين شيء. ويؤخذ من العربان الذين ليسوا من الرعايا العشر كاملاً. ولم يَرُجْ المكس في الإسلام، لأن أهل الورع كانوا يكرهونه. وقس على ذلك ما بقي من أنواع الضرائب)(1).

بينما لم يأخذ الإمام علي (عليه السلام) المكوس أبداً، فإنها محرمة شرعاً.

خفض / إلغاء الضرائب يحفّز الاقتصاد

ومن الناحية الوضعية فإن خفض / إلغاء الضرائب، بما فيها المكوس، كثيراً ما يحفز الاقتصاد (يمكن للحكومة أن تحفز الاقتصاد عن طريق خفض الضرائب. فقد يقرر المستهلكون عندما يتوفر لهم مزيد من الأموال من جراء خفض الضرائب أنه لا ضرر من إنفاق بعض منها. مرة أخرى، يؤدي هذا الإنفاق إلى قطع دابر الركود. فعمليات الشراء الناتجة من خفض الضرائب كفيلة بإعادة العمال إلى وظائفهم، الأمر الذي يؤدي لمزيد من الإنفاق وكذلك مزيد من الثقة، وهكذا دواليك. لقد كان محور اهتمام الاقتصادي الشهير جون ماينارد كينز فكرةَ أن الحكومة يمكنها أن توظف السياسة الضريبية ـ عن طريق الإنفاق، أو خفض الضرائب، أو كليهما ـ لضبط إيقاع الاقتصاد. وهذه فكرة صحيحة. يذعن معظم الاقتصاديين إلى أنه، من الناحية النظرية، تملك الحكومة أدواتٍ تمكنها من تخفيف ما تسببه دورة العمل من خسائر لبعض الأفراد)(2).

وليس من الصحيح دائماً أن الضرائب التي تقتطعها الحكومة تقوم بضخها في الاقتصاد ثانية فيتحفز الاقتصاد عن طريق الحكومة، بدلاً عن إنفاق الناس (صحيح أن الحكومة تخلق فرص عمل من جراء إنفاقها مليارات الدولارات على صناعة الطائرات المقاتلة، ولكننا ندفع لصناعة تلك الطائرات الأموال المستقطعة من رواتبنا، وهذا يعني أننا نقلل من شرائنا لأجهزة التلفاز، ونقلل من تبرعاتنا للجهات الخيرية، ونحصل على عطلات أقل، ولذا لا تخلق الحكومة بالضرورة فرص عمل جديدة، ولكنها قد تكون ببساطة تنعش فرص العمل الموجودة بالفعل، أو على العكس قد تدمرها. فالتأثير الناجم عن فرض الضرائب أقل وضوحاً من التأثير الناجم عن تأسيس مصنع جديد للأسلحة الدفاعية الذي يسعد فيه العاملون بإنتاج الطائرات الحربية اللامعة)(3).

الحواجز التجارية ضرائب مستترة

إضافة إلى ذلك فـ (إن الحواجز التجارية ما هي إلا نوع من الضرائب المستترة، تخيل معي أن الحكومة الأمريكية فرضت ضريبة قدرها 30 سنتاً على كل جالون عصير برتقال مباع في الولايات المتحدة. أعتقد أن ذلك سيتسبب في استشاطة حزب المحافظين المعارضين للحكومة غضباً، كما قد يستخدم الليبراليون تلك الضريبة في إثارة جميع قضايا الضرائب المفروضة على الغذاء والكساء. ولأنها أي هذه الضرائب، تنازلية (تستقطع نسبة من الدخل) فهي تقع أكثر على عاتق الفقراء. "صحيح أن الحكومة أضافت 30 سنتاً على تكلفة جالون عصير البرتقال، ولكن ليس بنفس شفافية الضريبة" فالحكومة الأمريكية تفرض التعريفات الجمركية على البرتقال البرازيلي وعصير البرتقال بنسبة قد تصل إلى 63 بالمائة، وذلك لتمتع بعض المناطق في البرازيل بالمناخ المناسب تماماً لزراعة الموالح، الأمر الذي يهدد عيش المزارعين الأمريكيين. لذلك تحميهم الحكومة بفرض تلك التعريفات. ويقدر خبراء الاقتصاد أن التعريفات الجمركية على عصير البرتقال المستورد من البرازيل يحدد حجم المعروض منه، ومن ثَمَّ يزيد سعر الجالون بحوالي 30 سنتاً. ولا يدرك معظم المستهلكين أن الحكومة تأخذ منهم تلك الأموال لترسلها إلى مزارعي البرتقال في فلوريدا(4). فهذا غير مدون في إيصال الشراء.

يتسم الحد من الحواجز التجارية بنفس تأثير خفض الضرائب على المستهلكين. فقد سبقت اتفاقية التعريفات الجمركية والتجارة (الجات) منظمة التجارة العالمية. فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت اتفاقية الجات هي الآلية التي استخدمتها الدول لإلغاء التعريفات الجمركية، وفتح الطريق أمام مزيد من التجارة. فقد انخفض متوسط التعريفات الجمركية في الدول الصناعية من 40 بالمائة إلى 4 بالمائة خلال ثماني دورات للمفاوضات حول الجات في الفترة من 1948م إلى 1995م، الأمر الذي يعد خفضاً هائلاً على "الضريبة" المفروضة على جميع السلع المستوردة. كما أجبر ذلك الخفض أيضاً المنتجين المحليين على خفض أسعار سلعهم وتحسين جودتها للصمود أمام المنافسة. فمثلاً تحسنت جودة السيارات اليوم بكثير عنها في عام 1970م لسببين: أولاً: أصبح يمكنك الاختيار بين مجموعة كبيرة من السيارات المستوردة الممتازة. ثانياً: تحسنت سوق ديترويت المحلية في صناعة السيارات بشكل كبير هي الأخرى. فسوف تعجبك مثلاً سيارة الهوندا أكورد، وكذلك سيارة فورد تاروس التي تحسنت كثيراً عما سبق)(5).

(في عهد الرئيس كلينتون، قال وزير المالية السابق روبرت روبين Robert Rubin ذات مرة: "إن المكاسب الاقتصادية العائدة من خفض التعريفات الجمركية التي كانت تبحثها المفاوضات خلال الثماني سنوات المنصرمة تمثل أكبر خفض ضريبي في تاريخ البشرية(6))(7).

خفض مقادير الخراج

ثانياً: تخفيض مقادير الخراج، وعلى سبيل المثال فإنه: (لما فتحت العراق وضع عمر على سواده مثل ما كان الفرس قد وضعوه عليه، وهو عن كل جريب من الأرض قفيز ودرهم، والقفيز عشر الجريب أي 360 ذراعاً مربعاً(8). وضرب عمر على ناحية أخرى بطريقة أخرى، فجعل مقدار الخراج تابعاً لنوع المحصول)(9).

بينما كان الذي وضعه الإمام علي (عليه السلام) أخف ممن سبقه، إذ وضع ما يتراوح بين ثلثي درهم، ودرهم، ودرهم ونصف، بينما ألغى القفيز الذي هو عُشر الجريب أو هو بالكيل حوالي مائة وأربع كيلو غرامات، حسب بعض المحققين، وقيل أكثر، وقيل أقل، وقيل إنه يختلف باختلاف البلاد(10).

انخفاض مقادير الجزيـة

ثالثاً: مقادير الجزية المنخفضة، فإنه (كثيراً ما كانوا يقدرون الجزية باعتبار ما يبقى في أيدي الناس من دخلهم بعد نفقاتهم، كما وقع لأهل الجزيرة بالعراق، فقد كان الذي فتحها عيّن جزيتها ديناراً على كل رأس، فلما تولى عبد الملك بن مروان استقلّ ذلك فبعث إلى عامله هناك فأحصى الجماجم وجعل الناس كلهم عمالاً بأيديهم وحَسِب ما يكسب العامل سنته كلها، وطرح من ذلك نفقته في طعامه واُدْمه(11) وكسوته، وطرح أيام الأعياد في السنة كلها، فوجد الذي يحصل بعد ذلك أربعة دنانير(12) لكل واحد، فألزمهم دفعها وجعل الناس طبقة واحدة.

والجزية تضرب كما قلنا على غير المسلمين، فمن أسلم سقطت عنه، إلا في أيام عبد الملك بن مروان فإن الحجاج وضعها على من أسلم من أهل الذمة)(13).

وقد سبق أن الإمام علي (عليه السلام) وضع 12 درهماً (يعادل ديناراً وخُمس الدينار) على عامة الناس، و24 درهماً (يعادل دينارين وخُمسين) على التجار وأوساطهم، و48 درهماً (تقارب خمسة دنانير) على كبار الأثرياء.

وبشكل عام فإن الجزية ليست من محدثات الإسلام، بل (هي قديمة من أول عهد التمدن القديم. وقد وضعها يونان اثينا على سكان سواحل آسيا الصغرى حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، مقابل حمايتهم من هجمات الفينيقيين، وفينيقية يومئذ من أعمال الفرس، فهان على سكان تلك السواحل دفع المال في مقابل حماية الرؤوس. والرومان وضعوا الجزية على الأمم التي أخضعوها، وكانت أكثر كثيراً مما وضعه المسلمون بعدئذٍ. فإن الرومان لما فتحوا غاليا (فرنسا) وضعوا على كل واحد من أهلها جزية يختلف مقدارها ما بين 9 جنيهات و15 جنيهاً في السنة، أو نحو سبعة أضعاف جزية المسلمين. ولم تكن الجزية كبيرة بهذا المقدار في كل البلاد التي افتتحها الرومان)(14)(15).

ملكية الناس للأراضي، لا السلاطين

رابعاً: وفوق ذلك كله فإن (الأصل في وضعه "أي الخراج"(16) أنّ الناس كانوا يعتبرون الأرض ملكاً للسلطان أو الملك، وهذا الاعتقاد قديم جداً. وفي التوراة أقوال صريحة في كيفية دخول الأرض في ملك الفراعنة، وردت في حكاية المجاعة الشهيرة في الفصل السابع والأربعين من سفر التكوين، لما جاع المصريون في أثناء القحط فباعوا يوسف كل ما اقتنوه من فضة وذهب وماشية، ولم يبق لهم إلا الأرض فباعوه إياها بالخبز.

وهكذا كان شأن الأرض في كل الممالك القديمة، فالأرض للمَلِك، والأهالي إنما يتمتعون بريعها، وللحكومة حصة من ذلك الريع وهو الخراج. ومن عادات التتر أن الإنسان يستأثر بملك الماشية، وأما الأرض فأنكروا حق تملكها على الأفراد. وكان الجرمان القدماء لا يعترفون بملك الأرض إلا لحكامهم أو رؤسائهم، فكان رئيس القبيلة يوزع أراضيها على أفرادها. وفي السنة التالية توزع عليهم بالتناوب، بحيث إن القطعة الواحدة لا يستغلها الرجل الواحد سنتين متواليتين. ومثل هذه العادة لا تزال إلى اليوم شائعة في بعض شعوب الصقالبة.

وعلى هذا المبدأ كان الرومان يضعون الضرائب على أراضي مملكتهم، وفي جملتها مصر والشام وغيرهما مما فتحه المسلمون من بلادهم. وكان لهم في كل ولاية ديوان خاص بالخراج تدون فيه أعماله ودخله وخرجه، وله كتاب وجباة وعمال من أهل البلاد أو من الحكام. وكان نحو ذلك حال الفرس في العراق وفارس، لأن الفرس اقتبسوا كثيراً من قوانين اليونان والرومان)(17).

أثر حقوق الملكية في النمو الاقتصادي

ومن الطريف أن نقرأ شاهداً معاصراً على أثر (حقوق الملكية) في النمو الاقتصادي، والعكس بالعكس(18)، (أذكر أنني تنقلت بين مجموعة من الأقاليم لكتابة مقالة عن الهنود الأمريكيين لمجلة "ذا إيكونوميست"، وهناك لاحظت أن قليلاً منهم يمتلك منزلاً خاصاً، فأفراد القبيلة يعيشون إما في منازل بَنَتها لهم الحكومة أو في مقطورات، لماذا؟ أحد الأسباب الرئيسية هو أنه من الصعب ـ إن لم يكن من المستحيل ـ الحصول على قرض تقليدي برهن المنزل في إقليم الهنود؛ لأن الأرض هناك ملكية عامة. فقد يحصل فرد من أفراد القبيلة على قطعة أرض لاستغلالها ولكنها لا تصير ملكاً له؛ فهي ملك للقبيلة. وبالنسبة للبنوك التجارية فإن ذلك يعني أن التأخر في سداد القروض لا يُمكّنهم من الحجز على تلك المنازل، فإذا حُرم البنك من هذا الإجراء المزعج والضروري في نفس الوقت لن يحصل الـمُقرِض على أية ضمانات حقيقية للقرض. والحال مختلف مع المقطورات، فإذا تأخرت عن السداد، قد تظهر الشركة في يوم ما وتسحب مقطورتك خارج الإقليم. وبعكس المساكن التقليدية، لا تُشجِّع المقطورات على المتاجرة في مواد البناء؛ حيث تُجَمَّع في مصنع يبعد أميالاً عن الإقليم، ثم تُنْقل إلى هناك. فهذه العملية لا توفر الوظائف لعمال بناء الأسقف، أو عمال البناء، أو عمال الطلاء، أو عمال الكهرباء، والذين يحتاجهم إقليم الهنود أكثر من أي شيء آخر)(19).

وفي المقابل فإن الإسلام يعترف للناس، كل الناس، بحق الملكية، إذ: (مَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهُوَ لَهُ)(20) كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)(21)، وقد ظهر لنا من نصوص الإمام علي (عليه السلام) أنه يعتبر الناس مالكين للأراضي وكأنهم ملوك، بل إن الحكام ليسوا أكثر من وكلاء للناس وخزان "أمناء صندوق لهم"، قال (عليه السلام):

(فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ)(22).

مقارنة بين الخراج وضرائب الحكومات الديمقراطيـة

خامساً: ومن المفيد والمهم لدى المقارنة، أن نعلم أن المكافئ الموضوعي لضريبة الخراج(23)، تستعملها الحكومات الديمقراطية، ربما بشكل أوسع جداً، ولكن بمسميات أخرى على الأرض والممتلكات، إذ (تقدّم ضريبة الممتلكات حوالي 30 بالمائة من مجمل الإيرادات المالية لحكومات الولايات والحكم المحلي. ويبين الشكل 17 ـ 5 أن البلديات هي المتلقي الرئيسي لضريبة الممتلكات. وتجبى ضريبة الممتلكات بشكل أساسي عن العقارات ـ الأرض المباني. وتحدد كل بلدية نسبة ضريبة سنوية تجبى عن القيمة المخمنة للعقار. وفي بلديات كثيرة تكون القيمة المخمنة أقل بكثير من القيمة الحقيقية في السوق.

وغالباً ما تنتهك ضريبة الممتلكات مبدأ العدالة الأفقية. مثال ذلك، أن من العادي جداً فرض نسبة ضريبة مختلفة على مختلف أنواع الممتلكات. ففي مدينة نيويورك مثلاً، تفرض على الشقق السكنية نسبة ضريبة أعلى بكثير من البيوت المستقلة التي تسكنها عائلة واحدة. أضف إلى ذلك، أنه بسبب تخمين قيمة الممتلكات في أوقات متفاوتة، فقد تدفع بعض المساكن المتشابهة ضرائب مختلفة جداً. ويصح ذلك بشكل خاص على كاليفورنيا حيث يعتمد تقدير ضريبة الممتلكات على سعر شراء المنزل، بدلاً من قيمته في السوق. وهذا يعني أن شخصاً يشتري منزلاً ثمنه 200 ألف دولار في العام 1990م سيدفع ضريبة مقدارها 10 أضعاف جاره الذي اشترى منزلاً مشابهاً ثمنه 20 ألف دولار في العام 1970م، قبل أن يبدأ سعر المنازل في كاليفورنيا في الارتفاع بهذا الشكل الهائل.

أصبحت ضريبة الممتلكات موضع خلاف خلال طفرة الإسكان في السبعينات، حين ارتفعت تقديرات أثمان المساكن وضريبتها ارتفاعاً كبيراً)(24).

وعن بعض ثمرات خفض الضرائب والخراج يقول بعض الباحثين: (إذا كانت مقادير الخراج المفروضة على المكلفين المنتجين معتدلة، كأن تكون نسبة معينة من الإنتاج، ربع المحصول مثلاً، فإن ذلك سيدفع بالمنتجين الزراعيين إلى زيادة جهودهم واستثماراتهم، لزيادة إنتاجهم، ثم زيادة أرباحهم، من أجل تغطية مقادير الخراج، التي هي بمثابة تكاليف إضافية تضاف إلى تكاليف الإنتاج الكلية، ولبقاء مستويات أرباح هؤلاء المنتجين (أهل الخراج) على حالها أو زيادتها، فإن ذلك يتطلب المزيد من الإنتاج، وأن زيادة الإنتاج تقود إلى زيادة الطلب على عوامل الإنتاج، وبالأخص المتغيرة منها، ويؤلف عنصر العمل نسبة كبيرة منها، وهذا ما يتولد عنه فرص عمل جديدة ولا يقتصر هذا الأثر على النشاط الزراعي فقط، وإنما يمتد أيضاً إلى النشاطات الأخرى، التي تعتمد في إنتاجها على النشاط الزراعي، كالصناعات الغذائية والصناعات النسيجية وغيرها، التي سيزداد الطلب عليها بفعل تحسن الدخول، مما يؤدي إلى تكوين قوة ثانية، ينجم عنها المزيد من الاستخدام، وهكذا يتضاعف الإنتاج والاستخدام، وتتحسن دخول هذه الطبقة المنتجة (أهل الخراج)، وفي نفس الوقت تزداد إيرادات الدولة من الخراج، وإذا تم توزيعها لتحقيق مصالح المسلمين، أي إذا تم توزيع قسم منها على الطبقات الاجتماعية الأخرى، فإن ذلك سيؤدي إلى تحسين الدخول، وهذا سيقود بدوره إلى زيادة الاستهلاك والادخار والاستثمار، الذي يعني زيادة إعمار الأرض، أي زيادة النمو الاقتصادي في البلد.

وإذ تم إنفاق القسم الآخر من هذه الإيرادات العامة (الخراج) لتدعيم الخدمات العامة، وإلى تحسين البنى الارتكازية، كإقامة السدود والجسور والقناطر، وتحسين الطرق والمواصلات، وإنشاء المؤسسات العامة، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية)(25).

* مقتبس من كتاب (التنمية الاقتصادية في نصوص الإمام علي عليه السلام) المجلد الثاني، لمؤلفه: السيد مرتضى الحسيني الشيرازي

.............................................. 

(1) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج1 ص236.

(2) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشاري، الاقتصاد عارياً: ص213.

(3) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشاري، الاقتصاد عارياً: ص109.

(4) Anthony Depalma and Simon Romero, "Orange Juice Tariff Hinders Trade Pact for U. S. and Brazil,' New York Times, April 24, 2000, p. A1..

(5) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشاري، الاقتصاد عارياً: ص255ـ 256.

(6) Joe Klein, "Eight Years; Bill Clinton Looks Back on His Presidency," The New Yorker, October 16, 2000, p. 201.

(7) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشاري، الاقتصاد عارياً: ص196.

(8) الجريب هو 60 ذراعاً في 60 ذراعاً، أي 3600 ذراع مربع، والقفيز هو عُشره أي 360 ذراعاً، وأما بالمتر فقد اختلف في تقديره على أقوال، على حسب اختلاف تفسيرهم للذراع، راجع: (موسوعة وحدات القياس العربية والإسلامية وما يعادلها بالمقاييس الحديثة)، محمود فاخوري وصلاح الدين خدام، مكتبة لبنان ناشرون، ط أولى 2002م: ص366 ـ 370.

(9) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج1 ص232.

(10) موسوعة وحدات القياس العربية والإسلامية وما يعادلها بالمقاييس الحديثة، محمود فاخوري وصلاح الدين خدام، مكتبة لبنان ناشرون، ط أولى 2002م: ص370 ـ 371.

(11) الأُدْم، بالضم: ما يؤكل بالخبز أيّ شيء كان، لسان العرب: كلمة (الإدام).

(12) تعادل 48 درهماً.

(13) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج1 ص228 ـ 229.

(14) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج1 ص227 ـ 228.

(15) تساءل بعض العلماء: (ما الفائدة في نقل كل ما في هذه الصفحة مما كان قبل الإسلام؟!! بل الأولى الاكتفاء بسطر واحد، فالضريبة قبل الإسلام كانت كبيرة فلما جاء الإسلام جعلها بمقدار يتناسب مع العدل والرفق).

 أقول: الفائدة التوثيق والسندية، كما أن كثيراً من الناس والباحثين لا يذعنون بمجرد الادعاء بل يريدون الشواهد والأدلة والاستشهاد بنماذج.

(16) (الجزية والخراج متشابهان بأنهما يؤخذان من غير المسلمين، وهما من جملة أموال الفيء ويجبيان بأوقات معينة كل سنة، ولكنهما يختلفان بأن الجزية موضوعة على الرؤوس وتسقط بالإسلام، وأما الخراج فيوضع على الأرض ولا يسقط)، انتهى.

 أقول: الخراج يؤخذ من الأرض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح إذا كان بإذن الإمام (عليه السلام).

(17) جرجي زيدان، تاريخ التمدن الإسلامي، دار الهلال: ج1 ص230.

(18) مع قطع النظر على بعض المناقشات، من وجهة نظر إسلامية، على فكرة صلاحية البنك لحجر المنازل مقابل القروض التي لم يجر سدادها، إذ لا يجوز، في الشريعة الإسلامية، بيع منازل الناس في مقابل الدَين، إلا برضاهم.

(19) تشارلز ويلان، ترجمة زينب حسن البشاري، الاقتصاد عارياً: ص86 ـ 87.

(20) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص279.

(21) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية: ج5 ص279.

(22) نهج البلاغة: الكتاب 51.

(23) وإن كانت تختلف عنها في عدة جهات، إذ الخراج خاص بالأراضي المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح، إذا كانت الحرب بإذن الإمام (عليه السلام)، فتكون حينئذٍ للمسلمين جميعاً ويجبى خراجها لهم، عبر بيت المال، ولا توجد ضريبة أخرى على الأراضي.

(24) بول سامويلسون ونورد هاوس، الاقتصاد، ترجمة هشام عبد الله، الدار الأهلية للنشر والتوزيع ـ عمان: ص343.

(25) د. رضا صاحب أبو حمد، السياسة المالية في عهد الإمام علي (عليه السلام)، مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي ـ النجف الأشرف: ص92ـ 93.

اضف تعليق